الحوسبة السحابية والسيطرة على العالم الحديث!

مقال مقدم من/ محمود قشطة – مصر

قديماً كانت السيطرة على العالم بالقوة العسكرية، غزو الشعوب والسيطرة عليها ونهب ثرواتها وقديماً كانوا يفهمون الشعوب وثقافتها ومواطن قوتها وضعفها عن طريق جواسيس أو عملاء بالداخل قبل الوصول إليها بالعتاد العسكري، والأمثلة لا تعد ولا تحصى على صفحات كتب التاريخ.

ولا أحد ينكر أن غالبية الحروب في التاريخ قامت من أجل خلافات عقدية أو عرقية أو اقتصادية، الاقتصادية منها أصبحت تغلف حروبنا الحالية والسيطرة من أجل الطاقة والمياه وإضعاف الدول من أجل فتح أسواق إستهلاكية لا تنتهي ولا نتعجب أن شركات إعادة إعمار العراق جنسيتها من جنسية الدول التي دمرتها.

وفي عالمنا الحديث أصبحت السيطرة على العالم سيطرة تقنية معلوماتية، يريدون أن يفهموا المجتمع وطبيعته ونظم استهلاكه ورغباته وشهواته حتى يستطيع أن يوجه إليك إعلاناً أنت تفهمه ويرغبك فيه وأن يفهمَك كفاية ليعرف كيف يدخل إليك وكيف يزيد من نمطك الاستهلاكي الذي يدعم السوق الحر الذي يسيطر عليه، الإعلانات الموجهة التي أصبحنا نراها الآن على مواقع التواصل الاجتماعي خير مثال.

ولكي يحتويك ويبتلعك ويعرف رغباتك كانت هناك بعض اللوغاريتمات التي عن طريقها يفهم ماذا تريد؟! لا تتعجب حينما تقوم بعمل إعجاب لصفحة تسوق لمنتج بعينه ثم تجد في الجانب هذا المنتج معروض عليك في شكل إعلان، والإعلانات التي تظهر لك ليست عشوائية ولا عفوية ولكنها توضع باحترافية عالية.

الإعلان الذي يظهر لشخص عمره 18 عام ليس أبداً كالذي يظهر لشخص عمرة 50 عاماً، فهم قاموا بعمل لوغاريتمات تحدد من هذا الشخص وما الذي سيعرض عليه من أجل جني أرباح طائلة حيث أن أرباح فيسبوك في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015 بلغت 512 مليون دولار طبقاً لتقرير نشرته بي بي سي.

ولتبسيط كلمة لوغاريتمات (algorithms) دعنا نسرح بخيالنا قليلاً لنتحدث عن مثال، ما رأيك في برنامج تقوم بإدخال الأعراض التي تشعر بها لمرض معين ثم يقوم البرنامج بتشخيص حالتك واقتراح الدواء المناسب؟ لم يفعل هذا لأنه ذكي ولكن لأن المبرمج قام بعمل كود برمجي من أجل تحديد طريقة تفكير البرنامج واستخدم فيها اللوغاريتمات لتحديد أفضل طريقة بحث بين الأدوية والتشخيصات لتحديد أنسبهم طبقاً لعدة قواعد.

هل تتذكر فيلم مؤسس موقع فيسبوك “مارك” حينما بدأ حياته بموقع face match يقوم بعمل مقارنات بين صور الطالبات بالجامعة واختيار أجملهم؟ لم تكن هذه المقارنة تتم سوى بلوغاريتم رياضي يقابله كود برمجي للمقارنة بين الفتيات، واستكمالاً لإتمام الموقع قد أدخل متغير خارجي وهو الطلبة لإبداء رأيهم في المقارنة عن طريق اختيار الفتاة الأجمل في كل مرة.

وبالرجوع للعنوان لا تحتاج سوى أن تعرف ما هي cloud computing “الحوسبة السحابية” تكلموا كثيراً عنها، كلٌ يراها من وجهة نظره، فمنهم من يراها أنها طفرة تكنولوجية تساعد على حل مشكلات عضال، ومنهم من يراها أنها كارثة إنسانية، فالحوسبة السحابية هي أن تتخلى عن أن تمتلك المعلومات الخاصة بك من (صور – فيديوهات – ملفات صوتية – قواعد بيانات – تطبيقات -…الخ) وتقوم بوضع هذه البيانات على السحابة التي لا تعرف مكانها ولا تعرف ماذا يصنع بهذه المعلومات دون أن تدري.

وهنا يسأل أحدكم ما علاقة هذه المعلومات التقنية بالسيطرة على العالم؟

بربط الخوارزميات وكيفية عملها بمعلوماتك، لأنه في هذه الحالة سيكون لديهم كل شئ عنك، بيانات شركتك (الأرباح – الخسائر – العملاء – الموردين – الدائنين)، كل شيء عن حياتك الشخصية (موقعك – أماكن سفرك – أصدقائك – عائلتك – من تحبه ومن تكرهه – ماذا تسمع – ماذا ترى – من تؤيد – من تعارض)، كل شيء حتى ملابسك ونوعية طعامك، وكثير منا الآن أصبح يشاركنا وجبات الطعام من على السفرة حتى قبل أن يبدأ في الأكل.

وأصبح الجنود يشاركون صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي من كتائبهم وأماكنهم العسكرية ولا يعرفون أن كل صورة لها بصمة إلكترونية محدد بها الساعة والتوقيت والمكان (إحداثيات) الذي إلتقطت فيه.

هم استطاعوا أن يأخذوا علمنا الذي أسسه “الخوارزمي” وتحويله إلى سلاح فتاك يملكوننا به، استطاعوا أن يستعبدوننا تقنياً وتكنولوجياً، استطاعوا أن يمسكوننا مما يصعب علينا الإفلات، وثائقنا السياسية أصبحت على حواسيبهم التي صنعوها يفعلون بها ما يفعلون وينشرونها علناً وقتما يريدون، ونحن كمسلمين وعرب أصبحنا نسير في ركبهم خطوة بخطوة ونعيش في فلكهم ونسير داخل المسار الذي حددوه لنا سابقاً، من يعتقد أن أرضه قد تحررت منهم، فليراجع نفسه.