مراجعة فيلم «The Mist»: أن تكون حبيس هواجسك، هذا هو الرعب الحقيقي!
6 د
قليلة هي الأفلام التي عندما تنتهي منها تجعلك تفكر في أبعادها وفلسفاتها، فتلك هي الأفلام التي برع كاتبها في إبراز مكامن الوهن في النفس البشرية، وناقش منظورًا خفيًّا من الذات البشرية نحاول بشدة أن نتبرأ منه أو نُغلّفه برداء التحضر الفضفاض. الآن نحن أمام فيلم تقييمه على IMDB هو 7.2 من 10. لكن من وجهة نظري، وبدون مبالغة، أرى أنّه يستحق العلامة الكاملة وعن جدارة! لماذا؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذه المراجعة.
القصة
الفيلم قصته مقتبسة عن رواية لكاتب الرعب الأشهر ستيفن كينج، والتي تحمل نفس الاسم. تبدأ الأحداث عندما تزأر السماء بعنف في ليلة ما وترمي بشجرة قريبة إلى المنزل الريفي للفنان «David Drayton»، فيذهب للمدينة بصحبه ابنه ليشتري لوازم إصلاح ما حدث، واعدًا زوجته بأنّ كل شيء سيكون على ما يرام.
لكن وبينما هو بالمتجر، يجتاح المدينة ضباب غريب يحوى كائنات مجهولة المصدر تأكل البشر. يصير البطل وابنه بجانب عشرات المُتبضعين الآخرين محبوسين بمركز التسوق التجاري، مُحاولين البقاء آمنين من الغزو المتواتر لتلك المخلوقات البغيضة. لكن أسيدوم السلام بينهم؟ أسيدوم الأمان من تلك المخلوقات؟ أو حتى سيدوم أمانهم من أنفسهم؟! هذه أسئلة ستجيب عنها بأقسى إجابة ستستقر في سريرتك بعدما تنتهي من هذا الفيلم.
انطباع عن القصة
مخلوقات فضائية ورحلة مضنية من أجل النجاة أليس كذلك؟ ما المميز في تلك الحبكة التقليدية ذات الركائز المتشابهة فيه جميع الأفلام والروايات؟ حسنًا، دعني أقل لك ما المميز هنا. لكن قبلها يجب أن أحذرك، يوجد حرق كبير هنا للقصة.
أصدقكم القول، في البداية كان كل شيء عاديًّا، بعضهم يدعون ربهم بالخلاص، آخرون يحرسون أطفالهم في صمت، وآخرون ينتحرون كيلا يُعانون أكثر. لكن الذي جذب انتباهي هو التصاعد الدرامي في شخصية السيدة «Carmody». في علم النفس توجد متلازمة نفسية تُدعى «التأليه الذاتي – God complex»، وفيها الشخص يجد نفسه إلهًا في كل شيء يفعله وأنّه الأوحد في مجاله. تلك، السيدة لديها عقدة أقل حدة بقليل، أنّها هي رسول الإله الجديدة في الأرض، وتحمل تعاليمه إلى الذين ضلّوا طريق الهداية لتُنير طريقهم الملبد بالغيوم إلى جنّات الرب العُليا. لكن هل توقفت عند هذا الحد؟ بالتأكيد لا!
ستيفن كينج هنا يشرح لنا بطريقة غير مباشرة طريقة صنع الطاغية، وكيف تجعله مستمرًا في قهر العبيد، وكيف في النهاية تضع لجبروته حدًا. تلك، السيدة رأت أنّ الأُناس مذعورون، والوحوش بالخارج تهجم بمواعيد ثابتة، وبناءً عليه بدأت في جعل سكون الوحوش – في معادهم المحدد – مقرونًا بالقربان الذي يقدمونه لهم، فقط أعطهم ذلك الشخص ليأكلوه، والرب سيدعنا وشأننا الليلة، ويحدث ذلك بالفعل، حتى باتوا يصدقون أنّها روحانية وتحمل كلمة الرب. تلك الشخصيات في بدايتها لا تعلم أنّها ستكون القدوة والملاذ، وأنّها ستصبح ذات سطوة وبأس شديدين إلّا متأخرًا، ومن هنا تتحكم في زمام الأمور، وهذا تجلى في نظرة الرعب التي تملكت قسماتها عندما دعت ضابط الجيش بيهوذا الذي علم سر كل ما حدث ويُنكر أنّ له دورًا فيه، وعليه قام أحدهم بقتله، وبدورها سيطرت على الموقف وأمرت برميه للوحوش لتأكله وتلعق دمه الآثم، كل هذا من أجل التكفير. التكفير عن ماذا؟ بالطبع عن الخطايا التي أوهمتك أنّك ارتكبتها في حق الرب وفي حق نفسك وفي حق البشرية جمعاء!
نيكولو ميكافيللي سابقًا طرح في كتابه “الأمير” كيف يمكن للطاغية أن تُصنع من العدم وتتلفح برداء الألوهية. الآن قام كينج بالسير على خطاه وصنع تلك الطاغية الروحانية. نفس المبدأ في كل زمان ومكان، كثيرون يتحدثون باسم الإله، وكثيرون ينصاعون لهم كالثيران تحمل أرسانًا. الهاجس هو الذي خلقته تلك السيدة في نفوس البشر المذعورين، وبه تحكمت بهم كالأغنام! لكن سطوة العقل تطغى عليها سطوة السلاح، وهذا كان الرادع الأوحد لها في الفيلم.
