لماذا يقوم المخرج بصنع نسخة أخرى أو “Director’s cut” لفيلمه؟ 6 أفلام تُجيبك على ذلك.
8 د
مصطلح Director’s cut هو مصطلح سينمائي معروف ومعناه نُسخة المخرج، أي النسخة الخاصة بالفيلم والتي أصدرها المُخرج، والتي تكون مُختلفة عن نسخة الفيلم الأصلية. قد يكون هذا الاختلاف كبيرًا أو جزئيًا، قد يضع المخرج بعض الإضافات لتوضيح نقاط الغموض الموجودة فيه وخاصة للأفلام المُعقدّة، وقد تختلف النهاية كليةً أيضًا.
نُسخة المخرج هي رؤيته الخاصة والخالصة للفيلم، بعيدًا عن أية إضافات لمشاهد قد تراها شركة الإنتاج أو الموزعين ضرورية، أو العكس، يُمكن للمخرج أن يُضيف إليها ما تم رفضه من المُتحكمين بشكل جزئي في ظهور الفيلم للنور. أحيانًا المُخرج نفسه هو من يصنع نسخة يعلم أنها ستجذب شباك التذاكر أكثر بتفاصيل معينة ونهاية معينة مثلًا، في نفس الوقت الذي يُصدر نسخته الخاصة والتي يعلم أنّ أغلب الجمهور لن يُحبها.
لهذا يُمكننا اعتبار أنّ نسخة المخرج هي النسخة الأصلية للفيلم حتى ولو لم تُعرض في السينما ويراها الجمهور، لأنها النسخة الصادقة والأصيلة بعيدًا عن أي “توابل” قد توضع بالفيلم وتُغير منه لأسباب تجارية بحتة.
طبعا في الأفلام العربية بصفة عامة ليس شائعًا أبدًا إصدار نسختين مُختلفتين للفيلم الواحد، ولكن هذه الفكرة موجودة بكثرة في الأفلام خارج عالمنا العربي.
حاولت ان أجمع لكم قائمة بأفلام صُنعت لها Director’s cut لأسباب مُختلفة كما سيلي..
Daredevil
ستتعجب عندما تعرف أنّ هذا الفيلم الشهير الصادر عام 2003 له نُسخة أخرى أفضل بكثير من التي رآها المشاهدون جميعًا، وهذا بشهادة العديد من النقاد الذين يأسفون أنّ الجمهور لن يراها. الكثير ممّن رأى نسخة كاتب الفيلم ومُخرجه (مارك ستيفن جونسون) يتعجبون من كونه أصدر نسخة العرض الهزيلة هذه مقارنةً بالنسخة الأخرى الأكثر عُمقًا وترابطًا.
يقول النقاد إنّه من المحزن ألا يكون لـ(جونسون) السلطة الكاملة لعرض رؤيته الخاصة للفيلم في النسخة التي تم عرضها على الشاشات، وأنّ تدخل الجهة الإنتاجية في تفاصيل الفيلم من إضافة أو إلغاء قد أضرّ به. ممّا اضطر (حونسون) لإصدار نسخة أخرى مُعدّلة أفضل بكثير.
في نسخة (جونسون) صارت أفعال الشخصيات مفهومة أكثر، وتمكنّا من معرفة خلفياتها ودوافعها بصورة أفضل. شخصية الفيلم الرئيسية (ميردوك) التي جسدها بين آفليك صارت واقعية أكثر ويُمكن تصديقها، عكس نسخة العرض التي كانت تعرض صورة باهتة وسلبية لـ (ميردوك). ممّا جعل الفيلم في النهاية يبدو بصورة أعمق وأقرب للقلوب.
لهذا يُعدّ Daredevil حالة مثالية لفيلم كانت فيه Director’s Cut أفضل من الفيلم الأصلي. وهذا المثال ينطبق أيضًا على أفلام أخرى شهيرة مثل Lord of the rings و Kingdom of heaven.
Donnie Darko
في فيلم (دوني داركو) الصادر عام 2001 حدث العكس، وهو الفيلم الذي أحبه الكثير من الناس وإن لم يفهموه. قُمت بشرحه سابقًا في هذا المقال، ولم أكن لأفعل هذا لولا نسخة المخرج التي صدرت بعد عرض الفيلم بثلاثة سنوات، والتي فيها الكثير من الإضافات التي جعلت الفيلم قابلًا للتفسير أخيرًا.
كانت البداية عندما قدّم (ريتشارد كيلي) كاتب ومخرج الفيلم اعتذراً للجمهور عن نسخة الفيلم التي شاهدوها في السينما، قائلًا أنّها ليست النسخة الأصلية من الفيلم، وبعدها استطاع إقناع شركة 20th Century Fox بأن يقدم نسخة أخرى للفيلم تكون قابلة للفهم أكثر. وبالفعل عندما أضاف (كيلي) مشاهد تخص فصول من الكتاب الخيالي “السفر عبر الزمن” بحيث صارت واضحة للمشاهد في الـ DVD الذي صدر عام 2004، لم يعد الأمر بنفس الغموض أبدًا الذي كان عليه سابقًا.
الغريب أنّ أكثر مُعجبي الفيلم انتقدوا نسخته هذه، وقالوا أنّهم أحبوا الفيلم على سيرته الغامضة الأولى، وأنّ (كيلي) بما فعله في نسخته الجديده هذه يبدو كأنّه سيسقيهم الفيلم سقيًا على حد تعبيرهم . وهكذا كانت هذه النسخة فاشلة في هذه الحالة للأسف برغم نيّة المخرج الطيبة.
في رأيي أنّ من شاهد الفيلم وأحبه على هذا النحو، ليس عليه أن يشاهد الـ DVD ويحتفظ بالفيلم بصورته هذه في ذهنه، عكس من يود أن يفهم كل شيء لأن المتعة عنده مرتبطة بالفهم، هذا هو من يجب عليه مشاهدة نسخة المخرج.
أقرأ أيضًا: أفضل مسلسلات كورية عن الاضطرابات النفسية
Blade Runner
هل ميزّت هذا العنوان؟ ربما تعرف الفيلم الذي صدر حديثًا عام 2017 بعنوان Blade Runner 2049 بطولة هاريسون فورد، وإخراج (دينيس فيلنوف). ولكني أقصد فيلم آخر قديم بعض الشيء وهو النسخة الأصلية لفيلم (فيلنوف). الفيلم الأصلي عنوانه Blade Runner وقام بإخراجه (ريدلي سكوت) عام 1982، وكانت البطولة فيه لـ (هاريسون فورد) أيضًا. ضرب هذا الفيلم عددًا قياسيًا في عدد النسخ التي قام (سكوت) بإصدارها له، فبلغ عددها سبع بالتمام والكمال، أمّا نسخة 2017 لفيلنوف فتعتبر إصدار آخر للفيلم، ويعتبرها البعض نسخة ثامنة جديدة للفيلم ولكن بمخرج آخر.
أربعة من هذه النسخ صدرت في نفس العام 1982، وبعدها بأربعة سنوات ظهرت نسخة أخرى، وظهرت النسخة ما قبل الأخيرة عام 1992، أمّا النسخة الأخيرة فقد حملت اسم The Final Cut بمعنى النسخة الأخيرة أو التعديل الأخير عام 2007 وهو ما وافق عيد ميلاد الفيلم ال 25.
كل هذه النُسخ جعلت الأمر مُحيّرًا لمن يُريد أن يُشاهد الفيلم لأول مرة، فأي نسخة يُشاهد يا تُري؟ أيهما الأفضل؟ ومن الطريف أن تعلم أنّ هناك أكثر من كاتب كتبوا مقالات هي أشبه بالدليل لكل من يسأل مثل هذا السؤال، مُعتمدون في إجابتهم على شخصية السائل، واحدٌ منهم مثلًا سيسألك، هل تحب الأحصنة الخيالية ذوات القرون أو الـ Unicorn؟ إذن شاهد النسخة كذا، فهي ستروق لك، وهكذا مع باقي النسخ، فكل نسخة منهم لها ما يُميزها عن البقية، وهو ما جعل هذا الفيلم حالة خاصة فيما يخص الأفلام التي لها Director’s cut.
أقرأ أيضًا: برنامج الحصن يعود من جديد، وإليكم رابط التسجيل!
Léon
أمّا في فيلم ليون فالأمر لا يتعلق بنسخة أسوأ أو نسخة أفضل من الناحية الفنية، وإنما يتعلق بماتقبله أنت أخلاقيًا كمشاهد، وبما ترفضه. فقد صدرت نسخة فيلم ليون ذو الإنتاج الفرنسي لعام 1994 لكاتبه ومُخرجه (لوك بيسون) بصورة مُختلفة بالفعل عن النسخة الأصلية، مُختلفة بحيث أنّها حوّلت مسار العلاقة بين الشخصيتين الرئيسيتين (ليون) القاتل المُحترف، وماتيلدا الطفلة ذات الإثنا عشرة عامًا لإتجاه آخر غير بريء.
في النسخة الأصلية أغلبنا شعر ببعض التوتر وبعدم الراحة تجاه هذه العلاقة بين الشخصيتين، ولكن لم تكن هناك أية مشاهد تدل على أنّ بينهما شيئَا ما خاصةً أنّ الفتاة تعتبر طفلة. ولكن جاءت نُسخة المخرج لتضيف مزيدًا من ذلك التوتر، مع مشاهد تؤكد أنّ الصغيرة ماتيلدا، التي أدّت شخصيتها بصورة مُبهرة ناتالي بورتمان، تسعى لتجتذب ليون جنسيًا. بالإضافة لبعض المشاهد الأخرى التي تُثبت تورطها في قتل الجماعة من تجّار المخدرات بصورة مباشرة.
الغريب أنّ نُسخة المخرج صارت هي نسخة العرض الرسمية في بلدان أوروبا التي اختفت منها النسخة الأولى، والعكس حدث في أمريكا التي لا تعرف نسخة أخرى غير النسخة الأصلية، ويُقال أنّ المُنتجين خشوا من ألّا يتقبل الجمهور الأمريكي هذه العلاقة بهذا الوضوح، لذلك حرصوا على إخفاء نُسخة المخرج الخاصة.
Superman II
أمّا في الجزء الثاني من فيلم سوبرمان الصادر عام 1980، فقصة نُسخة المخرج الصادرة عنه قصة طريفة . المُخرج (ريتشارد دونر) كان هو من أخرج الجزء الأول للفيلم الشهَير، وبدأ في إخراج الجزء الثاني بالفعل، ولكن حدثت بعض الخلافات بينه وبين الجهة الإنتاجية للفيلم وقرّر أن يترك العمل غير مُكتمل. فجاء الإنتاج بالمُخرج (ريتشارد ليستر) ليحل محله، مع مراعاة أن يقوم بتعديل ما انتهى منه (دونر) بالفعل، وأن يُعيد كتابة وتصوير بعض المشاهد من جديد. بالإضافة لحذف كل المشاهد الخاصة بالممثل (مارلون براندو) لأسباب مادية. وظهر الفيلم بالفعل بنسخته التي حوت حوالي 75% من إخراج (ليستر)، و25% من إخراج (دونر) وبدون أي ظهور فيها لـ (براندو).
وفي عام 2006 صدرت نسخة المخرج (دونر) مُخرج العمل الأصلي، التي عمل عليها ليُخرجها بصورة لائقة مُعتمدًا على بقايا عمله القديم على الفيلم، وهي النسخة التي لاقت استحسانًا من الجمهور الذي رآها مُقنعة أكثر من نسخة (ليستر)، وبالتبعية ظهرت الشخصية التي يُجسدها (براندو) في الفيلم.
لذا فقد كانت نتيجة هذا الخلاف نسختان لفيلم واحد ولكنهما مُختلفان بصورة كبيرة جدًا، ويفصل بينهما خمسة وعشرون عامًا،
1408
بينما أبحث عن نُسخة المخرج الخاصة بفيلم كاتب الرعب الشهير (ستيفن كنج) 1408 الذي صدر عام 2007، وجدت أنّ النسخة التي شاهدتها منه قديماً، كانت هي نُسخة المخرج والتي أبرز ما يُميزها عن نسخة العرض هي النهاية المُختلفة تمامًا. مما جعلني أشعر أنّي قد شاهدت فيلمًا آخر حتى وإن اختلفت فيه النهاية فقط.
على أية حال، هذا الفيلم خير مثال على نُسخة المخرج التي تتضمن نهاية مُغايرة لنهاية النسخة الأصلية. ففيه يقوم (جون كيوزاك) بدور كاتب يكتشف غرفة بها قوى خارقة للطبيعة داخل فندق شهير اسمه (دولفين)، وتحمل رقم 1408. النهاية التى عُرضت وشاهدها الجمهور في صالات السينما كانت النهاية السعيدة- عكس ما حدث معي بالطبع- وفيها قام الكاتب بحرق الغرفة وهو داخلها ولكنه نجا من الموت.
أمّا نهاية نسخة المخرج (مايكل هافستروم) فقد كانت نهاية مأساوية، يموت فيها البطل مُحترقًا داخل الغرفة المشئومة، بينما يسمع كلمات ابنته الصغرى المتوفاة ترن في عقله: كل الناس تموت.
لحسن الحظ تمكنت من أن أجد النهايتين على موقع YouTube. هذه نسخة النهاية السعيدة
وهذه نسخة المُخرج (هافستروم)
وعلى ذكر النهايات المُختلفة، لابد من ذكر فيلم شهير آخر تم صنع أربع نهايات مُختلفة له من قبل المخرجان إريك بريس وجاي ماكي جروبر وهو فيلم The Butterfly Effect أو تأثير الفراشة. نهاية حزينة وهي نهاية نسخة العرض، ونهاية سعيدة، ونهاية أخرى مفتوحة. أمّا نهاية Director’s cut فكانت مُبتكرة، وفيها يتمكن البطل بطريقةٍ ما من الرجوع بالزمن ليعود إلى رحم أمه جنينًا، ليخنق نفسه بالحبل السُريّ وُينهي معاناته، مبتكرة بطريقة مأساوية كما نرى.
في النهاية The Director’s cut كما أرى هي فرصة أكثر حرية للإبداع لمخرجي السينما، إبداع بلا قيود من تحكمات الإنتاج أو متطلبات الجمهور، وهو ما يعود علينا في النهاية بعمل قد يكون جيدًا جدًا أو سيئًا جدًا أيضًا حسب رؤية المخرج، ولكنه في النهاية سيكون عملًا صادقًا، وهذا هو الفن الحقيقي بعينه.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.