تريند 🔥

📱هواتف

عيد الأم.. هل تكفي معايدة فيسبوك أو سوار من الذهب لنقول للأم شكراً؟

داليا عبد الكريم
داليا عبد الكريم

5 د

قرر سمير أو سعاد، أو أندريه وحتى حسنية، معايدة أمهم بمنشور مؤثر على طريقة "النسخ لصق" في فيسبوك، بينما قرر آخرون إهدائها سواراً ذهبياً باهظ الثمن، وفي كلتا الحالتين، ستعود الأم وحيدة بعد عيدها، وانصراف أولادها عنها لحياتهم وعوائلهم الجديدة، فهل تكفي تلك المعايدات سواء المؤثرة لغوياً، أو الباهظة مادياً، لنقول للأم شكراً؟.

كتجربة شخصية، لم أكن أدرك مفهوم الأم بشكله العميق حتى أهدتني الحياة طفلتي، لقد أصبحت أماً الآن، الأمر أعمق بكثير من أن تختصره مجرد كلمات عابرة، عن سهر الليالي، وتفضيل الأبناء على الذات، وحتى التضحية وغيرها من مفرداتنا الشرقية.

أن تكوني أماً في المجتمع الشرقي، يعني أن تحملي هماً مضاعفاً، همّ الأطفال وتأمين احتياجاتهم البيولوجية، وهمّ تربيتهم في بيئة تشدهم غالباً نحو مفاهيم خاطئة، ما يضع الأم في ساحة معركة حقيقية، بين ما تريده لأطفالها، وبين ما ينتظره المجتمع.

آسفة إن كنت قد خيبت ظنكم، بمادة عاطفية تتحدث عن مآثر الأم، وسهرها ليلاً على طفلها أو طفلتها خلال المرض، على الأرجح ستغص العناوين بمثل تلك المواد، لكن دعونا قليلاً نعتمد الناحية العملية والعقل في التعاطي مع هذه المناسبة الفريدة من نوعها، والتي لا يجب أن تقتصر على يوم واحد في السنة، إنما تمتد على مدى أيامها كاملة، فيما يشبه حملة توعية للامهات، حتى نصل إلى الجيل الذي نرغبه حقاً، الجيل الذي يبني مجتمعه دون أن يهدمه حين ينساق إلى الثقافة الجمعية، دون أن يتفرد بقول الحقيقة المرّة غالباً، فلنكن تلك الأمهات اللواتي يعلمن أولادهنّ على نطق الحقيقة مهما كانت مرّة.


الأم.. كلّ المجتمع

لا أبالغ بوصفي هذا، ولتكن نظريتي الخاصة، ولكم حرية انتقادها بشرط قرائتها أولاً، لا ألا تحكموا عليها بالرفض أو القبول لمجرد قراءة العنوان فحسب.

يرمي المجتمع بثقل تربية الأبناء على الأم في غالبية المجتمعات العربية، حيث إما أن الأم لا تعمل وتنصرف لشؤون المنزل والتربية، أو أنها عاملة وبذات الوقت تحمل مسؤولية المنزل وتربية أطفالها.

نسبة أولئك الأمهات على الأرجح أنها تغلب نسبة الأمهات اللواتي يشاركهنّ الزوج في تربية الأطفال، والاهتمام بهم، وبالتالي فإن الأم إن لم تكن كلّ المجتمع، فهي معظمه، بعبارة أخرى فشله ونجاحه مرهون بها، وبالمقدار الكافي الذي تمتلكه من الوعي تجاه تربية أطفالها، سواء على اللاعنف، أو على عدم التمييز، أو ألا يكونوا عنصريين.

وكما وراء كل رجل عظيم امرأة، فإن وراء كل طبيب/ة ماهر/ة، ومهندس/ة ناجح/ة، ومسؤول/ة نزيه/ة، أمٌ نجحت في تحفيز أبنائها، وتربيتهم على الأخلاق واحترام العقل والإنسانية.


عبء كبير

لا تتحمل الأم عبء متاعب الحياة والتربية فقط، إذ ورغم كل تلك المتاعب عليها أن تبقى إيجابية، لتحافظ على صحة طفلها وتضمن نمواً عقلياً صحيحاً له.

