🎞️ Netflix

المُستقبل بين اليوتوبيا والديستوبيا: عندما يتنبأ الأدب

رُواء سيد
رُواء سيد

6 د


”من غيرِ المُمكن لأي شخصٍ مُفكر أن يعيشَ في مجتمعٍ كمجتمعنا ولا يرغب في تغييره“جورج أورويل

في بعضِ الأحيانِ، تقرأُ روايةً أو عملًا أدبيًا ما وتجدُه يصفُ أشياء قريبةً للغايةِ من واقعك الذي تعيشُه على الرغمِ من أنه قد يتخلله بِضعة خيال؛ إلا أنه في أول الأمر وآخره معتمدٌ على أحداثٍ واقعية. ولكن هل قرأتَ يومًا لكُتّابٍ أنشأ خيالهم مدنًا كاملة من اللا شيء، مدنًا نموذجية وتنعمُ بالهدوء، وأخرى يعتريها الفسادُ من كل جانب؟ بين أدبِ موريس اليوتوبي وأدب أورويل الديستوبي؛ سيعلو صوت مقالي اليوم.


كيف صعدَ المُصطلحان على خشبةِ المسرح؟

البعضُ منّا قد مرّ عليه من قبل مُصطلح يوتوبيا وربما حتى احتفظت ذاكرتهم بأنها تعني المدينة الفاضلة، ولكن هل عاد أحدكم يومًا إلى أصلِ هذا المُصطلح وتاريخه؟ وما الفرقُ بينَه وبين مُصطلح ديستوبيا رغم انتهاءِ كليهما بالأربع أحرفِ نفسها؟

في نظرِ الكثير من النُقاد، إن مُصطلحَ يوتوبيا مُصطلحٌ هجين، ”يوتوبيا“ أو ”Utopia“ هو مُصطلحٌ كُوّن نتيجةَ المزجِ بيـن كلمةِ ”Eutopia“ اليونانيّة والتي تعني المكان الجميل وكلمة ”Outopia“ والتي تعني اللا مكان.

اليوتوبيا الديستوبيا

وقد ظهر المُصطلح لأول مرةٍ على يدِ الكاتب والمُفكر البريطانيّ توماس مور في روايته ”يوتوبيا“ التي نُشِرَت عام 1516، واصفًا فيها مدينةً يكونُ فيها المُجتمع محكومًا بالمثاليّة المطلَقة في كافةِ جوانبِه، بدايةً من جانبِه السياسيّ وصولًا إلى جانبِه الاجتماعيّ. وكان مقصَد مور الأول هو تسليط الضوء على تلك الفجوة المهولة التي تفصلُ بين المدينة الفاضلة التي أوجدها خياله ونظام الحُكم آنذاك- في القرن السادس عشر- والذي اعتمدَ على المصلحة الذاتية والجشع والاستبداد بشتّى أشكالِه.

اليوتوبيا

وهُناك من يقول أن أفلاطون هو أول من كتب عن تلك المدينة الفاضلة في كتابِه جمهورية أفلاطون“، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدلّ على أنّ تلك النزعة لتخيّل أمكنةٍ خُرافيّة ومثاليّة كانت حاضرةً وتُعبر عن نفسِها بأكثر من طريقة منذ العصر اليونانيّ القديم، فقد حاول الكُتاب والفلاسفة اليونان تناول هذا الموضوع ومُعالجتِه في مُحاولةٍ منهم لخلقِ واقعٍ أفضل وإن كان واقعًا افتراضيًا.

أما مُصطلح ديستوبيا فقد أتى بعد يوتوبيا بحوالي ثلاثة قرون، وهو مُشتقٌ من كلمةِ ديس والتي تعني سيء أو فاسد في اللغة الإغريقية القديمة. ومن أوائل من استخدموا هذا المُصطلح هو الفيلسوف والمُفكر السياسيّ الإنجليزيّ ”جون ميل“ عندما كان ينتقدُ سياسة الحكومة المتعلقة بالأراضي الإيرلندية عام 1868 مُستلهمًا ذلك من كتابات مور عنِ اليوتوبيا.