الشخصيات:
الشخصيات بشكلٍ عام كانت كثيرةً جدًا، لكن يمكن القول أنّ الكاتب وصائغ السيناريو ركزا على شخصية البطل، وشخصية المرأة الروحانية. بجانب بعض الشخصيات المعدودة بالمنتصف والتي تلعب دور قوى الموازنة بين هذا وذاك، شخصية البطل تحاول دعم جميع الشخصيات الأخرى إلى أن يصلوا جميعًا إلى حل لتلك المأساة، وعلى الصعيد الآخر ينصب تركيزه على ولده المسكين وزوجته التي لا يعلم ماذا حلّ بها، والمرأة الروحانية كانت في البداية تنشر كلمة الرب بسلمية، لكن عندما وصلت لمحل سلطة بدأت في فرض سيطرتها تمتعت بالغرور والكبرياء والتسلّط الشديد، وهذا يُعتبر أكبر تحول درامي في الفيلم كله.
التمثيل:
قدم «Thomas Jane» دورًا صعبًا في لعبه لشخصية البطل، فتوجب عليه أن يكون أبًا عطوفًا، ورجلًا حازمًا في نفس الوقت، وهو دور يعتمد على الحركة بشكلٍ كبير وتقمص شخصية الرجل ذو الألف حل، وتتلخص عبقرية هذا الممثل في مشهد النهاية الذي سنتطرق إلى الحديث عنه في ذيل المراجعة. بجانب التمثيل المتواضع لسائر طاقم العمل من الممثلين الرئيسيين أو الشخصيات المساعدة.
الإخراج:
الإخراج حقًا أسرني. سواءٌ كان داخليًّا بقلب مركز التسوق، خصوصًا أحداث هجوم المخلوقات الغريبة عليهم بغتةً، وحالة الهرج والمرج التي اجتاحت المكان، أو خارجيًّا في المشاهد الواسعة الزوايا التصويرية للمخلوقات وهي تتحرك وهم بالأسفل مثل: الحشرات التي يسهل دعسها في ثوانٍ. بجانب بعض اللقطات التي أعجبتني ومن ضمنها مشهد تمركز فيه البطل بمنتصف كادر التصوير حاملًا ولده ومن يمينه ويساره رفوف المنتجات متواجدة بشكلٍ يقسم الشاشة إلى نصفين متساويين. يذكرني حقًا بمنظور الـOne point الخاص بستانلي كوبريك. Frank Darabont، لك حقًا فائق احترامي، والجدير بالذكر أيضًا أنّ المخرج هو صائغ السيناريو أيضًا.
الموسيقى:
الموسيقى الحقيقية هي التي تجلت وسيطرت على مشهد النهاية، وبها تم ترسيخ المغزى الفلسفي من الفيلم بقوة في عقل وقلب المشاهد بشكلٍ تعجز كثير من الأفلام على الوصول إليه.
النهاية: انطباع خاص (يوجد حرق شديد)
والآن للفقرة المنتظرة، فقرة النهاية!
الآن خمستهم جالسون بالعربة، الوقود نفذ منهم تمامًا، والضباب يحيطهم من كل جانب. ما هي إلّا لحظات ويأتيهم الموت في أشد صوره إيلامًا وقسوةً، فلما لا نُنهي حيَواتنا هنا والآن؟ لكن لدينا 4 طلقات فقط. لا تقلقوا سأتولى أمر نفسي وقتلهم جميعًا، وابنه معهم، ثم جلس ليفرغ كل ما اعتمل في صدره منذ بداية هذا كله، وخرج لمخلوقات الضباب طالبًا الخلاص! لكن تأتي الصدمة الأشد قسوةً في دخول دبابات الجيش عليه وخلفهم تسير عربات تحمل الناجين من هذه المذبحة البشرية! ثوانٍ كانت تفصل بين حياة ابنه والموت! حياة الجميع والموت! وهو لم يصبر وأرداهم جميعًا قتلى ليعيش مع الذنب طيلة حياته البائسة. قوّة هذه النهاية تكمن في أنّ خاتمة الشيء ليس بالضرورة أن تكون ورديةً، وأن يعيش الجميع في سلام ومحبة وينتهي الأمر على خير.
يمكن للظروف أن تأخذ منحنيات سوداوية ومتطرفة في بعض الأحيان، مما ينتج عنه مشاهد درامية مُدمية للقلوب ومُذيبة للنفوس، والجدير بالذكر أنّ نهاية الرواية كانت مختلفةً عن نهاية الفيلم، ففي الرواية تدخل الجيش في الوقت المناسب وعاشوا، وهذا يجعل The Mist من الأفلام القليلة التي تتفوق على الروايات الأدبية التي أتت منها!
رأي شخصي
فيلم The Mist يستحق العلامة الكاملة بكل تأكيد، وتحفة فنية مدفونة بين آلاف الأعمال الغثّة الحالية. أنصحكم به بشدة وفي أسرع وقت، فهناك الكثير بانتظاركم دون شك.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
صراحة صديقي الكاتب لم تترك لي اي شيئ حتى استطيع ان اضيفه
مقال ممتاذ مثل الفيلم . مشاهدتي للعمل قديمة جدا و مع ذلك هو من الافلام القلائل التي اتذكر كل احداثها رغم مرور وقت طويل على مشاهدته و هذا لشدة تأثري به , القصة و كل شيئ ممتاذ و لكن حقيقة القبعة ترفع للمخرج الذي ابتعد عن الترنيمة المعتادة لافلام الرعب و السطحية و ادخل معتركات نفسية جعلت الفيلم اعمق بكثير من مجرد فيلم رعب جيد
تقييمي الشخصي : 8 من 10
فيلم ممتاذ