تريند 🔥

📱هواتف

في زمن العلاقات الإنسانية الهشة.. كيف يمضي الإنسان المعاصر غربته دون أن يجن؟

الغربة
روان دربولي
روان دربولي

5 د

يقول غوته: "إنّ كلّ واحدٍ منا محكومٌ عليه في نهاية المطاف أن يكون بمفرده، والفكرة ذاتها نجدها عند أوليفر جولد سميث عندما قال: "في نهاية الرّحلة يهجرنا الجميع ونبقى لوحدنا إما لنصنع سعادتنا أو ننطلق بحثًا عنها"، ويقول أرسطو في ذات الصدد: "السعادة من نصيب المكتفين بذواتهم" .

فكل المصادر الخارجية والمتع العابرة لا يعوّل عليها في تحقيق السعادة لأنها مصطنعة ومنفلتة وعشوائية، وبالتالي فهي منذورة حتمًا للنضوب السريع.


أزمة الإنسان المعاصر في زمن العلاقات الإنسانية الهشة


بمَ التعلّلُ لا أهلٌ ولا وطنٌ   ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ

المتنبي

في هذا العالم الذي بات اليوم سائلًا للغاية وزلقًا ورخويًّا، أصبحت العلاقات الإنسانية هشّة جدًّا، هذا العالم المليء بالأضداد والتطورات والتغيرات المستمرة التي ما هي إلا نتاجٌ لثورة تكنولوجيا المعلومات والعولمة؛ فلم يبق للحياة الإنسانية إيقاعٌ ثابتٌ وأصبح الإنسان سريع التغيير، هذا التغيير لم يكن إيجابيًّا طوال الوقت بل كان هنالك الكثير من الأشياء ذات التأثيرالسلبي والتي طغت عليه وعلى وجه الخصوص في المجتمعات المستهلكة والنامية. 

وأصبح الإنسان المعاصر يجد الإنسان نفسه عاجزًا عن تأمين حاجاته وتحقيق رغباته، لذلك ظهرت عليه العديد من الاضطرابات النفسية كالقلق والتهرب من المسؤولية والكآبة واللامبالاة، عندما أدرك أنه عاجزٌ عن تقبّل هذه المتغيرات، وبدأ تأثير الاغتراب النفسي جليًّا عليه سواءً أكان خارج الوطن أم داخله.


عن السوريين في الغربة.. 

لم يكن الكثير من السوريين من محبي الهجرة والسفر والتنقل، بل حتى الزواج أو الحصول على وظيفة في مدينة مختلفة كان أمرًا غير شائعٍ بينهم، فالانتماء الحقيقي للسوري هو انتماؤه لمدينته. 

لكن الحرب سرقت من السوريين انتماءهم ومدنهم، فوجدوا أنفسهم مشتتين في أصقاع الأرض في بلادٍ كانوا يجهلون حتى مكانها على الخريطة، في مدن ليسوا قادرين على نطق اسمها الصحيح حتى بعد سنواتٍ من الغربة. 


عن مشاعر الضياع والحنين.. 

بعض الناس لا يشعرون بالانتماء لأوطانهم لذلك يتلذذون بالغربة، لكني أستطيع أن أجزم أن البشر متشابهون إلى درجة لا تصدق، بإمكانك أن تجد من نفس الشخص أشخاصًا بجنسيات وألوان مختلفة، وعلى الرغم من ذلك، هنالك الكثير من الناس يجدون صعوبة في التأقلم مع الغربة في بلدان جديدة. 

وحدها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كانت أنيسة الكثير من المهاجرين، هنالك حيث يمرّ الوقت ثقيلًا دون أهلٍ أو أصدقاء، لكن خدعة مواقع التواصل قد تكون قاتلة في بعض الأحيان، ربما يجب إغلاق هذه النافذة الوهمية والانطلاق إلى لقاء أبعد من الشاشات، والتركيز على لغة البلد الجديدة. 


محاولات الاندماج بالمجتمع 

هنا تتضح الحاجة الماسة والتي هي بمثابة تحدٍّ أمام اللاجئ أو المهاجر حتى يتكيف مع وضع البلد الجديد، إنه بحاجة إلى الاندماج مع مجتمعه الجديد، لكن لكل بلد طبيعة تختلف عن غيرها، وكذلك لكل إنسان قصته الخاصة التي تختلف عن قصة غيره؛ هنا يظهر دور البلد المضيف جليًّا؛ فالسويد مثلًا سهّلت عملية اندماج المهاجر الأجنبي من خلال الضوابط والتسهيلات التي قدمتها للمهاجربن سواءً أعجبتنا هذه الضوابط أم لم تعجبنا. 

لا يتوقف اندماج الأجانب في مجتمعاتهم الجديدة عليهم فقط؛ بل هناك العديد من العوامل التي تقدمها حكومات البلدان المضيفة كتسهيل عملية التجنيس والانخراط في سوق العمل ووجود قانون يحمي الجميع. 

نظرًا لموجات الهجرة الجماعية التي قارعها العديد من المواطنين العرب وعلى رأسهم سوريا والعراق، هنالك العديد من التجارب الشخصية التي كشفت عن الدور الحقيقي المفترض أن تقوم به دول اللجوء، متمثلًا بإصدار الإقامة وإذن العمل وتسهيل تعلّم اللغة وغيرها، وبدوره يتوجب على المهاجر احترام قوانين البلد الجديدة ومعاملة السكان بلباقة واحترام القوانين، وعلى الصعيد الشخصي يتوجب عليه السعي نحو استقرارٍ حقيقي إن كان قد نوى حقًا الاستقرار في هذا البلد وهنا تظهر أهمية اللغة وتأمين العمل الذي يضمن له عيشًا كريمًا وكذلك الإحاطة بعادات وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه. 

وأيضًا خلق علاقات اجتماعية وخيوط تعارف سليمة حيث بإمكاننا تمييز نوعين شائعين من المهاجرين، يعتمد النوع الأول مبدأ الأصالة، ويكون متشدًدا في الحفاظ على عاداته وتقاليده دون الأخذ بعين الاعتبار عادات المجتمع الجديد، والنوع الثاني -أو دعونا نسميه المهاجر العصري- لا يجدُ إشكالًا في التماهي مع بلد المهجر، ويميل للانخراط التام فيه بهدف تحقيق الاستقرار في المستقبل. 


عن الألم والملل

إنّ العدوّين الّلدودين للسعادة هما الألم والملل، بقدر ما يبتعد الإنسان عن الأول يقترب من الثاني، والعكس صحيح، بل إن الحياة البشرية برمتها، لا تعدو أن تكون تأرجحًا متواصلًا بين هذين الحدين بدرجات متفاوتة في الشدة والحدة، فلو تأملنا الأمر من الخارج بعين النسر المحلقة بعيدًا عن الرؤية الضبابية؛ لوجدنا أنه يتولد عن الحاجة الألم كما يتمخَّض الملل عن إحساس الإنسان بالأمان وعيشه بالرفاه.

الفراغ الداخلي هو مصدر الملل ويجعل الملول مهووسًا بالاهتمام الشره بشؤون الآخرين، ومتفاعلًا بسرعة مع المهيّجات الخارجية كي يشغل عقله ولبَّه بأي شيء، ولا علاج لهذا البؤس إلا الثراء الداخلي.


كيف أنجح في غربتي؟ 

على نحو ما سبق يكون المتفوق فكريَّا إنسانًا لا اجتماعيًا؛ أما الإنسان العادي فما أن يفرغ من إشباع حاجته الأساسية وينعم بقليل من الراحة حتّى يندفع بحثًا عن تمضية الوقت كيفما اتفق ومخالطة الناس دون تمييز. 

 يئنّ الغبي في عزلته تحت وطأة  بؤسه الشخصي بينما يؤثث الألمعي الموهوب عالمه الخاص والصغير حتى لو كان في الأماكن المقفرة لتدبَّ النشاط والحيوية فيها.

ونجد أن الدماغ البشري يكون إما نعمة وإما نقمة على صاحبه، فهو يؤثر على كيانه العضوي بالكامل لذلك نجد أن الشغل الشاغل للعامة هو قضاء الوقت. أما الألمعي فمشغولٌ باستعماله وحسن تدبيره الأمثل. لذلك يكون الملولون ومحدودو التفكير فريسةً سهلة للسأم؛ لأن طاقاتهم العقلية ليست إلا أداة طيّعة بين يدي البواعث المحركة للإرادة؛ فإن اختفت البواعث خلدت للراحة، وتعطلت الطاقة العقلية حيث يستحيل على الإرادة أن تتحرك من تلقاء نفسها.

ذو صلة

 وكما أن البلد السعيد لا يستورد، فإن السعيد هو الذي يكتفي بذاته ويملأ عليه غناه الداخلي كل حياته ولا ينتظر من الآخرين سوى أقل القليل الذي قد يسلّيه ويروّح عن نفسه، فهو مترفع عن أي توريد من الخارج والذي لا بدّ أن يكلفه ثمنًا باهظًا وخطيرًا، ألا وهو الانصياع ، فكل توريد من هذا الصنف هو لا محالة مجلبة للهم والغم.

اقرأ أيضًا: أن نفقد حديث من نحب ويصبح ما ألفناه غريبًا: الغربة وما أدراك ما الغربة!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

هذا الكلام استفادته منو كتير بس احنا بشر كل وحد بيعملوا على حساب فكرو وعقله بس لو حد خد الفرصه اللى يعرف يمشى نفسو معهاا سدانى هيكون افضل
وشكرآ

ذو صلة