وقد هدفت الكتابات عن الديستوبيا إلى وعظِ الشعبِ قبل الحُكام، وإخبارهم عن تلك العوالم المستقبلية المُحتملة، والتي ستحفلُ بالفسادِ والدمارِ إن لم يكُن لهم صوتٌ ولا كلمة، وإن رضوا دائمًا بالصمت. وقد شُبِهت العديد من التجارب الإنسانية بهذا المُصطلح، ومنها التجربة النازية الألمانية على يد هتلر، والسُرعة المتصاعدة التي يقوم فيها البشر بإتلافِ الموارد الطبيعية، مثل قطع الأشجارِ العشوائيّ واصطياد الطيورِ البريّة بغرضِ الترفيه، فباتت صورة العالم الملونة تبهتُ يومًا بعد يوم.

اليوتوبيا والديستوبيا

ومن هُنا، نُدرك تمامًا مدى تعلقِّ الأدب بكلا المُصطلحيْن، فإن كان هُناك من قدمّ لهما يدَ العونِ للصعودِ على خشبةِ المسرح، سيكونُ الأدب في المقدمة بلا أدنى شكّ.


اليوتوبيا والأدب، علاقةٌ لا تنكسر بسهولة

منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اندلاعِ الحربِ العالمية الأولى، نُشِرَ أكثر من ٢٠٠ عمل أدبيّ يتمتعُ بنظرةٍ يوتوبية عميقة، ومُعظمها- باستثناءِ عدد قليل من الأعمالِ الشهيرة- لا تزالُ حتى الآن غير مُتاحة للمُواطن العاديّ مثلي ومثلك. بدأ الكُتاب يناقشون آراءهم حول الواقع الذي يعيشونه من خلالِ نظرةٍ يوتوبية خالصة، فقد خاضَ الكثير من الأدباء غِمار هذه اليوتوبيات، ولهذا سنعرضُ لكم الآن روايةٌ من أهم الروايات في تاريخِ الأدب اليوتوبي:


The giver المانح

اليوتوبيا والديستوبيا

”لقد استطعنا اكتسابَ السيطرة على أشياء كثيرة، ولكن في المُقابل كان علينا التخلي عن أشياء أكثر“– لويس لوري

تخيّل معي أن تعيشَ في مُجتمعٍ بلا ذاكِرة، بلا تاريخٍ تعود إليه وقتما تشاء وتستدلّ به على مسارِك الخاصّ في الحياة؛ ولكنه في نفسِ الوقتِ مجتمعٌ يوتوبيّ من الدرجةِ الأولى، حيثُ يتمّ فيه إعطاء الجميع مهمةٍ تِبعًا لقدراتِ كل فرد ومهاراته، يتمّ فيه تنظيم الولادات، وإذا وُلِدَ توأمان، يقومون بإطلاقِ سراح المولود الأكبر وزنًا والآخر يُنقَل إلى مرفق التغذية، كل شيء يسيرُ تبعًا لنظامٍ وقوانين صارمة، ولكن في المُقابل أصبح مُجتمعًا بلا هويّة.

في رُواية لويس لوري التي تمّ نشرها عام 1993 أرادت أن تمزجَ بين أدبِ اليوتوبيا والديستوبيا معًا، حيثُ تبدأ الرواية في رسمِ ملامحِ ذلك المجتمع النموذجيّ شيئًا فشيئًا حتى تكتملَ اللوحة، ولكن كل عناصر تلك اللوحة ستتبعثر عندما تتقاطعُ طرق بطلُ الرواية جوناس ذو الاثنى عشر عامًا والمسؤول عن حفظِ ذكرياتِ هذا المجتمع وتاريخه والذي يُطلَق عليه اسمَ المانح. ومن هُنا، سيبدأ جوناس في التعرف على ماهيّة المشاعر، سيبدأ في فهمِ غضبِه، حُزنِه وفرحِه، وسيرى مُجتمعه مُلونًا للمرةِ الأولى.

وفي مشهدٍ مؤثرٍ في الرواية، يسألُ جوناس أباه: ”هل تُحبني؟“ ليُجيبه الأب: ”ماذا يعني الحُب؟“ لتُظهرَ للويس أنّه في سبيلِ الحصولِ على مُجتمعٍ يوتوبيّ، سنضطر للتخلي عن مشاعرِنا وإنسانيتنا في الطريق. وتقول لوري: ”لقد تباينت كتبي في المُحتوى والأسلوب ومع ذلك، يبدو أن جميعَهم يتعاملون مع نفسِ الموضوع: أهمية الروابطَ البشرية“.

