هل يلجأ هؤلاء لورش التمثيل؟.. نجوم تخاطر بتجسيد أيقونات سينمائية لا تُنسى
10 د
يفترض البعض بداهة أن التمثيل يتطلب بعض الموهبة وقدرة على الحفظ والإلقاء الملون بطبقات عاطفية متنوعة لكن وفي الحقيقة التمثيل أكثر بكثير من هذا فقط.
إن التمثيل فن صعب دقيق يتطلب كماً مقبولاً من الموهبة وتطوراً مستمراً في الأداء الخاص بالممثل سواء عن طريق الورشات التمثيلية أو الدورات التدريبية التي تطيل عمر الممثل الفني وتصقل موهبته وتمنح أداءه رونقاً وحيوية متجددة أو عن طريق تدريبات مكثفة قد تكون بعيدة عن التمثيل لكنها مهمة لإضفاء واقعية مميزة للدور.
أحياناً قد يتطلب الأمر بعض الجنون لو أردت أن تقدم دوراً مذهلاً، وهذا ما يجعل بعض الممثلين نجوماً ساطعة في سماوات الفن السابع بعد دور واحد فقط إنه الجنون والشغف الأسطوري الذي يخلق أداء تمثيلياً لا ينسى.
في مقالنا اليوم بـ "أراجيك فن" سنسلط الضوء على مجموعة من الممثلين الذين تجاوزوا كل الحدود وفعلوا ما هو أكثر من اللازم لتقديم أدوار أصبحت نقلة نوعية غير المسبوقة في مسيرتهم وأيقونة لا تنسى في ذاكرة السينما.
رينيه زيلويغر وأداء لا ينسى
(Judy (2019
لم تكن جودي غارلاند مجرد مغنية عادية، إنها أيقونة سينمائية استعراضية ومصدر فخر لا ينتهي لهوليوود؛ لذا فقد كانت فكرة تجسيد حياتها القصيرة المضطربة تحدياً مفعماً بالمخاطر أمام ممثلة غابت عن الشاشة لأعوام هي رينيه زيلويغر، لم تنجح رينيه في تجسيد دور جودي فحسب بل أعادتها إلى الحياة بأداء استثنائي فاق أوسع الخيالات.
بدت رينيه نسخة من جودي المرهقة من الشهرة المبكرة والإدمان والمرض لكن الأمر الأكثر اذهالاً كان أن رينيه غنت كل أغاني الفيلم بصوتها الحقيقي أمام جمهور حي، صحيح أن رينيه قدمت من قبل أدوراً سينمائية غنائية، لكن أن تغني كجودي غارلاند هذا تحد من نوع مختلف للغاية.
لذا ولأنها رغبت في منح جودي الألق الذي تستحقه تدربت رينيه لساعات طويلة وأخذت دروساً خاصة في الغناء كي تتمكن من التلاعب بأحبالها الصوتية بغية تقليد صوت جودي المبحوح المميز الذي نشأ عقب أعوام طويلة من إدمان الكحول والمخدرات.
إضافة إلى أنها درست ساعات طويلة من التسجيلات لتتمكن من التقاط نبرة صوت جودي الخشنة المنخفضة، جهد جبار جاءت نتيجته واحداً من أفضل التجسيدات السينمائية التي شاهدناها وجائزة أوسكار مستحقة لرينيه زيلويغر التي أحبت جودي للغاية كما هو واضح من براعة ودقة تجسيدها للطفلة التي سرقت هوليوود طفولتها بحجة الفن والشهرة.
ليوناردو دي كابريو صائد الجلود
(The Revenant (2015
أدوار ليوناردو دي كابريو لا تعد ولا تحصى إنه واحد من أفضل ممثلي هوليوود وأكثرهم وسامة بالطبع، لأعوام قدم ليوناردو أدواراً قوية رشحته لأوسكار خسرها لصالح ممثل آخر مرة تلو مرة حتى أنصفه صائد الجلود هيو غلاس أخيراً وبعد طول انتظار نجح دي كابريو في اقتناص أول أوسكار في مسيرته الحافلة.
كانت البيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم قاسية بحق لذا فقد كان تجسيد الأدوار مهمة ثقيلة على جميع الطاقم خاصة بطل الفيلم، لأجل هيو غلاس خيّم ليوناردو في درجات حرارة غير المحتملة وتعلم طرق النجاة في البرية في ظروف لا إنسانية كما أنه نام في جثة حصان نافق وتناول لحم الجاموس النيء.
إضافة إلى أنه أصر على السباحة يومياً في أنهار باردة متجمدة طوال فترة التصوير القاسية التي استمرت تسعة أشهر للانسجام مع شخصية غلاس وحياته القاسية حتى أنه تعرض مراراً لانخفاض خطير في حرارة جسده.
لقد أراد ليوناردو أن يندمج بكل حواسه في عالم هيو وأن يكون أداؤه صادقاً حقيقياً في الواقع لو كنت من معجبي ليوناردو فستعلم أنه نباتي متحمس لذا فإن أكله لكبد نيء كانت تجربة غير السارة بشكل لا يصدق.
لقد أخذ ليوناردو الدور إلى أقصى حدوده وبذل مجهوداً يفوق المتوقع منه جهود نالت ثمارها بنجاح غير المسبوق وأوسكار تزين المسيرة السينمائية لنجم موهوب عشقناه منذ عرفناه كجاك في فيلم التايتنك.
ناتالي بورتمان والسعي الجنوني إلى المثالية
(Black Swan (2010
يعد فيلم البجعة السوداء علامة فارقة في تاريخ ناتالي بورتمان ويمكن القول بلا خطأ كبير إنه الدور الذي رسّخ شهرتها، استوحى الفيلم قصته من مسرحية بحيرة البجع الشهيرة لكنه أخد القصة إلى أكثر نواحيها ظلمة عن طريق حكاية قصة نينا راقصة الباليه الساعية بلا وعي إلى الكمال المطلق.
كان دور بورتمان مثيراً للقلق بلا شك وتطلب من الممثلة جهوداً خرافية، إذ عاشت على نظام غذائي من اللوز والجزر لتحافظ على الجسد الرشيق الصغير لنينا التي تفعل المستحيل لأجل الوصول إلى حلمها.
كما أنها تدربت على الباليه لعشرة أشهر قبل بدء التصوير، في الحقيقة تمتلك بورتمان خبرة في الباليه، إذ أنها أخدت دروساً في طفولتها لكن شتان بين طفلة تتعلم الباليه للتسلية وممثلة تتعلم الباليه لتجسد دور راقصة محترفة.
لقد أمضت بورتمان حوالي ثماني ساعات يومياً في تمارين الرقص التي كانت مرهقة للغاية وخطيرة أيضاً، إذ تسببت لها بارتجاجات وكسور في الأضلاع بسبب التدريبات الشاقة، كانت ناتالي كنينا تماماً تسعى بجنون إلى الكمال.
لكن نهايتها كانت مختلفة لحسن الحظ إذ أنها ونتيجة للجهد الخرافي المبذول الذي جعل من البجعة السوداء واحداً من أفضل أدوارها نالت ناتالي بورتمان جائزة أوسكار عن دورها هذا كاعتراف مثالي بجهدها ومثابرتها لأجل الدور الذي غير حياتها قطعاٌ.
جايمي فوكس وبراعة تجسيد الموسيقي الضرير
(Ray (2004
دومًا ما تحمل أفلام السير الذاتية مخاطرة كبيرة خاصة لو كانت الشخصية معروفة وذات شعبية كبيرة أو ما زالت على قيد الحياة وهو ما حصل في فيلم Ray الذي روى السيرة الذاتية لواحد من أشهر موسيقيي السولو في العالم راي تشارلز الذي يعتبر أسطورة من أساطير الغناء في العالم.
رغم أنه ومنذ طفولته قابع في عالم مطلق من الظلام بسبب إصابته بالعمى، كان راي ما يزال على قيد الحياة عندما بدأ تصوير الفيلم واستطاع أن يقرأ النص الخاص بالفيلم بعدما تمت ترجمته إلى لغة برايل لأجله.
لكنه توفي قبل عرض الفيلم جماهيرياً، لذا فقد أصبح التحدي أمام صناع العمل أكثر صعوبة ففيلمهم سيكون تكريماً لذلك الرجل الذي أغنى العالم بموهبته.
كان التحدي الأكبر واقعاً على بطل الفيلم الذي جسد شخصية راي جايمي فوكس الذي أدرك حساسية دوره فبذل جهوداً تفوق الخيال لأجل دور راي فاتبع نظاماً غذائياً قاسياً لإنزال وزنه كي يحاكي جسد راي النحيل.
كما أنه قبل وضع جفون اصطناعية على عينيه لـ 14 ساعة يومياً ليحتضن الظلام الذي عانى منه راي طوال حياته الأمر الذي كان صعباً للغاية على الممثل حتى أنه عانى في الأسابيع الأولى من نوبات هلع بسبب الظلام الدائم الذي أرغمه الدور على العيش فيه.
وإضافة إلى كل هذا تعلم فوكس العزف المتقن على آلة البيانو، رغم أنه لا يمتلك أي خبرة سابقة في العزف كانت نتيجة هذه الجهود الكبيرة فيلماً يليق بأيقونة غنائية وأداء لا ينسى من فوكس الذي نال أول جائزة أوسكار في مسيرته التمثيلية بعدما نجح في تكريم الموسيقي الذي رحل عن العالم قبل أن يعرض الفيلم الذي حكى رحلته الطويلة الصعبة.
هيلاري سوانك ملاكمة شرسة
(Million Dollar Baby (2004
يعتبر Million Dollar Baby واحداً من أفضل وأقوى الأفلام التي تناولت رياضة الملاكمة إنه فيلم قاس عميق متفرد ولاشك أن الجهود المذهلة لبطلته كان أحد أبرز أسباب نجاحه الأسطوري.
لقد كرست هيلاري سوانك نفسها بالكامل لأجل شخصية ماغي فيتزجيرالد فاكتسبت ما يقارب 20 رطلاً من الوزن الذي حولته إلى عضلات بسبب تدريبات مكثفة قاسية على رياضة الملاكمة لعدة ساعات يومياً.
إضافة إلى رفع الأثقال والالتزام بحمية غذائية خاصة لتحويل شكل جسدها بالكامل ومنحها أكتافاً عريضة تليق بشخصية ماغي.
كما أنها اضطرت للتخلي بشكل شبه كامل عن أنوثتها فماغي التي تطمح لأن تكون بطلة ملاكمة لن تكون عارضة أزياء رقيقة بالقطع، لكن عنف الشخصية لم يمنع هيلاري من تقديم أداء عاطفي عميق وتحقيق ثنائية درامية رائعة مع الأسطوري مورغان فريمان.
توجت جهود هيلاري الجبارة بإشادات نقدية واسعة وشعبية جماهيرية رفعت من شهرة هيلاري إضافة إلى أرفع جوائز عالم الفن السابع الأوسكار التي نالتها هيلاري سوانك باستحقاق لا يمكن إنكاره، لقد كانت نهاية ماغي فيتزجيرالد قاسية للغاية لكن لحسن الحظ كانت نهاية هيلاري سوانك سعيدة مفعمة بالنجاحات الكبيرة.
أدريان برودي العازف المشرد
(The Pianist (2002
رغم أن المخرج رومان بولانسكي منبوذ من قبِل هوليوود إلا أن تجاهل تحفته الدرامية The Pianist كان صعباً بشكل لا يصدق، كان الفيلم الملحمي من بطولة أدريان برودي الذي كان في العشرينات من عمره آنذاك لكنه ومع ذلك أذهل هوليوود والعالم بأداء حساس متقن خالد يستحيل أن ينسى.
لقد أراد برودي أن يفهم بشكل كامل فلاديسلاف شبيلمان عازف البيانو اليهودي البولندي الذي نجا بمعجزة من الهولوكوست لكنه خسر كل شيء في لحظة واحدة، لأجل الشخصية تخلى برودي عن شقته وباع سيارته وعاش في أوروبا شبه مشرد كي يتمكن من فهم الألم القابع وراء شخصيته.
كما أنه اتبع نظاماً غذائياً قاسياً أفقده حوالي 30 رطلاً من وزنه في ستة أسابيع فقط كي يحاكي ويتفهم معاناة شبيلمان مع المجاعة، إضافة إلى كل هذا أخذ برودي دروساً في العزف على البيانو ودروساً خاصة كي يتمكن من التحدث بلهجة بولندية تليق بشخصية العازف المشرد.
