أعمق حفرة على كوكب الارض – مخلفات الحرب البردة

لا تخفى على أحدٍ منا أحداث الحرب الباردة بين قطبي العالم خلال القرن الماضي ـ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي ـ والتي اتخذت أشكالًا مختلفةً كان أبرزها سباق التسلح والوصول إلى القمر، واكتشاف الفضاء إضافةً لمجالٍ قد لا يعرف به الكثيرون تمثّل بسعي كلتا الدولتين إلى حفر الأرض والوصول إلى أعمق نقطةٍ ممكنة لاكتشاف طبيعة الأرض وتكوينها وإثبات التفوق التكنولوجي والعلمي على بقية الدول؛ حيث تفوّق الاتحاد السوفييتي وارتبط اسمه بإنجازٍ لم يتمكن أحدٌ حتى الآن من مجاراته، وذلك من خلال حفر اعمق حفرة على كوكب الارض على الإطلاق.

من بين عدة محاولاتٍ لاستكشاف القشرة الأرضية والطبقات التي تليها استطاع الاتحاد السوفيتي حفر اعمق حفرة على كوكب الارض محاولًا الوصول إلى طبقة الوشاح الأرضي، ومعرفة مزيدٍ من المعلومات التي تُساعد في تحديد عمر الأرض وفهم تركيبتها وأسباب ثوران البراكين والزلازل.

وقع الاختيار على شبه جزيرة كولا في شمال غرب روسيا، ليبدأ الحفر عام 1971، والهدف الوصول إلى عمق 15 كيلومترًا، وإنجاز أعمق بئرٍ يُتيح إجراء أبحاثٍ ودراساتٍ حول طبيعة المنطقة على هذا العمق، حيث استطاع العلماء السوفييت اكتشاف احفورياتٍ قديمةٍ تتحمل الضغط والحرارة.

وبعد حفرٍ متواصلٍ استمر لمدةٍ قاربت 20 عامًا، تعرض مشروع بئر كولا لنكسةٍ كبيرةٍ أدت إلى توقفه بشكلٍ تام، فقد افترض العلماء أن تكون درجة الحرارة على هذا العمق حوالي 100 درجة سيلسيوس، وصمموا معدات الحفر لتحمل هذه الحرارة، لكنهم تفاجأوا بوصول درجة الحرارة إلى حوالي 180 درجة سيلسيوس عند عمق 12 كيلومتر فقط؛ أي ما يُعادل 356 درجة فهرنهايت ما أدى إلى تعطل الحفارة وتوقف العمل بشكلٍ نهائيٍّ.

بدأ فريق الحفر السوفييتي ومعه مجموعةٌ من العلماء العمل على هذا المشروع في عام 1971، وتمكنوا من الوصول إلى عمقٍ يزيد عن 9000 متر في عام 1979 لكن هذا لم يُرضِ طموحهم فتابعوا الحفر وهدفهم الوصول إلى طبقة الوشاح.

بحلول عام 1983 وصل الحفر إلى عمق 12 كيلومترًا قبل أن يتوقفوا عامًا كاملًا ويتابعوا العمل في العام التالي، حيث سارت الأمور على قدمٍ وساقٍ لولا سقوط جزءٍ من الحفارة طوله حوالي 5 كيلومتر، ما أجبر الطاقم على حفر بئرٍ جديدةٍ ابتداءً من عمق 7 كيلومتر، بعد عدّة محاولاتٍ فاشلةٍ لاستعادة ذلك الجزء.

وفي عام 1989، وبعد حوالي خمس سنواتٍ من العمل المتواصل، وصل الحفر إلى العمق السابق 12 كيلومتر وتوقف عنده نتيجةً لأسبابٍ تقنيةٍ تتعلق بقدرة معدات الحفر على تحمل درجات حرارة أعلى من المتوقع، يُضاف لها انهيار الاتحاد السوفييتي وتوقّف تمويل المشروع.

عرف التاريخ الحديث محاولاتٍ عديدةً قامت بها دولٌ مختلفةٌ لاكتشاف ماهيّة أعماق الأرض كانت أبرزها في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات في القرن الماضي، عندما خططت كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي بشكلٍ منفصلٍ الوصول إلى أعماق الأرض واكتشاف طبقة الصخور على عمق 30- 50 كيلومتر.

سارعت الولايات المتحدة إلى البدء بالحفر خلال الستينيات تدفعها الرغبة بإنجاز اعمق حفرة على كوكب الارض والوصول إلى طبقة الوشاح الأرضي (Mantle)، فكان مشروع موهول الذي اختار الحفر في المكسيك قبالة سواحل المحيط الهادي منطقةً للحفر؛ لكن ونتيجةً لقلة التمويل توقف المشروع على عمق حوالي 9 كيلومتر عام 1966.

شكل إنجاز الاتحاد السوفييتي بحفر اعمق حفرة على كوكب الارض مصدرًا لمعلوماتٍ جديدةٍ أطاحت بفرضياتٍ كانت سائدةً من قبل وشكلت أساسًا لفرضياتٍ جديدةٍ.