تِك

أليف شافاك والقمع في مدينة الوهم: 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم العجيب!

رواية 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب
ياسمين احمد
ياسمين احمد

6 د

منذ فترة أثبتت الدراسات العلمية أن العقل البشري يستمر في العمل لمدة 10 دقائق و 38 ثانية بعد الوفاة الفعلية للجسد وتوقف القلب عن النبض بشكل تام. وبالصدفة قرأت الكاتبة التركية الشهيرة أليف شافاك عن هذه الدراسة العلمية فتركت لخيالها العنان لتتصور الأفكار الأخيرة لشخص مات بالفعل في تلك الدقائق القليلة، لتكتب لنا رواية رائعة مفعمة بالتفاصيل والرسم الحي للصور والشخصيات تحت عنوان: 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم العجيب!

 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم العجيب - أليف شافاك

غلاف رواية 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم العجيب

تنافست الرواية على جائزة البوكر في العام الماضي 2019، وكانت ضمن القائمة القصيرة مع روايات أخرى، مثل: رواية كيخوته للكاتب سليمان رشدي ورواية الوصايا للكاتبة مارجريت أتوود. وقد نقلتها إلى العربية دار الأداب وترجمها محمود درويش، بترجمة تتسم بالجودة والحرفية العالية.


أليف شافاك كاتبة مثيرة للجدل


أليف شافاك رواية 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم العجيب

أليف شافاك تتحدث في روايتها عن القمع في مدينة الوهم

ولدت أليف شافاك بيلجين، في 25 أكتوبر 1971، في ستراسبورج لوالدين هما، الفيلسوف “نوري بيلجين”، و”شفق أتيمان” التي أصبحت دبلوماسية فيما بعد. انفصل والداها عندما كان عمرها عاماً واحداً. وقد قالت أليف شافاك في أكثر من مناسبة أن نشأتها في عائلة لا تحكمها القوانين الذكورية التقليدية كان له أثر كبير على كتابتها. وتستخدم الكاتبة اسمها الأول واسم أمها كاسم أدبي توقع به أعمالها. وقد اختلف المترجمون في ترجمة اسم “شفق” الخاص بوالدتها، ولكن اتفق أغلبهم على كتابته “شافاك” وهو الاسم الأقرب لنطقه في تركيا.

درست أليف شافاك العلوم السياسية من جامعة الشرق الأوسط التقنية في تركيا، كما تحمل شهادة الماجيستير في “الجندر والدراسات النسوية” والدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة ذاتها. لها اهتمام خاص بالتصوف والصوفية حيث تؤمن بالحب كوسيلة للتواصل بين الشعوب والأديان المختلفة.

نُشر لها العديد من الروايات والمقالات، ترجمت رواياتها إلى أكثر من 25 لغة حول العالم. تٌعد رواية قواعد العشق الأربعون من أشهر أعمالها وهي الرواية التي جعلت اسم أليف شافاك شائعاً هنا في العالم العربي. إلا أن لها العديد من الأعمال الأخرى الناجحة، مثل: قصر القمل، لقيطة إسطنبول، حليب أسود، بنات حواء الثلاث.

تعتبر أليف شافاك من المدافعين عن حقوق المرأة، وتناولت كتاباتها دائماً الأقليات، والثقافات الفرعية، مثل ما بعد الاستعمار وما بعد النسوية، كذلك دور المرأة في المجتمع، وتدافع أيضاً عن حرية التعبير. وتنتقد الكثير من أوضاع تركيا السياسية والاجتماعية، حتى أن الحكومة التركية قد استدعتها أكثر من مرة للتحقيق في بعض الأراء الواردة في أعمالها! وهي حالياً تقيم في بريطانيا وترفض العودة للاستقرار في بلدها حتى أنها لم تحضر جنازة جدتها، واكتفت بكتابة الإهداء لها في مقدمة الرواية التي هي موضوع حديثنا اليوم.


رواية 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب (جثة وحياة أخرى):

تبدأ أليف شافاك الرواية بالبطلة وهي ميتة! والبطلة ليلى هي عاهرة قد تم قتلها بوحشية وإلقاء جثتها في مقلب قمامة، وقد توقف قلبها عن العمل بالفعل والقصة بأكملها تدور في الـ 10 دقائق والـ 38 ثانية المتبقية من حياتها التي يعمل خلالهم دماغها قبل أن يتوقف عن العمل وتموت كلياً.

تتذكر ليلى حياتها السابقة في وصف ثري بالحواس، حيث يتم تجسيد كل شيء: صوت وصورة، ورائحة؛ فتتذكر مثلًا: نشأتها في مدينة تركية صغيرة وطفولتها البائسة المليئة بالصعاب مع أبيها القاسي المتزوج من امرأتين، وقمعها وسلب حرية الاختيار منها في طفولتها حيث كان كل شيء ممنوعًا بلا سبب.

ووالدتها التي أجهضت أكثر من مرة حتى رُزقت بإبنة فأخذها والدها منها وأعطاها لزوجته الأخرى بحجة أن والدة ليلى تستطيع إنجاب المزيد من الأطفال في أي وقت، المجلات الغربية والسجائر التي كانت تتسلل بهم إلى المنزل بعد عودتها من المدرسة.

فرارها من البيت إلى إسطنبول هربًا من زيجة تم ارغماها عليها، وقوعها في حب طالب أتى لبيت الدعارة التي تعمل به بحثًا عن ملجأ يحتمي به أثناء إحدى المظاهرات، مذاق لحم ضأن الأضحية التي قدمها والدها احتفالًا بولادة طفل ذكر له، القدور التي تغلي بالليمون والسكر التي تستعملهم النساء لإزالة الشعر من أجسادهن بينما أزواجهن يصلون في المساجد، رائحة القهوة التي احتستها مع الطالب الذي أحبته.

رواية صادمة جداً، تحمل الكثير من الواقعية المجردة المفعمة بالتفاصيل المؤلمة. تحاول الكاتبة فيها تسليط الضوء على المهمشين الذين عاشوا وماتوا على هامش الحياة! يحسب للكاتبة فيها وصفها الدقيق لمشاعر هؤلاء، والتي نقلها الوصف بالكلمات أكثر مما يمكن لأي كاميرا أن تفعله.


تيمة الصداقة

الحقيقة أن تيمة الصداقة تُعد من التيمات الأساسية في الأدب والدراما التركية على حدٍ سواء، فلا تكاد تخلو قصة أو عمل درامي من وجود الأصدقاء الذين دائماً ما يشكلون عائلة ثانية لأبطال العمل فهم متواجدون دائماً في كل الأوقات ومستعدون دائماً للمساعدة مشكلين مصدراً دائماً للنصح والدعم والمواساة.

في هذه الرواية أيضاً ركزت الكاتبة على وجود الأصدقاء الذين أصبحوا العائلة الحقيقية للبطلة ليلى في ظل عدم تواجد عائلتها الأصلية. وعلى الرغم من حياتها البائسة فقد كان لأصدقائها الخمسه الفضل في وجود بعض اللحظات المشرقة وسط غمام حياتها الدائم. فأصدقاؤها المنبوذون مثلها هم من تولوا قضية البحث عنها في كل مكان منذ الحادثة وتنتهي أحداث الرواية بعثورهم عليها في مقابر (الذين بلا رفقة) على حد تسمية الكاتبة لها.

إنها صرخة للمنبوذين ومن هم بلا صوت في بلدها الأم تقدمها شفق على صفحات الرواية، وقد صرّحت شفق لصحيفة الإندبندنت أنها تؤكد على أهمية الصداقة خاصةً في المجتمعات المقهورة تحت وطأة الأنظمة المستبدة حيث ترى أنها تكسر حدة الظلم وتفتح باباً من الأمل.

وقد صرّحت الكاتبة لصحيفة واشنطن بوست وفي أكثر من مقابلة مصورة ظهرت بها أنها قدمت الصداقة في الرواية على أنها عائلة موازية للفرد أطلقت عليها اسم “عائلة الماء” تختلف عن “عائلة الدم” التي ينتمي إليها تلقائياً عند الولادة، وهي ترى أنها عائلة حقيقية وقد تتفوق أحياناً على عائلة الدم وتصبح “عائلة تعويضية” للفرد حين يتم الإساءة له بواسطة أفراد عائلته الحقيقين.


صرخة بلا صوت

الرواية صرخة مدوية الأثر تطلقها أليف شافاك في وجه المجتمع القامع لحريات المرأة منذ طفولتها وحتى بلوغها. فهي تنقل صورة حية للطريقة التي تتم بها معاملة المرأة في تركيا والمجتمعات العربية عمومًا المتسمة بالقهر الذكوري ومحاولات فرض السلطة باسم الدين والعرف، فإسطنبول هي: “مدينة الوهم، خدعة سحرية قام بها ساحر ما لكنها لم تسر بالشكل الصحيح” كما وصفتها الكاتبة في الرواية.

رواية أليف شافاك بصفة عامة هي رحلة ساحرة لتركيا التي لا نعرفها، وجولة تعريفية بتاريخ تركيا الحديث كما تصفها صحيفة الإندبندنت؛ الكاتبو تتحدث فيها عن المحاولة الإنقلابية الفاشلة على أردوغان في 15 يوليو 2016 التي قام بها مجموعة من ضباط القوات المسلحة، وأدت لسقوط العديد من الضحايا، وجسر البوسفور الذي قابلت البطلة عنده حبيبها الطالب والناشط السياسي لأول مرة، والذي تم تغيير اسمه لجسر شهداء 15 يوليو، والأسطول الأمريكي السادس الذي وصل لجسر البوسفور لحماية سفينة شركة أمريكية تعمل في التنقيب عن النفط والغاز ونفت وجوده تركيا، والأفكار، والحريات، وهواء تركيا المعبأ بالثورة، والعلاقات التركية الكورية الجنوبية.

في النهاية لا يسعنا القول سوى إن رواية أليف شافاك -بكل ما فيها من تفاصيل تمس الروح الإنسانية- تصنع حالة خاصة جداً تستحق القراءة، بل هي من الروايات القليلة التي تحول الصورة المكتوبة بالكلمات إلى صورة حقيقة ملموسة واضحة الألوان.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.