الانتحار في الجامعات: لماذا يتخذ الطلاب قرارًا بإنهاء حياتهم؟
6 د
عندما نتطرّق لموضوع الانتحار لدى الطلاب، لا بد أنكم فكرتم يومًا، ما الذي قد يدفع شابًا أو شابةً يافعين لاتخاذ قرارٍ بإنهاء حياتهما؟
كيف يمكن للموت أن يكون أقوى من الحياة؟
غريزيًا.. الحياة والموت، غريزتان فطريتان تتصارعان منذ الأزل، تدفع كلٌ منهما الأخرى لتحل محلها، ونحن كبشر نرغب في أغلب الأحيان لانتصار غريزة الحياة، حتى أن الكثيرين منا قد حاولوا عبر التاريخ البحث عن اكسير الحياة الذي يجعل الإنسان خالدًا، فما أسطورة جلجامش إلا تعبيرًا واضحًا عن رغبة الإنسان الشديدة بالتمسك بالحياة والخلود ومواجهة الموت.
ومع ذلك هناك من يفضل غريزة الموت على الحياة كما يبين عالم النفس فرويد، فيأخذ قرارًا تجاه حياته ويقوم بإنهاء ما اعتبره وهمًا، أو ما قد دفعه المجتمع لاعتباره، فينتحر في اللحظة التي يفقد فيها القدرة على الحلم.
ولكن عندما تتكرر حالات الانتحار في المجتمع، وتزداد ضمن فئةٍ عمريةٍ محددة دون غيرها، تتحولُ من كونها مجرد حالاتٍ فرديةٍ إلى ظاهرةٍ اجتماعية، ومع تحولها لظاهرةٍ اجتماعية يغدو التساؤل حول مسبباتها أمرًا ضروريًا.
ولئن كان دوركهايم قد اعتبر الانتحار ظاهرةً اجتماعيةً بامتياز، وتحدّث عن أسبابها وحاولَ تحليلها ومدى انتشارها، فإن هذه الظاهرة تنتشر انتشارًا كبيرًا بين فئة الشباب وخاصة بين طلبةِ الجامعات، وتجعلنا نتوقفُ أمام محاولةِ الفهم الدقيق لبنية المشكلاتِ التي يعاني منها الشباب، وتدفعهم في أكثرِ مرحلةٍ مفعمةٍ بالحياة لاتخاذ قرارٍ بالموت.
ليس لدينا إحصائياتٍ نهائية لأعدادِ الشباب الذين يتخذون قرارًا بالانتحار في مرحلة الدراسة الجامعية، فهي متكررة ويومية، وهناك حالاتُ انتحارٍ لا يتم تسجيلها أو الحديث عنها، ولكننا وخلال السنوات الأخيرة بتنا نسمع الكثير عن انتحار الشباب في مرحلة الدراسة الجامعية، فما هي الأسباب؟
مستقبلٌ مبهم… وأحلامٌ مهدورة
تعد مرحلة الشباب أكثر المراحل أهميةً في حياتنا، فمع بدايتها ننطلق في الطريق لتحقيق أحلامنا، فميزتنا في الحياة هي القدرة على الحلم، لأنه يفسح المجال أمامنا لتكوين أسبابٍ للعيش والاستمرار مهما كانت الظروف.
ولكن ماذا إن توقفنا عن الحلم؟ كيف سنستمر، وما القرار الذي سنتخذه حينها؟
في الحالات الطبيعية أو السوية كما يقول علم النفس يحاول الإنسان إيجاد أحلامٍ جديدةٍ يتمسك بها كي يتابع في حياته، ولكن عندما تتراكم المشكلات في حياة الشاب أو الشابة يتابع كلٌ منهما الهرب من أحلامه، ويسيطر المزاج الاكتئابي، فيفقد الإنسان حينها رغبته بالحياة تدريجيًا، وإن لم يتلقَّ المساعدة في هذه المرحلة فإنه قد يتخذ قرارًا بالانتحار، لإنهاء مأساته.
تقول إحدى الفتيات: حلمت طوال عمري بأن أدرس الهندسة المعمارية، ولكنني لم أستطع أن أحقق حلمي هذا بسبب نتائج امتحانات مرحلة الدراسة الثانوية، وقد شعرت باكتئاب شديد في تلك المرحلة، حتى أنني فكرت بالانتحار، وتراجعت فيما بعد عندما تلقيت مساعدةً من أخصائيّ نفسي ودعمٍ من أسرتي.
الخوف من الفشل الدراسي
يعيش الكثير من الشباب تحت ضغط الخوف من الفشل الدراسي والرسوب، فيتوقفون عن المحاولة معتبرين أنها لن تجدي نفعًا، ويبدو ذلك جليًا في دراسات كالطب والهندسة وغيرها من الاختصاصات التي تحتاج إلى الكثير من الجهد، فعندما يكتشف الشاب أو الشابة عدم امتلاكهما لإمكانيات تدفعهما لتحمّل ساعاتِ الدراسة الطويلة، وطبيعة المعلومات الصعبة، فإن شعور الاكتئاب سيسيطر، وقد يدفع ذلك لاتخاذ قرارٍ بإنهاء الحياة كهروب من مواجهة الفشل أو حتى احتماليته.
وربما يؤكد هذا الكلام حالات الانتحار لدى الطلاب التي حدثت في العام 2018 في مصر وكانت في أغلبها نتيجة لضغوطات دراسية، كإقدام طالب في كلية الهندسة على الانتحار خوفًا من الفشل في الامتحانات، تبعته حادثة لطالبة بكلية الصيدلة قامت بالقفز من الطابق الرابع في فترة الامتحانات.
قسوة الأهل المفرطة ترفع نسبة الانتحار لدى الطلاب
يعتقد بعض الأهل مخطئين أن القسوة دليل تربية جيدة، وأنهم كلما كانوا حازمين فإن نتائج تربيتهم ستعطي ثمارها، وسيحقق أطفالهم أفضل النتائج، وغالبًا ما تكون النتيجة في هذه الحالة ليست كما يتوقع الأهل، فيفقد الشاب أو الشابة الرغبة بالنجاح تدريجيًا مع استمرار الضغط الأسري، وتنّوع أساليب الأهل التي تتدرج من العنف اللفظي وصولًا للعنف الجسدي.
ولكن ما يسميه الأهل رعاية واهتمامًا، يسميه الأولاد قسّوة مفرطةً، حتى أنهم قد يبدأون بالتساؤل: لماذا يكرهني أهلي؟
كل هذا قد يكون سببًا كافيًا ليتخذ شابٌ أو شابةٌ في مقتبل العمر قرارًا بالانتحار كرد فعلٍ على عدم قبول طريقة الأهل، أو كدليل على الخوف والذعر اللذَين يتغلغلان ويسيطران على البنية النفسية لهما.
في سياق هذا تقول إحدى قريبات شاب جامعي في سوريا أقدم على الانتحار: بأن ذلك الشاب كان مفعمًا بالحياة، هادئًا ومحبًا، ولكنه كان يعاني باستمرار من سوء معاملة الأهل، ورغم أنه كان على وشك التخرج من كلية الطب، إلا أنه أقدم على الانتحار بعد أن فقد قدرته على تحمل الضغوطات التي مارستها عليه الأسرة طوال سنوات دراسته.
عمل مستمر وضغوط مادية لا تنتهي
يواجه أغلب الطلبة الجامعيين حقيقة مفادها: أن عليهم العمل منذ اللحظات الأولى لبدء دراستهم الجامعية، إذ يفرض الوضع الاقتصادي المتردي للكثير من العائلات في العالم بشكل عام، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص، ظروفًا تؤدي إلى اضطرار أغلب الشباب والشابات للعمل لساعات طويلة كي يستطيعوا إكمال دراستهم الجامعية.
ما علينا فهمه هنا، أننا لسنا بصدد محاكمة الشباب الذين يتخذون قراراتٍ لا نعتبرها في الأحوال الطبيعية منطقية، فالمنطق هنا لا يتدخل عندما يصل الشباب لمرحلةٍ من الإرهاق والتعب، ويبدأ كلٌ منهم بفقدان الرغبة أولًا، والشعور بعدم الجدوى، خصوصًا عندما يبدو بذل المجهود مهدورًا، فالنتائج ليست ضمن المتوقع، والظروف المادية تزداد قسوةً، وعليه فإن الهروب سيكون أكثر أمانًا.
زيادة الوزن… وتغيرات شكلية مؤلمة
قد يكون هذا السبب من أكثر الأسباب إيلامًا، فشعور الإنسان بالنقص أمرٌ غاية في السوء، وعندما لا يستطيع النظر في المرأة والشعور بالرضا، تبدأ مشكلةٌ قد تتفاقم لحالاتٍ اكتئابيةٍ تودي إلى الانتحار، وهذا فعليًا ما حدث مع إحدى طالبات قسم اللغات في مصر، عندما أقدمت على الانتحار نتيجة لزيادة وزنها وتعثرها في الدراسة، فألقت بنفسها من الطابق السادس عشر.
وعمومًا تؤثر التغييرات الشكلية على حياة الإنسان ثأثيرًا كبيرًا، فقد تتسبب بخسارته لفرص عمل، أو لحبيب في حياته، وفي كثير من الأحيان يصبح عرضة للتنمر، فيفقد قدرته على الاستمرار.
الفشل العاطفي… ألم لا يضاهيه ألم
تبدأ مشاعر الحب بالتغلغل إلى دواخلنا منذ بداية المراهقة، ونحلم بعلاقة مثالية تكتمل بالزواج وإنجاب الأطفال والعيش بهناء وسعادة، ولكن التعثر في الحب ليس كباقي أسباب التعثر في حياتنا، إنه مؤلم وموجع ويسبب لنا شعورًا إضافيًا بالنقص، وتساؤلات مربكة كأن نقول لذواتنا: لماذا لم أستطع النجاح؟
فشل الشباب في الحب، وشعورهم باليأس نتيجةً للفقد، قد يدفعهم في مرحلة الدراسة الجامعية لاتخاذ قرار بالانتحار، وقد تكون رواية آلام فارتر لغوته واحدة من الدلائل القوية على قسوة الحب، والتي تجعله يعيش نزاعًا داخليًا قويًا، هذا النزاع وهذه الأحداث المأساوية دفعت الكثير من الشباب في ألمانيا للانتحار.
في النتيجة… لا بد لنا من أن نشير إلى أن رغبة التدمير الذاتي ليست محض صدفة أو وليدة ظروف مفاجئة، فالأسباب في أغلبها تتعلق بطبيعة المجتمعات التي ينتمي إليها الفرد، وعندما يفتقد الفرد لمعنى وجوده فإنه يبدأ في البحث عن سبلٍ للنجاة، وهنا إما يحارب بغريزة الحياة، حتى وإن تحول لسيزيف الذي ما زال يحمل صخرته لأعلى الجبل في كل مرة تتدرحرج فيها للقاع، وإما يكون خياره الثاني بجعل غريزة الموت تنتصر.
ولكن يا ترى: ألا تدفعكم كل هذه الأسباب والمؤشرات التي ترونها في حياتكم اليومية، لإعادة النظر في قرار كراهية الذات وتدميرها، وهل يجب أن نكتفي بأن تكون الحلول فردية ومؤقتة؟ أليس الوقت مناسبًا للبحث عن حلول عامة وشاملة تحمي الشباب اليافع من اتخاذ قرارات كهذه؟ على من تقع المسؤولية حقًا؟
مرجع: (1).
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.