لماذا تُعتبر كل خرائط العالم خاطئة؟🤯

خرائط العالم خاطئة
روان سالم
روان سالم

8 د

قد تبدو لك فكرة أن خرائط العالم “جميعها” خاطئة، فكرةً مروّعة نوعًا ما، أليسَ كذلك؟ أنت محق، هي فكرة مثيرة للجدل أيضًا، فكيف لك أن تدرس الخرائط الكروية والأوراق المسطحة وغيرها، والموضوعة على أسس علمية، وقياسات، وقد وضعها العلماء، ويأتي أحدٌ ما ليُخبرك أن هذه الخرائط ليست صحيحة تمامًا!

هو شيء غير مقبول عقليًا، إذا أردت تحويل جسم كروي مفلطح إلى خريطة مسطحة ثنائية الأبعاد، ذلك سيؤدي إلى تشوهات عديدة لا مفرّ منها في أماكن كثيرة من الخريطة، إذًا كيف نتعامل مع الخريطتين بنفس المفهوم؟

في هذا المقال، سنتعرف على تاريخ موجز للخرائط العالمية، بدءًا من تصغيرها على شبكة من خطوط الطول ودوائر العرض من قِبل العالم اليوناني بطليموس (Ptolemy)، الذي كان يطمح لجعل الخرائط ذات مقياس ثابت، وفعلًا ما زالت الخرائط الشبكية 360 خط طول و180 دائرة عرض التي وضعها تُستعمل إلى يومنا هذا.


لماذا تُعتبر كل خرائط العالم خاطئة!


البداية مع نموذج الكرة الأرضية

أولًا، من المهم أن تعلم أنه من المُستحيل صنع خريطة صحيحة بنسبة 100% للعالم كاملًا، طبعًا تمهّل عزيزي ولا تهلع، نحن لا نقصد نموذج الكرة الأرضية (Globe)، ذلك النموذج الكروي للأرض، ولا نقصد برنامج غوغل إيرث (Google Earth) الذي يعرض تمثيلًا ثلاثي الأبعاد للأرض والمعتمد على على صور القمر الصناعي، نحن نتكلم عن الخرائط المسطحة؛ والتي دعنا نواجه الحقيقة، جميعنا نحتاجها ونستعملها كثير لأنها أكثر ملاءمة، فلا يمكنك حمل Globe والمشي فيه، إنما يمكنك ببساطة طوي الخريطة المسطحة وحملها في جيبك الصغير.


ابتكار الخرائط ثنائية الأبعاد

في البدايات الحياتية، لم يحاول الناس مجرّد الحصول على دلائل أو ما شابه للتنقل بين أرجاء الأرض، كانوا يجولون الأماكن دون أي مقياس ثابت يستندون إليه، وبقي الأمر كذلك حتى العام 150، قام عالِم الرياضيات والفلك اليوناني بطليموس برسم خريطة منهجية للأرض على شبكة بيانية، وسلسلَ مواقع الأماكن على الشبكة بحسب الإحداثيات، حيث بنى شبكته من الخطوط التي نعرفها اليوم، خطوط الطول وخطوط العرض أو دوائر العرض، 360 و180 خط على التوالي.

على الرغم من الشرح الوافر الذي قدمه عمل بطليموس، ضلّ العديد من الناس في استخدام الشبكات، بسبب الفهم غير الكامل لجغرافيا العالم بالطبع، وكان ذلك متوقعًا، ومن جهة أخرى، كان من الصعب التنقّل والملاحة باستخدام مجرد خريطة ورقية!

الأرض كروية، وإذا أردت معرفة المسافة بين مكانين بأقصر طريقة ممكنة فاستخدم هذه الكرة! يمكنك التأكد من الأمر بمجرد المجيء بنموذج للكرة الأرضية، وخريطة من خرائط العالم، وقياس المسافة بين مكانين، ببساطة سيكون خطًا قصيرًا وربما ملتوٍ قليلًا فقط على الكرة الأرضية. بينما سيُفسّر تفصيليًا على الخريطة وسيمرّ من الخطوط الطولية للشبكة وبزوايا مختلفة، لذا، وباعتماد خريطة بطليموس، لتسلك الطريق الذي تريد، عليك أن تقيس بثبات الاتجاهات التي ستسلكها، لأن خطأً صغير بمقدار زاوية واحدة قد يودي بك إلى المكان الخطأ، ومع ذلك هذا النموذج ليس صحيحًا لأن الكرة الأرضية كروية.


ابتكار خرائط أكثر إفادة ولكنها خاطئة أيضًا: نموذج مركاتور

في عام 1569، حلّ الجغرافي والخرائطي جيراردوس مركاتور (Gerardus Mercator) تلك المعضلة، ابتكر خريطة حيث تكون مسارات الملاحة المنحنية فيها مستقيمة، وتجتاز الطُّرُق المستقيمة هذه كل خط من خطوط الطول من نقطة إلى أخرى بنفس الزاوية، أي مُثّلت الخطوط ذات المسار الثابت؛ المعروفة باسم (Rhumb Lines)، كأجزاء مستقيمة تحافظ في المسار على الزوايا مع خطوط الطول، وهذا وفّر على الملّاحين معاناة القياسات الدقيقة السابقة، والخوف من الركن في مكان غير المقصود، بعبارة أخرى، جعلهم يسلكون خطًا واحدًا بدون انحناءات طوال رحلتهم، وكان عمليًا للتطبيقات البحرية.

Rhumb Lines

Rhumb Lines

العقبة الوحيدة التي ظهرت في فكرة مركاتور، التي غفل عنها هي التجاوزات التي قام بها، فهو بخريطته المبتكرة، لم ينتبه إلى أنه شوّه تمامًا الكتل الأرضية التي لا مهرب منها، وبالتالي، احتوت خريطته على مقياس غير مضبوط، فالأماكن الأبعد عن خط الاستواء أصبحت أكبر حجمًا على الخريطة، وتلك القريبة تقلّصت، بمعنى آخر، شوّه إسقاط مركاتور حجم الكتل مع زيادة خط العرض من خط الاستواء وباتجاه القطبين، بحيث يصبح المقياس بهذا الشكل غير محدود.

مثلًا، في خريطته، المناطق الخاصة بغرينلاند يمكن أن تتلاءم مع مناطق القارة الإفريقية، ولكن في خرائط أخرى، ستكون مجموعتي اليابسة للاثنتين بنفس الحجم تقريبًا، هذا هو سبب تشابه حجم أمريكا الجنوبية مثلًا مع غرينلاند على خرائط مركاتور، بينما هي أكبر بثماني مرات من غرينلاند، لذا ستتوه أنت، وهذه مشكلة أخرى.

أفريقيا على الأرض وعلى خريطة مركاتور

أفريقيا على الأرض وعلى خريطة مركاتور

بالرغم من الدقة المنخفضة جدًا لخرائط مركاتور، إلا أنّها كانت مفيدة وعملية ومُستخدمة، وحتى يومنا هذا طبعًا، يمكنك ملاحظتها في الخرائط على الإنترنت، ابحث عن مكانك وسترى بنفسك. ولكنها عمليًا، خاطئة!


إسقاط غود هومولوزين (Goode Homolosine)

إسقاط خريطة مركبة شبه أسطوانية متقطّعة متساوية المساحة، ماذا يعني ذلك؟ لا يهم، المهم أن الهدف من هذه الخريطة الجديدة كان تقليص حجم التشوّه الحاصل في الخرائط حول العالم، وعلى ذلك، يمكنك إيجاد إسقاط غود بمنحىً أرضي فقط، أو إسقاط موجّه للمسطحات المائية فقط، في كلتا الحالتين، كانت هذه الخرائط تشبه قشر البرتقالة، لولبية أو ما شابه..الأشكال والاتجاهات والزوايا والمسافات متساوية لذا ستكون مشوّهةً بشكلٍ عام، ذلك لم يعطِ المنطق نصف حقّه حتى. كان ذلك عام 1925.

إسقاط غود

إسقاط غود

خريطة دايماكسيون (Dymaxion) أو خريطة فولر (Fuller)

التي صُمّمت على يد المهندس المعماري ريتشارد بوكمينستر فولر (Richard Buckminster Fuller) في الأربعينيات، والتي كانت أفضل من إسقاط جود.. عُذرًا، هل قلتُ أفضل؟ سامحني عزيزي القارئ لم أقصد، ولكن ربما “كان” يجب أن تكون أفضل بطبيعة المجريات وبعد كل تلك التجارب! في الواقع، لم تكن بتلك الجودة في حال كان الإنسان يريد أن يعرف أين تقع الأمكنة فعليًا على سطح الأرض.

كانت خريطة ديماكسيون أفضل بنسبة صغيرة من حيث عدم وجود تشوهات للأحجام والأشكال النسبية في منحى الكتلة الأرضية، ودون تقسيم للقارات، ولكن ذلك لم يكسبها الحقّ بأن يُقال عنها خريطة في الأصل، مثلًا، إذا أردت معرفة، كم تبعد البرازيل عن نيجيريا، لن تتمكن أبدًا باستخدام خريطة دايماكسن وإليك السبب في هذه الصورة إذا أردت أن تتنقل بحسب خريطة دايماكسيون من البرازيل إلى نيجيريا:

بين البرازيل ونيجيريا

من البرازيل إلى نيجيريا بحسب خريطة دايماكسيون

لا يبدو ذلك فعالًا!


النموذج الأصح إلى حدٍّ ما للخرائط: إسقاط الأوثاغراف (AuthaGraph) لخريطة العالم

عام 1999، صمم المهندس المعماري هاجيمي ناروكاوا (Hajime Narukawa)، نموذجًا مسطّحًا عن الكرة الأرضية بمساحات متساوية، حيث القارات والمحيطات تكاد تكون متناسبة، والخريطة ثنائية الأبعاد مستطيلة.

فازت هذه الخريطة بالحائزة الكبرى في أكبر مسابقة تصميم في اليابان، وتحتفظ بنسب القارات والمحيطات لدرجة أنه يمكنك طيّها في كرة ثلاثية الأبعاد، ذلك أن تصميمها اعتمد على تقسيم الكرة الأرضية إلى 96 مثلث وإسقاطها على رباعي الوجوه، مع الحفاظ على نسب الكتل الأرضية والمسطحات المائية.

الأوثوغراف

الأوثوغراف

ولكن لاحظ، ألا يذكّرك هذا النموذج بنموذج سبق وذكرناه؟ نموذج مركاتور! إذًا لِمَ كلّ تلك الغلبة؟ لِمَ لم يتم إصلاح نموذج مركاتور ليكون كالأوثاغراف ونختصر عناء تلك الخرائط غير النافعة!

وبعد كل ذلك، دعني أخبرك أن هذه أيضًا، الأوثاغرافية، ليست مثالية. تكمن المشكلة في الاتجاهات، لوحظ أنه في هذه الخريطة، تنحني القارات للأعلى وكأنها تشكل ابتسامة، وتبدو أفريقيا والأمريكيتان مثلًا وكأنهما تبادلتا الأماكن! ولم تعد فيها خطوط الطول ودوائر العرض مرتبة في شبكة، لذا، لا يمكننا اعتبارها كاملة.


الإسقاط الأخير: إسقاط غال-بيترز (Gall Peters)

جادل أرنو بيترز (Arno Peters)، مؤرخٌ واقتصادي ألماني، أنه إذا ضخّمنا مساحة دول أوروبا ومناطق أمريكا الشمالية، وبتطبيق إسقاط مركاتور عليها، سيعطي ذلك الأمم الأبعد عن خط الاستواء شعورًا بالتفوق على تلك الأقرب إلى الخط، لذا اقترح حلًا وسطيًا للتصدي لهذه المشكلة، وهو ما أسماه إسقاط غال-بيترز، وهو إسقاط خرائطي أسطواني متساوي المساحة مع موازيات قياسية عند درجة 45، يحول المساحات الخرائطية لتصبح أحجامها صحيحة مقارنةً ببعضها، ولكن مع هذا النوع من الإسقاطات، بقيت القارات ممتدة وأدى ذلك إلى تشويه الشكل الممتد حول خط الاستواء ومنسحب نحو القطبين.

إسقاط غال

إسقاط غال

أكد النموذج الأخير أنه بغض النظر عن الخريطة التي تنظر إليها، فهذه الخريطة تُعتبر قصة مسرودة من منظور مصمم هذه الخريطة، وهذا يشكل – ربما بشكل لا يلائمنا لكننا نتقبله – تصورًا للعالم على الأقل، ولكنه على أيّة حال، يجعل الخريطة خاطئة وليست صحيحة، فلا يمكننا القول عن شيء صحيح كليًا ما لم يكن مكتملًا كليًا أليس كذلك؟


لم لا نزال نحتفظ بخرائطنا الذهنية إذن؟

لماذا نصرّ على شكل الخرائط المحفور في أذهاننا على الرغم من الإثباتات أعلاه بعدم دقته؟ مثلًا، لا يزال حتى اليوم وهذه اللحظة جميعنا يعرف أن أمريكا الجنوبية تقع جنوب أمريكا الشمالية بالتأكيد، ولكن ماذا إذا قلنا لك أن قارة أمريكا الجنوبية بأكملها تقع شرق فلوريدا! بحسب رسّام الخرائط المشهور، جون نيلسون (John Nelson)، هناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا إلى اعتقاد مفاهيم جغرافيّة خاطئة مثل هذه، فالخرائط الذهنية التي نتعلمها هي مجرّد تبسيطات.

أحد أهم الأسباب الذهنية هو إصرار الذاكرة على ما تحتويه من معلومات، فمثلًا، في حصتك الدراسية الأولى للمفاهيم الخرائطية والجغرافية، لن يكون كل ما ستتعلمه من أخطاء جغرافية مفاجئًا لك، فمجرد تشعّبات الخرائط توقعك في دوامة، أما فيما بعد، وبعد تعرّفك على حقيقة تلك الخرائط، تميل الأخطاء الموجودة في ذاكرتك إلى الاستمرار، يمكن أن نقول: تميل الخرائط الذهنية إلى الاستمرار فيما هو متكوّن ومعروف بالنسبة للذاكرة.

كل ما نتعلمه هو تصغيرٌ لما هو موجود، تقريب، تبسيط، لذا تميل ذاكرتنا إلى حفظه كما هو والاقتناع به، وهذا شيءٌ عادي جدًا فلا تفكّر أن خبراء الخرائط لا يمتلكون هذه الأخطاء، جميعنا، حرفيًا، لدينا ما يسمى أخطاء الخرائط الذهنية، ففي دراسة أجريت عام 1985 عن خرائط العالم الذهنية، وُجد أن الجغرافيين جميعًا يمتلكون نفس المفاهيم الخاطئة عن خط العرض النسبي للمدن في أمريكا الشمالية وأوروبا، حالهم كحال أي شخصٍ آخر.

التغيرات الطفيفة في تصميم الخرائط، حتى لو لم يؤثر هذا التغيير على كيفية تحويل خريطة من مستديرة إلى مسطحة، يمكن أن يغير وجهة نظرنا كليًا حول الخرائط. اليوم، لا يعتمد العالم اعتمادًا كليًا على الخرائط بغرض الملاحة، إنما للخرائط دور رئيسي في العمليات التعليمية. الخرائط هذه التي نجادل بكونها صحيحة، ليست خاطئةً فحسب، بل غير دقيقة وعفا عليها الزمن، بل إن تقنية GPS المتطورة ألغت الحاجة إلى وجود تلك الخرائط أو حتى التفكير في تطويرها.

ذو صلة

شاهد هذا الفيديو لمزيد من التوضيح:

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة