الثقوب البيضاء، الوجه الآخر للثقوب السوداء في مرآة أسرار الكون!

الثقوب البيضاء
ضحى نبيل
ضحى نبيل

6 د

ما هي الثقوب البيضاء من الأساس؟ ولماذا يبحث عنها العلماء طالما لم يجدوا لها أمثلة واضحة وقاطعة في أرجاء الكون؟ في الواقع قد تكون تلك الثقوب هي أحد أسرار الكون العظمى التي لو تم بالفعل اكتشافها ستنقلب موازيننا العلمية الراسخة رأساً على عقب، حرفياً!

هذا نطاق جديد كلياً؛ فنحن لا نملك أي نظريات لترشدنا

هذا ما قاله دكتور جيريلز المؤلف الرئيسي لدراسة نُشرت عام 2006 في مجلة Nature والوحيدة التي تُرجح احتمال وجود الثقوب البيضاء في الكون.


ما المقصود بالثقوب البيضاء؟

ثقب أبيض

الثقب الأبيض هو _حتى الآن_ مصطلح نظري لمكان ما في الكون مشابه من الخارج تماماً للثقب الأسود كالتوأم، لكن فعلياً هو الوجه الآخر له؛ فالثقب الأسود هو بوابة كونية تسحب كل ما حولها ولا يستطيع أي شيء بالقرب منها أن يهرب أما الثقب الأبيض فهو يطرد ما بداخله ولا يستطيع أي شئ أن يدخله أو حتى أن يقترب منه حتى لو كان شعاع ضوء!

شاعت فكرة الثقوب البيضاء في سبعينيات القرن الماضي حيث انتشر تصور عن وجود الثقوب الدودية (wormholes) والتي تنتهي عند أحد طرفيها بثقب أسود وعند الطرف الآخر بثقب أبيض، وزادت معها التخيلات بأنها ستتيح لنا في المستقبل السفر عبر الزمن عن طريق تلك البوابة الكونية السحرية!

سرعان ما تراجعت تلك التكهنات حيث اتضح أن الثقوب البيضاء لو وُجدت ستكون غير مستقرة تمامًا مما يلغي احتمالية وجودها من الأساس. وبالفعل بدأت الأحاديث تقل عنها في العقود الماضية ولا سيما مع عدم العثور على أي أدلة واضحة على وجودها حتى الآن.

بالرجوع للدراسة التي تحدثنا عنها في البداية، لاحظ فريق العلماء المشارك فيها أن انبعاثات أشعة جاما الصادرة من إحدى البقع الكونية والتي تحمل اسم GRB 060614 ليست من النوع المعتاد رصده، فغالباً ما يتم رصد تلك الأشعة في المناطق التي تولد فيها النجوم أو تكون مرتبطة بوجود المستعر الأعظم (supernova). أما GRB 060614 فهي لا تحتوي على أي منهما ولذلك يُعتقد أن أحد التفسيرات النظرية المحتملة لذلك هي أن تلك المنطقة تحتوي على ثقب أبيض! لكن لم يتم إثبات أو نفي ذلك حتى الآن.


بما أنه مصطلح نظري، فمن أين جاء إذاً؟

عندما قدم أينشتاين نظرية النسبية للعالم أحدث ثورة في عالم الفيزياء حيث كانت إحدى حلول معادلاته تتنبأ بوجود الثقوب السوداء التي أُثبت فعلاً وجودها لاحقاً، لكن في عام 1964 جاء عالم الكونيات الروسي "ايجور نوفيكوف" بفكرة وجود الثقوب البيضاء كتوأم للثقوب السوداء وبإمكانية اعتبارها كحل آخر لمعادلة أينشتاين، وبنى استنتاجه ذاك على النتائج التي توصل لها عالم الفيزياء الألماني "كارل شوارزشيلد" الذي تنبأ هو الآخر باحتمالية وجود توأم نظري للثقوب السوداء.

يخضع الاثنان لنفس الحسابات الرياضية ولهما نفس الشكل الهندسي، حتى نقطة التفرد (singularity) وهي النقطة التي تنضغط فيها أي كتلة بداخل الثقب لتصل لكثافة لا نهائية لدرجة أن قوانين الطبيعة لا تنطبق في هذا المكان حينها، وكذلك نقطة أفق الحدث (event horizon) وهي النقطة التي تحيط بالثقب والتي لا رجوع بعدها أبداً، ففي الثقب الأسود هي تمثل اتجاهًا واحدًا للدخول، أما في الثقب الأبيض فهي اتجاه واحد للخروج فقط.


