🎞️ Netflix

كيف لصورة لطيفة لفرخ طاووس أن تهدم ثقتنا في الانترنت؟

نهاية الانترنت الذكاء الاصطناعي
علي عبدو
علي عبدو

5 د

بدأت في بدايات عام 2021 موجة عاتية أشبه بتسونامي، تسونامي من الصور المولدة  عن طريق الذكاء الاصطناعي. فبعدما كان إنشاء الصور وتحريرها وتعديلها حكرًا على المبدعين والفنانين والمحترفين، أصبح الأمر بالغ السهولة حتى أصبح الأشخاص العاديون قليلو الخبرة، بما فيهم أنا بالطبع، نولد الصور يمنةً ويسرةً، وبشتى الاشكال والألوان والأفكار. بدايةً من قطة صغيرة أو رائد فضاء وصولًا إلى رائد فضاء يركب قطة على سطح المريخ.


لكن مثلما يبدأ التسونامي العادي بسب زلزال أو انفجار بركاني كان لا بدّ لنا من زلزال أو بالأحرى مجموعة من الزلازل.

من DALL·E إلى Stable Diffusion

نحن الآن في بدايات عام 2021، وقد عشنا بالفعل مجموعة من الهزات الخفيفة بدأت مع الكشف عن عدد من الشبكات العصبونية القائمة على التعليم العميق، بدايةً من العام 2015 وحتى 2020، لكن بعد قليل ستُطلق شركة OpenAI منتجها  DALL·E وهي خدمة توليد الصور اعتمادًا على النصوص، مسببةً الزلزال الأول الذي سيسبب موجة تسونامي الأولى.

وبما أن التطور خلال سنة في عالم الذكاء الاصطناعي يعادل عقدًا في غيره من المجالات، لم تلبث OpenAI كثيرًا إلا وبدأت الزلزال الثاني في عام 2022، حيث اطلقت DALL·E2 ومن ثم DALL·E3 في العام الذي يليه، وما بين هاتين الخدمتين قام عدد من المنافسين بإطلاق خدماتهم الخاصة مثل midjourney وصولًا إلى stable diffusion، وهي الأخرى لا تقل إبهارًا عن عائلة دالي.

غرقنا بعدها في عدد غير منتهي من الصور المصطنعة، والمولدة عن طريق هذه الخدمات. أفكار عادية وأخرى مجنونة لا فرق. المهم أن الأمر لا يتطلب سوى كتابة مجموعة من الكلمات وبضغطة زر ستتولد أمامك مجموعة من الصور المبهرة للغاية مثل المثال التالي.


كل هذه الزلازل، جعلت من تسونامي الصور غاية في الارتفاع، وتمامًا كما يحدث عند اقتراب التسونامي من الشاطئ، تتحول الموجة الهادئة إلى قوة عاتية تجتاح كل ما في طريقها.

فالآن، عند البحث عن صور على الإنترنت، يجد المستخدمون أنفسهم أمام موجة ضخمة من الصور المصطنعة التي لا تختلف في الظاهر عن الصور الحقيقية، تجرف معها كل تفاصيل الواقع، وتتركنا في بحر من التشويش البصري الذي يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال.

واحدة من هذه الأمثلة هي لقطة شاشة منتشرة حاليا بشكل واسع جدًا. تبين هذه اللقطة نتائج البحث عن صور لفرخ الطاووس، حيث تطغى نتائج البحث المُولّدةً عن طريق الذكاء الاصطناعي على تلك الحقيقة.


يتداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي مثل ريديت وفيسبوك وX، هذه الصورة بشكل كبير جدًا. والتعليقات لا تخلو من نظرية المؤامرة أحيانًا، وكثير من الذعر في أحيان أخرى.


ذهب بعض المتابعين إلى إعلان موت غووغل، وآخرون كانوا أكثر ذعرًا، حيث وصل بهم الحال إلى إعلان موت الانترنت ككل. وهو في الحقيقية يتصل بشكل ما بنظرية الانترنت الميت التي سبق وأن ناقشناها في مقالة سابقة.

إعلان موت الانترنت ككل مبالغ فيه، هذا ما دعى العديد من المتابعين أن يرى الأمر بنظرة أكثر هدوءًا، بعيدًا عن الدراما. هؤلاء أكدوا أن الإنترنت لم يمت، وأن ما نراه هو ببساطة مشكلة تخص جوجل فقط. واقترحوا أن استخدام متصفحات بديلة مثل DuckDuckGo سيقدم نتائج أكثر مصداقية، حيث ستظل الصور الحقيقية هي الغالبة.


اقترح البعض حلولًا للمشكلة منها ماهو حالي، كاستعمال فلاتر على الزمن، مثلا ان تضيف مع كلمة البحث، كلمات من قبيل "عام 2025" أو "قبل 2021"، أو كلمات أخرى مثل "ai-": إضافة هذه الفلاتر تفصل بين الصور الحقيقية والمولدة غلى حد ما، ولكنه حل لن يعمل على المدى الطويل. حيث رأى كثيرون أن الحل الصحيح هو أن تضيف المتصفحات خيارًا لفلترة كل الصور المصطمهة بشكل أوتوماتيكي. لكنّ هذا الاقتراح، رغم وجاهته، يظل معقدًا للغاية، وتطبيقه سيكون تحديًا صعبًا. هذا إن أرادت الشركات التعاون من الأساس.

مصدر القصة

يبدو أن مصدر الصورة الأصلي هو المستخدم notengoprisa@ على منصة X، حيث حاول البحث عن صور لفرخ الطاووس ولكن الصور على متصفح غوغل كانت أغلبها مُولّدة عن طريق الذكاء الاصطناعي، مما دفعه إلى مشاركة الصورة في الخامس من أوكتوبر/تشرين الأول، مع عبارة "موت غوغل" التي تحمل الكثير من الدراما داخلها.


بقليل من التعمق في القصة طمعًا بتفاصيل أخرى، وجدت مقالًا على موقع Medium يتناول قضية مشابهة تمامًا. كاتبة المثال إميلي (Emily M. Bender) لم تكن تصف صور صغار الطاووس المولدة بالذكاء الاصطناعي كصور زائفة فحسب، بل شبّهتها بطيور حقيقية غرقت في تسرب معلوماتي، كما تغرق الكائنات البحرية في كارثة نفطية. الفرق هنا، أن هذا التسرب لا يلوث المياه، بل يغرق عقولنا في دوامة من البيانات المغلوطة.

أوضحت إميلي أن هذا التسرب المعلوماتي لا يضر فقط المتلقي الأولي للمعلومة، بل يمتد تأثيره ليضرب نظامنا المعرفي في العمق. كلما ازدادت تلك المعلومات المُصنعة انتشارًا، صارت عملية العثور على مصادر موثوقة أشبه بمحاولة إنقاذ طيور من بحر ملوث بالنفط، سواء كان الحديث عن نصوص أو صور.

أيضًا هنالك أمر أكثر خطورةً، فمع استمرار نماذج الذكاء الاصطناعي في التعلم من بيانات هجينة تجمع بين الحقيقي والمصطنع، سنجد أنفسنا ندور في حلقة لا نهائية من التضليل، قد تؤدي إلى نتائج كارثية.

كتبت إميلي المقالة من الأساس لأنها وقعت في براثن هذه الصورة اللطيفة للغاية لفرخ الطاووس. 

ذو صلة

ظنت إيميلي أن هذه الصورة حقيقية في بداية الأمر ولكن بعد أن تم تنبيهها على الموضوع حذفت الصورة وكتبت المقالة.

بالرغم من إميلي وقعت في فخ الصور المزيفة،  إلا أنني أعتقد أن الأجيال السابقة ستكون  أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقي والوهمي في المستقبل. حيث رأت هذه الأجيال الحقيقة بشكل كافٍ، لكن الأجيال المستقبلية التي "تتدرب" هي بدورها، كما حال الذكاء الاصطناعي، على بيانات يختلط فيها الحقيقة مع الوهم، كيف سيكون حكمها في المستقبل؟؟!!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة