الإنسانية الغائبة في Humans of New York ! – قصص وعِبَر
6 د
في ظلمات الليل، حيث التفكير المضني المستمر حول مستقبلك و حياتك،حول اختياراتك الصحيحة و الخاطئة، ماضيك المتعثر و حاضرك المقبض، تبدو بعض الاشياء البسيطة بمثابة الهروب الأمثل المؤقت لواقع أكثر جمالا،أو علي نحو أكثر تفضيلا من عادات ألفناها و بلغ منا الملل مبلغه.
لكن، الأفضل من ذلك كله هو وجود من يرشدك بخبراته و يشاركك تجاربه دون تزييف للواقع أو لأضفاء جماليات باهته، هذا هو جوهر HONY اختصاراً من York Humans Of New و هي صفحة شهيرة علي الفيسبوك تجمع كل ما قيل بالأعلي اسسها “ستانتون براندون”، لاحقاً أصبح شعار الصفحة الغير رسمي هو “إعادة الثقة في الأنسانية – Restoring faith in “humanity.
في 2010 بعد فشله في عمله بالبورصه و المضاربات ،أنتقل “براندون” بعدها الي نيويورك ليعمل كمصور و يتركز عمله حول اختيار احد المارة عشوائيا ثم يسأله بعدها أحد الاسئلة الشخصية التي تكشف كينونة الشخص الماثل امامك،و قد ينتهي الامر بتعليق بسيط من براندون فقط علي الصورة،كما توجد ايضا فقرة “Today in microfashion” حيث يعرض صورة أحد الأطفال المتأنقين،و غيرها الكثير.
لكن اكثر ما يهمنا هنا هو القصص و الخبرات الحياتية المذهلة التي مر بها البعض ناهيك عن المآسي التي تكبدها البعض منهم و الدروس التي تعلموها،ذلك ما يثري الحياة حقاً،المصاعب و الكوارث و المخاطرة المحسوبة و غير المحسوبة،البقاء سالماً في المنزل لم يعّلم أحد شيئا و لن يجعل لحياتك أي قيمة غالباً.
ذلك ما فعله متابعوا الصفحة و قصاصيها، الجميع يحكي،حتي ما قد يبدو للبعض اسراراً بالغة السرية يُروي، تبدو HONY احيانا كعيادة طبيب نفسي واسعة يُعالج بها الجميع بطريقة المجموعات العلاجية- Group therapy، فالجميع يحكي و الجميع ينصح ايضاً.
لا تملق، لا رياء، لا مبالغة، لا كذب، لماذا تكذب علي بشر لا يعرفوك من الأصل و لا يهمهم من أنت؟
ايضاً التعليقات، لا عنصرية تجاه اي شخص مهما كان مذهبك و وطنك،لا يهم ان كنت مسلم سني او شيعي او صوفي،او مسيحي،يهودي،ملحد،بوذي.. لا يهم حقا ما تؤمن به دينياً،فقط افعالك و افكارك هي ما تعبر عنك، تلك هي الأنسانية في أجمل صورها.
احد المارة يروي لبراندون قصته..
“كنت جنديا بوحدة الكوماندوز البحرية البريطانية لمدة ثماني عشرة عاما و لكني لم استمتع بالعمل قط،فقط الاحترام الذي يجلبه،كنت اتظاهر بكوني جنديا،تركزت المعضلة في كوني اجيد هذا العمل و من الصعب ان تستقيل عن عمل تجيده،خصوصا و ان الجيش يعتني بك جيدا،مالياً و صحياً..ل
م تواتني الشجاعة قط للأستقالة بالرغم من كوني شجاعاً كجندي،لقد جُبنت عن محاولة السعي خلف الحياة التي اردتها حقاً و لكني فعلتها أخيراً،قضيت العامين الماضيين في مدرسة التمثيل،سأصبح ممثلاً يا صديقي”
من المواقف الطريفه ان براندون نشر صورة ذات مرة لفتاتين و سأل احداهما عما تريد فعله في المستقبل فأجابت :”اريد ان انقذ الدلافين” فدخلت بعدها الصفحة الرسمية لمكتب المحيطات و البيئة و العلوم التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية لتعلق قائلة “عظيم، تحياتنا لكم 😀
من القصص المؤثرة ايضا ما تحكيه هذه السيدة
“كان والد أطفالي مؤذيا و عندما تركته قلّت ثقتي بنفسي كثيراً و أحتجت الي دعم معنوياتي المتدهورة،في أحد الأيام رأيت جمعاً من رجال الأطفاء يوزعون أوراق للأنضمام إليهم لذا قررت ان أجرب الأمر.
تدربنا نحن النسوة معاً بقوة كي نتخطي الأختبار لمدة ستة أشهر،و عندما حان دوري لأداء التدريبات كانت بقية المتدربات يعتنون بأطفالي و استطعت تجاوز الاختبار بسهولة،لم أنضم ابدا لرجال الأطفاء و لكن بقيت هولاء المتدربات صديقاتي”
جمعت الصفحة ما يزيد عن اثني عشر مليون متابع علي الفيسبوك و عشرات الالاف من المتابعين علي تويتر و تمبلر ثم بدأ أهتمام البرامج التلفزيونية بالصفحة الانسانية يزداد تدريجيا و معها الصحف لتُنشر عنها المقالات بإستفاضة مما شجع براندون لاحقا علي نشر كتاب يحوي قصص البشر و ذكرياتهم التي قاموا بسردها لنا و تبرع “براندون” بمكسبه لاحقاً.
يتذكر “براندون” بدايته فيقول..
كم كان الأمر مخجلاً عندما طلبت من عائلتي و أصدقائي الأعجاب بالصفحة و نشرها لدي أصدقائهم،لكنك يجب ان تبدأ من مكان ما مهما كان صغيراً
قام براندون فيما بعد بجولة حول العالم تضمنت دول افريقية و عربية و اوروبية ترزخ جميعها تحت ضغوط سياسية و عسكرية و اقتصادية صعبة كاوغندا و العراق و اوكرانيا،هذه الرحلة تمت بمساعدة الأمم المتحدة لنقل صورة أوضح للمآسي،اما “براندون” فقد عبر عن هدفه ببساطة و هو ان “يسمع” و يوثق القصص علي الانترنت لجمهوره المتشعب حول العالم.
تلك الطفلة من اوغندا..
تحكي قصة بسيطة رداً علي سؤال براندون حول أسعد لحظات حياتها فتقول:
في أحد الأيام طردتني المدرسة من امتحاناتي النهائية لأن والدتي لم تستطع دفع تكاليف الدراسة،في طريقي إلي المنزل قابلت أحد الاشخاص و سألني عما بي فإجبته و قصّصت له ما حدث،أعطاني الغريب النقود التي احتجتها كي أنهي امتحاناتي،هذا الشخص لم أره من قبل و لم أره فيما بعد ابداً
#أما في العراق،قام براندون بزيارة اربيل حيث الطائفة اليزيدية النازحة الي الجبال من المغول الجدد..كما زار منطقة شقلاوة ايضاً حيث عبّر هذا العجوز عن نفسه قائلاً :
كنت في السادسة عشر عندما احتجزوا ابي و امي،و مات الاثنان في السجن”..و عندما حاول “براندون” سؤاله عما يتذكره يوم تم احتجازهم لم يقدر العجوز علي استكمال الحديث و بدا عليه التأثر الشديد.
#أما أكثرهم إيلاماً و هي عندما سأل أحد الأباء السوريين في معسكر للاجئين علي الحدود الأردنية،”ما هي أمالك تجاه أطفالك؟ ” ،فرد عليه قائلاً “لقد تركنا آمالنا في سوريا”.
اما تلك الشابة الأوكرانية فقد افصحت عن مخاوفها
أخاف كل شئ،حالياً بدأت في قراءة كتب علم النفس كي أفهم ما أمرّ به،أعلم ان كل شئ علي ما يرام منطقياً،أعلم اني في العشرين من عمري و لدي العديد من المميزات..
و لكني خائفة من المستقبل و من عدم قدرتي علي إنجاز اي شئ ذو قيمة ،اخاف من الزمن و من احتمالية بقائي وحيدة و من انجابي لطفل و من الظلام،أخاف فعلاً من الظلام.
بعد زيارة عشر دول لمدة تقارب خمسين يوماً عاد براندون الي امريكا و استمر في عمله المعتاد حتي أثار قضية “فيدال و السيدة لوبيز” و التي كتبت عنها الزميلة نورا ناجي
و قابل وقتها براندون الرئيس الأمريكي باراك اوباما ليطرح عليه أحد أسئلته المفضلة “من صاحب اكبر أثر في حياتك؟
أجابه اوباما..
والدتي، أنجبتني عندما كان عمرها ثماني عشرة عاماً،و غادرنا والدي عندما كان عمري عاماً واحداً فقط لذا لم أتعرف عليه بشكل صحيح، و كالعديد من الأمهات المطلقات لزم عليها ان تكافح في العمل و في دراستها ايضاً.
ربتني أمي علي الاحساس بالثقة مع القدره علي فعل أي شئ و استطاعت في النهاية الحصول علي درجة الدكتوراة بعد عشر سنوات و رأيتها و هي تعاني أثناء مرورها باختباراتها الصعبة.
عندما نضجت أدركت أن أمي لا تختلف عني،كانت لديها شكوكها و مخاوفها و لم تكن متأكدة عما إذا كانت تسلك الطريق الصحيح،بالتالي رؤيتها و هي تتغلب علي تلك الأوقات الصعبة كان ملهماً لي،لأنه يعني أنني استطيع التغلب عليها ايضاً” .
في نهاية المطاف تؤكد HONY علي مبدأ الانسانية الجمعاء دون النظر الي عرق او لون أو دين أو وطن ،فنحن نعيش علي نفس الأرض و نتنفس نفس الهواء.
و لا يعقل أن نكون في عصر السماوات المفتوحة في القرن الحادي و العشرين و مازلنا نتناقش في مبادئ و أسس أجتمع عليها العالم أجمع منذ زمن طويل.. لنستعيد إذن الثقة في إنسانيتنا و لنرمم أرواحنا الممزقة و و قد نري خيراً يتبدي أخيراً وسط مستنقعات الوحل الغارقين فيها حتي اعناقنا.
اقرأ ايضاً لأسامة ربيع:
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
https://www.facebook.com/arabamericansocietyoftechnology/
راااااائع
ممكن رابط الصفحه تبع برااندون
إعادة الثقة بالإنسانية.. مقال جميل
لا تملق، لا رياء، لا مبالغة، لا كذب، لماذا تكذب علي بشر لا يعرفوك من الأصل و لا يهمهم من أنت؟ (y) (y) (y)
مقالة رائعة …
متشكر جدا :))
متشكر جدا :))
شكرا :))
شكرا :))
https://www.facebook.com/humansofnewyork?ref=ts&fref=ts
https://www.facebook.com/humansofnewyork?ref=ts&fref=ts
مقال لطيف استطعت أن ألمس أهدافه من بين السطور، مليء بالعاطفة والجمال. الترجمة نقل الصور تم بعناية عالية. أحييك أسامة على عملك الرائع.
ممكن تعطينا رابط الصفحة اخي ؟
رائع
ولكن عن اوباما هو في مركز قادر على مساعدة الناس التي تعاني في كل مكان في العالم ام ان السياسة لاتلتقي مع الانسانية
روووعه ، جميل بشكل لا يصدق بالتوفيق