فيلم I Origins هل أجاب عن الأسئلة أم طرحها؟
6 د
يستطيع القدر وضع عشرات أو مئات الصُدَف خلال عدّة سنوات لتشكيل وتوجيه حياة إنسانٍ ما باتّجاهٍ ما، لكن العلم يحتاج ملايين أو مليارات السنين لاختيار الصُدَف الملائمة، أمّا مخرجو الأفلام يتفوّقون على كلّ منهما خلال 90 دقيقة فقط.
حاول الفيلم الموازنة بين النظرة المادية والروحانية وتقريبًا فإنّه خصّص وقتًا متساويًا لكلّ منهما للتعبير عن نفسه، وحتّى لو حاولنا جعل الأمر كمباراة ينال فيها كلّ طرف نقاط الفوز بالمشهد فسوف نصل لتعادل، وبالتأكيد فإنّ هذا الأمر مقصود كما تعوّدنا من مُخرِجي النهايات المفتوحة.
كيف ولدت القصّة
لا يستند الفيلم إلى قصّة حقيقيّة كما يظنّ البعض، رغم بعض الزوايا الحقيقيّة في القصّة، فقد لمعت فكرة الفيلم برأس مايك كاهيل عندما قرأ خبرًا مفاده أنّ مجلة ناشيونال جيوغرافيك قد التقت مرّة ثانية بالفتاة الأفغانية صاحبة الصورة الشهيرة “شربات” بعد 17 سنة من التقاط الصورة الأولى لها، وقد استطاعوا التأكّد من هويّتها عبر فحص قزحية العين، ثمّ بدأ كاهيل يقرأ كلّ ما كُتب ونُشر عن تقنية التعرّف على الهويّة بفحص القزحية، حتى وصل لشركة EyeLock وتواصل مع مديرها جيف كارتر الذي رحّب بفكرة التعاون مع المنتجين لتزويدهم بتقنيات تنتجها الشركة لمسح القزحية والتعرّف على الأشخاص، حيث كانت جميع الأجهزة المستخدمة في الفيلم والتي تبدو كأنها من المستقبل أجهزةً حقيقيّة من إنتاج الشركة الرائدة في هذا المجال.
اقرأ أيضًا: حلم الخلود والقدرات الخارقة.. هل يمكن للتكنولوجيا أن تجعل الإنسان سوبر مان؟
ملخص قصة فيلم I Origin
يعمل الدكتور إيان غراي على بحث حول العين، حيث يحاول ضحد ما يقوله المتديّنون من كافّة الأديان بإنّ تعقيد العين كافٍ لإثبات وجود الخالق، فينصبّ بحثه حول إيجاد نقطة الأصل التي تطوّرت منها العين حتى وصلت للعضو شديد الإثارة والإبهار الذي نعرفه.
يتلاقى هذا السعي لديه مع شغفه القديم بتصوير العيون حيث يحتفظ في أرشيفه بصور لمئات العيون، وفي يومٍ ما يلتقي بصوفي التي كانت تغطّي وجهها بقناع تَظهَر من خلاله عيناها فقط، يقضيان ليلةً رائعة ثمّ تغادر دون أن يعرف عنها شيء سوى شكل عينيها، فيبحث عنها، إلى أن يجدها صدفةً في قطار، وتبدأ رحلة الحبّ بينهما، ويتّضح مدى التباين في نظرة كلّ منهما للحياة، حيث تمثّل صوفي حالة من الروحانية النموذجية للروحانييّن، بينما يقبع إيان في أقصى نقطة عنها في جانب المادّيين، حتّى إنّ أحد أحاديثهما على السرير وهما عاريين كان يذكر فيه أنّه يعارض حرق الجثث بعد الموت لأنّه يظنّ أنّ العلم سيصل في يومٍ ما لإعادة البشر للحياة عبر الاستنساخ بالاستعانة ببقايا عظامهم وهو يريد أن يتمتّع بفرصة أخرى للحياة بهذه الطريقة.
رغم التباين الكبير بينهما إلا أنّهما يقرران الزواج، وهذا يشكّل نقطة قويّة في صالح الروحانيين حيث لا يستطيع إيان تفسير انجذابه لصوفي سوى بشيء غير مادّي، وفي يوم زفافهما يحصل حادث عنيف جدًا في المصعد تموت على أثره صوفي، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الحادث كان مبالغًا فيه بشدّة ويمكن للحبكة أن تكون أكثر إثارة لو انفصلا بشكلٍ آخر، فعلاقتهما كانت متأرجحة بكلّ الأحوال، وعلى أثر الحادثة يدخل إيان في اكتئاب.
تستطيع المتدربة في مخبره كارين إخراجه من هذه الحالة عبر حبٍّ جديد، وهنا تعود المادية لتسجل نقطةً في مرمى الروحانية، حيث تنتصر العلاقة الأكثر عقلانية ومنطقية وتنتج حبًّا بين شخصين من نفس الخلفية العلمية والفلسفيّة، ويدوم هذا الحبّ ويثمر عن زواج ناجح وطفلة، خلال سبع سنوات، في تلك الأثناء يكون الزوجان قد وصلا للنقطة الأصل في إحدى الديدان العمياء وينشر إيان كتابه الذي يشرح فيه ادّعاءاته وبذلك يتمّ له ما أراد وتبدو الصورة الآن بأنّ المادية قد غلبت الروحانية بفارق حاسم.
مع ولادة ابنهما تأخذ الأحداث منحىً جديدًا، حيث يظهر خطأ عابر في نظام مسح القرنيات في المشفى أثناء إدخال بيانات الطفل، فيظهر وكأنّه مسجّل مسبقًا باسم مزارع مسنّ، وبعد عدّة أشهر وأثناء إجراء فحوصات طبية للطفل تظهر مؤشرات أخرى تدعو الأبوين للشك والبحث في أمر ذاك الخطأ وارتباطه بنظام مسح القرنيات والبنك العالمي لبيانات القرنيات.
وبمساعدة صديق إيان وهو أحد خمسة أشخاص لديهم إذن الولوج لقاعدة البيانات تلك يكتشفون أنّ الرجل الذي ظهرت صورته خطأً أثناء إدخال بيانات الطفل كان قد توفّي في نفس الوقت الذي ولد فيه الطفل، فيبحثون أكثر وأكثر عن أشخاص تصادَفَ وقت ولادتهم مع وقت موت آخرين، فيحصلون على تطابق تامّ بين طفلةٍ هندية وُلدت منذ سبع سنوات في نفس وقت وفاة صوفي، فيذهب إيان للهند لملاقاتها، والتأكّد من أنّها تذكر شيئًا عن حياة صوفي أم لا، فتأتي نتيجة الاختبار بلا أيّ دليل حاسم، حيث يظهر تطابق عشوائي في خياراتها مع خيارات صوفي، لكن في النهاية عندما يريد إيان والطفلة الهندية الدخول للمصعد في الفندق تُصاب الطفلة برعب شديد عندما يفتح باب المصعد، ممّا يعيد خلط الأوراق ويبقي الجدل الذي طرحه الفيلم وحاول الإجابة عنه وكانت الأحداث والدلائل تشير في الغالب لانتصار الرؤية المادية .
يبقي هذه الجدل مفتوحًا حيث لم يُعطِ نتائج تشير بحسم إلى أنّ الفتاة الهندية ناتجة عن تناسخ لروح صوفي، وبذات الوقت أشار لصفة مشتركة بينهما وهي الخوف من المصعد والذي بدوره قد يكون مصادفة بحتة، بل إنّه قد يكون مرجّحًا أن تخاف الفتاة من المصعد لأنّها لم تشاهد مصعدًا يفتح بابه الأوتوماتيكي في حياتها.
بين المادية والروحانية: العصا من المنتصف
لقد جاءت آراء النقّاد والمتابعين بشكلٍ يشابه النهاية التي وصل إليها الفيلم، حيث إنّ التقييمات والمراجعات من مختلف المصادر كانت محصلتها في الوسط دومًا حيث كان يحصل الفيلم على 5 إلى 6 نقاط من 10 دومًا، (ولا أتكلّم عن تقييمات المشاهدين التي تراوحت بين 7 إلى 9 نقاط).
بالنسبة لي أرى أنّ أحد أهمّ اللفتات الذكية للكاتب أنّه أخذ البوذية وفكرة تناسخ الأرواح كمثال عن المعسكر الروحاني، حيث أنّه ابتعد عن الديانات الإبراهيميّة التي قد يقع في متاعب مع أتباعها لو وضعها في جدالٍ درامي سواء انتصرت الديانة أم انهزمت، ومن جهةٍ ثانية فإنّ البوذيّة بحدّ ذاتها ليست ديانة بالمعنى الحرفي بل هي فلسفة، وبذا يكون قد أخذ مثالًا روحانيًا دون أن يخسر جمهورًا من المتديّنين الذين قد يشعرون بالإهانة أو الحساسية لإقحام دينهم في الفيلم، مع ذلك فإنّ كاهيل ضحى بفئة واسعة من الجمهور حيث أقحم مشهد عريّ –يمكن الاستغناء عنه- بشكلٍ لا يمكن للقنوات الملتزمة أن تحذفه لأنّ حوارًا مهمًّا قد جرى فيه، إضافةً لمشهد انشطار جسد صوفي وموتها المرعب، ممّا يجعل تصنيف الفيلم العمري +18 بكلّ الطرق.
أخيرًا ورغم تصنيف الفيلم كخيال علميّ، فإنّ الفكرة الخيالية الوحيدة هي أنّ نقطة الأصل قد اكتُشفت، وهذا ليس خيالًا بالمعنى الحرفي، فهو مجرّد استشراف منطقي جدًا، وهو يشبه فكرة فيلم يحوي سيارة ذاتية القيادة، قبل عشر سنوات، فالسيارة لم تكن موجودة إلا أنّ التقنيات اللازمة لصناعتها موجودة والأبحاث حولها قائمة، وكذلك هنا فالأبحاث قد تصل في أيّ لحظة لنفس الاكتشاف الذي وصل له إيان وزميلته، أمّا تقنيات مسح العينية والتعرف على الهوية فهي مطبّقة بالفعل.
اقرأ أيضًا: أخلاق الذكاء الاصطناعي: كيف سنصل لأنظمة ذكاء اصطناعي تحترم قيمنا الإنسانية؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.