ما سبب هوس نيكولا تسلا بالهرم الأكبر؟
9 د
وعلى الضفة الأُخرى، هناك أحد أكثر الصروح البشرية ذكاءً وعبقريةً، إنه الهرم في عالم البشر، نيكولا تسلا. فما القصة التي تجمع بين هاتين الظاهرتين، وهل كان تسلا مهووسًا حقًّا بالهرم الأكبر خوفو!
اقرأ أيضًا: هل سرق إديسون اختراعاته من نيكولا تيسلا حقًا؟
هوس نيكولا تسلا بالهرم الأكبر
منذ عامين، ظهر على الإنترنت مجموعة من المقالات والفيديوهات الشيّقة وغير العادية والتي تتحدث عن هوس نيكولا تسلا بالهرم الأكبر في الجيزة، وعن وجود علاقة بين الأهرامات وبين براءة الاختراع التي قدمها تسلا وهي “فن نقل الطاقة الكهربائية عبر الأوساط الطبيعية”.
يقول كاتب المقال والمعنون بـ “لماذا كان نيكولا تسلا مهووسًا بالأهرامات المصرية” والذي انتشر على المواقع الإلكترونية كانتشار النار في الهشيم، أنّ نيكولا تسلا وهو العالم والمخترع العبقريّ كان مهووسًا بالعديد من القضايا غير العادية، وأحد أكثر هواجسه غرابةً كانت الأهرامات. إذ اعتقد تسلا أنّ هذه الهياكل قد بُنيت لتخدم غرضًا ساميًا أكبر بكثير من كونها مقابر فرعونية، بل تساءل فيما إذا كانت هذه الهياكل الضخمة عبارة عن أجهزة إرسال عملاقة للطاقة، وقد تزامنت هذه الأفكار مع أبحاثه المتعلقة بكيفية إرسال الطاقة لاسلكيًا.
وحسب المقال، فقد قدّم نيكولا تسلا طلبًا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1905 للحصول على براءة اختراع حول بحثه “فن نقل الطاقة الكهربائية عبر الأوساط الطبيعية”، والتي وضّح فيها الخطوط العريضة لمجموعة من التصميمات لسلسلة من المولدات حول العالم والتي من شأنها أن تستعين بطبقة الأيونوسفير لنقل الطاقة الكهربائية، وقد أصبح تصميمه ذو الشكل المثلثي معروفًا باسم هرم تسلا الكهرومغناطيسي.
نسبةً لتسلا، لم يكن شكل الأهرامات فحسب هو العنصر الأساسي المميز لها، إنما كان موقعها الجغرافي هو ما ساهم في نشوء قوتها. وقد قام ببناء مختبره المعروف باسم “محطة تسلا التجريبية” في كولورادو سبرينغز في الولايات المتحدة الأمريكية، وبنى أيضًا برجه المشهور “برج واردنكليف” أو برج تسلا في الساحل الشرقي لـ “لونغ آيلاند” بغية استخدامه في نقل الاتصالات اللاسلكية عبر الاستفادة من مجال طاقة الأرض. أما عن العلاقة بين هذه المنشآت والأهرامات؛ فيقول الكاتب أنّ تسلا قد اختار مواقع هذه الأبراج وفقًا لقوانين متعلقة بالموقع الجغرافي لأهرامات الجيزة، والتي ترتبط بالعلاقة الموجودة بين المدار الإهليلجي لكوكب الأرض وخط الاستواء.
بالإضافة إلى ذلك، يقول الكاتب إنّ تسلا كان مهووسًا بعالم الأرقام وخصوصًا هذه الأرقام (3،6،9)، والتي اعتقد بأنها مفتاح الكون. واعتقد البعض أنّ هوس تسلا بهذه الأرقام ناتج عن تفضيله للأشكال الهرمية والاعتقاد بوجود قوانين ونسب رياضية أساسية تشكّل جزءًا من لغة الرياضيات العالمية.
حقيقة هوس نيكولا تسلا بالهرم الأكبر في الأوساط الاكاديمية
عند البحث في المراجع العلمية عن هوس تسلا بالهرم الأكبر، لم يتم العثور على أي أبحاث أكاديمية تتعلق بهذا الموضوع. وقد ذكر أحد الباحثين المتخصصين في مراجعة أعمال تسلا، أنّه وعلى الرغم من مشاركته في الأبحاث العملية والنظرية المتعلقة بأعمال تسلا لمدة عشرين عامًا، إلا أنه لم يحدث وأن صادف كلمةً واحدة تتعلق بالأهرامات قد وردت في أيّ وثيقةٍ ذات صلة أو بيانٍ رسميٍّ أصدره تسلا. 🙄
بل ذهب هذا الباحث إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ استشار العديد من الباحثين الأكثر تخصصًا بأعمال وحياة تسلا، والذين درسوا أعماله لعقود مستمرة بكل تفانٍ، وقد أعلنوا أنهم ليسوا على علمٍ بأيّ بيان مكتوب أو شفهي قد تحدث فيه تسلا عن الأهرامات. فالحقيقة حسب ما يقوله هذا العالم هي أنّ تسلا لم يكن مهووسًا بالأهرامات، بل لم يذكرها في أعماله على الإطلاق.
إذًا وعلى الرغم من أنّ هوس نيكولا تسلا بالهرم الأكبر قد لا يكون حقيقيًا، إلا أنّ العديد من المواقع وحتى بعض المواقع الأكاديمية حاولت أن تجد قاسمًا مشتركًا بين هذين العملاقين، وقد لجأت أغلبها إلى بعض الثوابت الرياضية المميزة جدًا في عالمنا مثل النسبة الذهبية ورقم π. كيف!
اقرأ أيضًا: امرأة في برلين: نساء المدينة المحتلة قرابين بشرية مدانة حتى الموت
النسبة الذهبية
من المحتمل أنّ معظمكم قد سمِع عن الرقم المسمى بالنسبة الذهبية، وهي النسبة التي فُتِنت بها البشرية على مدى آلاف السنين، والتي يعتقد الكثير من المؤلفين والكتّاب (بما في ذلك كاتب رواية شيفرة دافنشي) بأنها أساس كل الأنماط والتصاميم الجميلة الموجودة في الطبيعة لدرجة أنها سميت بالنسبة الإلهية.
لكن ما هي النسبة الذهبية؟
يشار إليها بالرمزφ (فاي)، وقد عرفّها عالم الرياضيات اليونانيّ القديم “إقليدس” على النحو التالي: إذا كان لديك قطعة مستقيمة (c) أردت تقسيمها إلى قطعتين؛ بحيث تكون النسبة بين طول القطعة الكلي والجزء الأطول (a) من القطعتين هي نفسها النسبة بين طول الجزء الأطول من القطعتين (a) والجزء الأقصر (b)، وتكون هذه النسبة تساوي تقريبًا الرقم (1.61803) وهو عدد غير نسبي (قياسي).
أي أنّ: c/a=a/b=1.618
يمكن استخدام هذه النسبة لإنشاء أشكال مختلفة مثل المستطيل أو المثلث أو الحلزوني. وكما هي العادة، فقد انتشرت العديد من المعتقدات والادعاءات (غير المدعومة بالأدلة الكافية) التي تصف وجود هذه النسبة في مختلف جوانب الحياة، مثل انسجامها مع العديد من الأنظمة البيولوجية، والجينوم البشري، وفي العديد من الأعمال المعمارية القديمة مثل معبد بارثينون، والفنية كأعمال ولوحات ليوناردو دافنشي مثل الموناليزا والرجل الفيتروفي، وغيرها.
لكن وعلى الرغم من أنّ العديد من تلك الادعاءات غير صحيح أو مبالغ فيها، فذلك لا يؤثر على روعة هذا الرقم الممثل بالنسبة الذهبية، بل إنه لا يحتاج إلى كل تلك الادعاءات الزائفة لجعله مميزًا بحقّ. إذ أنّ هناك العديد من الظواهر الطبيعية التي ترتبط بالنسبة الذهبية، وأشهرها هو ارتباط هذه النسبة بمتتالية فيبوناتشي الشهيرة.
وهي المتتالية (…..1,1,2,3,5,8,13,21) التي وضعها العالم ليوناردو فيبوناتشي عام 1202 م، والتي ينتج كل حدٍّ فيها عن جمع الحدّين السابقين له، وكلما كبرت الأعداد كلما اقتربت نسبة كل حد إلى الحد السابق له من قيمة النسبة الذهبية.
تظهر متتالية فيبوناتشي في الطبيعة بشكل مؤكد، فهي ترتبط بطريقة نمو السكان، والطريقة التي يمكن فيها ترتيب الأشكال معًا. على سبيل المثال، يمكن رؤية هذا التسلسل في التوزّع الحلزوني للبذور في أزهار عباد الشمس، وفي طريقة اصطفاف أوراق بعض النباتات على الساق بحيث لا تمنع ورقةٌ ورقةً أُخرى من التقاط أشعة الشمس، وفي نسبة توزع الذكور مقابل الإناث في خلايا النحل. بالتالي، يمكن القول إنه يمكن حقًّا ملاحظة النسبة الذهبية والنسب القريبة منها في العديد من الظواهر الطبيعية حولنا.
لكن ما هو القاسم المشترك بين تسلا والهرم الأكبر والنسبة الذهبية؟
بدأ نيكولا تسلا عام 1901 ببناء أحد أكبر مشاريعه طموحًا أو ذلك الحلم السابق لأوانه، وهو برج واردنكليف والمُسمّى أيضًا ببرج تسلا، مستندًا إلى أحد أكثر أفكاره ثوريةً وهي بناء نظام اتصالات لاسلكيّ عالميّ من خلال استخدام كوكب الأرض نفسه كموصل. لم تكن هذه الأفكار دون أساس علميّ، فقد استطاع بالفعل إثبات إمكانية إرسال الإشارات عالية التردد دون توصيلات سلكية وذلك باستخدام “ملف تسلا” وهو المحول الخاص به.
ولم يكن نقل المعلومات لاسلكيًا هو حلم تسلا فقط، وإنما كان هدفه هو إيجاد طريقة لنقل الطاقة الكهربائية لاسلكيًا عبر الغلاف الجوي العلويّ لكوكب الأرض، لذلك فقد خطط لبناء برج واردنكليف كنموذج أولي لشبكة من الأبراج تمتد عبر العالم تقوم بنقل الطاقة اللاسلكية في جميع أنحاء العالم، لكن تم هدم البرج لاحقًا عام 1917.
تقول المصادر أنّ الارتفاع الكليّ لبرج تسلا كان 93 مترًا، بحيث يبلغ طول الجزء الواقع فوق سطح الأرض (57 مترًا)، وطول الجزء الواقع تحت الأرض (العمق= 36 مترًا)، تبلغ نسبة الطول الكليّ إلى الجزء العلوي (1.63=93/57) وهي نسبة قريبة نوعًا ما من النسبة الذهبية.
بالإضافة إلى النسبة الذهبية، ظهر رقمٌ مميز آخر في قياسات برج تسلا وهو الرقم π (باي)، والذي يُعرَّف بأنه نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وهو أيضًا رقم غير نسبي يساوي تقريبًا (3.14). وحسب المصدر، فإنّ نسبة الجزء العلوي للبرج إلى الجزء السفليّ (1.58=57/36) وهي قيمة قريبة جدًا من قيمة π/2.
تكررت هذه القيم الرياضية كثيرًا في حسابات تسلا، على سبيل المثال، حدد تسلا تردد الرنين للنظام (f=89.42 كيلوهرتز) وقيمة تردد الرنين للدارة الأساسية (f=56.4 كيلو هرتز). وكذلك الأمر، بلغت نسبة تردد الرنين للنظام إلى الدارة الأولية (1.58) وهي قريبة أيضًا من قيمة π/2.
لنعد الآن إلى الأهرامات، إذا أخذنا مقطعًا عرضيًا في الهرم الأكبر سنحصل على ما يُسمَّى بالمثلث المصري، وهو مثلث مميز لأنه من المفترض أن يحوي على النسبة الذهبية. يبلغ ارتفاع الهرم (146.515 متر)، طول القاعدة (230.363 متر)، طول الضلع المائل (186.369 متر). في المثلث، نحصل على النسبة الذهبية (في حال وجودها) بتقسيم الارتفاع المائل على نصف القاعدة أي:
186.369 ÷ 115.182 =1.61804
تختلف هذه النسبة عن النسبة الذهبية برقم واحد فقط في الموقع العشري الخامس!
بالإضافة إلى النسبة الذهبية، فإن النسبة π موجودةٌ أيضًا في الهرم الأكبر. فإن قمنا بتقسيم محيط الهرم على ارتفاعه سنحصل على نسبة قريبة جدًّا من القيمة 2π، وهو أمر مثير للدهشة حقًا إذا ما قارنتها بحقيقة أنه إذا قسمنا محيط الدائرة على نصف قطرها سنحصل على القيمة 2π. وقد افترض بعض العلماء من النتائج السابقة أنّه ربما يكون القصد من الهرم الأكبر هو أن يكون نموذجًا يمثل الأرض الكروية، بحيث يكون ارتفاع الهرم موافق لنصف القطر الذي يصل بين مركز الأرض والقطب الشمالي، ومحيط الهرم يمثل محيط الكرة الأرضية عند خط الاستواء. بينما يقول البعض الآخر أنّ بناء الهرم استند إلى الرياضيات المصرية القديمة، بالتالي فربما يكون ظهور النسبة π هو تحصيل حاصل.
إذًا، لا بدّ أن نتساءل: هل تكون هذه النسب المتشابهة بين الهرم الأكبر وتسلا من وحي المصادفة الغريبة أم الخدعة، أم أن هوس نيكولا تسلا بالهرم الأكبر كان حقيقيًّا، والذي حلُم يومًا أن يستخدم كوكب الأرض نفسه كموصل في تجاربه.
وفي النهاية، نرى أنّ الكثيرين اليوم من رواد السوشال الميديا أو بعض المفكرين والأدباء والعلماء كثيرًا ما يحاولون إيجاد رابط ما بين حضارة وعالِم، أو بين رقمٍ وغصن شجرة، ربما للتسلية أو للشهرة أو كمحاولةٍ لإظهار سحرٍ ما في هذا العالم، وقد غفلوا ربما عن حقيقة أنّ السحر موجود دون الحاجة إلى كل هذه التعقيدات، موجودٌ في الطبيعة، في الحضارات، في العلم، دون الحاجة إلى إثبات.
اقرأ أيضًا: الرياضيات البحتة … رياضيات لأجل الرياضيات!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.