هرم خوفو

شيّد المصريوّن القدماء الأهرامات وجعلوا منها مقابرَ للفراعنة، وانتشرت الأهرامات بشكلٍ كبيرٍ في مصر القديمة وتحديدًا منذ بدايات عصر المملكة المصريّة القديمة، والذي أُطلق عليه اسم عصر بُناة الأهرام، لما تميّز به من بناءٍ وتشييدٍ للأهرامات بمختلف الأحجام والأشكال، ويوجد في الوقت الراهن حوالي ثمانين هرمًا من آثار الحضارة المصريّة القديمة، وأكبر هذه الأهرامات وأكثرها إتقانًا موجودة بالقرب من مدينة الجيزة، كما أنّ أشهر هذه الأهرامات هو هرم خوفو والمعروف باسم الهرم الأكبر، والذي يُعدُّ أحد عجائب الدنيا السبع.

شُيّد أكبر أهرام الجيزة بين عاميّ 2584 و 2561 قبل الميلاد، ويُعد أقدم عجائب الدنيا السبع وآخر ما تبقّى منها، بُني هرم خوفو ليكون قبرًا للفرعون خوفو، وهو الملك الثاني لمصر المنحدر من السلالة الملكيّة الرابعة، وظلّ هرم خوفو بعد تشييده أكثر المنشآت الهندسيّة ارتفاعًا لمدة 3800 عام، والذي جسّد عظمة المملكة المصريّة القديمة.

لا يزال سر بناء الأهرامات لغزًا محيّرًا للعلماء حتّى يومنا الحالي، حيث استخُدم ما يزيد عن مليوني حجر لبناء هرم خوفو، وتتراوح وزن الحجارة المستخدمة ما بين 2 إلى 15 طن، وبلغ الارتفاع الأصليّ للهرم حوالي 146 متر، ولكن مع مرور الزمن وبسبب الظروف الجويّة التي أدّت إلى تآكل الحجارة من الطبقة العلويّة للهرم انخفض ارتفاعه إلى 139 مترًا.

اعتقد الفراعنة بأنّ الحياة لن تنتهي بموتهم، بل أنهم سيُبعثون من جديدٍ في الحياة الأخرى، لذلك قاموا بدفن الكنوز والأموال والمجوهرات بجانب الفرعون، وأطلق المصريوّن القدماء اسم (Ikhet) على هرم خوفو والذي يعني النور المجيد، ويعود ذلك الاسم إلى قدرة الهرم الهائلة على عكس الضوء، حيث استُخدمت أحجار الطرّة البيضاء والملساء في تغطية السطح الخارجي للهرم، ووفقًا للحسابات التي أجراها العلماء فإنّ الهرم كان يعكس الضوء بشكلٍ كبيرٍ لدرجة أنّه كان من الممكن رؤية الضوء الصادر عنه من القمر!

يقع هرم خوفو شمال مصر بالقرب من مدينة الجيزة وعلى الضفة الغربيّة لنهر النيل، ويُعدُّ أكبر صرحٍ تم تشييده على الكوكب، ترتفع جوانبه بزاوية (51°52′) وموجهّة بدقةٍ إلى الاتجاهات السماويّة للبوصلة (الاتجاهات السماويّة هي الاتجاهات التي تنتج عن تقاطع كل من دائرة الزوال والدوائر الرأسيّة مع الأفق.)

يتكوّن قلب الهرم من الصخر الجيريّ الأصفر، بينما تتكوّن الطبقة الخارجيّة للهرم والممرات الداخليّة من الحجر الجيريّ الفاتح اللون، في حين أنّ غرف الدفن الخاصة بالهرم بُنيت من حجر الغرانيت، ويبلغ وزن الهرم حوالي 5.75 مليون طن، ويعتبر الهرم تحفةً معماريّةً فنيّةً فريدةً من نوعها، وهو أكثر النصب المصريّة دقّةً في التنفيذ.

يقع مدخل هرم خوفو الرئيسي في الجهة الشماليّة، وهو مرتفعٌ عن سطح الأرض بمقدار 18 متر، وينحدر منه ممرٌ مائلٌ يصل إلى قلب الهرم، وينفذ هذا الممر المائل إلى الطبقة الصخريّة المكونة لقاعدة الهرم، وينتهي الممر بالحجرة الصخريّة.

كما يتفرّع من الممر المائل سردابٌ آخر يصعد إلى قمّة الهرم، ويؤدّي إلى غرفة الملكة والمعرض الكبير والذي يبلغ طوله حوالي 46 مترًا، ويضمُّ القسم العلوي من المعرض ممرًا طويلًا وضيّقًا ينتهي بغرفة الملك، وهي الغرفة التي يُدفن بها الملك، ويغطّي حجر الغرانيت الجدران الداخليّة للغرفة، كما توجد فتحتان ضيقتان في غرفة الملك تؤدّيان إلى الجزء الخارجيّ من الهرم، ويُعتقد بأنّ هاتين الفتحتين صُمّمتا لأغراضٍ دينيّةٍ، كما يقع فوق غرفة الملك خمس حُجراتٍ مفصولة عن بعضها بألواحٍ ضخمةٍ من الغرانيت.

لا تزال الطريقة التي بُني بها هرم خوفو محطّ خلافٍ بين العلماء حتّى يومنا الحالي، وتشير أحدّ النظريات التي لاقت رواجًا في المجتمع العلميّ إلى أنّ المصريين القدماء قاموا ببناء منحدرٍ ضخمٍ ليمكّنهم من سحب الكتل الصخريّة الهائلة إلى الأعلى، وقال المهندسون بأنّ المنحدر كان بشكلٍ حلزونيٍّ يلتّف حول الهرم، وقامت مجموعةٌ متخصّصةٌ بإدارة المشروعات الهندسيّة بدراسة الوقت اللازم لتشييد هرمٍ مماثل باستخدام التكنولوجيا والإمكانيات الحاليّة، وقدرّت مدة التنفيذ بحوالي 10 سنواتٍ!

استُخدم في بناء هرم خوفو ثلاثة أنواعٍ مختلفة من الصخور وهي: نوعان مختلفان من الصخر الجيريّ وصخر الغرانيت، ولم يُستخدم أيّ نوعٍ من الأخشاب أو الزجاج في بناء الهرم، استُخرج الصخر الجيريّ من مقلعٍ بالقرب من منطقة الجيزة، مما سهّل عملية النقل لقربه من موقع الهرم، بينما استُخرجت الصخور المستخدمة في بناء الطبقة السطحيّة للهرم من مقلعٍ موجودٍ في مدينة طرّه بالقرب من القاهرة، في حين أنّ الغرانيت المُستخدم في الهرم حصلوا عليه من مدينة أسوان.

كما ذكرنا فإن هرم خوفو يُعتبر أكبر الأهرام الموجودة على سطح الأرض، وفيما يلي القياسات الهندسيّة المتعلّقة بالهرم:

وتكمن الدقة المتناهيّة في تصميم وتنفيذ الهرم بأنّ أكبر فرق في الطول بين الحواف هو 4.4 سم!

هرم خوفو هو هرمٌ رباعيُّ الوجوه، ولكن في الحقيقة أنّ كل وجه يحتوي على انحناءٍ بسيطٍ لا يُمكن رؤيته بسهولةٍ، ممّا يجعل المجموع الكلي للوجوه المكوّنة لهرم خوفو ثمانية وجوه، ونرى هذه الظاهرة سنويًّا عند تساوي الليل مع النهار، حيث نرى كل وجه في الهرم بلونين مختلفين، حيث يضاء نصف الوجه بأشّعة الشمس ويقع النصف الآخر في الظّل.