عالسريع

استبداد وحروب وكوارث.. أكثر من 50% منّا يؤمنون بانهيار وشيك لواقعنا الحالي!

دعاء رمزي
دعاء رمزي

6 د

يوافق أكثر من 55% من السكان على أن الحضارة ستنهار في السنوات المقبلة، ووفقاً لاستطلاع رأي لمؤسسة جان جوريس الفرنسية للأبحاث يؤمن 71% من الإيطاليين بهذا الفناء الوشيك، ويؤيدهم 65% من الفرنسيين، و56% في أمريكا وبريطانيا.

وفي الواقع فإن هذا ليس بجديد، فقد تعرّضت كل حضارة عظيمة على مرّ التاريخ إلى انهيار تامّ، هذه هي الحقيقة المؤكدة التي تخبرنا به قصص عشرات الحضارات التي نعرفها سواء التي ذُكرت في الكتب المقدسة أو التي رصدها علماء التاريخ والإنثروبولوجيا عبر الآثار الباقية، وإذا كانت الحضارات غالباً ما تكون مسؤولة عن انحدارها فإن هذا يتم عادة بمساعدة الآخرين، فإما أن تنتهي تماماً، وإما أن تتطور لشكل أكثر رقياً.

 فهل ما يتعرّض له العالم الآن من انتشار الاستبداد وكثرة الحروب والمجاعات والأزمات الاقتصادية فضلاً عن الكوارث المتنوعة من حرائق وزلازل وبراكين وأعاصير دليل على نهاية حضارتنا الإنسانية كما نعرفها؟ أم هي مجرّد قفزة تطورية تنهض من بعدها حضارة جديدة؟ أم هو غضب إلهي يرغب به الله تعالى في استبدالنا كما يقول الكثيرون؟


لماذا ما يتعرض له العالم دليل على انهيار وشيك للحضارة الإنسانية؟

انهيار الحضارة هو خسارة سريعة ودائمة للسكان والهوية والاقتصاد فتنهار الخدمات العامة وينشأ الاضطراب مع عدم السيطرة على العنف، وقد تعرضت جميع الحضارات السابقة لهذا المصير، وبينما نجح بعضها في التحول مثل الحضارتين الصينية والمصرية، إلا أن البعض انهار تماما مثل حضارة المايا.

إن الشرق الأوسط يحترق، والقارة الأوروبية غارقة في صراع عسكري، وهناك بوادر لحرب باردة أخرى قد تقود لصراع عالمي، كما أن معدّل انتشار الكوارث البيئية في ارتفاع، وعند تحليل كل هذا بالنمذجة الحاسوبية فإن النتائج لا تدعو للتفاؤل على الإطلاق.

وفي حين لا توجد نظرية واحدة مقبولة على نطاق واسع لحدوث الانهيار الحضاري الوشيك الذي تشير التوقعات إلى أنه لن يكون بعد عام 2050، إلا أن المؤرخين وعلماء الأنثرولوجيا وغيرهم وضعوا مجموعة من الاحتمالات التي تستند كلها على رؤية واقعية بالفعل، ومن أهم تلك النظريات:


التغير المناخي

يؤدي التغير المناخي إلى مجموعة متنوعة من الكوارث، بدءاً من التصحر إلى فشل زراعة المحاصيل إلى انتشار الحرائق والبراكين وبالتالي المجاعة، وقد هدم التغير المناخي حضارات قديمة بالفعل مثل المملكة المصرية القديمة والإمبراطورية الأكادية في بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي السند بسبب تغيرات مناخية عنيف ما قبل 5000 عام.

ولما كانت قمة المناخ COP29 مخيّبة للآمال ولم تؤدي إلى نتائج فعليّة، فإن المخاوف تزيد من ارتفاع تأثير تغير المناخ على الحياة عموماً، خصوصاً مع ما يؤكده العلماء من أن ستة من حدود الأرض الكوكبية التسعة التي تحدد مساحة عمل آمنة للبشر قد تم تجاوزها، وأن زيادة الضغوط على الأرض سوف تؤدي إلى تغيير لا يمكن الرجعة به.


تضاؤل العائد على الاستثمار في الطاقة

يؤكد الكثيرون أن نظام الطاقة هو محور انهيار الحضارة، فهي أساس كل ما نقوم به، وقد تراجع العائد على الاستثمار في الطاقة بمراحل كبيرة منذ ستينات القرن العشرين، وهو يعني أن كمية الطاقة التي نستطيع استخراجها أقل من الطاقة التي نستخدمها بالفعل لاستخراجها، كما أن الاستثمار في الطاقة النظيفة لا يزال مرتفع التكلفة.

وتؤدي هذه المشكلة إلى ارتفاع التضخم وانخفاض معدّل النمو الاقتصادي، وقد انهارت الإمبراطورية الرومانية قديماً نتيجة أسباب مشابهة بعد ارتفاع تكلفة الحصول على القمح والبرسيم واللذين كانا من أهم أسس الطاقة قديماً.


عدم المساواة وحكم الأوليغارشية والاستبداد

يؤدي التفاوت في الثروة بين الناس بالإضافة للهيمنة السياسية للأقلية إلى التفكك الاجتماعي، فكما هو الحال مع نظام حكم الأوليغارشية ومركزية السلطة والحكومات الاستبدادية التي انتشرت في الكثير من الدول، فإن هذا لا يؤدي فقط إلى تذمر اجتماعي، بل أيضا إلى عرقلة قدرة المجتمع على الاستجابة السريعة للمشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

وهذا بالتالي يرتبط بالعنف، وقد أشارت التحليلات الإحضائية للمجتمعات السابقة أن هذا يحدث في دورات، فمع زيادة عدد السكان فإن العرض من العمالة يفوق الطلب، وهذا يُقوِّض التضامن الاجتماعي وتتبعه الاضطرابات السياسية.

وقد اتسع الفارق في الثروات بالفعل، فبعد أن كان 1% من السكان يسيطرون على 16% من الثروة العالمية عام 1980، فإن هذه النسبة وصلت إلى 40% عام 2016، وهذا لا يعكس الواقع بدقة، إذ أن هناك تهرب ضريبي وتسرب في الدخل لا يمكن حسابه، فيزداد الأثرياء ثراء وتتدهور حالة الفقراء مما يخلق ضغوطاً متنوعة على الحضارات.


الصدمات الخارجية

وهي من السيناريوهات الأكثر رعبا لانتهاء الحضارة الإنسانية، والتي تشمل كل من الحروب والأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية واصطدام الكويكبات وغيرها، وهي أمور لم تؤدي فقط لانهيار حضارات إنسانية، بل إلى فناء أجناس كاملة مثل الديناصورات التي حكمت الأرض لملايين السنين، وبالطبع تعاني الأرض حاليا من زيادة واضحة في معدّل الكوارث والأمراض سواء الناتجة عن التلوث أو زيادة عدد السكان وغيرها.


هل هناك سبيل للنجاة؟

ليست كل وجهات النظر عما يتعرّض له العالم من كوارث الآن سوداوية بحتة، فهناك آراء متفائلة وإن كانت قليلة تؤكد أن ما نتعرض له قد يكون مجرّد خطوة على طريق التطور الإنساني والانتقال إلى مرحلة أخرى، وليس دليلا على الانهيار التامّ أو فنائنا واستبدالنا فكل حضارة وفقاً لهم تمرّ بأربعة مراحل وهي النمو والتوازن ثم الانهيار إلى أن يحدث التحول.

ويتبنى أحمد نافذ مؤلف أكثر الكتب مبيعاً ومحلل البيانات في معهد شوماخر للأنظمة المستدامة في بريطانيا هذه النظرية، ويؤيده بها مجموعة كبيرة من المتخصصين مثل البروفيسور دايال بروكس من جامعة تورنتو والأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنيس كالامار وغيرهم، ومن أهم أسباب هذا التفاؤل:


التنوع الاقتصادي العالمي

وهو مقياس لتنوع وتعقيد صادرات الدولة، والذي أصبح أكبر بكثير مما كان عليه الأمر في الستينات والسبعينات، فلم تُصبح الأمم تعتمد على نوع واحد من الصادرات، وهذا يجعلها أكثر قدرة على تحمل التدهور البيئي أو فقدان الشركاء التجاريين.


ارتفاع معدلات الابتكار

تزايدت بشدة طلبات براءات الاختراع للفرد الواحد، وهذا من الناحية النظرية قد يساعد في زيادة مقاومة انهيار الحضارات إذا كانت التقنيات الجديدة قادرة على التخفيف من الضغوط.


ليس كل انهيار حضاري يعني كارثة

يؤكد أصحاب النظريات المتفائلة أن ليس كل انهيار حضاري جاء بكوارث على البشرية، فهناك فقط الانهيار الذي تُصبح الحضارة بعده مجرّد مادة تاريخية دون ضجة كبرى.


التقدم التكنولوجي

فقد أدى هذا التقدم التكنولوجي الذي نجده في كل جوانب الحياة لزيادة حلول النجاة من الكوارث، والتي يدور بعضها حول الهجرة من الأرض بأكملها واستيطان كواكب أخرى، أو الاعتماد التامّ على الذكاء الاصطناعي في التطوير، وهذا حقيقي إلى حدّ كبير رغم ما يراه البعض من أن هذا التطور التكنولوجي قد يكون مصدر تهديد في حدّ ذاته وتأكيد على انهيار الحضارة الإنسانية قريباً لتترك المكان لوافد جديد.


ماذا إذا كان ما يحدث غضب إلهي؟

بمجرّد انطلاق الحرائق في لوس أنجلوس تصاعدت الرسائل التي تؤكد أن ما يحدث هو غضب إلهي نتيجة التهديدات المتنوعة للشرق الأوسط، وقد يكون هذا حقيقة بالفعل، وقد يكون أيضاً لتذكيرنا بقوّة الخالق، وأن الإنسان مهما بلغ من تقدم أو امتلك من تقنيات، فلن يمكنه هزيمة إرادة الله عز وجل والتي تتجلى في كل تفصيلة حولنا.

ذو صلة

 فالكوارث والزلازل والمجاعات والحروب لم تقتصر مطلقاً على منطقة بعينها وبعضها تسبب به الإنسان نفسه، كما أن تأثير أي حدث في أي منطقة بالعالم يؤثر على جميع دول العالم بالفعل، فإذا كان هذا غضب إلهي فهو بالتأكيد لا يتركز على منطقة محددة، وهذا يؤكد أكثر ضرورة الترابط العالمي في مواجهة المخاطر المتنوعة التي تهدد البشرية.

وفي الختام فإن كل مؤشرات انهيار الحضارة الإنسانية قويّة بالفعل، ولكن هناك ما يدعو للتفاؤل أيضاً، وإن كان لا يرقى لمستوى بثّ الطمأنينة الشاملة في النفوس، فالعالم أصبح أكثر ترابطاً وتقارباً وتأثراً ببعضه البعض أكثر من أي وقت مضى، وأي انهيار يحدث لن يكون مقتصراً مطلقاً على منطقة محددة أو سيمتدّ لوقت قصير، بل تؤكد التوقعات أنه سيكون انهياراً شاملاً وأكثر غدراً وقوّة من أي انهيار سابق قد يعيدنا للعصر الحجري.ومع الإرادة السياسية المفقودة حول العالم بالفعل لتحقيق التوازن المطلوب وحلّ المشكلات الحيوية، فإن النهاية قد تكون أقرب بكثير مما يعتقده البعض، وفي الغالب بأيدينا نحن وليس لأي سبب آخر.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة