كل شيء عن السموم

علا ديب
علا ديب

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

السم، تاجر الموت، الحل السريع والأقلّ ضجيجًا للكثير من المشاكل السياسية، يروي التاريخ العديد من مؤامرات التسمم التي حاكها البشر، فكيف ننسى محاولة البريطانيين للتخلص من الهنود الحمر بتزويدهم بالأغطية الملوثة بالجدري، وكيف ألقت القوات الكونفدرالية في الولايات المتحدة بجثث الحيوانات المريضة في الآبار، هي قصصٌ مازلنا نسمع بمثيلاتها يوميًّا من انتحار أو موتٍ مفاجئ، تشترك جميعها بالسم، فما هو السم؟ وما أنواعه؟ وآليات عمله؟ هي أسئلةٌ عديدةٌ ربما أستطيع الإجابة عنها في هذا المقال.


نبذة تاريخية

بدايةً وقبل الخوض في بعض المصطلحات التي قد يكون من المهم التعرف بها، لا بد لنا من العودة في رحلة زمنيةٍ إلى الوراء لتبدأ الحكاية مع أوّل سكان الأرض وهو رجل الكهف الذي لجأ للصيد والقتال باستخدام ما اكتشفه من سموم في النباتات والحيوانات السامة، ومع تطور البشر واكتشاف المزيد من المواد السامة كالأفيون والمعادن؛ استخدموها في عمليات الإقصاء والاغتيال كما في مقتل سقراط وكليوباترا، ليأتي عصر النهضة حيث رست أوّل دعائم علم السموم على يد العالم باراسيليوس (Paracelsus) في القرن السادس عشر، وأورفيلا (Orfila) مع الثورة الصناعية الكيميائية في منتصف القرن التاسع عشر.

استطاع باراسيلسوس تحديد السمية الكامنة في بعض الأنواع النباتية والحيوانية، كما حدد مفهوم العلاقة بين الجرعة والاستجابة من خلال جملته الشهيرة "كلّ المواد سموم، إنها الجرعة فقط ما يصنع السم"، أما أورفيلا الذي أُطلق عليه لقب مؤسس علم السموم فاستطاع شرح التأثيرات المختلفة للسموم على أعضاء الجسم.

في القرن العشرين الحديث، شكلت الاكتشافات العلمية الحديثة نقلةً نوعيةً في علم السموم؛ نظرًا لما حملته تلك العقود من تطورّات في مجال الحمض النووي DNA وطرق الحفاظ على الوظائف الحيوية في الجسم؛ بالتعرّف على طرق تأثير السموم على الأعضاء وصولًا إلى المستوى الجزيئي في التحليل. أدى هذا التسارع والتطور في المنهج العلمي في العصر الحديث إلى تطور علم السموم إلى شكله الحالي.


السم وعلم السموم

يعود أصل كلمة Poison إلى الكلمة اللاتينية Potionem؛ ويُقصد بها أية مادةٍ كيميائيةٍ تدخل الجسم إما عن طريق الفم كالشراب والطعام، أو بالتنفس عن طريق الأنف، أو عبر الجلد كما في الحقن أو اللمس، مُسببةً المرض وحتى الوفاة، تتواجد هذه المواد في حياتنا وخلال ممارساتنا اليومية؛ سواء في العمل والمنزل والمدرسة والشارع، بشكلٍ متعمّد أو عرضيٍّ، كما في المواد الكيميائية والصناعية ومبيدات الآفات، وفي التعامل اليومي مع الأدوية المنزلية، أو مع الأنواع الحيوانية والنباتية السامة، أو ما يصل إلينا من غذاء ملوث بمواد سامة، مُسببًا أعرضًا مختلفةً تتراوح بين الفورية (كما حدث مع بياض الثلج وتفاحتها المسممة)، وكما يحدث لدى التعرض لحامض البطاريات و المنظفات المنزلية، وتغييراتٍ طفيفةٍ تحتاج شهورًا وسنينًا لتسبب المشاكل الصحية كما في التعرض للمعادن الثقيلة.

وبالتالي يمكن تعريف علم السموم على أنه العلم الذي يهتم بدراسة الآثار الضارة للعوامل الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية على الكائنات الحية والنظام البيئي، بما في ذلك منع هذه الآثار الضارة والتخفيف منها، وقد يصنّفه البعض على أنه أحد فروع علم السلامة، فمهمته الأساسية هي تصنيف وتحديد المواد السامة وآلية تأثيرها، وتحديد مستويات الاستجابة للسموم بتحديد نوع العضو أو الخلايا المستهدفة، للحد قدر الإمكان من آثارها السلبية.


العوامل المؤثرة على السمية

ربما قد تفاجئك ردة فعل جسدك بعد تناول غذاء فاسد، في حين لم يبدي أخوك أية رد فعل على الغذاء الفاسد ذاته، فهل تساءلت عن السبب وراء تفاوت أعراض التسمم؟ فهو ما يُطلق عليه اختلاف درجة السمية، فيعمل علماء السموم دومًا على إيجاد علاقة بين التعرض للسم ودرجة التسمم، ومنه استنتجوا مجموعةً من العوامل المؤثرة على السمية والتي يمكن تقسيمها إلى ما يلي:

  • عوامل تتعلق بالمادة الكيمائية
  • عوامل تتعلق بالتعرض
  • عوامل تتعلق بالوسط المحيط
  • عوامل تتعلق بالكائنات الحية

العوامل المتعلقة بالمادة الكيميائية

  • التركيب الكيميائي: لكلّ مادةٍ كيميائيةٍ مجموعة من الخصائص الفيزيائية والكيميائية التي تميّزها عن غيرها، وتعدّ المجموعة الوظيفية أهمها، فهي المعيار في تحديد سمية المادة، على سبيل المثال، يصعب دخول المواد القطبية الغير قابلة للذوبان عبر البروتين الدهني للأغشية الخلوية، فهي أقلّ تأثيرًا سميًّا مقارنةً بتلك المواد اللاقطبية القادرة على اختراق الأغشية الخلوية.
  • الجرعة: يرتبط التأثير السام لكل مادة كيميائية بتركيز الجزء المرتبط منها مع المستقبلات في الجسم، فكلما زاد تركيز المادة الكيميائية كلما زادت مفعولها السام.
  • النقل الفعّال للمواد السامة: قد تتفاعل المواد السامة خلال حركتها في الجسم مع بعض الجزيئات مما يقلّل من سميتها، أو يُسبب تخزينها في شكلٍ خاملٍ، أمّا لدى محافظتها على الشكل الفعال أثناء حركتها تزداد سميتها.
  • التفاعل مع المواد الكيميائية الأخرى: يسبب التعرض لمادتين مختلفتين آثارًا مختلفةً، ويمكن تصنيفها كما يلي:
    • تأثير متساوٍ لكلّ مادةٍ على حدا مع تأثيرهما فيما لو تفاعلتا مع بعض، ومن الأمثلة على ذلك التأثير المتماثل لمجموعة من المبيدات العضوية الفسفورية على نشاط أنزيم اسيتيل كولين أستيراز في النقل العصبي.
    • التأثير التآزري لمادتين كيميائيتين تتفاعلان معًا لتشكلان مكونًا جديدًا أكثر سميّةً، على سبيل المثال، زيادة التأثير السام على الكبد لدى التعرض لكلٍّ من الإيثانول ورباعي كلوريد الكربون.
    • التأثير التثبطي، قد تقلّ سمية إحدى المواد بوجود مواد أخرى، كما يحدث لدى استخدام الديمركابرول مع المعادن الثقيلة في عملية نزعها، مما يؤدي لتقليل سميتها.

عوامل تتعلق بالتعرض

  • طريقة التعرض: وأسرعها هو الحقن بالوريد، فتسير مع تيار الدم مباشرة إلى المنطقة المُستهدفة، ويمكن ترتيب طرق التعرض من حيث السمية بشكلٍ تنازليٍّ كما يلي: داخل الصفاق- تحت الجلد- العضلي- الفموي- الموضعي.
  • مدّة التعرض: كلّما زادت مدة التعرض للمادة السامة انخفضت معها القيم المحددة للسمية الحادة في الفترات القصيرة، والتي يمكن التعبير عنها بالقيمة LC50 وهي الجرعة اللازمة للقضاء على نفس حيوانات التجربة بعد التعرض للمادة السامة لفترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ، والقيمة LD50 وهي كمية المادة الموجودة في الهواء والتي تسبب القضاء على نصف حيوانات التجربة، أي تزداد سمية أية مادة بزيادة مدة التعرض لها.

العوامل المتعلقة بالوسط المحيط

  • درجة الحرارة: تختلف سمية المواد مع تغير درجة الحرارة، فالبعض منها تزداد درجة انحلاله في الماء مع زيادة درجة الحرارة، لتصبح بالشكل الكيميائي الأكثر سميةً مثل مبيدات الآفات، في حين يُبدي البعض الآخر من المواد سميةً أقوى لدى انخفاض درجة حرارة الوسط المحيط مثل مادة DDT الأكثر سميةً عند درجة الحرارة 10 م من الدرجة 27 م.
  • الأكسجين المنحل: في الأوساط المائية يؤثّر انخفاض الأكسجين المُذاب على معدل التدفق التنفسي للكائنات المائية، مما يزيد من سمية المواد الكيميائية عليها.
  • الأس الهيدروجيني pH: لدرجة الحموضة تأثير فقط على المواد المتأينة، على سبيل المثال يسود السيانيد الجزيئي عند قيم الحموضة المتوسطة والعالية، وعند ارتفاع ال pH إلى 8.5 يسود الشكل المتأين (CN- )، وتفوق سمية الشكل الجزيئي من السيانيد الشكل المتأين منه بمقدار الضعف.

عوامل تتعلق بالكائنات الحية

  • نوع الكائن الحي: تختلف مقاومة السمية بين أنواع الكائنات الحية المختلفة، وبين أفراد الأنواع الواحد، قد تزيد مقاومة بعض الأفراد عن أقرانهم لعوامل قد تكون وراثية.
  • الجنس: يختلف الذكور عن الإناث في درجة الاستجابة للمواد السامة، لاختلاف طبيعتهم الفيزيولوجية وما يترتب عليها من اختلاف في الطبيعة الهرمونية، والتمثيل الغذائي، وفي طرق الإخراج، فأثبتت التجارب على الجرذان أن مبيد الألدرين العضوي أكثر سمية على الذكور لتحوله فيهم إلى إيبوكسيد ديلدرين الأشد سمية.
  • العمر: للصغار عمومًا حساسيةٌ أكبر للمواد السامة، ويعود ذلك لاعتقادات أهمها انخفاض أنزيمات التحول الإحيائي.
  • الحجم: أثبتت الدراسات أن للحجم تأثير على مقاومة التسمم، فتزداد المقاومة بزيادة حجم الكائنات.
  • الحالة الصحية للفرد: غالبًا يتمتع الأفراد الأصحاء بمقاومةٍ أكبر للمواد السامة، ومن الأمثلة انخفاض مقاومة بعض المرضى المصابين بالطفيليات مقارنة بالأفراد الأصحاء، كما يلعب النظام الغذائي الصحي دورًا هامًا، وبشكلٍ خاصّ على تأثُّر الكائنات بمبيدات الآفات.

التسمم الحاد والمزمن

هل شاهدت فلم Erin Brockovich للفنانة جوليا روبرتس (Julia Roberts)، والمقتبس عن قصةٍ حقيقيةٍ، دعني أروِه باختصار، يحكي قصة فتاةٍ تعمل في شركة محاماة، وتكتشف في السجلات المخفية محاولات إحدى شركات الغاز في المنطقة لإخفاء ما تُسرِّبه من الكروم السداسي في مياهها منذ عام 1966م، لتثبت التقارير لاحقًا أن معظم سكان المنطقة أصيبوا بأمراضٍ مزمنةٍ نتيجة التسمم بالكروم السداسي، انتهت الحادثة بتعويضٍ ماليٍّ قُدِّر ب666 مليون دولار لأهل المنطقة، ولكن هذا لم يعوّض بعض الأضرار كإجهاض إحداهن، أو وفاة آخر بالسرطان.

بالعودة إلى مقالنا، تدعى حادثة التسمم هذه بالتسمم المزمن، وقد يصفه البعض بالماكر لتمتعه بالإتقان والصورة المسرحية، فبينما تطول فترة تأثير السم ليس هناك من إثبات يدين المجرم بفعلته، ونميّزه عن التسمم الحاد بعدد الجرعات اللازمة لظهور الأعراض، فقد تستغرق الأعراض شهورًا أو سنواتً في التسمم المزمن، في حين لا يحتاج التسمم الحاد سوى جرعة واحدة أو بضعة معدودة لتظهر أعراضه على الفور خلال أيام أو أسابيع، وهي ما يُطلق عليه بفترة الكمون أي المدة الفاصلة بين بداية التعرض وظهور الأعراض المرضية الناجمة عنه، وهي كما في الفلم قد تصل لفترات طويلة يصعب معها ربط النتائج بالمسبب الأساسي.

وقد يساعد الجدول التالي على إيضاح الفروق بينهما:

السمية المزمنةالسمية الحادة
فترة كمون طويلة، أي يحدث بعد مدة من التعرضفترة كمون قصيرة أي تحدث فورا
جرعات صغيرة على فتراتالجرعة كبيرة
لا يمكن عكس التأثيرات بعد مدة من الزمنيمكن إيقاف تأثيره بعض وقف التعرض
الأعراض غير واضحة فلم تدرس معظم المواد الكيميائية دورها في التسبب بالسرطان أو العقم مثلا.الأعراض معروفة سواء كانت شديدة أو طفيفة
من الأمور الصعبة الربط بين التعرض والأعراض بسبب الفترة الطويلة.العلاقة بين التعرض للمادة السامة والأعراض غالبا واضحة
يستند على التجارب على الحيواناتتستند في نتائجه ومعلوماته على تجارب بشرية
الفرق بين التسمم الحاد والمزمن

تصنيف السموم

للسموم تأثيرات ضارة مختلفة، باختلاف أنواعها واستخدامها ونشاطها أو باختلاف موقع عملها، وبالتالي يمكن تصنيفها وفقًا لأسسٍ عديدةٍ إلى أنواع عديدة، وهي:


تصنيف السموم على أساس التكوين أو الأصل

  • سموم بكتيرية: مثل سم البوتيولينيوم الذي تنتجه بكتيريا (Clostridium Botulinum)، والتي تتواجد في الأغذية المعلبة وغير المعالجة بالشكل الكافي.
  • سموم فطرية: مثل سم الآرغوت.
  • سموم نباتية: مثل سم نبات البلادونا القلوي.
  • سموم حيوانية: مثل سم العقرب والأفاعي والعناكب والنمل، ولسعات قنديل البحر والراي وغيرها.
  • سموم صناعية: هي بعض المواد المُصنّعة كالأدوية الكيميائية، والمبيدات، ومواد التجميل والمنظفات، والبعض الآخر الذي يتواجد بشكلٍ طبيعيٍّ كما في خامات المعادن، والمواد الهيدروكربونية.

تصنيف السموم وفقًا للطبيعة الفيزيائية

وهو تصنيفٌ هامٌّ لتحديد قابلية السمّ للامتصاص، فتُقسم إلى:

  • سموم صلبة: وتحتاج وقتًا أطول للإذابة في الأمعاء مقارنةً بالسموم السائلة، لتصبح قادرةً على الانتقال مع تيار الدم إلى الجزء المُستهدف من الجسم، بالإضافة لاختلاف المواد الصلبة بمعدلات الذوبان باختلاف مساحة سطحها؛ فتزداد كلما صغر حجم الحبيبات، على سبيل المثال تعدّ حبيبات مركب ثلاثي أكسيد الزرنيخ (As2O3) الصغيرة الحجم أكثر سميّةً من الحبيبات الأكبر حجمًا منها بذات الكمية.
  • السموم السائلة: هي أسهل وأسرع في الانتقال، فيمكنها التسرّب عبر عدّة منافذ؛ منها الجلد أو بالاستنشاق أو بالبلع.
  • السموم الغازية والأبخرة: مسارها الرئيسي هو الاستنشاق، مثل غاز أحادي أكسيد الكربون والمواد العضوية المتطايرة كالبنزين، ولكن ذلك لا يمنع من امتصاص بعضها بواسطة الجلد مثل الفورفورال.
  • بالإضافة للأطوار السابقة هناك ما يُدعى بالهباب الجوي؛ وهو الحبيبات الصلبة والسائلة المُعلّقة في الجو كالغبار والرذاذ، وهو ما يشكّل خطرًا لدى استنشاقه أكثر من امتصاصه عبر الجلد.

