جولة افتراضية في العاصمة الساحرة “فيينا”… أفضل المدن للعيش في العالم!
6 د
“فيينا، المدينة الساحرة!” هي الكلمات التي تتردّد على ألسنة زوّار المدينة وعشّاقها، يرافقها بريقٌ ساطعٌ في العيون، وشوقٌ هائجٌ في القلوب والأرواح… كيف لا، و فيينا أسطوريّة الجمال بكلّ ما فيها؛ بماضيها العريق وحاضرها الطموح، وبسلاستها في الموافقة والجمع بين تراثٍ عمرُهُ قرون طويلة وحاضرٍ شغوفٍ متلهّفٍ إلى المستقبل.
زيارةُ مدينة فيينا كالارتحال عبر الزمن، والعيشُ فيها كالحياة في نعيمٍ دنيوي خالص… إنّ في فيينا من متعة العيش وفنون الحياة ما يعجز الإنسان عن البقاء حياديّا جامدًا في حضرته، كلّ شيء من البنايات الأنيقة إلى الحفلات الراقصة التقليدية إلى ذكرى موزارت وبيتهوفن التي لا تزال تعبق بها المدينة يضفي على الحياة في فيينا بريقا خاصّا، وإحساسًا يشبه الحلم… فما رأيكم بجولةٍ فيها؟
معلومات سريعة عن مدينة فيينا
- فيينا عاصمةُ جمهورية النمسا التي تقع في أوروبا الوسطى، تحدها جمهورية التشيك وألمانيا شمالاً، والمجر وسلوفاكيا شرقًا، وسلوفينيا وإيطاليا جنوبًا، وسويسرا وليختنشتاين غربًا.
- تحتلّ جبال الألب ثلثي مساحة النمسا.
- تعتبر العاصمة فيينا “مدينة خضراء”، حيث تحتل المساحات الخضراء أكثر من نصف منطقة العاصمة.
- تصدّرت فيينا قائمة أفضل المدن في العالم من حيث مستويات جودة المعيشة حسب التقرير الصادر عن مؤسسة “ميرسر” لعدّة سنوات على التوالي.
- أَدْرَجت اليونسكو “وسط مدينة فيينا” التاريخي في قائمة المحميات التاريخية العالمية لما يتميّز به من غنى بالثقافة المتنوّعة والفن الاستثنائي.
والآن، جولة ثقافية في العاصمة!
بدايةً، جلسة في المقاهي التقليدية في فيينا
الشتاء في مدينة فيينا بارد جدّا، وقد تنخفض خلاله درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، ولهذا فإنّ البقاء خارجًا ليس بالأمر المثير للبهجة بالنسبة للكثير من الناس، لذلك تجد المقيمين في فيينا يلجؤون إلى المقاهي للاستعانة بفنجان قهوة ساخنة على قسوة البرد، وكذلك لقضاء ساعات طويلة في تصفّح الجرائد وقراءة الأخبار، أو للحديث مع الأصدقاء والاستمتاع بالرفقة، ببساطة يمكن لأيّ زبون البقاء قَدْر ما يشاء وفعل ما يشاء.
تتميّز المقاهي التقليدية في فيينا بالحضور المكثّف للصحف والجرائد، وبالطاولات المصنوعة من الرخام الوردي، وبارتداء مقاعدها للون الأحمر (نسبة للون العلم النمساوي الأحمر والأبيض).
تقدّم المقاهي لزوّارها قائمة طويلة غنيّة بأنواع القهوة التي يُعَدّ معظمُها اختصاص مقاهي المدينة، مثل قهوة “إينشبينر” (Einspänner) وهي قهوة ثقيلة تُقدّم في كأس وتُتوَّج بالكريمة المخفوقة، ويقدّم إلى جانبها السكر الناعم. كما تشتهر المقاهي بالحلويّات التي تقدّمها، والتي قد يُعتبر أكثرُها طلبًا “تارت زاخا” (Sachertorte) وهي كعكة شوكولاتة ابتكرها الحلواني النمساوي “فرانز زاخا” سنة 1832 من أجل الأمير” كلمنس فنزيل فون مترينخ“.
للمقاهي التقليدية في فيينا طقوسها الخاصّة، حيث يلتزم النادل بتقديم كأس ماء لكلّ زبون حتّى وإن لم يطلب، كعلامة احترام وتقدير وإكرام له، ومعروفٌ أنهم أخذوا هذه العادة عن العرب المشهورين بالجود وإكرام الضيف. وكان احتكاك أهل فيينا بالعرب نتيجة حصار المدينة مرتين من طرف الجيش العثماني: المرّة الأولى سنة 1529م والثانية سنة 1532م في عهد الخليفة سليمان القانوني. ويقال أنّه جرّاء هذا الحصار، تعرّف أهل فيينا للمرّة الأولى على حبوب البنّ الدّاكنة، وتذوّقوا طعم القهوة المرّة، ولكنّ المذاق المرّ لم يعجبهم فأضافوا إلى القهوة الكريمة والعسل، وهكذا بدأت قائمة أنواع القهوة تطول شيئا فشيئا حتّى وصلت إلى ما هي عليه اليوم… وبالمناسبة، فإنّ حلوى “الكرواسان” الشهيرة تمّ ابتكارها في فيينا عند هزيمة الجيش العثماني وفكّ الحصار عن المدينة، وقد أخذت الحلوى التي صنعوها شكل “هلال”، وهو الشكل الذي كان يرمز للجيش العثماني، وكانوا يلتهمونها انتقاما لمدينتهم التي تعرضت للأذى (يا لها من طريقة مبتكرة للانتقام D: ).
المقاهي في فيينا مؤسسات ثقافية وأسلوب حياة، وقد تمّ ضمّها إلى قائمة التراث الثقافي غير المادّي لليونيسكو سنة 2011.
فيينا مدينةُ المرح
مَن مِنّا لم يسمع عن موزارت، بيتهوفن ، شوبرت وشتراوس؟ كلّ هؤلاء الموسيقيون العباقرة مرّوا من فيينا وتركوا فيها بصمة أبديّة من حبّ الموسيقى والغناء والرقص !
تعدّ فيينا عاصمة الموسيقى في العالم، وتتمركز فيها أرقى وأفضل مدارس تعليم الموسيقى والرقص (الكلاسيكي والحديث) والغناء (الأوبرا) في العالم، والتي يقصدها المَوْهُوبُون والطموحون من كلّ مكان.
تعتبر دار الأوبرا في فيينا واحدة من أهم عناوين دور الأوبرا في العالم لما تقدمه من عروض بأعلى مستويات الأداء والإمكانيات الفنية، وتقام في مدينة فيينا أكثر من 450 حفلة رقص كل عام، ويصل موسم الرقص في فيينا إلى ذروته في شهري يناير وفبراير، فالاحتفالات الكرنفالية التراثية مازالت تعيش في فيينا حتى اليوم.
يحتفي أهل العاصمة بهذه الفنون احتفاءً ملفتًا، ويولونها حيّزا واسعا من أوقاتهم واهتمامهم، حتى أنّهم يعتبرون فنّ الرّقص أحد الأعمدة الرّئيسية لثقافتهم، ويفتخرون بهذا الفنّ ويُصرّون على الحفاظ عليه وتلقينه لأبنائهم، فما زال إلى اليوم أبناء الطبقات الاجتماعية المحترمة مُلزَمِين بتعلّم خطوات الرقصات التقليدية وإتقانها، وخاصة رقصة الفالس التي ابتكرها الأب والابن يوهان شتراوس والتي تمثّل واحدًا من أبرز المقوّمات الثقافية والوطنية لسكّان فيينا.
الحفلات الراقصة في فيينا مناسبة مثلى لاستعراض مهارات الرّاقصين وثقافة المدينة!
