الانقراض الجماعي الخامس.. الانقراض الذي أودى بعمالقة الأرض

الانقراض الجماعي الخامس
آلاء عمارة
آلاء عمارة

7 د

يمكننا تعريف الانقراض الجماعي على أنه زيادة في نسبة انقراض الأنواع الحيوانية والنباتية خلال فترة زمنية محددة وقصيرة من الزمن الجيولوجي، وذلك في نطاق جغرافي واسع مما أدى إلى انخفاض مؤقت في تنوعها. وبالرغم من أن الانقراض الجماعي من ضمن أكثر الأحداث غموضًا في تاريخ الأرض، إلا إنه يساعد الأرض للبدء في مرحلة تطورية جديدة حيث تتيح تطور أنواع جديدة لتحل محل الأماكن المفقودة.


الانقراضات الجماعية التي شهدتها الكرة الأرضية

اكتشف العلماء حتى الآن خمسة انقراضات جماعية مختلفة، خلالها انقرضت ما بين 50% – 75% من أنواع الحياة المختلفة، وقد اجتهد العلماء لتفسير هذه الظاهرة، إلا أن العلم ما زال يستخدم مصطلح الاحتمالات.

الآن سنعرض نبذة سريعة عن كل انقراض جماعي من هذه الانقراضات الخمسة.


انقراض الأوردوفيشي السيلوري

اعتقد العلماء أنه منذ حوالي 439 مليون سنة، تم القضاء على حوالي 86% من أنواع الحياة الموجودة على الأرض آنذاك، وأشاروا إلى أن السبب في هذا الانقراض قد يكون نتيجة للجليد وانخفاض مستوى سطح البحر لتكوين جبال الأبلاش، وأيضًا ارتفاع درجة الحرارة الناتجة عن ارتفاع نسبة غاز ثاني اكسيد الكربون، مما أدى إلى إزالة كمّ هائل من الغطاء النباتي الذي كان يغطى سطح الأرض.


الانقراض الديفوني المتأخر

حدث هذا الانقراض منذ حوالي 364 مليون عام، وقد أشارت التقديرات إلى أنه فُقد حوالي 75% من الأنواع وقتها. هناك عدة احتمالات لحدوث هذا الانقراض، منها أن النباتات العملاقة كانت تمد جذورها في أعماق المحيطات وتطلق كميات كبيرة من المغذيات التي تجذب أزهار الطحالب، والتي استنفذت كميات كبيرة من الأكسجين الموجود في المحيطات، مما أثر على حصة الأنواع البحرية من الأكسجين، وكانت النتيجة انقراض هذه الأنواع.

هناك احتمال آخر وهو أن الرماد البركاني مسؤول عن تخفيض درجات حرارة الأرض التي تسببت في مقتل الكائنات من أنواع العناكب والعقارب التي كانت موجودة على الأرض آنذاك. ولم تظهر الفقاريات على الأرض مرة أخرى إلا بعد 10 ملايين سنة، وكانت في الأصل من البرمائيات القديمة التي تطورت منها جميع الفقاريات، ويعتقد أنه لو لم يحدث الانقراض الديفوني المتأخر، لما وُجدت الفقاريات على الأرض.


انقراض العصر البرمي الترياسي

حدث هذا الانقراض منذ 251 مليون عام، ويعد هذا الانقراض كما وصفه العلماء الأسوأ في التاريخ لأن خلاله تم فقد 96% من الأنواع، ومن أبرز الأنواع التي فقدت هي الأنواع المرجانية القديمة. ويرجح العلماء أن السبب في هذه الكارثة ثوران البراكين، والذي ملأ الهواء بثاني أكسيد الكربون الذي غذّى أنواعًا مختلفة من البكتيريا، ومن سوء الحظ أن هذه البكتيريا تطرح الميثان، ونتيجة تغذيتها فقد أطلقت كميات هائلة من الميثان، وأصبحت المحيطات حمضية، مما أودى بحياة حوالي 96% من الأنواع التي كانت موجودة في ذلك الوقت.

