هل يمكن إعادة بناء الشخصية بعد البلوغ والنضج؟ أم أن شخصياتنا تستقر عند وصولنا لهذه المرحلة؟
4 د
— "راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستتحول إلى أفعال، راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك"
نعم بهذه البساطة شخصيتك هي قدرك، شئت ذلك أم أبيت لن يغنيك مالك أو وسامتك عنها، إنها هويتك التي سوف يراها الناس بوضوح بعد أن تتفوه بأول كلمة، وإرثك الذي يبقى لك مهما تقلب الزمن وتغير الناس، وكما لكل إنسان بصمة فريدة ايضاً له شخصية لا تتطابق مع أحد.
بعضنا عندما تغيب عنه بضع سنين تعود لتراه عجوزٌ بعقل مراهق أحمق، وبعضنا الآخر كلما غبت عنه تعود لتراه إنسان مختلفاً! أكثر نضجاً واتزاناً وجمالأً، هذا ما جعلني أفكر وأسال، هل ينضج الإنسان من الداخل بعد بلوغه الجسدي أم أنه فقط يهرم وينكمش بعد بلوغه كلما تقدم به الزمن، ما السرّ الذي يجعل بعضنا كلما تقدم به الزمن إنساناً أشد روعة وقيمة؟
هل نتغير حقاً مع مرور الزمن؟
رغم اعتقادنا أن شخصياتنا "ثابتة ونهائية"، يؤكد العلم أنها في تطور مستمر. فلماذا نجد صعوبة في رؤية هذه التغييرات كلما تقدمنا في السن؟ مع مرور الوقت، تظهر تجارب حياتية مثل ولادة طفل، تعرض لمرض، تجربة غربة أو حتى تجربة حب عميق، جميعها لها القدرة على تحويل شخصيتنا وتشكيلها بطرق جديدة، بغض النظر عن العمر الذي نتواجد فيه.
"الشخصية هي ظاهرة تطورية. إنها ليست مجرد شيء ثابت عالق فيك ولا يمكنك التغلب عليه"، في عام 1960، أجرى علماء النفس دراسة استقصائية شملت أكثر من 440 ألف طالب في المدارس الثانوية، أي حوالي 5% من جميع الطلاب في البلاد في ذلك الوقت، أجاب الطلاب على أسئلة حول كل شيء بدءًا من كيفية تفاعلهم مع المواقف العاطفية وحتى مدى كفاءة إنجاز العمل، وبعد مرور خمسين عامًا، قام الباحثون بتتبع 1952 من هؤلاء الطلاب السابقين وأعطوهم نفس الاستطلاع.
وجدت النتائج، التي نُشرت عام 2018 في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، أن المشاركين في الستينيات من عمرهم سجلوا درجات أعلى بكثير مما كانوا عليه عندما كانوا مراهقين في أسئلة تقيس الهدوء والثقة بالنفس والقيادة والحساسية الاجتماعية، الشخصية تتطور وتصبح أفضل مع مرور الوقت يطلق عليه علماء النفس "مبدأ النضج". يصبح الناس أكثر انبساطًا واستقرارًا عاطفيًا وقبولًا مع تقدمهم في السن ولا يكون ذلك واضحًا إلا بعد مرور فترة طويلة نسبياً، قد يتغير بعض الأفراد بشكل أقل من غيرهم، ولكن بشكل عام، مبدأ النضج ينطبق على الجميع.
ماذا يحدث في أدمغتنا عند التقدم في العمر؟
. يقول جاتز:
— "نحن نكتشف الوسائل التي تمكن العقول المتقدمة في السن من المواجهة وحتى التفوق على العقول الأصغر سنًا."
يتألف الدماغ من نصفين، وكل نصف متخصص في وظائف معينة. إذ أظهرت فحوصات الدماغ أن الشبان عادةً ما يعتمدون على نصف واحد من الدماغ للقيام بمهام معينة، بينما يميل الأشخاص في منتصف العمر والأكبر سنًا إلى استخدام كلا النصفين في الوقت نفسه. هذا يعني أن كبار السن يستغلون قوة الدماغ بشكل أكبر، مما يمكنهم من تكوين ارتباطات ذهنية أكثر فعالية.
لم يكن لدينا يومًا دماغ ثابت يقف عند حد معين من النمو. في الماضي، كان يُعتقد أن الدماغ قد يفقد بعض خلاياه مع الشيخوخة. ولكن، الدراسات الحديثة كشفت أن الدماغ لا يحافظ فقط على خلاياه، بل يواصل تكوين خلايا جديدة عبر مراحل حياتنا المختلفة. الدماغ في تطور مستمر، وهو يتأثر بكل ما نتعلمه ونختبره، حتى التجارب البسيطة.
مثلاً، قام العالم السويسري لوتز جانكي بدراسة أشخاص كانوا يتعلمون العزف على الآلات الموسيقية. وبعد التدريب لمدة خمسة أشهر، وجد تغيرات ملحوظة في المناطق الدماغية المسؤولة عن السمع، الذاكرة وحركة اليدين، وذلك حتى في الأفراد الذين تجاوزوا الـ 65 عامًا. إن هذا الاكتشاف مذهل ومحفز بالفعل!
تطور الشخصية بعد سن النضج
مع تقدم الإنسان في العمر، تتغير نظرته للحياة بطريقة تميل إلى الإيجابية، كما أظهرت دراسة أجريت في 2004. في هذه الدراسة، تم الكشف عن تفاعل أدمغة الأشخاص الأكبر سناً بشكل أكبر مع الصور الإيجابية. ولهذه السبب، تتغير أولويات الإنسان لتصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. وفقا للدكتور مايكل مارسيسكي، يؤثر الوعي بمحدودية الوقت على اختيارات الأفراد، مثل قضاء الوقت مع مجموعة أصغر من الأصدقاء والعائلة والتركيز على الأخبار الجيدة.
بالإضافة إلى ذلك، مع مرور الوقت، يستمر الإنسان في إضافة المزيد إلى معرفته وقدراته، خاصة فيما يتعلق بالمفردات والمعلومات المتعلقة بالوظيفة. ويميل الإنسان أيضًا إلى النظر إلى الصورة الكبيرة وتقدير المشهد بأكمله بدلاً من التركيز فقط على التفاصيل.
أخيراً، مع الخبرة التي يكتسبها الإنسان على مر السنين، يصبح لديه القدرة على التعامل مع المواقف الجديدة بسهولة وثقة، استنادًا إلى المخططات التي تراكمت في عقله. هذا هو ما يُطلق عليه "الحكمة".
الحياة هي رحلة مستمرة، والثابت الوحيد فيها هو التغيير المستمر. لكن، هناك من يختار البقاء في منطقة الراحة، متمسكًا بالروتين المألوف والأماكن التي يشعرون فيها بالأمان. يقيمون حياتهم، يحبون، ويعملون دون أن يجرؤوا على تجاوز حدود تلك الفقاعة. فهم بالفعل قد عاشوا سنة واحدة من الخبرات، لكنها تتكرر مع كل عام يمر. هذا الاكتفاء بالقليل وعدم التجديد قد يجلب لهم شيخوخة مبكرة، ليس فقط في أجسادهم، ولكن أيضًا في أذهانهم.
القرار بين يديك؛ هل تريد أن تكون مجرد شخصٍ هرم مع مرور الوقت؟ أم تأمل أن تصبح شخصية ناضجة، مليئة بالحكمة والقوة، مستفيدًا من كل تجربة تمر بها؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.