هل يؤثر القمر على حياة الإنسان أو صحته؟
5 د
هناك اعتقاد يربط بين دورة القمر وبعض التأثيرات على حياة البشر، مثل اضطرابات النوم وتغير المزاج والسلوك العدواني ودورة الحيض عند النساء. هذا الاعتقاد ليس جديدًا، حيث يعود إلى آلاف السنين. ورغم عدم وجود دليلٍ علمي يثبت صحته، ما يزال الكثيرون يؤمنون به.
لماذا يعتقد البعض أن هناك علاقةً بين القمر وصحة الإنسان؟ وما هو الأساس العلمي لهذا الاعتقاد إن كان موجودًا؟
في هذا المقال، سأقوم بمراجعة بعض النظريات التي تربط بين القمر وحياة الإنسان، وسوف أستعرض رأي العلماء والباحثين في هذه النظريات.
اقرأ أيضًا: علامات تجارية تحتفي بالذكرى الـ 50 للهبوط على سطح القمر
يمكن ملاحظة تأثيرات القمر على الأرض
يلعب القمر دورًا في عددٍ من الظواهر على كوكب الأرض، ولعل أكثر ظاهرة معروفةٍ هي المد والجزر، تحدث هذه الظاهرة بسبب تأثير جاذبية القمر، التي تسحب الماء وتؤدي إلى ارتفاع منسوبه في البحار والمحيطات.
للقمر أيضًا تأثير مباشر على بعض الكائنات الحية، على سبيل المثال، تطلق الشعاب المرجانية الأمشاج (البويضات والحيوانات المنوية) في الماء من أجل التكاثر في فترة من السنة عندما يكون القمر مكتملًا.
لأن العديد من الحيوانات تعتمد على الضوء للرؤية، يُفترض أنه عند اكتمال القمر، تستطيع الحيوانات المفترسة أن تصطاد فرائسها بكفاءة أكبر.
لاحظ البشر منذ آلاف السنين تأثيرات القمر هذه، وافترضوا أن القمر يمكن أن يؤثر على سلوكهم أو صحتهم الجسدية والعقلية.
تأثير القمر على الدورة الشهرية
يعتقد الكثيرون أن للقمر تأثير على دورات الحيض عند النساء، وهناك اعتقاد آخر يشير إلى أن احتمال حدوث الحمل يمكن أن يكون أكبر في مراحل معينة من دورة القمر، أو أن احتمال حدوث الولادة يكون أكبر عند اكتمال القمر. لكن الأشخاص الذين يروجون لهذه الاعتقادات لا يقدمون أي دليل يدعم صحتها.
الفكرة القائلة بأن الدورة الشهرية عند النساء تتأثر بدورة القمر تعود إلى حقيقة أن الدورة الشهرية تستمر 28 يومًا، وهي تقريبًا نفس المدة التي يستغرقها القمر ليكمل دورة واحدة حول الأرض. هذه الفكرة سطحية للغاية، فهي لا تأخذ بالاعتبار أن الدورة الشهرية عند الكثير من النساء تكون غير منتظمة وقد تختلف مدتها من امرأة لأخرى.
نشر موقع المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية عدة دراسات تقيّم أي تأثير محتمل للقمر على الدورة الشهرية عند النساء، في إحدى الدراسات، قام الباحثون بدراسة 980 دورة شهرية لـ 74 امرأة على مدى سنة كاملة. ولم يجد الباحثون أي تزامن بين المرحلة القمرية والدورة الشهرية.
في دراسة أخرى، تم الحصول على بيانات بدء الدورات الشهرية لـ 529 امرأة (تتراوح أعمارهن بين 25 و 39 عامًا) باستخدام تطبيق على الهاتف الذكي. ولم يجد الباحثون أي ارتباط بين بداية الدورة الشهرية والمرحلة القمرية.
بالنسبة لمعدل الولادات، أجرى الباحثون تحليلًا لـ 564039 ولادة خلال 62 دورة قمرية في ولاية كارولينا الشمالية بين عامي 1997 و 2001، أظهر التحليل عدم وجود تأثير للدورة القمرية على معدل الولادات.
نستنتج من ذلك أن تأثير القمر على الدورة الشهرية للمرأة أو الحمل أو الولادة هو أسطورة لا تستند لأي أدلة.
تأثير القمر على النوم
قبل أن يخترع البشر الضوء الاصطناعي، كان القمر هو المصدر الوحيد للضوء في الليل، لهذا السبب، من الطبيعي أن يكون للقمر تأثير على النوم، حيث يمكن أن تتغير مواعيد النوم خلال الدورة القمرية، فكمية الضوء التي تصل للأرض تكون في ذروتها عند اكتمال القمر.
أكدت دراسة أجراها باحثون في الرابطة الأمريكية لتقدم العلوم هذه الحقيقة، فقد أظهرت نتائجها أن النوم يبدأ في وقت متأخر ويصبح أقصر في الليالي التي تسبق اكتمال القمر عندما يكون القمر أكثر سطوعًا.
لكن الدراسة أكدت أن تأثير القمر على النوم محدود للغاية ولا يكاد يذكر في المدن والمناطق التي تستخدم فيها الإضاءة الصناعية، في حين يكون هذه التأثير أكثر وضوحًا في المجتمعات الريفية التي يكون فيها الضوء الصناعي محدودًا.
النتيجة هي أن توقيت النوم ومدته يمكن أن يتأثر بدورة القمر، لكن هذا التأثير يختلف بحسب البيئة التي يعيش فيها الإنسان.
تأثير القمر على الحالة النفسية والعقلية
إن الاعتقاد بأن القمر يؤثر على حياة البشر وعواطفهم هو أمر راسخ في تاريخ البشرية، وهناك نقاش مستمر حول العلاقة بين الدورة القمرية والأمراض النفسية.
لتأكيد هذا الاعتقاد أو نفيه، أجرى باحثون سويسريون دراسة إحصائية تم فيها تحليل بيانات 17966 شخصًا تلقوا العلاج النفسي. وتم الحصول على التقويم القمري من موقع المرصد البحري الأمريكي واستخدامه لحساب تواريخ اكتمال القمر وفقًا للموقع الجغرافي للعيادات التي تقع في كانتون جريسنس في سويسرا.
لم تُظهِر الدورات القمرية أي صلة بمعدلات قبول أو خروج المرضى النفسيين في العيادات، كما لم تكن هناك أي علاقة بين دورات القمر ومدة إقامة المرضى في العيادات.
تأثير القمر على حالات الانتحار
لا تزال فرضية التأثير القمري على الانتحار منتشرة على نطاق واسع، على الرغم من عدم وجود أدلة علمية تثبت ذلك.
أجريت دراسة إحصائية تم فيها تحليل بيانات الانتحار خلال الفترة بين شهر مارس عام 1988 ويونيو عام 2011، شملت الدراسة بيانات 2111 ذكرًا و 494 أنثى أقدموا على الانتحار في من مقاطعة أولو الفنلندية.
تمت مقارنة حالات الانتحار مع المراحل القمرية المختلفة، ولم يجد الباحثون أي ارتباط واضح بين حالات الانتحار ومراحل القمر.
تأثير القمر على السلوك
هناك اعتقاد بوجود علاقة بين القمر وأنواع مختلفة من النشاط البشري مثل السلوك العدواني والاعتداءات وجرائم القتل والحوادث المرورية. كانت الحجة التي يستند لها هذا الاعتقاد هي أن جاذبية القمر تسبب تغيرات دورية في السوائل داخل الجسم، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات عاطفية وسلوك عدواني لدى الأفراد المهيئين لذلك، تعرف هذه النظرية باسم “المد والجزر البيولوجي”.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نظريات أخرى تتحدث عن تأثير الموجات الكهرومغناطيسية أو إضاءة القمر كعوامل محتملة يمكن أن تؤثر على السلوك البشري وتسبب آثارًا صحية ضارة.
لمعرفة الحقيقة، أجريت دراسة إحصائية تم فيها تحليل بيانات جرائم القتل في فنلندا خلال الفترة بين 1961 – 2014، والتي تم الحصول عليها من هيئة الإحصاء الفنلندية، هذه الفترة الزمنية تتضمن 668 دورة قمرية. كانت نتيجة الدراسة سلبية، وأكدت عدم وجود علاقة الدورة القمرية وجرائم القتل.
اقرأ أيضًا: إذا كان العيش على أسطح الكواكب الأخرى حلمًا بعيد المنال.. لماذا ينفق البشر مليارات الدولارات في أبحاث الفضاء؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.