قبل الوقوع في الفخ.. استراتيجيات تحصينيّة للتعامل مع الاستفزاز من حولنا
6 د
المشاعر، العواطف، والأفكار، جميعها كبركة ماء رائقة تركن داخل أعماقك، تهبّ رياح الانفعال يمينًا وشمالًا، فتندفع أمواج بركتك هائجةً، لتعكّر سكينة صفوك وسلامك الداخليّ. فهل سبق لك عزيزي القارئ أن شعرت بالاستفزاز ومررت بموقفٍ عاطفيّ كدّر صفاء سمائك؟ أو هل تعرّضت لشحنات خارجية أشعلت حمم جوفك وجعلت منك بركانًا ثائرًا تقذف نيرانك غير واعٍ بالعواقب والخواتيم؟ إن كنت من الأشخاص الذين يتأثّرون بمحيطهم، ويستقبلون ضغوطاتٍ تثقل كاهلهم، سنكون لك خير صديق في مقالنا هذا، وسنساعدك في التعرّف على هذه العواطف أكثر، وكيف لك أن تسيطر عليها قدر استطاعتك.
ما هو الاستفزاز أو التحريض العاطفيّ؟
الاستفزاز أو التحفيز العاطفي هو مصطلح يعكس في مرآته تجربةً تأسر في طياتها ردود فعلٍ قوية حول مثيرٍ مزعج قد سبق وتعرّضت له في محيطك أو في حياتك الاجتماعيّة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، بحيث يتشظّى سلامك الداخلي وتتحرّض عاطفيًّا في كلّ مرة تتكرّر فيها المواجهة بينك وبين أيّ ظرف قد يذكّرك بتلك التجربة التي تثير انفعالك.
الأسباب الكامنة وراء تحريض نوبة الاستفزاز
تنقسم المؤثّرات التي تشعل فتيل الكينونة العاطفيّة في داخلك محرّضةً أمواج السخط والامتعاض إلى نوعين اثنين هما مؤثرات داخليّة، وأخرى خارجيّة. تحمل المؤثرات الداخلية في طيّاتها العديد من المثيرات التي تحاك من داخلك نفسه مثل:
- ذكرى مرتبطة بحادثٍ ما
- إحساس جسدي
- عاطفة ما
- الغضب أو القلق
- الإرهاق
- الشعور بالوحدة
- الألم والحزن
أما عن الخارجية منها، فهي تلك المحفّزات التي تنبت من بيئتك ومحيطك، وتلقي برذاذ تأثيرها على بتلات عاطفتك، فتأرجح فيك ما يثير غضبك واستياءك، على سبيل المثال:
- فيلم أو برنامج تلفزيونيّ أو مقال ما يذكرك بتجربة تستفزك
- المجادلة مع صديق، أو شريك، أو زوج
- أوقات محدّدة من اليوم
- أصوات معيّنة
- التغيّرات في العلاقات أو إنهائها
- مكان أو رائحة تشحنك سلبيًا
الآلية التي يتفعّل بها الاستفزاز
إنّ المسؤول الأوّل والأخير عن إثارة الاستفزاز وتكوينه هو ذلك العضو المتربّع على عرش جسدك في قلعة جمجمتك والمعروف بالدماغ. إنّ عمل الدماغ الدقيق الذي يدور في غرف المحفزات السريّة ليس مفهومًا بالشكل الكامل بعد.
ومع ذلك، هناك العديد من النظريات التي تتسابق في ماراتون إعطاء الفكرة المفهومة عن كيفية عمل المثيرات. تقترح إحداها أنّه عندما يكون الشخص في حالة تهديد، ينقله دماغه كالبرق إلى وضع القتال أو الهروب، رافعًا أوامره العُليا معلنًا حالة الطوارئ، ليبقي الجسد في حالة التأهّب القصوى، مسخّرًا كلّ أسلحته بما يتوافق مع الردّ على الموقف، وفي ظلّ تلك الفوضى العارمة قد يعبث الدماغ في ركن الذكريات القديمة كتجربةٍ صادمة من الماضي، وبدلًا من إبقائها كملّفٍ مؤرشف غابر، يعود لإحيائها من جديد معلنًا دقّ ناقوس الخطر لصراع داخليّ مع العواطف التي كبّلتك آنذاك، ليتم تصنيف الموقف على أنّه تهديد لا يزال متربّصًا بك، وفي كلّ مرّة يتم تذكيرك بالصدمة، سيتصرّف جسدك كما لو أنّ المشهد يحدث فعلًا، ويعود إلى وضع القتال أو الهروب، وسيتكرر ظهور كلّ ما اعتراك من أعراض جسديّة وأحاسيس عاطفيّة سابقًا.
تقوم النظريّة الأخرى على أخد قوّة المحرضات بعين الاعتبار، لما تمتلكه من مقدرة على تشغيل وتنشيط عدّة حواس معًا. وكما تعلم، تلعب المعلومات الحسيّة البصريّة والصوتيّة والروائح دورًا كبيرًا في الذاكرة، فكلّما تمّ تنضيد المزيد من المعلومات الحسيّة، كان من السهل استرجاع الذاكرة. وعليه تقترح النظريّة أنّه أثناء الحدث الصادم غالبًا ما يرسّخ الدماغ المنبّهات الحسيّة ويحفرها بعمقٍ في الذاكرة، لذا عندما يواجه الشخص نفس المحرّضات وحتّى لو كانت في سياق آخر، فإنّ دماغه سيربط تلك المحفّزات بالصدمة، ليختبر ما مرّ به مسبقًا من جديد.
كيفية استجابة كيانك لهذه المحرّضات
تتنوّع ردود الأفعال التي تصاحبنا في هذه المرحلة، إذ قد نختبر أعراضًا جسديّة عديدة كتسرّع ضربات القلب، وتسرّع التنّفس، إلى جانب التعرّق البارد، والتنميل، والتوتر، والألم.
لن يقتصر الأمر على الجوانب الجسديّة فقط، بل سيتعدّاها إلى تذبذب قواعدنا النفسيّة ومواجهة مشاعر قويّة حادّة كالغضب، أو الخوف، أو القلق، أو الحزن، أو الخروج عن السيطرة.
كما قد يترجم تعرّضك للإثارة بشكل أساسيّ في كيفيّة تصرفك وتفاعلك مع المحيط، إذ قد تفضّل العزلة والابتعاد عن الآخرين، أو قد تسعى لخلق المشاجرة وافتعال المشاكل، أو قد تصبح عدوانيًّا شرسًا، والأخطر من ذلك كلّه هو احتمال مرورك فوق حفر الأفكار الانتحاريّة أو الفصاميّة.
كيفيّة معرفة وتحديد العوامل الاستفزازيّة
يستغرق تحديد المحفّزات الكثير من الوقت والتأمّل، ومع ذلك هنالك بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمساعدتك على تعيين العوامل المثيرة في حياتك. لكن لاحظ بعين الانتباه أنّه قد يكون لديك أحد هذه العوامل فقط، ولكن ليس من المستغرب أن يكون لديك عدّة منها بغضّ النظر عن نوعها. لذا تحديد ما يُؤلمك يقودك إلى مواجهته ومعرفة كيفيّة التعامل معه، من خلال ما يلي:
- تحديد استجابتك: إنّ عملية تحديد ما يحرّضك قد تكون مسألةً صعبةً، ومن الأسهل بكثير تقييم ما تشعر به في اللحظات التي تدرك فيها غرقك في فيضان المشاعر القوية. قم بتقييم ما تعانيه، هل هو الغضب، أو الحزن، أو الغيرة؟ راقب ما تشعر به جسديًّا ونفسيًّا لتصل إلى استنتاج ومعرفة المسبّب.
- تعقّب ردود أفعالك: بمجرّد نجاحك في فكّ شيفرة مشاعرك، حاول الرجوع إلى ما قادك إلى هذا الموقف، مثلًا ماذا كنت تفعل قبل أن تشعر بالضيق الشديد؟ ثمّ حاول أن تسترجع الموقف، وفكّر فيما جعلك تشعر بالضيق، غالبًا ما تكون المحفّزات متجذّرة في تجاربك السابقة.
- حاول مرارًا وتكرارًا: لا تشعر بالإحباط إذا لم تتمّكن من تحديد المحرّض من المحاولة الأولى، فهذه المشاعر معقّدة لذا عليك المحاولة عدّة مرات لاكتشاف ما يثيرك نفسيًّا.
استراتيجيات تحصينيّة للتعامل مع الاستفزاز من حولك
سنقدّم لك أخيرًا بعض الطّرق التي تساعدك في السيطرة على نفسك وضبط سلامك الداخليّ:
- كن واضحًا ومحدّدًا مع ما يستفزك: من الصعب كسر العادات القديمة، ولتفادي المحفّز أو تغييره، ستحتاج لتجنّب الظروف التي تعتقد أنّها تثيرك، أو حاول أن تأخذ وقتًا مستقطعًا تهرب فيه من ذيول الموقف الضاغط.
- وسّع نافذة التسامح تدريجيًّا: إنّ الابتعاد عن المحفّزات أسلوب ناجح على المدى القصير، لكنّه قد لا ينجح على المدى الطويل، إذ قد يكون الابتعاد عن المثيرات طوال الوقت أمرًا مرهقًا. ابدأ بخطواتٍ صغيرة نحو هدفك، ولا تكن جامحًا متسرّعًا في الوصول إلى الغاية، لا تقحم رأسك في المهالك يا صديقي، وكن صبورًا على نفسك.
- غيّر نظام معتقداتك: انظر إلى الموقف بعيون مختلفة ومن زوايا أخرى، لا تنظر إليه على أنّه عقبة، لكن فكّر فيه كفرصة للتحسّن والتطوّر.
- كن مرنًا: بعد البدء والاجتهاد في التعامل مع المحرّضات بهدوء، حاول أن تطوّر طرقًا مختلفة تتعاطى فيها مع الموقف، تتمالك فيها نفسك، وتعتاد على تمكين رباطة جأشك. حاول أن تكون مرنًا مع المواقف من حولك، وأن تفتّش عن حلول بدلًا من الاستسلام لثقل المشاعر المرهقة.
- استخدم مهارات تنظيم المشاعر: حاول أن تُلهي نفسك عند التعرّض للصعاب مثلًا، أو انخرط في مزيد من النشاطات والفعاليّات، كما احرص على دفع الموقف بعيدًا واحجبه عن ذهنك. وكنصيحةٍ ذهبيّة واظب على ممارسة التهدئة الذاتيّة، كتهدئة كلٍّ من الحواس الخمس بأحاسيس ممتعة ومريحة. حاول أن تخلق تجارب إيجابيّة تتخلّص فيها من سلاسل تجاربك الصادمة، لتمتطي صهوة حصانك وتطير في باحات الراحة والتوازن.
- اطلب المساعدة: إنّ كان من الصعب أن تزّج نفسك في هذا العراك الطويل والمتعب، فلا بأس البتّة، فقط اطلب المساعدة من صديق، أو شريك، أو عائلتك، هذا ليس ضعفًا بتاتًا، بل هي محاولة للتطوّر في إطارٍ حميميّ ممزوجٍ بعبق المودّة. ولا تتردّد أبدًا في طلب المساعدة الاحترافيّة من معالج أو طبيب نفسيّ، أو الانخراط في مجموعات الدعم التي تشاركك مصاعبك، لتتساندوا سويّةً في اجتياز العقبات وتوسيع آفاق الإدراك والوعي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.