الثناء على الطفل وتشجيعه بطريقة صحيحة لبناء شخصية قوية بعيدة عن الغرور
7 د
الثناء على الطفل وتشجيعه من أكثر النصائح التي يحرص الخبراء على توجيهها للوالدين، ويتفق في هذا الموالون للتربية الإيجابية أو حتى التقليدية، ليتمتع الطفل باحترام الذات والثقة في نفسه وبالتالي يكون أكثر نجاحًا، ولكن يخشى الكثيرون من أن يؤدّي التّشجيع الدّائم إلى إصابة الطفل بالغرور فينشأ وهو يعتقد أنّه لا مثيل له وغير قابلٍ للنقد، ما جعل بعض الآراء تنادي بعدم الثناء على الطفل أو مدحه باستمرار.
وفي الحقيقة فإن كل من وجهتي النظر لها ما يدعمها، ففي حين أن الثناء والمديح والتشجيع عمومًا جزءٌ ضروري من التربية الصّحيّة للطّفل، فإن المبالغة فيه بشدة ستجعل من طفلك إنسانًا أنانيًا لا يهتمّ للآخرين، ولا حتى بمحاولة بذل جهدٍ للنّجاح طالما يشعر أنّه في كلّ الأحوال مميزٌ للغاية.
فكيف تشجعين طفلك بطريقةٍ صحيحة؟ وما الأمور التي يجب التشجيع عليها وتلك التي يجب الوقوف أمام تمادي الطفل بها؟ هذا ما سنتعرف عليه الآن.
ما هو مدح الطّفل والثّناء عليه وكيف يساعد في التّربية؟
مدح الطّفل والثّناء عليه هو إخباره والتّأكيد له أنّك تحبّ ما فعله، وتشكره عليه بشدة، سواءً بمكافأة مادية مثل زيادة المصروف، أو لعبةٍ أو بطريقة معنوية مثل القول له بوضوح: برافو أو أحسنت أو أنا فخورة بك، أو أنت شاطرٌ جدًا أو غيرها من عبارات المديح.
وباستخدام الثّناء فإنّك تُظهر للطفل أهمية العمل الإيجابي، وتؤكّد عليه وترسّخ هذا العمل في ذهنه على أنّه من الأمور التي تجذب نظرك، فمشكلة معظم الأطفال أنّ الأهل ينتبهون فقط للأخطاء أو الكوارث التي يقوم بها الطفل، مثل كسر آنية زجاجية، أو وضع يده في الكهرباء، أو تلويث ملابسه وغيرها، وتجدهم في حالة غضبٍ شديدة وربما صياح، وما يزيد الأمر سوءًا أنّ الطفل يعود لتكرار هذا الأمر مرارًا وتكرارًا مهما كانت العقوبات الموقعة عليه من قبل.
ولا يدرك الكثيرون أنّ الطفل يرغب بشدة في جذب انتباه الكبار، فإذا لم ينجح في هذا بالأعمال الجيدة، فإنّه سيظلّ يبتكر أشياءً لا تخطر على بالك فقط لجذب نظرك وترك هاتفك المحمول أو تنظيف المنزل أو غيرها من أمورٍ تشغلك عن الطفل.
لذا من الضروري للغاية التّشجيع بنبرةٍ عالية وانفعالٍ يوازي الذي يحدث في حالة القيام بفعلٍ سيّئ، وعلى العكس تهدئة نبرة اللوم في حالة الأخطاء حتى لا ترتبط الأشياء السيئة في ذهن الطفل بأنّها ما تجذب انتباه الأبوين إليه، وعلى العكس يترسّخ في عقله أنّ السلوك الإيجابي هو ما يسترعي هذا الانتباه.
دور الثناء على الطفل في تشكيل شخصيته
أظهرت الأبحاث أنّ الطريقة التي تشجّع بها طفلك لها دورٌ قوي في نموه، فقد وجدت دراسة في جامعة كولومبيا أن الأطفال الذين تمّت الإشادة بذكائهم وليس بمجهودهم، أصبحوا مفرطين في التّركيز على النتائج وتراجعت قدرتهم على الاستمتاع بما يقومون به، وبالتالي أصبحوا يُحرزون نتائج أقل وأصبح أداؤهم ضعيفًا.
حيث يحتاج الطفل للشعور بأنه كفء من خلال رؤية نتائج مجهوده وليس فقط من خلال إخبارهم بعواقب سلوكٍ ما، وبيّنت الدراسة أنّ الأطفال الذين أُشيد بمجهودهم أظهروا مثابرةً أكثر واهتمامًا أكبر بالتّعلم.
هل مدح الطفل يمكن أن يدمّر شخصيته؟
الكثير من الأشخاص وليس فقط الآباء بل حتى الرؤساء في العمل يعتقدون أن الثناء الدائم على أيّ شخصٍ سيجعله مغرورًا ولن يقوم بالمزيد، لذا يُقابلون العمل الجيد بنبرةٍ عادية أو تجاهلٍ في حين يُحذِّرون بشدة عند أيّ تقاعس ولو بسيط.
وهذا تصرّفٌ خاطئٌ تمامًا، فمن المحبط كليًا أن يكون التحذير فقط والتوبيخ عند أي هفوة، والتجاهل التّام للعمل الجيد حتّى إذا كان من مهام وظيفته، فمثلًا إذا كتب طفلك الواجب المدرسي بمفرده فقد تقولين إنّ هذا هو الطبيعي ولا تُثنين عليه، ولكن شكره وتشجيعه ولو بحضن أو كلمة شاطر أو برافو سيكون له أثرٌ أكبر على المدى الطويل.
قد يكون من الممل والمرهق على الأبوين إعادة تكرار التّشجيع على كل فعلٍ يقوم به الطفل، فمثلًا يهنّئونه بشدة على أوّل مرّةٍ يستخدم فيها المرحاض، ولكن يتجاهلون الثّناء بعد المرة الخامسة فيعود الطفل لسيرته الأولى فيتلقّى التوبيخ، رغم أنّه من الأسهل كثيرًا استمرار التشجيع كلّما تكرّر العمل الجيد.
ومن ناحيةٍ أخرى فإن الإفراط في الثناء على الطفل يجعله مترددًا وأكثر خوفًا من عدم الحصول على الثناء، لذا امدح فقط التصرّفات الجيدة وحذّر من السلوك السيئ ونبّهه عليه بلطف.
الطرق الصحيحة للثّناء على الطّفل دون تدمير شخصيته
إذا رغبت في تنمية شخصية ابنك ليحرص دائمًا على القيام بالأفعال الصحيحة وتجنّب الشغب والمشاكسات، فهيّا نتعرّف على الطّرق الصّحيحة للتّشجيع:
شجعي طفلك وامدحيه عند مراعاة مشاعر الآخرين
إذا رغبت في تشجيع طفلك بطريقةٍ صحيحة، فاحرصي على توضيح أنّ سبب التشجيع هو مراعاته لشعور الآخرين، فمثلًا إذا تشارك طفلك مع زميله في الغداء المدرسي، فإذا قلت له من الرائع أن تكون كريمًا وسخيًا مع الجميع، فهذه طريقة خاطئة في التّشجيع، ولكن الصحيح أن تقولي له أن تصرّفك جيّد للغاية لأنّه تسبّب في إسعاد زميله ورسم الابتسامة على وجهه.
فمدح الطفل لأنه كريمٌ فقط سيجعله يلتزم بالتصرف فقط لجذب انتباه الكبار وليس لأنّه الفعل الصحيح، ولكن توضيح تأثير هذا التّصرف الإيجابي على الآخرين سيجعله يلتزم بهذا السّلوك حتى في حالة عدم وجود أشخاص كبار حوله.
مدح جهود الطفل وليس النتائج
إذا حصل طفلك على الدرجات النهائية في كل المواد فهنا بالتأكيد يحتاج إلى التشجيع، ولكن بدلًا من القول له: أحسنت أنت طفلٌ ذكي لحصولك على هذه الدرجات، فإنّنا نقول له أنّ جهودك في الاستذكار مذهلة، بدليل الحصول على تلك الدرجات الجيدة.
فالتركيز الدائم على النتيجة النهائية سيجعل الطفل بعد ذلك يقوم بالتصرفات التي يتأكد من تفوّقه فيها، بل ويخشى تجربة أشياءٍ جديدة، ولكن مدح المجهود سيجعله يزيد منه بالتدريج ووفقًا لعمره مع دعم فكرة العمل الجاد وليس الحظ.
ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ مدح الطفل على النتيجة الجيدة فقط لا يرسِّخ لديه سبب وصوله لهذه النتيجة، ولكن تشجيع المجهود يوضّح الفكرة في ذهنه أكثر فلا يُصبح كسولًا بعد المديح بل يحاول بذل المزيد من الجهد للتطوّر.
لا تمدحيه أبدًا على إيذاء الآخرين
قد يكون هذا الأمر بديهيًا، ولكن ما نقع فيه جميعًا من خطأ هو الكيل بمكيالين فيما يتعلق بمعنى الأذى، فأنت تثورين بشدة إذا قام طفل بضرب ابنك، ورغم هذا تتجاهلين الأمر تمامًا أو حتى تشجعينه على أنّه ضرب آخرين على أساس أنّه أخذ حقّه.
أو تلومينه بشدة إذا شتم شقيقته، في حين تتجاهلين الأمر إذا كانت الإهانة موجّهة لشخصٍ لا تحبينه، سواء في العائلة أو الأصدقاء، أو حتّى تضحكين إذا قام بهذا، والضّحك هنا نوعٌ من التّشجيع والثّناء أيضًا، وهذا الكيل بمكيالين شديد الخطورة على شخصية الطفل، وفي النهاية ترتبك المعايير في ذهنه ولا يعرف التّصرف المؤذي من الإيجابي، لذا حاولي قدر المستطاع الالتزام بالحياد في الأمور التي تشجعين طفلك عليها وتلك التي تمنعينه من القيام بها تجاه أيّ شخصِ سواءً من المقربين لك أو من غيرهم.
مدح الطفل والثناء عليه عند التّعلم من الأخطاء
إذا كان طفلك يكذب أو عدوانيًا مع الأطفال الآخرين، أو حتى يحصل على درجاتٍ سيّئة في المواد الدراسية، وبعد هذا توقّف عن الفعل الخاطئ، أو اجتاز صعوبات المواد الدّراسيّة، فمن طريقة المدح أن نقول له أحسنت بعدم الكذب أو جيد جدًا أنّك نجحت بتفوق.
ولكن الأفضل التّركيز على قدرته في تجنّب تكرار الأخطاء، فهو هنا سيتأكّد أنّه يجذب انتباهك جيدًا بالتّصرفات الصّحيحة وتنفيذ النصائح التي وُجّهت إليه من قبل.
تجنب مقارنة الطفل بآخرين عند المدح
عند الثناء على الطّفل بطريقةِ صحيحة، يجب تجنّب مقارنته بالآخرين، فإذا كانت المقارنة السلبية خاطئة وتعني النّظر إلى طفلك بأنّه أقلّ من الآخرين وتحرصين دائمًا على تنبيهه بأن يتصرف مثل أقرانه.
فإنّ بالمثل مقارنته بالآخرين عند التفوّق أو النّجاح أو التّصرف باحترامٍ والقول له أنّك الأفضل أو الأشطر أو غيرها، لا بدّ أن تكون في حدودٍ ضيّقة للغاية وتجنّبها قدر المستطاع.
إذ إنّ الطّفل يجب أن يتعلّم القيام بالأشياء بطريقةٍ صحيحة لأجله هو ولتفوّقه ونجاحه والحفاظ على صحته، وليس لكي يكون أفضل من الآخرين، فإذا ترسّخت في ذهنه فكرة التفوّق على الآخرين فقطـ فقد يعقد مقارناتٍ بينه وبين الأكثر فشلًا في دائرته، ولا يحاول تطوير ذاته على أساس أنّه الأفضل، لذا حاولي قدر المستطاع تجنّب أي مقارنات.
وفي النّهاية فإن الثّناء على الطفل وتشجيعه ومكافأته على السلوك الإيجابي بطريقةٍ صحيحة قادرٌ بالفعل على تغيير الطّباع الصّعبة التي تعاني منها كلّ الأمهات تقريبًا مع أطفالهم في مرحلة من المراحل، وتبدأ الخطوة الأولى بمراقبة الأوقات التي يتصرّف بها الطفل بطريقةٍ صحيحة أو بإيجابية أو يبذل مجهودًا مناسبًا، فعند رؤية هذا السلوك عليك تشجيعه على الفور مهما كنت تعتقدين أنّه عادي، أو أنّ أقرانه يقومون به دون تشجيع.
فبمجرد أن يغتسل جيدًا في الصباح أو يكتب واجباته أو يرتّب غرفته أو يرسم رسمةً في كرّاسته أو يصمّم نموذجًا بالمكعبات أو غيرها من تصرفاتٍ بسيطة، امدحي تصرفه ولا تفوّتي الفرصة، فهذا سيقلّل من العناد معك، ويمكنك بين حينٍ وآخر استخدام المكافأة المادية مثل الحصول على لعبةٍ جديدة أو الخروج في نزهة أو أكل الحلوى، لكن لا تفرطي في التشجيع المادي، حتى لا يكون كلّ تصرّفٍ جيّد لابدّ أن يقابل بشيءٍ مادي، فهذا سيجعله أيضًا أنانيًا وانتهازيًا ويقوم بالسلوك الذي يجلب له مكسبًا فقط بصرف النظر عن ماهية هذا السلوك.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.