أميرة قاجار.. أيقونة الجمال الفارسي في عصرها ولكن من وجهة نظر أخرى..
5 د
دعونا نبتعد قليلًا عن أصداء الكورونا التي أهلكت حياتنا وتفكيرنا وأتعبت نفسيتنا، وما زالت… مقالنا اليوم يتكلم عن أميرة عاشت في القرن التاسع عشر. لعلّ أغلبكم من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكلٍ خاص على الفيسبوك؛ وأظنّ بأنكم شاهدتم منشورات تخصّ هذه الشخصية من قبل. في حال لم تروها من قبل، فإليكم التفاصيل.
حقيقةً، ما شجعني على كتابة هذه القصة المختصرة هو ملاحظتي لبعض المنشورات المتكررة على الفيسبوك، تُظهِر صورًا لشخصية غريبة في الشكل نوعًا ما، غرابتها تكمن في أنه عندما ترى صورتها وللوهلة الأولى، ستعتقد بأنك ترى رجلًا متنكرًا بزي امرأة، ولكن عندما تقرأ محتوى المنشور، فيظهر أنها أميرة فارسية اشتهرت بجمالها الفتّان، وبكثرة عدد المعجبين بها والمتقدمين لخطبتها، مع رفضها لهم جميعهم. أثار الموضوع اهتمامي وبحثت عنه بإمعان لأتوصل إلى حقيقتها نوعًا ما.
نجحت بعض الصفحات والمواقع في تشويه قصة هذه الأميرة بقصد إظهار شكلها بأسلوب مُضحك وبكلامٍ منافٍ للواقع. حسنًا ماذا أقصد بمنافٍ للواقع؟
جميعنا يعرف معايير الجمال في عصرنا هذا، الجسم الممشوق والوجه الجميل الناعم، والعناية من كافة النواحي. تُظهر الصور أميرة قاجار الفارسية ذات شارب خفيف ظاهر، وشعر حواجب كثيف، كما أن ملامح وجهها ليست محببة، وبجسم ثخين بعض الشيء وغير متناسق، ثم يُكتب فوق هذه الصور بأنها أميرة قاجار وكانت تُعتبر مثالًا يُحتذى به في الجمال في أوائل القرن العشرين، وأنه انتحر ما يقارب 13 شابًا لأنهم أحبوها ورفضتهم.
تتناقل الصفحات هذا الخبر بأسلوب مؤطّر بهذه الطريقة. طبعًا يشكك أغلب الناس في هذه الأقاويل بناءً على مظهر الأميرة ونقص الدلائل على الموضوع. إليكَ عزيزي القارئ قصة أميرة قاجار.
كيف أصبحت درية شفيق الرائدة الفعلية للحركة النسوية في مصر اسمًا منسيًّا؟!
من هي أميرة قاجار؟
هي الأميرة فاطمة خانم والمُلقّبة (عصمت الدولة)، ابنة ناصر الدين شاه قاجار والذي كان ملك بلاد فارس (إيران اليوم)، كان لدى عصمت أيضًا أخوات غير شقيقات، حدّدت تلك الأميرات معايير الجمال للنساء في زمانهن. تقول بعض الشائعات أن الصور المتداولة عبر الإنترنت لعصمت ليست إلا صور لممثل ذَكَرْ يجسّد الأميرة، وأخرى تفيد بأنها ليست إلا لشخصٍ عادي، صُوّر للسخرية من الأميرة، إنما هي في الحقيقة صور التقطها زوجها لها في منتصف وأواخر القرن التاسع عشر، وتوفيت هي عام 1905، ما يجعل الادعاء بأنها كانت الرمز المتناهي في الجمال في القرن العشرين ليس صحيحًا.
إحدى أيقونات الجمال الفارسي
الجزء الأكثر إثارةً للاهتمام في الموضوع هو أنه فعلًا كانت هناك فترة في التاريخ الفارسي، تميّز جمال النساء بشاربهنّ، حيث وفقًا لأبحاث الأستاذ والدكتور أفسانه نجم أبادي (Afsaneh Najmabadi) في جامعة هارفارد (Harvard)، تؤكد العديد من مصادر اللغة الفارسية، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية من القرن التاسع عشر، أن نساء قاجار يتميزن بشارب ناعم ورفيع كعلامة على الجمال، ما يجعل عصمت إحدى أميرات قاجار اللاتي كنّ أيقونات الجمال في ذلك العصر وليست الوحيدة، بالتالي جعل لقب “أميرة قاجار” حكرًا على عصمت؛ مغلوطًا نوعًا ما.
الادعاءات المشكوك في صحتها
كما قلنا، يكتب البعض أنه وبالإضافة إلى امتلاك الأميرة لشارب خفيف، فقد قتل ثلاثة عشر رجلًا أنفسهم بسبب حبهم غير المتبادل لها. حسنًا، لا يوجد مصدر صريح معين لهذا الادعاء، وهناك عدة أسباب كفيلة بعدم تصديق هذه الادعاءات:
- غالبًا كانت عصمت متزوجة عندما كانت في التاسعة أو العاشرة من عمرها، لأنه هكذا كان الأمر في تلك الفترة، أي تزوجت في سن صغيرة.
- رُتِّب زواجها وهي في قصر والدها وبين أقاربها من زوجات والدها وأولاد عمها، وبالتالي، من غير المحتمل أن تتاح لها الفرصة لمقابلة أي رجل لا يمتُّ لها بصلة قرابة.
- في وقتٍ لاحق، وبصفتها امرأة متزوجة في بلاد فارس الخاضعة للسلطة الأبوية، فمن غير المرجح أيضًا أن يتم استدراجها من قبل العاشقين والذين يريدون خطبتها.
إذًا، غالبًا يتم بثّ الادعاءات بأن هناك من انتحر لأجلها، من أجل استثارة ردة فعل عاطفية من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي واستغلال مظهر الأميرة، ذلك لأن التركيز على مظهر المرأة، هو طريقة ناجحة لإبعاد التفكير عن مدى إنجازاتها وتقليل تأثيرها على مر التاريخ. ومع ذلك، كان للأميرة عصمت إنجازات يشهد لها التاريخ وتؤكد بأنها كانت من النساء القليلات الفاعلات في عصرها.
إنجازات الأميرة عصمت
بعيدًا عما يشجّع عليه الناس من معرفة حقيقة جمال الأميرة عصمت، وبصفتها الابنة الثانية لناصر الدين شاه قاجار، وثِق والد عصمت بها وبإمكانياتها كثيرًا لدرجة أنه سلّمها مسؤوليات عدّة:
- كُلِّفَت باستقبال الضيوف والوفود الأجانب في بلاط القصر.
- على الرغم من التقاليد في ذلك الوقت، تعلّمت عصمت العزف على البيانو وأصبحت مصورة مع استوديو خاص في منزلها.
- كان لها فاعلية ونفوذ تقريبًا كنفوذ والدها في اتخاذ القرارات، حيث أقنعته ذات مرة أن يسمح لزوجها بالعودة إلى البلاد.
- كانت واحدة من الأعضاء المؤسسين لجمعية حرية المرأة، مثقفة وكاتبة ورسامة وناشطة.
- أول امرأة تخلع الحجاب وترتدي ملابس غريبة بالنسبة لنساء عصرها.
إذن كان لها سلطة وقوة تجعل لها مكانة خاصة بالنسبة للنساء أكبر من أن يتم الكلام عنها لمجرد جذب العديد من الخاطبين. ليست عصمت فقط، بل كان للعديد من نساء سلالة قاجار تأثير قوي في دعم الثورة الثقافية والاجتماعية، وكانت منهن الأميرة زهرة خانم المُلقبة (تاج السلطنة)، الأخت غير الشقيقة لعصمت والابنة الثانية عشر لناصر الدين شاه، كانت مناصرة نسائية وقومية، دعمت ثورة ثقافية ودستورية في بلاد فارس.
وُجد في إحدى مذكّرات تاج السلطنة المنشورة بعنوان “تتويج الكرب- مذكّرات أميرة فارسية من الحريم إلى الحداثة عام 1884-1914”: “عندما يأتي يوم وأرى جنسي متحررًا وبلدي ماشيًا في طريق التقدم، سأضحي بنفسي في سبيل معركة الحرية، وسأسمح بأن يُسفك دمي لوصول المناضلات الحرّات والحصول على حقوقهنّ”.
يتبين من ذلك أنه لم يتم تقدير عصمت وأختها ومثيلاتهنّ في ذلك العصر على أساس مظهرهنّ، ولم تكن إنجازاتهنّ نتيجة الاعتماد على الشكل كمعيار الجمال، لقد كانوا نساء جديرات بالذكر وتستحق قصصهنّ أن تُروى بطريقة محترمة وذات مغزى، وليس استهزاءً وتصوير الحقيقة بشكل ملتوٍ لتشويه الجمال الحقيقي لهؤلاء النساء.
هل تعاني الكاتبات في العالم العربي من قيود مجتمعية؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.