وتشير التقديرات إلى أن الحياة اليوم تنحدر من نسبة الـ 4% المتبقية عقب هذا الانقراض الجماعي الكارثي، وبعد هذا الحدث تطورت الحياة البحرية بطريقة غير مسبوقة وظهرت القواقع والقنافذ وسرطان البحر كأنواع جديدة.


الانقراض الترياسي الجوراسي

حدث هذا الانقراض منذ 199 مليون إلى 214 مليون سنة مضت، ويعتقد العلماء أنه هناك عدة مراحل لفقدان الأنواع، وافترض العلماء أن السبب في هذا الحدث تأثير اصطدام كويكب وتغير المناخ وثورات البازلت البركاني. بعد هذا الحدث كان أسلاف الديناصورات (الأركوصورات) تسود سطح الأرض، وكان هذا الانقراض بداية تطور الديناصورات التي ظهرت بعد ذلك لمدة 135 مليون سنة.


انقراض العصر الطباشيري الثلاثي

هذا النوع من الانقراض هو محور مقالنا، ويعد الأكثر شهرة بين الانقراضات الجماعية كلها، والسبب الأعظم لهذه الشهرة هو انقراض الديناصورات، الحيوانات الأشهر والأعظم على مر التاريخ، والتي ما زالت لغزًا يسعى العلماء لحله حتى يومنا هذا.

هناك أسباب عدة لهذا الحدث، أشهرها قصة النيزك الذي قضى على الديناصورات وغيرها من الحيوانات، وتشير بعض الدراسات إلى أن لتغير المناخ تأثير كبير في هذا الحدث، وكان ذلك منذ حوالي 65 مليون سنة مضت، وأدى إلى فقدان حوالي 76% من الأنواع، وقد ساعد هذا الانقراض على تطور الثدييات على اليابسة وأسماك القرش في البحر.


الانقراض الجماعي الخامس وأسباب حدوثه

يطلق عليه انقراض العصر الطباشيري الثلاثي (Cretaceous–Tertiary extinction) والذي يختصر إلى (K–T extinction) حيث (K اختصار لكلمة (Kreide) الألمانية والتي تعني الطباشيري.

تشير إحدى الدراسات إلى أن هذا الانقراض يقع في المرتبة الثالثة في الترتيب بين الانقراضات الجماعية التي حدثت على مر العصور من حيث الشدة. تسبب هذا في انقراض ما يقارب من 80% من الأنواع الحية التي كانت موجودة في ما بين العصر الباليوجيني والعصر الطباشيري (عصرين من العصور الجيولوجية)، وكان هذا الانقراض الجماعي منذ حوالي 66 مليون عام مضى، والذي تسبب في انقراض العديد من الحيوانات التي كانت موجودة وقتها كالأركوصورات -وهي عبارة عن مجموعة الزواحف التي تضم الديناصورات والطيور والتماسيح- ولم يتبقى من الأركوصورات سوى مجموعات قليلة والتي تطورت فيما بعد إلى التماسيح والطيور الموجودة اليوم.

أيضًا تسبب هذا الحدث في انقراض اللافقاريات البحرية وانقراض حوالي أربعة أخماس أنواع الشعاب المرجانية. لكن من المهم الإشارة إلى أن بعض مجموعات الزواحف قد اختفت قبل الانقراض الجماعي الخامس، ومنها الزواحف الطائرة (التيروصورات) والزواحف البحرية (البليسيوصورات، والمواسورات، والإكثيوصورات).