إن كل من شاهد أداء برودي الحساس الذي أدمى القلوب سيكون قادراً على لمس الجهود المبذولة خلف هذا الدور المعقد الذي أكسب الممثل الشاب جائزة أوسكار وسط منافسة قوية ودخل أدريان برودي التاريخ من أوسع أبوابه كأصغر ممثل يفوز بجائزة أوسكار عن عمر يناهز 29 عاماً فقط بدور يعتبر واحداً من أفضل الأدوار التي شهدتها السينما عَبر الأعوام.
دانيال داي لويس القعيد الموهوب
(My Left Foot (1989
هناك وصف واحد يليق بأداء السير دانيال داي لويس في فيلم My Left Foot إعجازي! مما لا شك فيه أن داي لويس هو واحد من أهم وأعظم الممثلين الذين عرفهم العالم بموهبة فائقة وحضور طاغ وشغف لا نهائي استطاع دانيال داي لويس أن يحفر لنفسه اسماً في تاريخ السينما ككل لكن لدوره في فيلم قدمي اليسرى سحر لا يفوقه سحر.
اقتبس الفيلم عن قصة حقيقية عاشها الكاتب والرسام كريستي براون الذي ولد بشلل دماغي جعله عاجزاً عن تحريك جميع أطراف جسده بإستثناء قدمه اليسرى.
من المعروف عن دانيال داي لويس أنه يدخل إلى أعماق شخصيته ويعيش فيها إلى حد مقلق أحياناً ولأجل الدور لم يكتف الممثل الأسطوري بقضاء كثير من الوقت في إحدى عيادات مرضى الشلل الرباعي كي يتمكن من فهم حياتهم والصعوبات التي يعانون منها.
بل أصر على الالتزام بمقعده المتحرك ولم يفارقه لحظة واحدة طوال فترة تصوير الفيلم، كما أنه أرغم طاقم العمل على إطعامه وحمله من مكان لمكان كمقعد حقيقي، قد يبدو لك الأمر مخبولاً لكن داي لويس أراد أن يدخل إلى عالم الشخصية ورأسها ويعيش التجربة كاملة.
وليتمكن من فهم الأسرار الخفية خلف الرجل الذي تحدى أصعب إعاقة يمكن تصورها ونجح في مواجهة العالم بأسره بقدمه اليسرى فقط، كانت النتيجة النهائية لهذه التصرفات المريبة أداء تمثيلي أسطوري ضلعان مكسوران وجائزة أوسكار مستحقة بشدة لرجل أثبت أن التمثيل أكثر بكثير من مجرد حفظ وإلقاء لجمل حوارية.
إن ما يجعل دانيال داي لويس أسطورة تمثيلية هو ذلك الشغف المجنون الكاسح بشخصياته التي لم يفشل يوماً في تجسيدها يشكل مذهل يفوق كل خيال.
لقد أخذ كل من الممثلين الرائعين الذين ذكرناهم في هذا المقال الدور إلى أقصى حدوده الممكنة وضحوا بأجسادهم ومبادئهم لتقديم أداء يليق بالفيلم إضافة إلى دروس وتدريبات شاقة مجهدة أضافت سحراً واقعياً إلى أدائهم.
إن التمثيل مهنة متجددة لا يمكن ولا ينبغي للممثل أن يقبع ضمن حدوده الآمنة؛ فالتمثيل يتطلب الكثير من الجهود والدراسة والتطوير الذاتي، وهذا ما يجعل بعض الممثلين أساطير لا تنسى فيما يذهب بعضهم الآخر في غياهب النسيان.
لقد سميت السينما بالفن السابع لأنها جمعت الفنون الستة جميعاً ومزجتها لتخلق ذلك السحر الأسطوري الذي لم يستطع التطور التقني الهائل أن يقلل منه، لذا فإن كون شخص ما فرداً منتجاً في هذا العالم الساحر لهو أمر يتطلب الكثير من التعب والإصرار والتطور الدائم.
برأيك عزيزي القارئ لو أن أياً من هؤلاء الممثلين الذين ذكرناهم لم يجر دورات أو تدريبات مكثفة لأجل التحضير للدور هل كان ليفوز بالأوسكار أو يحقق كل هذا النجاح الأسطوري؟ غالباً ستكون الإجابة هي وبكل بساطة لا!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.