تصنيف السموم وفقًا للحالة الكيميائية

  • السموم المعدنية واللامعدنية: أكثر ما يميّز السموم المعدنية هو قدرتها على التراكم في الجسم بسبب البطء في عملية التخلّص منها مقارنةً بالسموم اللامعدنية، وبالتالي فإنها أكثر قدرةً على إحداث التسمم المزمن للفرد المصاب.
  • السموم العضوية واللاعضوية: تُعدّ القابلية للذوبان في الدهون معيارًا هامّا في تحديد سرعة امتصاص السموم، فالعضوية منها أكثر قدرةً على اختراق الأغشية الخلوية الغنية بالدهون مقارنة بالسموم اللاعضوية، وبالتالي أكثر قدرة على إحداث الإصابة.
  • السموم الحامضية والقلوية: في حين تتماثلان بالتأثيرات، إلا أن السموم القلوية أسرع في اختراق الأنسجة.

تصنيف السموم وفقًا للنشاط الكيميائي

قد يبدو الدور الذي يلعبه السم هنا هو الخداع في محاكاته لمواد أخرى ومحاولته أخذ مكانتها، مما يمنعها ويعيق قيامها في وظائفها، كما يفعل الميثوتريكسات حين يعطل عملية تصنيع الحمض النووي (DNA) والحمض الريبي(RNA) ، وقد تنافس بعض أنواع السموم المركبات الكيميائية على الارتباط في مواقعها كما تفعل المواد المحبة للالكترونات لدى ارتباطها بالمواقع المخصصة للجزيئات المحبة للنواة مثل الحمض النووي (DNA)، مما يسبب الإصابة بالطفرات وما يتبعه من تشوّهاتٍ محتملةٍ أو في بعض الحالات قد تكون سببًا للإصابة بالسرطان.


تصنيف السموم بناء على تأثيرها على أجهزة الجسم

  • السموم العصبية: وهي التي تستهدف الجهاز العصبي، فتصيب الأعصاب مُسببةً أعراض مختلفة تتراوح بين النوبات والشلل وحتى الموت، كالإيتانول الذي يتناوله شاربي الكحول.
  • السموم الخلوية: تستهدف الخلايا مسببةً الإصابات الموضعية أو الجهازية، ومن أهمّ الأمثلة عليها لدغة الثعبان وما تحدثه من تورمٍ وتقرّحٍ وتلفٍ لأنسجة موضع اللدغة.
  • الهيموتوكسين (السموم الدموية): وتستهدف خلايا الدم الحمراء بشكلٍ خاصٍّ، مسببةً تحلل أغشيتها القاعدية، وبالتالي تحلل خلايا الدم الحمراء.

تصنيف السموم وفقا على نوع التأثير

  • السموم المُخرّشة أو المسببة للتآكل: كالأحماض والقلويات القوية.
  • السموم التي تحدث التهابًا وتهيّجًا في منطقة الإصابة بالسم، كالإصابة بالتهيج المترافق مع الألم لدى ملامسة الفليفلة الحارة للجلد.

مسارات أو طرق التعرض للسموم

يدخل السم للجسم عبر أحد المنافذ التالية:

  • الابتلاع (الجهاز الهضمي)
  • استنشاق (رئتين)
  • جلدي / موضعي (بشرة)
  • الحقن

الاستنشاق

يدخل السم إلى الرئتين عبر تشعّبات القصبات الهوائية، وصولًا إلى الحويصلات الهوائية التي تقوم بامتصاص الأكسجين وأية مواد أخرى لتنقلها إلى مجرى الدم، مما قد يسبب في حال بعض المواد تهيّجًا للأنف والحلق وألامًا في الصدر مترافقةً بحالة ٍمن السعال، في حين تترسّب مواد أخرى ذات جزيئات صغيرة الحجم في القصبات والشعب الهوائية مما يتسبب بإلحاق الضرر بالرئتين.


الجلد (الموضعي)

من أولى وأهمّ الوسائل الدفاعية في الجسم هي الجلد الذي يقينا من دخول أية مواد وأجسام غريبة إلى الجسم، لذلك فإن أي تشقق أو جروح أو حروق به من الممكن أن تشكل مسربًا لمرو ر المواد السامة إلى مجرى الدم، وهذا ما نشاهده لدى تعرض الجلد لعض المواد مثل المُحلّات العضوية والتي تسبب إذابة زيوت الجلد مما يجعله جافًا ومتشققًا وعُرضةً للإصابة، ولا ننسى العين كأحد المنافذ الأساسية لدخول المواد الغريبة التي تُحدث التهيج لها مع إمكانية التسرب إلى مجرى الدم عبرها.


الابتلاع

ذو تأثيرٍ مباشرٍ وأسرع، ولكنه الأقلّ ندرةً في الحدوث، وغالبًا ما يحدث بشكل عرضي ناتج عن ابتلاع المواد السامة الموجودة على اليدين مما تلامسه من الأسطح أو اللحية، بالإضافة لما يصل إلى الطعام من مواد ملوثة غريبة وسامة، كالغبار المعدني كالرصاص والكادميوم.


دورة السم في الجسم

ربما قد تتساءل الآن عن المسار الذي يسلكه السم في رحلته عبر الجسم، وللتعرف عليها سنتتبع محطاته فيه:


الامتصاص

تبدأ رحلته منذ لحظة ملامسته للجسم البشري ودخوله إليه عبر أحد المسارات السابقة، والتي بدورها تتفاوت في الفاعلية، فالأسرع تأثيرًا وفعاليةً هو الحقن في الوريد يليه السموم الغازية أو الأبخرة عبر الجهاز التنفسي ثم الحقن في الصفاق فالحقن العضلي، وأقلّ منها مسار الجهاز الهضمي، فأبطأ المسارات وهو الموضعي عبر الجلد. وهنا يجب ألا ننسى الدور الذي تلعبه الجرعات بكمياتها وتواترها، فبالنتيجة قد تتراكم السموم في الجسم، أو تخضع لعمليات التخلص الدوري في الجسم.


التوزع

حين وصول السم إلى الجسم يضطر لمواجهة مجموعةٍ من الآليات الدفاعية، وحالما يواجهها أو يتجنّبها، سيشقّ طريقه إلى مجرى الدم ليتحرك معه إلى وجهته، فبالنسبة للسموم الغازية تقوم الحويصلات الهوائية بامتصاصها، أما السموم المبتلعة فتنتقل عبر الجهاز الهضمي وصولًا للأمعاء الدقيقة التي تمتصها، بينما تشكل مسام الجلد مسارًا آخر للسموم إلى أنسجة الجلد فمجرى الدم، ليقوم الدم هنا بدور الموزع وفقًا لتوافق السم مع الأنسجة.


التخزين والربط

تُحدَّد السرعة في إحداث الأثر السام بالمادة الفعالة، فيحدث التأثير بمجرّد وصول تركيز السم للحد المطلوب، ففي حالة السم الحاد يصيب المنطقة أو النسيج المستهدف مباشرة، أما في حالة السموم غير الحادة فهي تتراكم بمرور الزمن، إما في النسيج الدهني وهذا ما نشاهده في السموم اللاقطبية، أو في النسيج العظمي أثناء عمليات بناء العظام كما في المعادن الثقيلة، مثل الرصاص Pp والفلوريد F والسترونتيوم Sr، بالإضافة إلى اختلاف الأعضاء بدرجة تأثُّرها بالسم؛ وهنا تلعب التورية الدموية دورًا مؤثّرًا، فالأعضاء الأكثر عُرضةً للإصابة هي الأعضاء ذات التدفق الدموي العالي كالكبد والكلى والرئتين.


آليات التسمم

على الرغم من اختلاف العوامل المؤثرة على درجة التسمم، إلا أنّ للسموم تأثيراتٍ عامةٍ، محدثةً إما تغييراتٍ خلويةٍ أو كيميائيةٍ حيويةٍ أو على المستوى الجزيئي، لتُلحق الضرر فيما تلامسه من خلايا وأنسجة تلامسها، ويبقى الاختلاف في الأعضاء المستهدفة باختلاف الجرعة أو طريقة التعرض، ولأوضح لك، يتأثّر الجهاز العصبي المركزي بالتعرض الحاد والشديد للسموم، في حين يحتاج الكبد إلى التعرّض للتسمم المزمن.

ولأعرفك بالأساليب التي تتبعها السموم لإحداث تأثيرها المدمر في الجسم، فهي تتّبع أحد ما يلي:

  • تعطيل النظام الأنزيمي: تُعدّ الأنزيمات المحرّك الأساسي لجملة العمليات الحيوية التي تحدث في جسم الإنسان، ابتداءً من عملية تخليق البروتين إلى إنتاج الطاقة اللازمة لاستمرار الجسم في أداء وظائفه المختلفة، ولك أن تتخيل مقدار الضرر الناتج عن حدوث أيّ خللٍ في عمل هذه الأنزيمات، وهذا ما تفعله بعض أنواع السموم كما في عملية تثبيط إنتاج هيموغلوبين الدم، أو تعطيل عمل الأنزيمات المقاومة للجذور الحرة المسببة للشيخوخة أو الإصابة بالسرطانات.
  • استبدال المعادن الهيكيلة الأساسية: تعد المعادن الهيكلية كالكالسيوم الأساس في بناء الهيكل العظمي لتمنح الجسم المقدرة على القيام بأنشطته الحركية، وفي حال فُقدان هذه المعادن تضعف الكتلة العظمية ممّا يؤثّر على صحة الجسم، وهذا ما تُحدثه بعض السموم التي تستبدل المعادن الهيكلية لتحلّ محلها، بالإضافة لزيادة نسبة المواد السامة في الجسم والناتج عن فقد العظام.
  • إصابة الأعضاء والأجهزة: ولاسيما الأعضاء التي تعمل على التخلص من المواد السامة، فهي أكثر الأعضاء استهدافًا وعملًا على المواد السامة كالكبد والكليتين، ممّا يزيد الضغط عليها حتى تصبح غير قادرةً على تخليص الجسم من السموم، فتتراكم السموم في الجسم مُلحقةً آثارها الضارة بباقي أعضاء وأجهزة الجسم.
  • تدمير الحمض النووي: وبشكلٍ خاصٍّ السموم التي تحتوي على حلقة البنزن كما في بعض أنواع المبيدات الحشرية والفثالات، وفي حالة استخدام هرمون الأستروجين المتناول الغير منزوع السمية بالشكل الصحيح، تسبب هذه المواد تدمير الحمض النووي (DNA)، مما يتسبب في زيادة سرعة التقدم في العمر والتحلل وبالتالي الإصابة بالشيخوخة المبكرة.
  • تعديل التركيب الوراثي: من أهمّ صفات الجينوم البشري قدرته على التغير بما يتواءم مع التغييرات الداخلية للجسم أو في البيئة المحيطة، وهذا ما تستطيع السموم الاستفادة منه فتمتلك المقدرة على تنشيط أو تثبيط بعض الجينات بشكل ضارٍّ للجسم.
  • إتلاف الأغشية الخلوية: تعمل الأغشية الخلوية كممرات ومعابر هامة لنقل المواد أو لتوصيل ما يسمى بالإشارات مما يسمح للخلايا بأداء وظائفها الحيوية بالشكل الصحيح، ولكن تقوم بعض السموم بإتلاف هذه الأغشية مما يعطّل الخلايا عن أداء مهامها، كما يحدث عند تلف الأغشية الخلوية للخلايا المعنية بتلقي الأوامر من الأنسولين حول امتصاص السكر، مما يعيق وصول تلك الرسائل الموصية بزيادة امتصاصه.
  • التدخل في عمل الهرمونات: من أكثر آليات السموم تأثيرًا هو قدرتها على محاكاة الهرمونات والتأثير عليها سواء كان بالتثبيط أو بالتحفيز، الأمر الذي يُسبب اختلالًا في أدائها لوظائفها في الجسم، ومن أهمّ الأمثلة على ذلك هو الفعل المعطّل للزرنيخ لمستقبلات هرمون الغدة الدرقية في الخلايا، والذي يعطيها الأوامر والتحفيز على رفع سرعة التمثيل الغذائي، وهو ما يسبب بالعموم الشعور بالتعب والإرهاق.
  • إضعاف مقدرة الجسم على التخلص من السموم: وهذا ما يحدث نتيجة زيادة العبء على الأعضاء المسؤولة عن تخليص الجسم من السموم، مما ينتج عنه تراكم السموم وإلحاقها الضرر.
هل أعجبك المقال؟