مسلسل ونوس .. الشيطان الذي أحببناه

يحيى الفخراني فنان غني عن التعريف، له مكانة خاصة في قلوب مُحبيه، ورغم أنه لا يتوافق مع معايير الجان، فارس الأحلام، إلا أنه نجح في حَمل أعمال فنية كاملة على كتفيه، فيكون ليس بطلها الأوحد بالضرورة لكنه بطلها الأول وبعده بمسافة كبيرة يقف الآخرون.

فاز في تلك المعركة، ومازال يفوز بفضل ذكائه الفَنّي، واختياراته المُدهشة، ما يجعله أحد الأحصنة القليلة الرابحة التي يُمكن الرهان عليها مُقدمًا بأي عام سواء داخل الموسم الرمضاني أو خارجه.

وفي عام 2016 يعود لنا العبقري يحيى الفخراني للشاشة –بعد غياب – في مسلسل ونوس، وهو مسلسل درامي اجتماعي، يحمل بين جنباته الجانب الكوميدي، مع العلم أن آخر عمل كوميدي قدمه الفخراني كان في عام 2007 في مسلسل “يتربى في عزو”.

مسلسل مصري، بطولة يحيى الفخراني، هالة صدقي، نبيل الحلفاوي، محمد شاهين، حنان مطاوع، نهى عابدين، محمد الكيلاني، ونيكولا معوض.

وهو من إخراج شادي الفخراني وتأليف عبد الرحيم كمال، في ثالث تعاون للفخراني الابن مع الأب، بعد مسلسلي (الخواجة عبد القادر 2012، ودهشة 2014)، ورابع تعاون للمؤلف مع الفخراني بعد (شيخ العرب همام 2010، الخواجة عبد القادر 2012، ودهشة 2014).

وقد كان من المُقرر تسميّة المسلسل بالبداية “في بيتنا ونوس”، بعدها تم تغيير اسمه إلى “فِتنَة” غير أن صُنّاع العمل وجدوا الاسم غير مُلفت فقرروا تغييره مرة أخرى ليصبح اسمه الحالي.

تدور الأحداث حول أسرة مصرية يختفي منها الأب لمدة 20 عامًا، يترك خلفه زوجة وأربعة أبناء فتتولى زوجته المسئولية كاملة بينما الأب لا يعرف طريقه أحد. وبعد عشرين عاماً يظهر أحد أصدقاء الوالد فيُخبرهم أن لوالدهم إرثاً ضخماً، وعليهم إيجاد والدهم من أجل إقناعه بإمضاء الأوراق الرسمية المطلوبة لآخذ تلك الأموال، لأنه يرفض وبإصرار الحصول على الورث!

وبسبب ضيق حال الأبناء، وإلحاح “ونوس” صديق الأب يقوم باستمالة كل ابن على حِدة بطريقة ذكية وغير مُباشرة.

يلعب الفخراني بالعمل دور الشيطان، الذي قام بإغواء الأب بالماضي، فترك أسرته وسار خلف أحلامه وأهوائه مُرتكباً للآثام الدينية والدنيوية، ليصبح أداة بيد الشيطان، إلا أنه بعد عمر طويل يندم ويُقرر التوقف عما هو فيه، مُلتمساً العُذر والرجاء من الله، ما يُقلق راحة ونوس/الشيطان فيبدأ في لف الحبل حول عُنق أولاد الرجل لعله يرتجع عن التوبة.

ويبدو أن لعب دور الشيطان أقلق الرقابة على المصنفات الفَنية ما جعلهم لا يُجيزون العمل ويوافقون على تصوير المسلسل إلا بعد الاطلاع على نهاية العمل.

جدير بالذكر أن قصة مسلسل ونوس مأخوذة عن أحد الحكايات الألمانية الشعبية وشخصية “فاوست” الذي باع نفسه للشيطان مُقابل الدنيا وما فيها، على أن يقوم بخدمة الشيطان طوال حياته مقابل أن يمنحه روحه بعد الموت.

تلك الحكاية التي حولّها جوته لمسرحية أدبيّة، وتناولها بعده العديد من الكُتّاب الآخرين، وقد اقتبس المؤلف عبد الرحيم كمال قصة مسلسل ونوس عن تلك الحكاية الشهيرة، ليُقدمها لنا بمُعالجة عربية مُعاصرة.

السيناريو مُحكم ومتماسك، ورغم معرفة أصل الحكاية قبل عرض المسلسل إلا أن هذا لم يقف حائلاً بين حدوث مُفاجآت، والقُدرة على إثارة فضول المُشاهدين. إذ تميز العمل -بالرغم من تناوله قصة اجتماعية بحتة- بأنه غير باعث على الملل، والأهم جاءت الأحداث تصاعديّة ليرتبط المُتفرج بالمسلسل كل حلقة أكثر من التي قبلها.

أما الإخراج لشادي الفخراني فجاء ملائمًا تمامًا للحكاية، يُشعرك بالحميمية خاصةً في المشاهد الداخليّة التي هو بارع فيها. كذلك نجح في التعبير والتركيز على مباريات التمثيل بين النجوم بعضها وبعض دون تسليط الضوء على تفاصيل أخرى قد تسرق الضوء من الأبطال.

لأمين بوحافة، جاءت الموسيقى أيضًا مناسبة لروح العمل، يُمكن وصفها بأنها مُثيرة للتأمل وليس للأعصاب، كما أنها تدريجية بحيث تعلو في الأوقات المناسبة، والأهم أنها في وقت المباريات الدرامية لا تحتل المشهد بل تتراجع فلا يبقى في القلب والعين إلا آداء النجوم الكبار.

كالعادة يأتي يحيى الفخراني عظيمًا بآدائه التمثيلي، تعبيرات وجهه، ونظراته، وبالرغم من أن الأمر ليس بجديد أو غريب، ما يجعله مُتَوَقَّعا، لكنه مع ذلك يظل مُدهشاً وامتيازياً. ولعل المُثير للدهشة فعلاً هو أن يُجسِّد الفخراني دور الشيطان بتلك الكوميديا وخفة الظل التي تجعلك لا تعرف كيف تكرهه!

مثل نبيل الحلفاوي، وهالة صدقي، الذين يلعبون أدوارهم بشكل أكثر من رائع، يَدُل على نضجهم الفَنّي، والمنطقة العالية التي يقومون بالتمثيل منها، ما يجعل المشاهد التي تجمع أي منهما مع الفخراني من أقوى مشاهد المسلسل، التي تقف أمامها مبهوراً، لا يسعك سوى التصفيق بعد الانتهاء منها.

ولا يُعد هذا العمل التعاون الأول بين الثلاثي (الفخرانين الحلفاوي، وهالة صدقي)، إذ سبق لهم العمل معًا من قبل أكثر من مرة ما وهو ما يُبرر الكيمياء الهائلة بينهم.

وهُم النجوم الجُدد نسبياً لكنهم تعاونوا مع يحيى الفخراني من قبل، فأصبح وجودهم متوقعاً خاصةً وأنهم يرتاحون في العمل معاً، ويُقدمون أفضل ما لديهم من خلال أعمال قوية لها ثِقلها، حتى أن البعض أعاد اكتشاف هؤلاء النجوم بسبب عملهم مع الفخراني.

على رأس هؤلاء الممثلين حنان مطاوع وسماح السعيد، فحنان قدمت مع الفخراني مسلسل دهشه، وقصص الحيوان في القرآن، بينما سماح السعيد قدمت معه دهشه، وشيخ العرب همام. وفي هذا المسلسل يلعبان أدوار جديدة عليهما، ويلعبانها باحتراف خاصةً حنان مطاوع، التي تُعد أحد مفاجآت المسلسل.

وهم إما ممثلون جيدون لكنهم يعملون مع الفخراني لأول مرة فيُقدمون معه أدواراً جديدة على مشوارهم الفَنّي، يلعبونها باقتدار، فيزدادون تألُقاً، أو ممثلين ببداية مشوارهم لم ينتبه لهم أحد من قبل، وحين لعبوا أدواراً مع الفخراني ذاع صيطهم وأصبحوا نجومًا معروفين فيما بعد.

وهو ممثل لم يتجاوز تواجده على الشاشة العشر سنوات، إلا أنه استطاع أن يصنع له مكانة فنيه لدى النقاد والجمهور، ذلك لأنه يعرف كيف يُصَعِّد اختياراته تدريجياً، ليصبح في كل عمل أفضل مما سبق. وفي هذا المسلسل يلعب دور عزيز، الابن الطماع والانتهازي، وقد أجاد دوره بشكل كبير، وخاصةً في المشاهد التي تجمعه مع الفخراني.

والتي تلعب دور “دُنيا”، التي استطاعت لفت الانتباه لها بجدارة على الرغم من قِصر مشاهدها الدرامية في مسلسل ونوس، والتي أزعُم أنها ستزداد تألقًا في الحلقات القادمة، ورغم أن البعض يظنها وجهاً جديداً إلا أن هذا ليس صحيحاً، فهي قدمت عدة أعمال من قبل أشهرها:

(طوق النجاة 2010، تلك الليلة 2011، سيدنا السيد 2012، كاريوكا 2012، لعبة الموت 2013، ميراث الريح 2013، فرق توقيت 2014، الكابوس 2015).

يلعب دور الشيخ فاروق، وهو مُخرج ومُقدم برامج لبناني، اتجه للتمثيل بدايًة من 2010، ويُعد مسلسل ونوس عمله المصري الخالص الأول وليس إنتاج عربي مُشترك، ولعل من الجرأة أو الحظ الحسن أن يأتي أول الأعمال التي يدخل بها بيت الجمهور المصري هي مسلسل مع الفنان القدير يحيى الفخراني.

ورغم صعوبة اللهجة المصرية إلا أن يبدو أن نيكولا اجتهد كي يتعلمها قدر المُستطاع، وتدرب عليها كثيراً، ومن المُفترض أن تمر الشخصية التي يلعبها بالعديد من التحولات لننتظر كي نرى كيف سيتعامل مع تلك المعطيات الجديدة، وهل سيُحسن لعب الشخصية أم لا!

أحد عادات الفنان يحيى الفخراني تقديم وجوه جديدة، والوجه الأحدث في مسلسل ونوس هو محمد كيلاني، المُطرب بالأساس والذي يلعب دور نبيل الابن البار، ويجدر بنا الإشادة بتلك البداية المثالية تمامًا لكيلاني سواء على مستوى تواجده كمُطرب، أو كحجر أساس في مشواره التمثيلي.

لكل هذه الأسباب وأكثر، ورغم أن السباق الرمضاني مازال بأوله، إلا أننا ننصحكم بمُتابعة هذا العمل الدرامي المُتميز، والذي لن تنتهون منه خاليين الوفاض أبداً.