ففي دراسة أعدها باحثون في الولايات المتحدة الأميركية، ونشرت في دورية، الاكتئاب والقلق، عام 2018، تم اكتشاف أن الأطفال الذين يمتلكون أمهات يعانينّ من الاكتئاب، ربما يصابوا مستقبلاً باضطرابات نفسية كبيرة.

وقالت كبيرة الباحثين في الدراسة، روث فيلدمان، وهي أستاذة مساعدة في مركز بيل لأبحاث الطفل، في نيو هيفن الأميركية، إن الأم المكتئبة تؤثر سلباً على قدرات طفلها الجسدية في التعامل مع التوتر، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات نفسية كبيرة لأن نفسية الطفل ستبقى هشة.

دراسة أخرى لمركز هيلمهولتز الألماني، صدرت عام 2019، أكدت أن توتر الأم يؤثر بشكل سلبي على صحة أولادها، ما قد يعرضهم لخطر البدانة.

ذلك التوتر لا يشمل الأطفال، بل يمتد ليشمل الجنين في رحم أمه، وحتى بلوغه السنوات الأولى من عمره، وهو ما قد يؤدي إلى السمنة والعديد من الأمراض، كما تقول المختصة بالتغذية في المركز، كريستين يونغه.

هل تدركون الآن، معنى أن تكون إحداهنّ اماً والمسؤوليات الكبيرة النفسية والجسدية، التي تلقى على عاتقها لإتمام تلك المهمة الصعبة، تخيلوا أن الأم المطلقة أو الأرملة أو التي تعيش علاقة زوجية قائمة على العنف، مضطرة للضحك في وجه أطفالها مراعاة لهم ولصحتهم النفسية والجسدية، برأيكم هل يمكن للذهب أو الألماس، أو منشورات الفيسبوك، أن تُرضي أو تكفي شخصاً بحجم أم؟.


ماذا قد يرضي الأم؟

لن أدخل في تفاصيل زحام الحياة، التي تأخذنا من أنفسنا، فما بالكم من أمهاتنا وأسرنا، لكن حقاً ما الذي قد يرضي الأم، التي لا تحلم بهدية مادية أو كلمات منمقة؟.

كأم سأرضى حين تكبر طفلتي، أن تكون سعيدة وناجحة في حياتها، سيرضيني، ابتسامة صباحية منها ولو عن بعد، أو صوتها الهامس في أذني أنها تحبني، سيكفيني أن أدرك بأنها تهتم بي ولو كانت بعيدة جسدياً عني.

صحيح أني لم أبدأ مادتي هذه بطريقة عاطفية، لكني أود أن أنهيها كذلك، ليس انسياقاً للمشهد العام، ولا رغبة بمحاباة القارئ، بل لأني أم، وأدرك تماماً أن هديتي الوحيدة في هذه الحياة، هو فرح وسعادة ونجاح طفلتي الصغيرة، أجل الأم يكفيها مثل هذا الإنجاز لتشعر بالفخر والرضى عن نفسها، وتذهب نحو نهايتها وهي مطمئنة أنها تركت خلفها طفلة أو طفلاً قادران على المضي قدماً في حياتهم.

لن تصطحب الأم معها إلى نهايتها بشكلها البشري، وتعني الموت، الإسوار الذهبي، ولا عقد السوليتير، أو حتى منشورات الحب في فيسبوك، لكن في لحظتها الأخيرة بالتأكيد ستستعرض شريط حياتها، وكم سيكون من الرائع أنها ستشعر بالفخر والرضى، عوضاً عن الشعور بالهمّ والخذلان، وكل هذا يعتمد على الأبناء الذين ربتهم هي ذاتها، ليكونوا صالحين أو غير ذلك.

وفي النهاية لابدّ من توجيه تحية كبيرة إلى تلك الأم، التي تعلم متى تكون قاسية، ومتى تكون رحيمة، وتحية أخرى للأم التي ربّت أطفالاً لم تنجبهم، فهي لا تقل أمومة عن الأم التي أنجبت.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.