لماذا عد اختراع الكتابة حدثا فاصلا بين العصور؟
هناك اختراعات في تاريخ البشرية تُعد فاصلة ومهمة جدًا منها الكتابة، لكن هل تعلم لماذا عُد اختراع الكتابة حدثًا فاصلًا بين العصور؟
الأسباب التي تجعل الكتباة مرحلة فاصلة في التاريخ
- تعتبر الكتابة شكلًا مهمًا من أشكال التواصل بين البشر، وما هي إلا مجموعة من العلامات المرتبطة مع بعضها البعض تشكل كلمات وجمل وفق صيغة متفق عليها، وبذلك يمكن وصفها على أنّها تمثيل مادي للّغة المنطوقة التي تستخدم المقاطع الصوتية للتمييز بين الكلمات.
- ولا شك بأنّ الكتابة لعبت دورًا مهمًا في نمو الحضارات عبر ما وفرته من تسهيلات عديدة، فغالبًا ما يرتبط تطور الشعوب بوجود حكومات قوية قادرة على ضبط الأمور وتحسين الوضع الاقتصادي، وهذا ما قامت الكتابة بتوفيره حيث أنّها مكّنتهم من الاحتفاظ بالسجلات التي تتضمن معلوماتهم الهامة ونقلها وتخزينها.
- كما أنّ تسيير أمور البلاد المالية يستدعي أن تقوم الحكومة بفرض الضرائب، ومن خلال الكتابة استطاعوا تدويين ممتلكات كل شخص وما دفعه من ضرائب لتحقيق العدالة بين الجميع، وكذلك عمدت هذه الأقوام إلى كتابة عاداتهم وقوانينهم لكي يتسنى للأجيال القادمة تذكرها بسهولة.
- إضافة إلى كل ذلك كانت الكتابة أداة مفيدة للتجار وأرباب العمل حيث سمحت لهم بالاحتفاظ بسجلات البيع وتدوين الأموال المستحقة.
- كما كانت طريقة رائعة لنقل وتخزين المعلومات مما يسهل العودة إليها عند الحاجة وكذلك مكنتهم من كتابة معتقداتهم الدينية وأحداثهم التاريخية لتتمكن الأجيال اللاحقة من معرفتها.
- الكتابة هي التقنية الرئيسية للبشرية لجمع المعلومات ومعالجتها، وتخزينها واسترجاعها، وتوصيلها ونشرها. ببساطة، يُعتبر اختراع الكتابة بأشكالها المختلفة حدًا فاصلًا بين العصور، ذلك لأنها تطوّرت من عصر لعصر. لا أظن سؤالك يتضمن الكتابة الأبجدية التي تكتب بها أنت فقط، فهي تقريبًا آخر ما توصل إليه نظام الكتابة.
- لولا الكتابة لما انتقلت إلينا المعارف والاكتشافات القديمة ونتاج العلماء والمفكرين: وصل إلينا بفضل الكتابة نتاج المفكرين القدماء كسقراط وأفلاطون ونيتشه وغيرهم الكثير، ونتاج العلماء كابن سينا وابن الهيثم ونيوتن وأينشتاين، الخ..
- في عصر ما قبل الكتابة لم يكن بإمكان الشعوب تدوين تاريخها وخصائص حضارتها: وربما هذا هو أبرز سبب يدعونا إلى اعتبار الكتابة حدًا فاصلًا بين زمنين، إذ أننا لا نعرف أي شيء عن حضارات ما قبل الكتابة على عكس معرفتنا الواسعة بالحضارات التي عاشت بعد اختراع الكتابة.
- ولا يخفى عن أحدنا أهمية معرفتنا بالحضارات العظيمة كحضارة اليونان القديمة وما وصلوا إليه من علوم وأدب، بالإضافة إلى أثر هذه المعرفة على عالمنا الحاليّ.
متى تم اختراع الكتابة؟
اختُرعت الكتابة بشكل مستقل بدايةً في الشرق الأدنى والصين وأمريكا الوسطى، أي كان هناك ثلاثة أشكال مختلفة للكتابة، ولكن اشتركت جميعها في المبدأ. كان أول نظام هو الخط المسماري الذي أُنشئ في بلاد ما بين النهرين (العراق اليوم) وذلك كان حوالي 3200 سنة قبل الميلاد، وهو نظام الكتابة الوحيد الذي يمكن إرجاعه إلى أقرب أصل له من عصور ما قبل التاريخ.
ويتضح تطور الكتابة من التعامل مع الرموز ثم الرسوم التخطيطية والمقاطع الأبجدية، إذ جاء هذا التطور للتعامل مع كميات أكبر من بيانات العمل. يمكننا إرجاع النصوص المسمارية لبلاد الرافدين إلى أبعد من عصر ما قبل التاريخ، أي إلى نظام عد الألفية الثامنة قبل الميلاد وذلك باستخدام الرموز الفخارية ذات الأشكال المتعددة.
يكشف هذا التطور من تسجيل المعلومات عن طريق الرموز إلى تسجيلها كتابيًا؛ أنه نشأت الكتابة بشكل خاص لغرض العدّ والمحاسبة، واستُخدِمت بشكل خاص بغرض المحاسبة حتى الألفية الثالثة قبل الميلاد، ووصلنا أخيرًا إلى الأحرف الأبجدية في الألفية الثانية قبل الميلاد. أظن أن اتضح لك لما يعتبر اختراع الكتابة حدًا فاصلًا بين العصور.
تعود أقدم كتابة عرفها الإنسان إلى الحضارة في منطقة بلاد الرافدين وسوريا. وكانت هذه الحضارات تستخدم ألواح الطين وألواح الشمع وثم تطورت إلى شكل الكتابة المسمارية.
من المستحيل بالنسبة للكثير منّا تخيل شكل الحياة قبل اختراع الكتابة لما لها من أهمية كبيرة؛ فهي تحد حدًّا فاصلًا بين العصور وهي من الاختراعات التي غيّرت العالم بأسره ولولاها لما كان عالمنا كما نعرفه اليوم موجودًا.