فنّ العمارة
فيينا من أجمل المدن الأوربية وأغناها بقصورها الرائعة وكنائسها الأثرية ومتاحفها ومكتباتها وحدائقها ودور الأوبرا التي تشتهر بها، وهي معلم من المعالم الحضارية والثقافية المهمة في العالم. يغلب على أوبراها وأبنيتها الأثرية الطراز الباروكي والقوطي .
لمحة عن بعض الجواهر العمرانية في مدينة فيينا
المكتبة الوطنية (المكتبة الإمبراطورية)
أقلّ ما يقال عنها هو أنّها تحفة فنّية معمارية! المكتبة ذات طراز باروكي وتصنّف ضمن أجمل المكتبات في العالم، تأسّست في القرن الثامن عشر من طرف آل هابسبورغ. تقع المكتبة الإمبراطورية في قصر هوفبورغ وتحتوي على 7.5 مليون وثيقة وكتاب، ممّا يجعلها المكتبة الأغنى في النمسا.
قصر الشونبرون
كلمة “الشونبرون” بالألمانية تعني “النافورة الجميلة”. تمّ بناء القصر سنة 1683 ليكون شبيهًا بقصر فرساي، قصر الشونبرون لم يفلح في تقليد القصر الفرنسي لكنّه فرض نفسه كواحدٍ من أجمل قصور الباروك في أوروبا. لا يقتصر جمال القصر على تصميمه المعماري فقط، وإنّما يمتدّ سحره إلى الدّاخل حيث يوجد فيض من التحف الفنية ذات طراز الروكوكو. تحيط بالقصر حدائق شاسعة مصمّمة وفق الطراز الفرنسي، تمتدّ على طول 200 هكتار، تزيّنها التماثيل ونافورات مياه جذّابة.
توجد في القصر أقدم حديقة حيوانات في العالم: حديقة حيوانات الشونبرون التي مازالت تعجّ بالحياة إلى اليوم.
إن قصر الشونبرون أكبر القصور وأهمها في النمسا، وقد تمّ ضمّه إلى لائحة اليونسكو للتراث العالمي سنة 1996.
دار الأوبرا
أوبرا فيينا واحدة من أفخم دور الأوبرا في أوروبا، تمّ بناؤها سنة 1861 بطراز عصر النهضة الجديدة، وافتُتحت سنة 1869 على أنغام “دون جيوفاني” لموزارت. منذ ذلك الحين والأوبرا مسرح لأفضل العروض الموسيقية ولأمهر قادة الأوركسترا في العالم.
قصر هوفبورغ (القصر الإمبراطوري)
يضمّ قصر هوفبورغ واحدًا من أعظم وأجمل التجمّعات العمرانية في العاصمة فيينا. استقرّت فيه عائلة هابسبورغ الحاكمة لما يزيد عن عشر قرون، واستمّر بناؤه من القرن الثالت عشر إلى القرن العشرين، ولهذا فإنّ عدّة أساليب معمارية تلتقي في واجهته وتنسجم بسلاسة مشكّلة الصورة النهائية الباهرة لهندسة القصر.
عدا عن أهمّيته المعمارية، فإنّ القصر يضمّ مجموعة من الكنوز التي تعتبر الأغلى والأعلى قيمة في العالم وتسمّى “الكنز الإمبراطوري”، أهمّ ما في المجموعة: التاج الإمبراطوري للنمسا، وتاج الإمبراطورية المقدّسة الرومانية الجرمانية.
ملاحظات ما بعد السّفر
هناك الكثير من المتاحف التي لم نزرها، ومن نواحي الحياة التي لم نتطرّق إليها، ومن التقاليد التي لا نعرفها، لكنّ الشيء المؤكّد الوحيد هو أنّ مدينة الموسيقى والجمال “فيينا” تُبهِر زوّارها بأسلوبها المعماري المتميّز، وتسلب أذهانهم بتاريخها الحافل بالمجد، وتغريهم أكثر وتسحرهم بثقافتها الفذّة، باحتفالها البهيج بالحياة واحتفائها الرّائع بفنّ العيش الذي تتميّز به عن العالم… هي حتمًا مدينة يجب أن يزورها كلّ عاشق للفنّ!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.