ما هو مبدأ عمل البوصلة؟
اهتم الإنسان منذ القدم بتحديد الاتجاهات، واعتمد في ذلك على الشمس والنجوم، ولكن كثيراً ماتشكل الغيوم عائقاً في تحديدها لأنها تحجب الرؤية، وهذا ما دفع العلماء للتفكير بحل آخر، تمثل هذا الحل بالبوصلة المغناطيسية التي غيرت كل ذلك، لكن فيما يخص من اخترع البوصلة، يعتقد المؤرخون أن الصينيين هم أول من اكتشفوا أن الحديد الممغنط يستطيع توجيه نفسه إلى الشمال إذا لم تثبطه الجاذبية أو الاحتكاك، مما ساعدهم في اختراع أول بوصلة مغناطيسية يمكن استخدامها في تحديد الإتجاهات.
تعتبر الإبرة المغناطيسية هي المكون الأساسي للبوصلة، وباقي المكونات هي عبارة عن مكونات مساعدة فقط، والتي هي عبارة عن الهيكل الحامل للإبرة. فقد كانت البوصلة في البداية عبارة عن إبرة مغناطيسية ممغنطة مثبتة على قطعة من الفلين أو الخشب، موضوعة على طبق من الماء، وعندما تستقر الإبرة تشير إلى الشمال.
مبدأ عمل البوصلة
أما عن علاقة المغناطيس بالبوصلة فلكل مغناطيس قطبين أحدهما شمالي (North Pole) والآخر جنوبي (South Pole)، يشار إلى القطب الشمالي باللون الأحمر و إلى القطب الجنوبي باللون الأزرق، وكما تعلم تتنافر الأقطاب المتماثلة، وتتجاذ الأقطاب المختلفة، ولهذه القاعدة علاقةٌ كبيرةٌ بمبدأ عمل البوصلة، فالكرة الأرضية تتمتع بخواص مغناطيسية ويمكن اعتبارها مغناطيساً كبيراً له قطبين أحدهما شمالي والآخر جنوبي. لكن من المهم الإشارة إلى أن الأقطاب المغناطيسية للأرض لا تتطابق مع الأقطاب الجغرافية لذلك لابد من الانتباه إلى التسمية الصحيحة للتمييز بينهما فنقول قطبٌ شماليٌّ جغرافيٌّ وقطب شماليٌّ مغناطيسيٌّ.
مكونات البوصلة
تتكون البوصلة من إبرة مغناطيسية بشكل أساسي بالإضافة إلى الهيكل المخصص لحمل الإبرة:
- الإبرة المغناطيسية: تصنع عادة من مادة معدنية قابلة للتمغنط وأكثر هذه المواد استخداماً هو الحديد الصلب الذي يتكون من خليط من الحديد وكمية قليلة من فحم الكوك.
- الهيكل الحامل للإبرة: من المهم في صناعته هو ألا يصنع من مادة مغناطيسية، فيمكن أن يصنع مثلا من مادة بلاستيكية أو غيرها.
يعتمد مبدأ عمل البوصلة على أن الإبرة تتجه دوماً باتجاه الشمال فتقوم البوصلة بذلك بتحديد الإتجاهات، ولكي تستطيع فهم سبب اتجاهها إلى الشمال بشكل دائم يجب عليك أن تتخيل الكرة الأرضية عبارة عن مغناطيس كبير له قطب شمالي وقطب جنوبي، ونعتبر الأرض هي مغناطيس ثابت والإبرة المغناطيسية هي مغناطيس متحرك (كما تعلم أن وضع مغناطيس في مكان ثابت بحيث يستطيع الحركة والدوران بشكل حر وإمساك مغناطيس آخر في يدنا وتحريكه سيؤدي إلى تحريك المغناطيس الحر)، وبالتالي حسب مبدأ التجاذب والتنافر ستتجه الإبرة المغناطيسية إلى الشمال المغناطيسي للأرض.
وذلك على اعتبار أن القطب الشمالي المغناطيسي للأرض بمثابة القطب الجنوبي للمغناطيس، وبالتالي الأقطاب المختلفة تتجاذب فتتجه إبرة البوصلة إلى الشمال. ولكي تستطيع تحديد بقية الإتجاهات يجب أن تعلم أن الإتجاهات الأربعة تبعد عن بعضها بمقدار 90 درجة فالشرق هو الزاوية (90 درجة)، والجنوب هو (180 درجة)، والغرب هو (270 درجة)، والشمال هو (0 درجة أو 360 درجة)، وبنفس الطريقة تستطيع تحديد الاتجاهات الثمانية كالتالي:
الشمال هو (0 درجة أو 360 درجة)، والشمال الشرقي هو (45 درجة)، والشرق هو (90 درجة)، والجنوب الشرقي هو (135 درجة)، والجنوب (180 درجة)، والجنوب الغربي (225 درجة)، والغرب (270 درجة)، والشمال الغربي (315 درجة)، وبالتالي إذا استطعت تحديد الشمال عن طريق البوصلة تستطيع تحديد بقية الاتجاهات بهذه الطريقة.
استخدامات متنوعة للبوصلة
ومن الاستخدامات المعروفة قديماً للبوصلة هو استخدامها في تحديد موقع الشمس في حال تغطت بالغيوم و ذلك لمعرفة الوقت، واستخدمت أيضاً في الملاحة حيث استطاعت تحديد الاتجاهات عن طريق اتجاه الإبرة إلى الشمال الجغرافي، وأحدثت أيضاً ثورة في صناعة الخرائط حيث ساهمت بشكل كبير في رسم الخرائط.
أنواع أخرى للبوصلة
توجد عدة أنواع من البوصلات مختلفة عن بعضها البعض بتركيبها وآلية عملها وتطوّرها ودقّتها، ومنها:
البوصلة المغناطيسية:
وهي أشهر أنواع البوصلات وأكثرها انتشارها نظراً لرخص ثمنها ومتانتها وعدم حاجتها إلى مصدر للطاقة الكهربائية، تتكون من إبرة ممغنطة خفيفة الوزن ذات نهايتين مختلفتين يشير أحدهما إلى الشمال بينما يشير الآخر إلى الجنوب، تدور الإبرة على محور حر بحيث تتماشى مع المجال المغناطيسي للأرض الذي يحتوي على قطبين رئيسيين شمالي وجنوبي.
ويعتمد مبدأ عمل البوصلة المغناطيسية على مبدأ التجاذب والتنافر بين الأقطاب المختلفة بحيث ينجذب القطب الجنوبي للإبرة نحو القطب الشمالي للمجال المغناطيسي ويشير إليه بينما يسير القطب الشمالي للإبرة نحو القطب الجنوبي، وبالتالي نجد أن البوصلة مؤشر للشمال المغناطيسي الذي يبعد حوالي 1000 ميل عن القطب الشمالي الجغرافي الحقيقي، ويمكن لمستخدمي البوصلة المغناطيسية تصحيح الخلل الحاصل وإيجاد الشمال الحقيقي عن طريق إيجاد الشمال المغناطيسي ثم تصحيح التباين والانحراف.
ويعرف التباين بأنه الزاوية بين اتجاه الشمال الجغرافي واتجاه خط الزوال بين القطبين المغناطيسيين ويزداد التباين بالاقتراب من قطبي الكرة الأرضية والابتعاد عن خط الاستواء، بينما يشير الانحراف إلى تأثر إبرة البوصلة بالمجالات المغناطيسية الناتجة عن وجود الحديد والتيارات الكهربائية ويصحح الانحراف عن طريق وضع مغناطيس أسفل البوصلة لتعويض الانحراف الحاصل.
البوصلة الشمسية:
تعتبر من أقدم أنواع البوصلات وأبسطها حيث يتم الاعتماد على زاوية ظل الشمس لتحديد الاتجاه، كما يمكن استخدام عصا الظل التي توضع بشكل مستقيم على الأرض وحولها مجموعة من الحصى وخيط لتتبع ظل الشمس وقد شاع استخدام هذا النوع من قبل الملاحين، هناك نوع آخر للبوصلة الشمسيّة هو الساعة التناظرية القديمة الطراز حيث تعتمد على استخدام عقارب الساعة وموقع الشمس وذلك عن طريق وضع الساعة بشكل موازي لسطح الأرض وتوجيه عقرب الساعة باتجاه الشمس ثم نقوم بقياس الزاوية بين عقرب الساعة والرقم 12 فيها فنحصل على خط الشمال والجنوب.
البوصلة الجيروسكوبية (البوصلة النجمية):
وهي بوصلة حديثة وأكثر دقة من غيرها في تحديد الشمال الحقيقي للأرض إذ لا تعتمد على المجال المغناطيسي للأرض في عملها وبالتالي لا تتأثر بالمجالات المغناطيسية القريبة أو حقول الطاقة الكهربائية أو الكتل المعدنية القريبة، وقد تم تطوير ما يسمى بالبوصلة الجيروسكوبية للألياف الضوئية وهي لا تحتوي على أجزاء متحركة إذ يمكن اعتبارها كنظام فرعي لمستقبلات GPS.
البوصلة البحرية:
وتستخدم في السفن والملاحة، وتتميز بإبرة مغناطيسية ثابتة وقرص متحرك لتحديد الاتجاهات.
وهكذا تعتبر البوصلة من أقدم أدوات الملاحة في التاريخ وأكثرها أهميةً فقد كان لها دور حاسم في الإنجازات الرئيسية للملاحة مثل الرحلات الأولى عبر المحيطات والبحار والتنقّل في أنحاء العالم حيث حسنت من سلامة وكفاءة السفر، كما يمكن استخدامها مع آلة معيّنة لحساب خط العرض ومع الكرونومتر لحساب خط الطول، وبالتالي فهي توفر قدرة ملاحية محسّنة لم تحل محلها سوى الأجهزة الحديثة كنظام تحديد المواقع العالمي GPS.