الثقوب البيضاء والسوداء على أرض الواقع

نحن الآن أصبحنا متأكدين من وجود الثقوب السوداء في الكون، فتقريباً كل مجرة كبيرة تملك ثقبًا أسود مهول الحجم في مركزها، بجانب الثقوب السوداء الصغيرة المنتشرة في باقي أنحاء الكون. على الجانب الآخر فحتى الآن لم نرصد ثقبًا أبيض واحدًا، لكن ذلك لا ينفي احتمالية وجودها فربما هي موجودة في مكان ما لكن غير مرئية! ولكي نبحث عنها علينا أن نتوصل إلى معرفة كيف يمكن أن تتكون من الأساس وبناء على ذلك نعرف أين نبحث.


كيف تولد الثقوب السوداء؟

ثقب أسود

الثقوب السوداء هي نتاج لموت النجوم الكبيرة التي هي أكبر من كتلة شمسنا بـ 20 مرة على الأقل، فعندما يستنفد النجم وقوده بالكامل تصبح نواته غير مستقرة ولا تستطيع الحفاظ على توازن قوى النجم فتنهار على نفسها إلى الداخل، يسبب انهيار النواة ضغطًا عظيمًا من الكتلة المنهارة حول النواة من جميع الاتجاهات حتى تتكثف في النهاية بواقي النجم في حجم صغير مقارنة بحجم النجم الرئيسي وهنا يصبح لدينا نجم أسود جديد.

قد يكون لديك تصور الآن عما يتطلبه الأمر لكي يولد ثقب أبيض، فبما أنه التوأم المعاكس للثقب الأسود، فإذاً لكي يولد من أحد النجوم فلابد من أنه يتطلب حدوث انفجار ما عظيم! وبالفعل يوجد بعض النظريات التي تحاول الوصول لأقرب سيناريو صحيح.


نظريات تُرجح كيف يمكن أن تولد الثقوب البيضاء

عندما يموت نجم كبير في الحجم تنهار كتلته كما ذكرنا من قبل ويتكون الثقب الأسود، لكن يرى البعض أن قوانين ميكانيكا الكم لن تجعله ينهار لبعد نقطة معينة بل ستجعل هذا الثقب الأسود عندها يبدأ تدريجياً في التحول العكسي إلى ثقب أبيض ويلفظ كل مكونات النجم من جديد للخارج.

كيف تولد الثقوب السوداء والبيضاء

سيأخذ ذلك ملايين السنين لكي يحدث ولذلك لن نكتشف وجودها طوال تلك المدة، فقد تكون كل الثقوب السوداء التي نعلم بوجودها الآن هي أيضاً ثقوب بيضاء لم تولد بعد! وقد تكون الانفجارات العظيمة التي نراها ونعتقد أنها سوبر نوفا، هي أيضاً ثقوب بيضاء حديثة.

أحد اكتشافات العالم الفيزيائي العظيم ستيفن هوكينج هو الإشعاع الحراري الصادر من الثقوب السوداء والذي تم إطلاق اسمه عليه "إشعاع هوكينج" والذي أثبت على إثره أنه على مدار الوقت يخسر الثقب الأسود بعضًا من كتلته على شكل تلك الإشعاعات وبالتالي قد يتبخر الثقب الأسود في النهاية، نظرياً بالطبع.

الإشعاع الحراري الصادر من الثقوب السوداء

إذا حدث ذلك سيكون هناك مشكلة كبيرة، فأين ستذهب تلك المعلومات التي جذبها الثقب الأسود إليه طوال ملايين السنين؟ فطبقاً للنسبية العامة لا يمكن للمعلومات أن تهرب، وطبقاً لميكانيكا الكم لا يمكنها أن تختفي أيضاً! ولذلك بالنسبة لبعض العلماء فإن الثقب الأبيض هو جسم كوني يولد ملاصقاً للثقب الأسود عن طريق ثقب دودي، وعندما يبدأ الثقب الأسود في التبخر فتلك المعلومات ستهرب عن طريق المرور بالثقب الدودي ليقذفها الثقب الأبيض في النهاية للخارج مرة أخرى!

أغرب النظريات تلك التي تُرجح أن بداية الكون بالانفجار العظيم كان أصلها ثقبًا أبيض مهول الحجم انفجر وأخرج كل ما في جعبته! وأن كل ما في الكون الآن كان يقبع في ذلك الثقب في وقت ما، حتى أن دراسة نُشرت عام 2014 في مجلة علم الكونيات وفيزياء الجسيمات الفلكية تؤيد هذا السيناريو أيضاً. لكن مجدداً تبقى كلها نظريات تنتظر من يؤكدها أو ينفيها.

ما زال الكون يحمل الكثير من المفاجآت في طياته، فبكل ما يحتويه من مجرات ونجوم وكواكب نحن لم نكتشف إلا جزءًا صغيرًا جداً منه طوال تلك العقود لم يتعدَّ 4% من حجم الكون بأكمله! ومع إطلاق التلسكوبات الحديثة وخاصة جيمس ويب ترتفع توقعات العلماء للوصول لما هو أغرب و أعجب مما عرفناه على الإطلاق.

ذو صلة

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة