دور المرشد النفسي في المدارس في ظل علم النفس التربوي
كان الإنسان منذ أقدم العصور وما زال محتاجاّ إلى المساعدة وسماع النصيحة والتوجيه، كي يواجه صعوبات الحياة أو يعدّل بعض السلوكيات ليصبح ذا قدرة أكبر على القيام بمهامه الحياتية، وعليه يعتبر دور المرشد النفسي من الأدوار المهمة في مساعدة الآخرين على حلّ مشكلاتهم وتقويم سلوكهم وزيادة ثقتهم بنفسهم وقدرتهم على التكيّف النفسي والاجتماعي بشكل أفضل، ويبرز دور المرشد بشكل واضح في المرحل الدراسية.
من هو المرشد النفسي؟!
هو مهني مدّرب يعمل على تحديد ومعالجة المشاكل التي تواجه الطلاب في المدرسة، ومساعدتهم على التغلّب على احتياجات التعلم والسلوك، ويقدم المرشد النفسي خدمات نفسية متعمقة بهدف مساعدة الطلاب على النجاح أكاديمياً واجتماعياً وسلوكياً، ويتوجه اهتمامه نحو لطلاب الذين يتعرضون للتنمر والذين يواجهون صعوبات في الأداء الأكاديمي أو المشكلات المنزلية أو مشكلات الصحة العقلية.
هذه المهام الواسعة الموكلة إلى المرشد النفسي تجعل أيامه حافلة بتنوع كبير من الخدمات التي يجب عليه تقديمها لذا عليه أن يتوقع ما هو غير متوقع وأن يستعد بعد انتهاء عمله ليعيد ضبط يومه كما بدأه في الصباح.
عمل المرشد النفسي بشكل أساسي موجه للتعامل مع الطلاب، لكنه أيضاً بحاجة إلى التعاون مع المدرسين وأولياء الأمور ومستشاري المدرسة، وذلك لتطوير خطط تقدم الطلاب، وقد يحتاج المرشد النفسي إلى جلسات مناقشة مع الأهل لتحديد احتياجات الطلاب وإعلامهم بأيّ عارض يحصل مع أبنائهم، وذلك لإنشاء جيل ناضج نفسياً وتربوياً في ظل ضعف دور الأسرة، فالواقع الحالي يفرض ضغوطات يومية أضعفت دور الأسرة ولم يعد دورها فعالاً كما في السابق، لذا لا بدّ أن تكون المدرسة حاضنة لتوجيه الطلاب، في مرحلة عمرية توصف بكثرة تغيراتها وتحولاتها النفسية والعقلية والجسدية، فيجب أن يصحب هذه التغيرات إرشاد نفسي في المدارس يلعب دوراً أساسياً وليس ثانوياً.
دور المرشد النفسي في المدرسة:
يعتبر المرشدون النفسيون مورداً جاهزاً لضمان ازدهار الصحة النفسية للأطفال والشباب في المدرسة والحياة، حيث يمكن للأطفال والشباب من وقت لآخر أن يواجهوا العديد من المشاكل المتعلقة بالتعلم والعلاقات الاجتماعية كالشعور بالاكتئاب والقلق والعزلة، فيأتي الإرشاد النفسي المدرسي لتهيئة موارد وقدرات الطالب كي يواجه ويجد حلولاً لمشكلاته وهذا ليس علاجاً نفسيّاً إنما مساعدة جماعية وشكل من أشكال المرافقة الاجتماعية النفسية لأن السبب لهذه الحالة أو المشاكل ليس مرضاً نفسياً وإنما ظروف وأسباب متعددة.
هناك فرق كبير بين مهام ومسؤوليات المعلم ومهام المرشد النفسي، فالمرشد النفسي لا يلتزم بالحصص الدراسية وتوصيل المعلومات للطلاب كما يفعل المعلم، لكنه مسؤول عن إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات كثيرة يعاني منها الطلاب نفسية كانت أم اجتماعية، داخل المدرسة أو خارجها، كما يتولى مهمة الخدمة لاجتماعية أي تقديم خدمات معينة لمساعدة الأفراد والتلاميذ، إما بمفردهم أو داخل مجموعات ليتكيفوا مع المشكلات والصعوبات الاجتماعية والنفسية التي تقف أمامهم وتؤثر في حياتهم.
من المهم تفعيل دور الإرشاد النفسي داخل المدارس وأن يكون للمرشد النفسي دور فاعل يتحسس فيه مشكلات الطلاب بعيداً عن الدور التقليدي، ففي بعض المدارس قد يقتصر دور المرشد على ملء حصص الفراغ لتتحول مهمته إلى مهمة إدارية داخل المدرسة، رغم أهمية هذا الأمر في تكوين شخصية الطلاب وتلبية متطلباتهم لمساعدتهم على بلوغ أقصى درجات النضج النفسي والاجتماعي.
دور المرشد النفسي في ظل الظروف الحالية:
على مدى عشر سنوات مضت تركت الحرب آثاراً عميقة في وجدان كلّ طفل سوري لم يسلم من تأثير الخوف والرعب نتيجة ما رآه بالواقع أو على التلفاز من مشاهد القتل والدمار والمعاناة، إضافة إلى الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم. لينشأ جيلاً جديداً أُبعد عن الطفولة والتعليم والحياة السليمة، كلّ هذه الظروف تجعلنا أحوج ما نكون في مدارسنا إلى دور مضاعف للمرشد النفسي عما كان عليه قبل الحرب، لأننا نواجه حالات استثنائية يجب التعامل معها بحذر واهتمام خاصةً في المدرسة التي تعد الدائرة الأهم بعد الأهل من حيث التأثير في ذهنية ووجدان الطالب.
المرشد النفسي والصحة النفسية
تهتم الصحة النفسية بعلاج جميع المشاكل النفسية والصحية والاجتماعية والمخاوف التي يمكن أن تواجه الطفل في المدرسة، وهذه مهمة المرشد النفسي ليعين الطالب كي يتساوى مع زملائه في المدرسة، فعلى المرشد أن يقوم بجولات متواترة على الطلاب وعند اكتشاف أي حالة نفسية يجب أن يتدخل لعلاجها، قد يخجل بعض الطلاب من الحديث عن مشاكلهم أو مواقف معينة تواجههم أمام الأسرة والأهل، حينها يستطيعون اللجوء إلى المرشد النفسي بداية لحل مشكلة الخجل ثم الانتقال إلى سبب المشاكل الرئيسي.
وجود المرشد النفسي يساعد على اكتشاف المشاكل مبكراً وحلها، يحسن قدرة الطلاب على التكيف والتأقلم مع ظروف الحياة المتغيرة.
الإرشاد النفسي في ظل علم النفس التربوي:
بحسب علم النفس التربوي فإن المرشد النفسي يلعب دوراً مهماً في تحسين العملية التربوية من خلال إثارة دوافع الطلاب نحو التحصيل العلمي الأفضل في ظل ظروف نفسية صحية، ويرى علماء النفس التربوي أن تحقيق أهداف الإرشاد التربوي والتوازن في الصحة النفسية يقوم على ثلاث قواعد وهي:
- إثراء معرفة الطلاب بأنفسهم وقدراتهم والعالم المحيط بهم.
- إكسابهم مهارات السلوك الاجتماعي.
- تطوير سلوكهم نحو أنفسهم ونحو الآخرين.
كما يرى علم النفس التربوي أن الوقاية من المشاكل أهم من علاجها، حيث تتمثل بتنمية إمكانيات الطلاب وطرح المشكلات أمامهم لتتطور قدرتهم على التعامل مع المواقف المختلفة التي يمكن أن تواجههم، أما الجانب العلاجي يتضمن تقديم المساعدات للطلاب بشكل واقعي ليتحقق لديهم التوازن النفسي والاجتماعي ويصبحوا قادرين على توجيه الذات والتغلب على الصعوبات الحياتية بأنفسهم.
فالمرشد النفسي هو صديق لأركان العملية التربوية كلها، يلجأ إليه الأهل والطلاب والمعلم والمدير، وهو حلقة وصل بين هذه الأطراف ومفتاح لتجاوز العقبات وتيسير الأمور.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.