وقد حُوّلت الرواية إلى فيلم تحت نفسِ العُنوان عام 2014.


الأدب الديستوبي بينَ أورويل وتوفيق


رُواية 1984؛ أيقونة الديستوبيا

اليوتوبيا والديستوبيا

”الجنونُ ربما هو بكل بساطةٍ، أن تُخالفَ الآخرين“– جورج أورويل

في هذه الرواية الاستثنائية، يُثبت جورج أورويل أنه ليسَ أديبًا فـذًا فقط، بل يُثبت كذلـك أنه مُفكرٌ سياسيّ حاذِق ومُحلل بارِع. فقـد كُتبَت هذه الرُواية عام 1948 أي قبل ذاك العام الذي سُميت به الرواية بحوالي أربعين عامًا كاملة، مما جعل هذه الرواية مميزة بشكلٍ خاصّ، وتُصنف ضمنَ أدب الديستوبيا، فقـد تنبأ فيها أورويل بالمستقبلِ ولما سيؤول إليه حال هذا المجتمع إذا استمرّ على ما هو عليه وأنّ مُجرد تفكير الإنسان سيصبح جُرمًا!

ويرى قارئُ الرواية أمثلة على التضارُب الفكري والحديث المُختزَل الذي يحرم به النظام مُعارضيه من أدواتِ التعبـيرِ عن الرفض، فهُناك في عالم أورويل الديستوبي ما يُسمى بشرطة الفكر. وحينما نقرأ اليومَ 1984 نشعُرُ بالتوجسِ، إذ نقيسُ عليها أين أصبحنا وإلى أين نتجه؛ والعالمُ على خارِطة الجحيمِ الذي وصفه أورويل، وأينما قَـلبَ المرءُ وجهَه في عالمِنا المُعاصِر، رأى أصحابَ السُلطةِ المُطلقة يُمسِكون بزمامِ الأمورِ وتتملكهم الرغبة في سحقِ كل من يُعارضهم.

وبينَ أوامِرِ الأخِ الأكبر الذي رمزَ أورويل لأصحابِ السُلطةِ به، كان هناكَ مشهدٌ آخر أكثرَ رُعبًا، فصوّر أورويل ذاك المشهد البشِع الذي يتمّ فيه الاختزال المُمَنهج للغة؛ فالنظامُ يعمل على محوِ كلماتٍ وأفكارٍ بعينِها من عقولِ البشر، وعدوّ النِظام الحقيقي.. هو الحقيقةُ نفسُها!


رُواية يوتوبيا


”عندما تشمّ رائحةَ الحريقِ ولا تُنذِر من حولَـك، فأنتَ بشكلٍ ما قد ساهمتَ في إشعالِ الحريق“– أحمد خالد توفيق

كيف ستكون مِصر عام 2023؟ سؤالٌ سألَه توفيق لنفسِه وأجاب عليه من خلالِ أسطرِ هذه الرواية. يوتوبيا روايةٌ تؤكدّ على أنّ اليوتوبيا والديستوبيا ما هما إلا وجهان لعملةٍ واحدة، ولا ينفصل الواحد منها عنِ الآخر. فتبعًا لنظرةِ توفيق، أنه إن وُجدَت يوتوبيا في جانبٍ ما فتأكدّ أنه على الجانب الآخر ستجدُ ديستوبيا، وهذا تمامًا ما أرادَ إيصالِه في روايته. ففي يوتوبيا توفيق، كان يسكُن الأغنياء وكِبار الدولة وفقط، وفي القاعِ حيث الديستوبيا وُجدَ عامة الشعب الذين يُكافحون كل يوم للحصولِ على كسرةِ خبز.

اقرأ أيضًا:

ذو صلة

ولكن، ماذا عنكُم أنتم؟ هل تظنون أن المستقبل يميل لليوتوبيا أم إلى الديستوبيا؟ وهل لا تزال مُجرد تنبؤات أدبية وخيالات أم أصبحت واقعًا بالفعل؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة