خريطة السماء لمحبي الرصد: دليل شامل

إذا كنت تقرأ هذه السطور الآن، فهذا يعني أنك مهتم بالسماء ورصد نجومها وكواكبها وشهبها وكل أجرامها المذهلة. لذلك، أنت بطل قصتي اليوم، سأعلمك الرصد وفهم خريطة السماء جيدًا. هل أنت جاهز؟ هيا بنا..

لقد كانت السماء بمثابة خريطة، ففي السابق كان الناس يهتدون بالنجوم أثناء السفر برًا أو بحرًا، ربما يبدو الأمر معقدًا بالنسبة لمعظم الأشخاص، خاصة في عصر التكنولوجيا الذي جعلنا نبتعد عن الطرائق البدائية المبنية على الملاحظة بالعين المجردة والتي كان يتبعها البشر لآلاف السنين.

مع ذلك، لم يهمل البشر السماء في عصرنا الحالي، حيث يهتم بها العديد من العلماء الذين يدرسون ويبحثون في علم الفلك، وهناك آخرون هواة لديهم شغف برصد النجوم والأجرام السماوية الأخرى. ولتسهيل الأمر، عليك معرفة بعض المعلومات الضرورية حول الرصد، لتفهم طابع السماء أكثر.

اقرأ أيضًا: لست بحاجة أجهزةٍ حديثة: دليلك لقراءة النجوم في حال ضياعك

بما أنك تقرأ هذا التقرير الآن، فهذا يعني أنّ لغتك العربية جيدة، وبنسبة كبيرة أنت تعيش في بلاد العرب، ما يعني أنك تعيش في النصف الشمالي للأرض. على أي حال، معظم سكان الأرض يعيشون في النصف الشمالي للكرة الأرضية.

لعلك تتساءل ما الفرق بين العيش في نصف الكرة الأرضية الشمالي أو الجنوبي، وهو سؤال جيد ومهم.

في الحقيقة إنّ الفرق كبير، فالنجوم التي يراها أهل الشمال ليست نفس التي يراها أهل الجنوب، فالأرض تدور حول محورها كل 24 ساعة (لأكون أكثر دقة، إنها تدور حول نفسها كل 23 ساعة 56 دقيقة)، لكن هذه الدورة تكون من الغرب إلى الشرق (ما يفسر لماذا تأتي الشمس من الشرق، لذلك نقول “تشرق الشمس” من الشرق). الأمر يرتبط أيضًا بنجوم الكرة السماوية التي تختلف بين شمالها وجنوبها أيضًا، بذلك نجد أنّ أهل الجنوب لا يرصدون نفس النجوم والكوكبات التي يرصدها أهل الشمال والعكس وتختلف خريطة السماء لديهم.

والآن يا بطلي، تخيل أنك تجلس فوق سطح بيتك أو في مكان واسع بعيدًا عن صخب المدينة في ليلة صافية، ونظرت إلى السماء ورأيت عددًا من النجوم التي تزينها، لكنك لا تعرف ما أسماء هذه النجوم؟ ربما يختلط الأمر عليك وتظن أحد الأقمار الصناعية نجمًا. حسنًا، أنت الآن قررت مغادرة المكان لظرف طارئ، وعدت بعد بضع ساعات في الليل أيضًا، ستلاحظ تغير أماكن النجوم. ولكن..

النجوم في وضعها العادي تبدو ساكنة، ليس لأنها واقفة في مكانها حقًا، ولكن نظرًا لبُعدها الكبير عنا، تظهر ساكنة. ببساطة شديدة، تخيل أنك تقف فوق مبنى مرتفع جدًا، ولمحت شيئًا على مسافة بعيدة، لا تستطيع حتى التمييز إذا كان هذا الشيء إنسانًا أم لا، ستشعر أنه ساكن بالرغم من أنه يتحرك.

ربما لن تدرك أنه يتحرك إلا عندما يختفي من الوسط تمامًا. بافتراض أنّ المسافة بينكما 800 مترًا، فما بالك بنجوم وكواكب وأجرام سماوية أخرى تبعد عنا مليارات السنين الضوئية. من الطبيعي أن تشاهدها ساكنة، بالرغم من سرعتها المذهلة في الحركة. وربما تكون ميتة وتحولت إلى ثقب أسود أو سافرت إلى مكان أبعدٍ، وما يصلنا منها مجرد أشعة وصلتنا بعد مرور سنين كثيرة.

حسنًا، هذا يعني أنّ مواضع النجوم لم تختلف، فهي تعد ساكنة بالنسبة إلينا، نظرًا للمسافة الكبيرة جدًا بيننا وبينها، فلا ندرك حركتها. وكانت الحركة الملموسة للأرض التي تدور حور محورها. وهنا يظهر العامل الثاني وهو الزمن أنظر إلى الصورة التوضيحية التالية، على اليمين، أنت وموقعك على الأرض الساعة 9 مساءً وعلى اليسار أنت على نفس الموقع الساعة العاشرة مساءً، والنجم الذي كنت ترصده تغير مكانه.

والآن، نحن نعرف أنّ النجم على حاله، ولكن حركة الأرض غيّرت زاوية الرؤية. الأمر أشبه بشريط فيديو بطيء، يعمل على مدار 24 ساعة. ما الحل إذًا لتشاهد نفس المشهد؟ الإجابة أن تعود بالتالي إلى نفس المكان قبل 4 دقائق. (تذكر الأرض تدور حول نفسها مرة كل 23 ساعة 56 دقيقة) لكن مهلًا، هذا ليس كل شيء.

مثلما اتفقنا أنّ الأرض تدور حول نفسها- تقريبًا- كل 24 ساعة، وهي تكمل لفةً كاملة في مدارها حول الشمس كل 365 يومًا، وهذا يمثل سنةً أرضية. وبناءً عليه تتبدل الفصول على مدار السنة بين الشتاء والربيع والصيف والخريف. وفي كل فصل تكون الأرض عند مكان محدد في مدارها حول الشمس، ما يعني تغير مواضع النجوم والكواكب والأجرام السماوية الظاهرة بالنسبة إلينا عند رصدها من الأرض.

هذا ما يحدث ببساطة شديدة، ما يفسر صعوبة الرصد، فالتلسكوب مجرد أداة تساعدك في رؤية الأجرام السماوية، لكن هذا لا يعني أنك قادر على رصدها لمجرد امتلاكك تلسكوب، هناك خطة تبدأ بمعرفتك أنّ الكون في حركة دائمة، وكل فصل مناخي له خريطة خاصة، بل وكل منطقة وكل توقيت. والآن، ننتقل إلى ما يمكنك رؤيته في خريطة السماء ليلًا خلال الفصول المختلفة.

اقرأ أيضًا: لهواة النجوم والمجرات البعيدة: 7 كتب شيقة تبسط لك علم الفلك

أكثر النجوم التي يمكنك رصدها، فهو ثابت في موضعه، وتسهل ملاحظته، تستطيع مشاهدته إذا وصلت لكوكبتي الدب الأكبر والأصغر. ويقع النجم الشمالي ضمن كوكبة الدب الأصغر، وهو يظهر الأكثر سطوعًا، ويسمى بالنجم القطبي لأنه موقعه ضمن درجة واحدة من القطب الشمالي (يلاحظ ثباته نسبةً إلى دائرة تبدو أن النجوم فوق الأفق تدور حوله وفقها).

كلمة Ursa، تعني باللاتينية الدب، وتعد واحدة من أسهل الكوكبات التي يمكنك رصدها ليلًا، اعتمادًا على الوقت وموقعك. وأطلق عليه اليونانيون القدماء هذا الاسم لأنه يشبه الدب الكبير، بعد ذلك، شبهه الناس بملعقة كبيرة في الماء، لذلك، يُطلق عليه أيضًا “Big Dipper”.

وأعطاه اليونانيون هذا الاسم لنفس السبب، إذا عثرت على كوكبة الدب الأكبر، سيسهل عليك الوصول إلى كوكبة الدب الأصغر، وتتميز بضمها للنجم القطبي.

باللغة العربية ينطق اسم Cepheus كـ”قيفاوس”، وباليونانية “سيفيوس”، وهو اسم ملك أسطوري. وتشير الأسطورة إلى أنّ سيفيوس كان متزوجًا من كاسيوبيا “Cassiopeia”، وهو أبو أندروميدا “Andromeda”، جميعهم شخصيات أسطورية، أُطلقت أسماؤهم على كوكبات بجوار بعضها في السماء. وأشهر نجوم كوكبة الملتهب نجم العقيق، ليس فقط لسطوعه، ولكنه واحد من أكبر النجوم في مجرة درب التبانة.

سمِّيت نسبة إلى ملكة أسطورية تُدعى كاسيوبيا، وهي زوجة سيفيوس- كما ذكرت- تتميز هذه الكوكبة بسهولة العثور عليها، فهي تتخذ شكل حرف “W”.

في اليونان القديمة، كان هناك حديقة تسمى هيسبيريديس “Hesperides”، وهي تعني حديقة التفاح الذهبي. وتقول الأسطورة أنّه كان هناك تنينًا يحرسها. وأطلقوا اسمه على كوكبة التنين المشهورة. ويمكن رؤيتها من خلال نصف الكرة الشمالي فقط.

هناك اعتقاد شائع بأنّ النجم القطبي هو ألمع نجوم السماء، وهذا ليس صحيحًا، ولكنه ألمع نجوم كوكبة الدب الأصغر. كل ما عليك فعله هو إيجاد كوكبة الدب الأكبر، فهي الأسهل في البحث، وعندما تلاحظها، حرك عينيك حتى تصل إلى النجم الأخير في طرف الملعقة ( منذ قليل اتفقنا أنّ الكوكبة تتخذ شكل الملعقة أيضًا) ثم استخدمه في تتبع كوكبة الدب الأصغر، وعندما تصل لها، ستجد ألمع وأسطع نجومها، إنه نجم الشمال.

أنت الآن عثرت على نجم الشمال، ممتاز. والآن حان وقت تحديد خط العرض الخاص بك، وذلك لتحديد موقعك من النجم القطبي بدقة أكبر، وإجراء الرصد. بدايةً عليك معرفة أنّ المسافات بين الأجرام السماوية يطلق عليها “المسافات الزاوية” وتُقاس بوحدات مختلفة، إنها:

ركز معي في الآتي..

أنت الآن فوق سطح منزلك أو في مكان واسع، تأمل المشهد حولك، ستشعر أنّ السماء تغطي الأرض، حتى إنها تتلاقى عند الأفق مع الأرض، وكأنّ السماء قبة للأرض، ألا تلاحظ ذلك؟ حسنًا، هناك حقًا مصطلح يصف هذا، وهو “قبة السماء”، لكن هذا بفرض أنّ الأرض مسطحة، وهذا ليس صحيحًا، لكنها تحيط بالأرض من كل جانب، أي 360 درجة، وفي حالتك يُخيل إليك أنها مسطحة حقًا. تشعر وكأنها تغطي 180 درجة حولك. والنقطة الواقعة فوقك تمامًا هي درجة الـ 90.

وهنا تأتي الحاجة إلى أداة هندسية تساعدنا في تحديد موقعنا من القطب الشمالي، وهي أداة المنقلة. أو طريقة أخرى أكثر متعة إذا لم تستطع استخدام المنقلة، يمكنك استخدام يدك! ربما تظنني أمزح، فقط تأمل الصورة القادمة ثم تابع الشرح.

إذا استطعت استخدام يديك جيدًا في تتبع النجم الشمالي، فهذا عظيم. مدَّ يدك جيدًّا أمامك، وقس الزاوية بين الأفق المرئي ونجم الشمال، هذه الزاوية مساوية لخكط العرض.

إذا سألتك عن موقع القطب الشمالي، ربما ستخبرني أنه في الشمال، إنها إجابة صحيحة، لكن ليست دقيقة، فالحقيقة أنه يوجد قطبان شماليان وقطبان جنوبيان. نعم، اثنين لكل جهة. ويرجع ذلك لأن الأرض محاطة بمجال مغناطيسي يحيط بها، فيتولد قطب شمالي مغناطيسي وقطب جنوبي مغناطيسي. وبناءً على هذه الفكرة، صُنعت البوصلة. لذلك عندما تقرر رصد النجوم، وتذهب للبحث عن نجم الشمال، يتعين عليك السفر إلى الشمال الحقيقي وليس المغناطيسي في حال إن كنت مسافرًا.

اقرأ أيضًا: عشرة ألغاز مُحيـّرة عن .. النجوم

لتكن الوجهة إلى الجنوب، ويبدأ هذا بالعثور على كوكبة الجبار (Orion) المتألقة التي يمكن رؤيتها من نصف الكرة الشمالي والجنوبي. ويُفضل رؤيتها في نصف الكرة الشمالي أثناء فصل الشتاء وأوائل الربيع، لكن يمكن رؤيتها في الفصول الأخرى أيضًا، في الخريف، خلال وقت متأخر من الليل. وفي الصيف، قبل الفجر مباشرة.

تظهر كوكبة الجبار على شكل رجل يمسك قوسًا، لذلك يُطلق على الجبار اسم الصياد، وتشتمل على 21 نجمًا، أهمها:

عند العثور على كوكبة الجبار، تستطيع تتبع نجومه حتى تصل إلى الحزام، ثم إلى نجم نيلم، ومنه نحو سيف الجبار الذي يشير للجنوب.

حسنًا، والآن بعد معرفة طريقة الملاحة نجو الجنوب باستخدام الجبار، لنتعرف كيف يمكننا استخدام نفس الكوكبة الأنيقة للملاحة نحو الشرق والغرب، يمكنك النظر في حزام الجبار على اليمين، ستجد نجم المنطقة، من خلال تتبعه تستطيع تحديد الشرق والغرب والتحرك بينهما.

(معلومة على الهامش، ربما تهمك، النجم الغامض في سيف الجبار عبارة عن سديم، يسمى سديم الجبار العظيم ومنه تولد نجوم الجديدة).

واحدة من أهم وأشهر كوكبات نصف الكرة الجنوبي، واسمها مشتق من كلمة لاتينية “The Keel”، والتي تعني القاعدة، في إشارة إلى قاعدة السفينة. أثناء القرن الثاني الميلادي، رسم عالم الفلك المصري “كلاوديوس بطليموس” كوكبة القاعدة لأول مرة ضمن كوكبة أخرى كبيرة أعطاها اسم الملاح الشمالي “Argo Navis”، وخلال القرن الثامن عشر، قسم عالم الفلك الفرنسي نيكولا لويس الكوثل إلى 3 كوكبات حديثة وهي: القاعدة والشراع والكوثل. وفي أوائل القرن العشرين، أُدرجت الثلاث كوكبات في سجل الكوكبات الحديثة. وأشهر وألمع نجومها، هو نجم سهيل “Canopus”، وهو ثاني ألمع نجوم السماء.

وهي واحدة من أكبر كوكبات السماء، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أحد الأساطير اليونانية القديمة، حيث تمثل القنطور، وهو مخلوق نصفه إنسان والنصف الآخر حصان، لا بد وأنك رأيت شبيهه في الأفلام. تضم كوكبة القنطورس اثنين من بين ألمع 10 نجوم في السماء وهما: ألفا قنطور “Alpha Centauri” وبيتا قنطور “Beta Centauri”.

أصغر واحدة ضمن الـ 88 كوكبة المسجلة حتى الآن. تظهر في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، وتعد أهم كوكبة للملاحة عبر السماء، ويمكن رؤيتها من نيوزيلندا وأستراليا طوال العام. وتتكون من 5 نجوم، منها 4 أكثر سطوعًا تشكل هيئة الصليب في السماء، وتتخذها العديد من الدول مثل أستراليا والبرازيل ونيوزيلندا شعارًا على الأعلامها.

هناك نجم يسمى سيجما أوكتانتس “Sigma Octantis”، يقع عند القطب الجنوبي، وهو نظير نجم الشمال لكن في الجنوب. مع ذلك، يصعب رؤيته ورصده، فيستخدم مراقبو النجوم الكوكبات أثناء الرصد، أشهرها كوكبة صليب الجنوب. ولاستخدامها، ينبغي معرفة أسماء النجوم التي تشكلها:

بعد التعرف على نجوم الكوكبة جيدًا، استخدم يديك في رسم خط – وهمي – بين نجمتي جاما وألفا كروسيس، ثم مدد هذا الخط 4.5 مرات، ستجد هذا الخط أصبح قريبًا جدًا من القطب السماوي الجنوبي. من هناك تستطيع مد الخط حتى يصل للأفق. هنا، أنت تقف في مواجهة الجنوب الحقيقي بالضبط، وسيصبح الشرق على يسارك والغرب يمينك وخلفك الشمال.

لطالما سحرت السماء البشر بجمالها وأناقتها، لم يختلف على جمالها اثنان. بالرغم من التطورات التكنولوجية، وعدم الحاجة للنجوم في عصرنا هذا، لكن ما زال هناك العديد من الهواة المغرمين بالسماء ونجومها الساطعة. والآن، تستطيع الإبحار عبرها والاستمتاع بها.