أفضل قصص الأدب الريفي التي صوّرت الحياة الريفية الهادئة على حق

تتميّز قصص الأدب الريفي بقوة التأثير في نفس القارئ بشكل فريد، فهي تُتيح له فرصة العيش في بيئة مختلفة وعيش تجارب وحيوات جديدة متناولةً عدة مواضيع منها الاجتماعية والسياسية والإنسانية الممتزجة بالتأثر بعادات وثقافات الأجداد. كما أنها لم تعد مجرد تراث وحكايات يرويها الأجداد لأحفادهم قبل النوم، بل أصبحت تتبلور مع الأيام لتصبح قالبًا أدبيًا رفيعًا.

في هذه المقالة سنأخذ جولة صغيرة في الأدب الريفي وبعض أفضل القصص التي صوّرت الحياة الريفية على حق.

نبدأ بالرواية الكلاسيكية Tess of the d’Urbervilles وهي من أفضل روايات القرن التاسع عشر، وهي للروائي والشاعر الإنجليزي توماس هاردي – Thomas Hardy الذي كافح لنشرها عام 1891 على الرغم من الجدل الذي أثارته في المجتمعات المحافظة.

تدور أحداث الرواية في ريف إنجلترا، وتحكي عن فتاة فقيرة تُدعى تيس، التي أرسلها والداها إلى عائلة -يُفترض أنها نبيلة- على أمل العثور على ثروة ورجل نبيل للزواج، ولكن يتم إغواء الفتاة بدلًا من ذلك وتلتقي بمأساتها وعذابها.

الرواية مقسمة إلى سبعة أقسام، وهي قصة في الأساس من منظور شخص ثالث، ولكن معظم الأحداث المهمة تُرى من منظور تيس. ونرى إتقان هاردي الحقيقي في استخدام اللغة استخدامًا بارعًا، فقد اختلفت اللغة وأسلوب الحوار مع اختلاف الطبقات الاجتماعية، وهي خاصيّة مميّزة تزيد من أجواء الحياة الريفيّة البسيطة. 

قدّمت الرواية العديد من المواضيع والقضايا، وتُعد الحياة الريفية هي القضية البارزة في القصة، حيث يتم استكشاف المصاعب في ظل الحياة الريفية بشكل كامل من خلال تجارب تيس في السفر والعمل. وقضايا أخرى مثل التشكيك في العقيدة الدينية والقيم الاجتماعية، وقضية القدر وحرية الاختيار، وعلى الرغم من أن القصة الرئيسية قد تبدو قدريّة، إلا أن هاردي يشير إلى أن أحلك المآسي يمكن منعها بإرادة الإنسان.

تُرجمت الرواية إلى العديد من اللغات، كما أنه تم تجسيدها في العديد من الأفلام والمسلسلات أبرزها مسلسل من إنتاج BBC يحمل نفس اسم الرواية.

ننتقل إلى قصة Everyday use التي نُشرت عام 1973 ضمن المجموعة القصصية In Love and Trouble للكاتبة أليس ووكر – Alice Walker صاحبة الرواية الشهيرة اللون الأرجواني – The Purple Color التي فازت بجائزة بوليستر وجائزة الكتاب الوطني. 

يغلب الطابع الريفي في سرد القصة والأحداث، نتيجة لنشأة أليس في ريف جورجيا وتأثرها الشديد بتقاليد الريف في سرد القصص والحكايات. تُروى القصة من منظور أم أمريكية-أفريقية عزباء لديها ابنتين مختلفتين تمامًا وهما دي وماجي. 

طوال القصة، تُظهر أليس الجوانب المختلفة للثقافة وفكرة التراث العائلي، وكيف يمكن للتعليم أن يغيّر من شخصية الفرد والطريقة التي يفكر بها ويرى بها ماضيه ومستقبله من خلال الابنتين، حيث تلقت واحدة تعليمها الكامل في حين لم تحظَ الأخرى بفرصة كهذه. وأيضًا تناقش الصراع الأبديّ بين القديم والجديد، وتؤكد على أن الأمر لا يتعلّق بالتراث أو الثقافة، بل يتعلق بالنساء اللائي يقفن وراءها، النساء اللائي يسعين إلى صُنع شيء لا يُنسى لأجيالهنَّ القادمة. 

سترايز هي قصة قصيرة مميزة تناقش الصراع بين الفوضى والاستقرار في 6 صفحات فقط، نُشرت ضمن المجموعة القصصية The Ice at the Bottom of the World التي فازت بجائزة PEN/Hemingway Foundation Award لعام 1990م للكاتب “مارك ريتشارد – Mark Richard”.

يتم سرد القصة من منظور طفلين في الريف، والدتهما غير متزنة عقليًا وفُقدت وسط حقول الذرة، ويتركهم أباهم مع عمهم السكير للبحث عنها. يحاول الصبيان التمسك بشيء ثابت في حياتهما على مدار الشهر، ولكنهما يقعان تحت لامبالاة وإهمال البالغين من حولهما. 

صدرت المجموعة القصصية How far she went عام 1984 للكاتبة ماري هود – Mary Hood. وهي تتكون من تسعة قصص عن قرية صغيرة في جورجيا. بعد الانتهاء من هذه المجموعة المميزة ستجد نفسك تتساءل عن مدى قلة الحوادث التي قد تبدو تافهة في نظرك ولكنها تؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة، وكيف تقودك بسهولة إلى اتخاذ قرارات صعبة لتغيّر حياتك بطريقة غير مرغوب فيها. بالإضافة إلى وصف ماري البارع للشخصيات الذي يجعلك تتعرّف على الذات واختياراتها وقراراتها وعواطفها بسهولة من مخاوف وكراهية وأحزان وعزلة. ويقودك للسؤال: ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانها؟ إلى أي حد كنت ستقاتل من أجل البقاء؟ ألم تكن لتفعل الشيء ذاته؟

فازت المجموعة القصصية How far she went بجائزة Flannery O’Connor للقصة القصيرة، وأيضًا جائزة القصة القصيرة لجامعة ولاية لويزيانا الجنوبية لعام 1984. وتم تحويلها أول قصة بالمجموعة إلى فيلم والذي يحمل نفس العنوان عام 2017 للمخرج Ugla Hauksdóttir والذي فاز بعدة جوائز هو الآخر.

نرشح لك قراءة: أفضل مدن العالم: عشر مدن ستتمنّى أن تعيش بهم للأبد!

قصة Boys and Girls من المجموعة القصصية Dance of the Happy Shades للكاتبة الكندية أليس مونرو – Alice Munro الحائزة على جائزة نوبل في الأدب في عام 2013، والتي أحدثت ثورة في بنيَة القصّة القصيرة. وأهم ما يميّز قصص أليس مونرو أنها تستكشف الجوانب والخبايا الإنسانية المعقّدة بأسلوب نثري بسيط.

تًناقش القصة قضية المساواة بين الجنسين، وقد كُتبت في الوقت الذي لم يكن المجتمع يعتبر فيه الرجال والنساء متساوون. رُويت القصة على لسان فتاة تحاول الابتعاد عن أي عمل في نطاق مهام والدتها لأنها لا تهتم حقًا بهذا النوع من العمل، وبدلًا من ذلك تشارك في العمل الروتيني اليومي في المزرعة مع والدها، وفي كل مرة يعتبرها الزائرون صبيًا. وكانت تواجه الكثير من التوقعات حول ما يجب أن تكون عليه الفتاة وما يجب أن تفعله أو لا تفعله. 

اتّسمت القصة بالرمزية والكثير من التفاصيل الصغيرة المهمة، منها اسم شقيق الفتاة الذي كان يُدعى Laird وهو مشتق من Lord بمعنى “السيد” والذي يرمُز في ذلك الوقت إلى تفضيل الذكر على الأنثى في أعين والديه والمجتمع عمومًا. في حين أن الفتاة بقيت بدون اسم طوال القصة وهو ما يدل على قلة الأهمية وعدم الاكتراث بها لأنها “مجرد فتاة”. 

تُرجمت القصة إلى العديد من اللغات منها العربية، وتم تناولها في عمل تليفزيوني من إنتاج CBC عام 1983، وقد حاز على جائزة الأوسكار لأفضل عمل قصير لعام 1984.

في هذه المجموعة القصصية المترابطة Let The Dead Bury Their Dead، تقع الأحداث في مدينة من صنع خيال الكاتب راندال كينان – Randall Kenan. مدينة تيمز كريك بولاية نورث كارولينا التي تعرض تفاصيل العلاقة التي تربط بين سكان الريف من حب وتعاون، وهي مثل العديد من المجتمعات الجنوبية الأخرى التي يغلب عليها الأمريكيون من الأصول الافريقية.

تأسست المدينة من قبل العبيد السابقين، وقام البعض بثورة وهربوا من العبودية ثم انضم إليهم الآخرون فيما بعد. ومن خلال هذه القصص يستكشف الكاتب قوة الذاكرة غير الموثوقة والتداخل بين الحقيقة والكذب في بناء التاريخ والأحداث، وكيف أن قوة الذاكرة عنصر من عناصر التقاليد الأدبية الأمريكية الأفريقية.

نُشرت قصة To the country ضمن المجموعة القصصيّة Calm Sea and Prosperous Voyage للكاتبة الموهوبة بشكل غير عادي بيت هولاند – Bette Howland. نُشرت هذه المجموعة القصصية بعد وفاة الكاتبة عام 2019، وفازت بخمس جوائز لنفس العام. تجمع هذه المجموعة عدة أعمال امتدّت طوال حياة الكاتبة المهنيّة، وهي تُعتبر سيرة ذاتية إلى حد ما، فهي تستحضر الوعي الذاتي والصور الحية لمدينة شيكاغو، وتُعيد الحياة لبعض الأفكار بين مجموعة واسعة من الشخصيات التي رُسمت بشكل واضح ومميّز.

في قصة To the country تذهب البطلة إلى الريف في زيارة لبعض من أفراد عائلتها في مزرعة الدواجن، وهناك تشرح آثار الرأسمالية المدمرة في مجال الصناعة الزراعية، لا سيما في حياة أقاربها الذين بدوا أنهم بدأوا من الصفر. وتصور أيضًا تعقيدات العلاقات الأسرية بشكل جميل، كما تصور مخاوف الأبطال وأحكامهم.

ننتقل إلى الرواية الفرنسية Free Day للكاتبة Inès Cagnati والتي تتحدث عن “جالا” المراهقة البالغة من العمر 14 عامًا، لديها أم غائبة وأب مسيء وعدد كبير من الأخوات الأصغر سننًا. تعيش جالا الحياة الريفية في مزرعة معزولة مع عائلتها، وهي الوحيدة التي ذهبت إلى المدرسة من بين اخوتها بعد أن فازت بمنحة دراسية. وتواجه الفتاة بعض الصعوبات حيث أن عليها أن تركب دراجة صدئة لمسافة عشرين ميلًا لكي تصل لمدرستها، وحين تصل إلى المدرسة، تسخر زميلاتها الأخريات من ملابسها. 

تتمّيز هذه الرواية أنّها نابعة من تجربة صادقة لمثل هذه الظروف، فقد كانت الكاتبة المذهلة Inès Cagnati شخص غريب ونشأت في ظروف مماثلة في فرنسا النائية، وتوضح في هذه الرواية بالتفصيل شعور أن تكون في بيئة وطبقة لطالما كنت مرفوضًا بها. وعلى الرغم من هذه الحقائق القاسية، كيف يستمر القلب في الكفاح بأعجوبة ليكون محبوبًا.

نرشح لك قراءة: مداخل أدبية للقراء الجدد: تسع روايات تشدك إلى عالم القراءة وتحسِّن ذوقك

قصة First Day of Winter التي نُشرت ضمن مجموعة من القصص للكاتب Breece D’J Pancake الذي انتحر عام 1979، وتم نشر هذه القصص بعد وفاته بأربع سنوات. وهي مجموعة من القصص التي تصور عالم ولاية فرجينيا الغربية الريفية الأصلية في بانكيك بطريقة مذهلة، وظلت قصص “بريس دي جي بانكيك” مطبوعة باستمرار، حيث أنها تعتبر المجموعة المفضلة دائمًا للكتاب الطموحين والمشاركين في برامج الكتابة الإبداعية وطلاب الخيال الأمريكي المعاصر.

تختتم هذه المجموعة بقصة First Day of Winter وبها نختتم مقالنا، وهي تدور أحداثها حول فتى يدعى “هوليس” الذي بقي في المنزل لرعاية المزرعة بينما غادر شقيقه إلى المدينة. وفي حين انهيار المزرعة، تتدهور حالة والديه المسنين سريعًا. كما أنه اقترب موعد سقوط الثلج، تاركًا هوليس محاصرًا ووحيدًا، ليس لديه سوى الوقت والأرض الهشة.