أسبابه

هناك بعض الأسباب المُقترحة مثل انتشار الأمراض وموجات الحر التي ظهرت وقتها والتي أدت إلى العقم. ويعد انقراض الديناصورات لغزًا غامضًا لعلماء الجيولوجيا والحفريات وكذلك علماء الأحياء، واجتهد العديد منهم في تقديم فرضيات ونظريات منطقية تساعد على الاقتراب أكثر من الحقيقة الغامضة. كان بين هذه النظريات (نظرية الكويكب) والتي وضعها العلماء الأمريكيون “والتر الفاريز” و”لويس ألفاريز”، والتى تشير إلى أن هذا الانقراض كان نتيجة اصطدام نيزك أو مذنب من الفضاء الخارجي بالأرض متسببًا في قذف كمية هائلة من بقايا الصخور إلى الغلاف الجوي، مما أدى إلى دخول الأرض في حالة ظلام لعدة أشهر، ومن المعلوم أن انقطاع ضوء الشمس يعيق عملية التركيب الضوئي التي تساعد على غذاء النبات، مما أدى إلى تدمير الحياة النباتية على الأرض، وبالتالي انقطاع الغذاء على الحيوانات وتعطيل السلسلة الغذائية.

هناك الكثير من الأدلة في السجل الأحفوري والتي تدعم هذه الفرضية، حيث تم اكتشاف حفرة ضخمة يبلغ قطرها 180 كم، يرجع تاريخها إلى العصر الطباشيري الأخير مدفونة تحت رواسب شبه جزيرة يوكاتان بالقرب من تشيكسولوب بالمكسيك، وهناك حفرة ثانية أصغر قد سبقت تلك الموجودة في تشيكسولوب بنحو 2000 إلى 5000 سنة، فقد اكتُشفت في بوليتش في أوكرانيا عام 2002.

وقد وجد عنصر الإيريديوم النادر -وهو موجود فقط في عمق الأرض وفي الصخور خارج كوكب الأرض- في الرواسب المرتبطة بالانقراض، وهناك أيضًا دليل على بعض الآثار الجانبية لتأثيرات النيزك بما في ذلك التسونامي الهائل الذي اجتاح شواطئ خليج المكسيك وحرائق الغابات الواسعة النطاق.


ما الذي حدث للأرض بعد الانقراض الجماعي الخامس؟

لعل الحيوانات المنقرضة الأكثر شهرةً خلال هذا العصر هي الديناصورات، لكن ما يحاول العلماء إثباته اليوم أن الديناصورات ليست منقرضة بالضبط، حيث أن الطيور ما هي إلا ديناصورات متطورة من عدد قليل من الديناصورات الناجية من هذا الانقراض، فمثلًا الديناصور المشهور تي ريكس شبيه الدجاج اليوم، كذلك التماسيح الموجودة اليوم والتي تعد من أقارب الطيور الحية اليوم، هي أيضًا متطورة من الديناصورات الناجية من الانقراض. وتشير النظريات إلى أن التماسيح ذوات دم بارد بخلاف الديناصورات ذوات الدم الحار، مما سمح لأسلافها النجاة، كذلك الديناصورات الطائرة يرجح العلماء أنها استطاعت التحليق وقت الانقراض والذهاب إلى أماكن مزدهرة حيث نجت وتمكنت من الاستمرار في الحياة بل وتطورت.

ذو صلة

والخبر السار وسط كل هذا الموت والدمار هو أن الحياة على الأرض تتعافى دائمًا. بدون الانقراض، لا يوجد تطور وكلاهما مرتبط بشكل جوهري، فقد عاشت الديناصورات لمدة 165 مليون عام قبل انقراضها، ولو لم تنقرض، ربما لن يكون البشر هنا اليوم.

إذا كان البشر محكوم عليهم حقًا، فلن نكون موجودين لنرى ما يتطور ليحل محلنا، لكن كن مطمئنًا، نحن نعلم أن الأرض أكبر منا، وسوف تعود، ربما لن يكون البشر هناك وقتها، وقد دهستنا موجة الانقراض، فقد لا تعلم يا صديقي أننا على مشارف انقراض جماعي سادس، لكن هل سنتأثر نحن البشر وتنتهي حضارتنا ويزول ما توصلنا إليه من علم ومعرفة ويأتي أسلاف لنا يبدؤون الحياة من جديد، ربما!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة