هل يوجد ظل بلا جسد أو جسد بلا ظل؟! .. حقائق مثيرة عن الظلال
8 د
جرت العادة على تشبيه ذلك الشخص اللزج الذي يلتصق بك ولا يتركك وشأنك بأنه “كظلك”… يتبعك حيثما ذهبت ويرافقك أينما أتيت. يستمد التشبيه أصله من الطبيعة الفيزيائية للظل، فإننا لا نُعبر عن الظل باعتباره كيان منفصل عن صاحبه، فما الظل سوى مساحة مظلمة تتكون على سطح بسبب اعتراض الجسم لطريق أشعة الضوء، وبطبيعة الحال طالما تحرك الجسم وما زال يعيق طريق الضوء، سيجد ظله يرافقه الرحلة.
لكن من حين لآخر تتزعزع قوانين الفيزياء في مخيلتنا. ربما مكثت مستيقظاً من قبل بعد أن تعدت عقارب الساعة منتصف الليل بينما جميع من بالمنزل نيام. جالساً إلى مكتبك تستذكر دروسك أو تعمل للحاق بالموعد المحدد لتسليم أحد مشاريعك بالعمل. بينما أنت منهمك فجأة ترى بزاوية عينك كياناً مظلماً يندفع عبر الغرفة، تبلع لعابك بصوت مسموع يكسر حاجز الصمت من حولك، تتلفت بعصبية بحثاً عنه، لكنه كما ظهر من العدم ذهب إلى العدم.
تتصارع الأفكار في دماغك بحثاً عن تفسير عقلاني، تقف في مواجهة ضوء مصباح مكتبك لترى ظلك ساقطاً على الحائط المقابل. تجد في ذلك تفسيراً تتشبث به يائساً كي يهدأ قلبك الذي يتقافز داخل صدرك. لمعلوماتك الشخصية؛ تحسباً لأي واقعة مستقبيلة، إنك في تلك الليلة قد تكون تقابلت مع أحد “أشخاص الظلال Shadow People”!
بحسب روايات من كانوا في مواجهة مع أشخاص الظلال، فإنك لن تجد ما يميزهم، فهم حرفياً بلا ملامح أو تفاصيل. قد تتخذ الظلال هيئة بشرية أو أي هيئة أخرى. هناك معتقدات عديدة تفسر طبيعة أشخاص الظلال، من بينها أنهم ليسوا إلا كائنات فضائية تأتي إلينا مموهة في هيئة ظلال بريئة. يعتقد آخرون أن أشخاص الظلال ربما هم مسافرون عبر الزمن يرصدون حياتنا في لحظة عابرة من الزمن. وبالنظر إلى كونهم كائنات هلامية بلا ملامح تتشح بالسواد، يجد البعض من الصواب اعتبارهم تجسيداً للشيطان!
بإمكانك اختيار التفسير الذي يحلو لك، ولكن الأمر المؤكد في رأي العلماء أنك لابد وأن تكون مدمناً على مخدر “الميثامفيتامين” كي ترى أشخاص الظلال! في بحث منشور في المجلة الأمريكية للإدمان، أجرى الباحثون مقابلات مع أشخاص مدمنين يتعاطون مخدر “الميثامفيتامين” بانتظام، وكانت الظاهرة المتكررة التي تؤرقهم جميعاً هى ظهور أشخاص الظلال. يصف مدمنوا الميثامفيتامين رؤيتهم لكيانات تتحرك عند طرف مجال رؤيتهم، وما أن يوجهوا أنظارهم تجاهها فإنها تختفي سريعاً.
يعتقد الباحثون أن أشخاص الظلال هم في الغالب نتاج خدعة تحدث بالدماغ تحت تأثير مخدر “الميثامفيتامين”، وتُدعى “وهم الانجراف الطرفي Peripheral drift illusion”. يمكنك أن تعيش الوهم، ليس بأن تحقن نفسك بالميثامفيتامين بالطبع! إذا نظرت للقرص متباين الإضاءة بالأسفل بشكل غير مباشر من زاوية عينك مع قيامك بالرمش بأسرع ما يمكنك. ستلاحظ حركة دائرية من المناطق المظلمة باتجاه المناطق المضيئة!
يتكرر الوهم ذاته لدى مدمني الميثامفيتامين مع اختلاف السياق، فبدلاً من قرص دائري به مناطق متباينة الإضاءة، يرى المدمن الوهم غالباً في الليل حيث تكون الإضاءة ضعيفة كأن يكون هناك مصدر ضوء مركز في بقعة بينما يكون المكان حوله غارقاً في الظلام مما يعطي التباين المطلوب في الإضاءة ويكون ذلك عاملاً مساعداً لحدوث الوهم. كما يأتي تأثير تعاطي الميثامفيتامين ونقص النوم لدى المدمنين على هيئة زيادة في معدل رمش العين. وبذلك تكتمل أركان الوهم، التي تستحضر أشخاص الظلال في زاوية أو طرف العين.
أما إذا كنت قد رأيت كائنات الظلال مع أنك لا تتعاطي الميثامفيتامين، فثمة تفسير أيضاً. ربما تكون قد سمعت من قبل عن مبدأ لحل المشكلات يُدعى مبدأ “شفرة أوكام Occum’s Razor” نسبة إلى من وضعه “وليام الأوكامي”. يقول المبدأ “أن أبسط التفسيرات غالباً تكون هي الأقرب للصحة”.
فلنقل مثلاً أنك خرجت من منزلك في الصباح لتجد أن إحدى إطارات سياراتك مثقوبة، هناك التفسير الأبسط وهو أنك ربما مررت بالسيارة على مسمار تسبب في الثقب، أما التفسير الخيالي الجامح فقد يكون ثمة “ثاقب” إطارات متسلسل يستهدف السيارات بمنطقتك السكنية. طبقاً لشفرة أوكام، فإن التفسير الأول هو الأرجح. بالمثل إذا رأيت ظلاً يتحرك في الظلام، فعلى الأرجح هو ظلك وليس كائن فضائي أو مسافر عبر الزمن!
ليست رؤيتك لظل بلا جسد بالضرورة دليلاً على إدمانك للميثامفيتامين أو اعتقادك في تفسيرات خيالية جامحة، فقد تكون الظلال أحياناً لأشخاص رحلوا عن عالمنا، وخلفوا ظلالهم معنا.. حرفياً!
ظل بلا جسد
السادس من أغسطس عام 1945 بدأ كيوم تقليدي في مدينة هيروشيما. لبى “شينجي ميكامو” ذو الـ 19 عاماً طلب أبيه لمساعدته في إزالة قرميد سقف منزله في الصباح الباكر. في تمام الساعة 7:45، تسلق شينجي سقف المنزل، وعندما ألقى نظرة على سماء المدينة وجدها صافية بلا غيوم، لا تنذر بالويل القادم.
باشر شينجي العمل على السقف بهمة، وفي تمام الساعة 8:15 صباحاً، رفع ذراعه الأيمن ليمسح العرق المتصبب على جبينه، عندها غمر السماء وميض باهر يعمي البصر، تبعه ضجيج مدو يصم الآذان. أتى بعد ذلك دور الألم، آلام مبرحة تجتاح جسده بالكامل، كما لو كان قد ألقي على جسده دلو من الماء المغلي. احترق صدر شينجي وجانبه الأيمن بالكامل، وتدلى جلده من جسده كثياب رثة ممزقة.
إنه يوم إسقاط القنبلة النووية على مدينة هيروشيما…
أحد أهم الفروق الجوهرية بين القنبلة النووية وأي قنبلة أخرى عادية هي كمية الطاقة الهائلة المنبعثة من الانفجار النووي في صورة إشعاع حراري. تُقدر درجة الحرارة الناتجة من الانفجار النووي بملايين الدرجات المئوية بالمقارنة ببضع آلاف في حالة القنبلة العادية.
يُلحق الإشعاع الحراري أذى بالغ بالأشخاص والممتلكات، فإنه يساعد على احتراق المواد القابلة للاشتعال كأوراق الأشجار الجافة وأوراق الجرائد، وهو ما يعني حتماً اندلاع الحرائق بالغابات والمباني. حتى إن استطاع شخص بشكل ما أن ينجو من الحرائق المندلعة حوله في كل مكان، فإنه لن يستطيع الهرب من تأثير التعرض المباشر للإشعاع الحراري، الذي يكون له أضرار بالغة على الجلد والعيون، يشبه الأمر أن تقف في مواجهة الوهج الحراري المنبعث من قلب فرن مشتعل، لكن مع أضعاف مضاعفة من شدة الحرارة.
أما واحدة من أغرب الظواهر المترتبة على الإشعاع الحراري، هى الظلال الباقية لأشخاص كانوا موجودين هناك وشهدوا الانفجار! من أشهر الظلال الباقية حتى يومنا هذا، ظل رجل ممسك بعصا المشي متكئ عليها، لم يمهله الانفجار الفرصة كي يخطو من درجات السلم إلى الشارع، لكن بقي ظله لينقل إلينا قصته!
ما هو سر تلك الظلال؟ إن الإشعاع الحراري يعد نوعاً من أنواع الضوء، ويسير الإشعاع الناجم عن انفجار القنبلة في خطوط مستقيمة. في حال اعترض أي جسم غير نفاذ طريق الإشعاع، يمكننا القول أن الجسم سيحمي السطح خلفه بأن يتلقى عنه لفح الحرارة، أي أنه سيلقي “بظله” على السطح. أما الأجزاء المكشوفة من السطح ولا يوجد جسم يحميها من الإشعاع الحراري فستحترق.
كما وصف شينجي السماء في اليوم المشؤوم “صافية بلا غيوم”، فقد عززت تلك الظروف الجوية من ظاهرة الظلال. إذا كانت الأجواء ضبابية في وقت وقوع الانفجار النووي، من شأن الضباب حينئذ أن يشتت الوهج الحراري في جميع الاتجاهات. ومن ثم فإن الحرارة يمكنها أن تصل إلى أي سطح كالأسفلت من أي اتجاه، في تلك الحالة لم تكن الأجسام لتستطيع حماية السطح من الإشعاع من كل الاتجاهات ولم تكن لتترك ظلها. ربما ساهمت الظروف الجوية في ظاهرة الظلال كي تبقى إلى يومنا هذا شاهدة على بشاعة الحادث.
جسد بلا ظل
ربما كانت ظلال هيروشيما دليلاً باقياً على أشخاص رحلوا عنا، لكن ما من سبيل كي نتعرف على هوية هؤلاء الأشخاص من ظلالهم، أو ربما يكون ثمة طريقة! ابتكر أحد مهندسي وكالة ناسا تقنية جديدة للتعرف على هوية الأشخاص من ظلالهم. لكل منا مشيته الخاصة التي يصعب في الغالب “تزويرها” أو تغييرها، وبالتبعية يوفر “ظل” كل منا معلومات قيمة للغاية تساعد على تحديد هويتنا الشخصية.
لكن لم تحليل حركة الظل وليس حركة الجسم نفسه؟ تسألني فأجيبك: كي يسهل تحديد هوية صاحب الظل من الفضاء باستخدام صور الأقمار الصناعية، فلا سبيل إلى التعرف على شخص برؤية أكتافه أو قمة رأسه! من المفترض أن الدافع وراء تطوير تلك التقنية، لتسهيل العثور على الجواسيس والمطلوبين للعدالة، لكن كما نعرف جميعاً أن ذلك لا يعني بالضرورة أن استخدام التقنية سيقتصر على ذلك!
لقد أصبحت خصوصيتنا الشخصية في مهب الريح، فحتى وإذا تمكنت من إخفاء أثرك الإلكتروني للحفاظ على ما تبقى من خصوصيتك، فلا سبيل للتخلص من ظلك، إلا إذا ارتديت عباءة الإخفاء! نعم، يمكنك التخلص من ظلك فعلياً إذا أصبحت خفياً. في هذا الصدد يسعى عديد من الباحثين إلى صناعة جهاز إخفاء يمكنه التخلص من الظل تماماً.
بدون الدخول في مفاهيم معقدة، تشبه تلك التقنية دوران تيارات المياه حول حجر ثابت في نهر جارٍ. في مسار نهر عادي تجري المياه وتدور حول أي حجر يعترض طريقها، وإذا نظرت إلى المياه في مجري النهر بعد موقع الحجر، فإنك غالباً لن تستطيع تمييز تيارات المياه التي دارت حول الحجر، أو تيارات المياه التي لم يعترض الحجر طريقها في الأساس، وبذلك فإن الحجر بالنسبة إليك “خفياً” فلم تتأثر المياه به، ولا دليل لديك على وجوده.
بالكيفية ذاتها يتمكن الباحثون من خلال تقنياتهم التلاعب بأشعة الضوء كي تدور حول الجسم، بحيث لا يشكل عائقاً في طريقها. وبذلك تلتقي أشعة الضوء معاً خلف الجسم بعد الدوران حوله، كتيارات المياه التي تلتقي معاً خلف الحجر. لن يُسقط الجسم ظلاً خلفه، لأنه لم يمنع أشعة الضوء من الوصول للسطح، وهكذا يصبح الجسم بلا ظل.
إذن بشأن ذلك الشخص اللزج اللذي يرافقك “كظلك”.. ربما إذا ارتديت “عباءة إخفاء” قد تستطيع التخلص منه!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
عفوا اقصد الضل كان الخطأ مطبعي في تعليقي الأول
الضب حسب اعتقادي كائن مستقل شأنه كشأن الظوء وله خاصية وهوه محسوب على الطاقة او من عائلة الطاقة وانا اعمل جاهداً لإكمال البحث
اعجبني المقال كثيرا,بسيط معقد ساخر جدّي مضحك ومخيف. واكثر ما يؤلم ويقشعر الابدان هي بقايا “اجساد” او “ظلال” ضحايا هيروشيما