أم عازبة في سوريا… يعني غريندايذر بفستان
تزداد معاناة النساء في سوريا اليوم، بشكل مضاعف عدة مرات عن معاناتهنّ في أي بلد شرقي آخر، هنا تتجاوز المعاناة حدود عدم المساواة مع الرجل، لتمتد إلى معاناة في تأمين حتى أبسط المتطلبات المعيشية، وإن كنتم تعتقدون أن إمساك أسطوانة الغاز والمجيء بها إلى المنزل أمر غاية في الصعوبة للنساء، فجربوا أن تتخيلوا أن مجرد الحصول على تلك الأسطوانة حلم قد لا يتحقق بالسهل.
أمام الأوضاع المعيشية القاسية التي يكابدها كل السوريين اليوم، فإن الأم العازبة، سواء كانت مطلقة أم أرملة، تعيش أسوأ أيام حياتها لدرجة إلغاء نفسها وكيانها، هذه المرة القيود المجتمعية ليست السبب بل الظروف المعيشية المتهم الأول.
قبل الخوض في التفاصيل، دعوني أخبركم أن الأم العازبة مصطلح يطلق على المرأة التي أنجبت دون زواج، لكن في الحالة الشرقية حيث يندر أو يستحيل وجود مثل تلك السيدة، دعونا نستعير المصطلح ليعبر عن الأرامل والمطلقات أو حتى أولئك اللواتي لا يجدن الدعم من أزواجهن ولا المساندة، ويال كثرة هؤلاء!
ماذا يعني أن تكوني أمًا عازبة في سوريا؟
جراء الحرب وتبعاتها يفرض المعنيون في سوريا تقنينًا على قطاع المحروقات، حيث تحصل العوائل على أسطوانة غاز مرة كل ثلاثة أشهر بشكل وسطي، و50 ليترًا من المازوت المخصص للتدفئة بمعدل مرة سنويًا أو مرتين.
في العوائل التي يتواجد فيها شخصان مُنتجان، ربما يستطيعان تدبر الأمر وشراء احتياجات الأسرة من المحروقات بسعر مضاعف خارج إطار المخصصات الحكومية من المادة، لكن في حالة الأم العازبة والتي غالبًا ما تكون المسؤولة الوحيدة في الأسرة، يصعب عليها تدبر الأمر ما يجعلها مضطرة للعمل في أكثر من مكان، وفي الوقت ذاته استمرار دورها كأم عليها أن تربي أطفالها وتقدم لهم الدعم التربوي والنفسي والاحتياج المادي من مأكل وملبس وترفيه.
بخلاف العديد من المجتمعات العربية، لا تجد الأم العازبة في سوريا وقتًا لنفسها، ولا مالًا لشراء احتياجاتها الشخصية، وخلال المقارنة بين شراء كريم لإخفاء علامات التقدم بالعمر وبين شراء ملابس جديدة لأطفالها، أو طعام لهم، سترجح الكفة لناحية احتياجات الأطفال.
تزداد الضغوطات عليها، فهي لن تعاني ماديًا فقط، بالنهاية سوريا بلد شرقي يمتلك عادات وتقاليد قد تكون قيودها أخف من بعض المجتمعات الشرقية الأخرى، إلا أنها في النهاية متواجدة لتزيد من معاناة المرأة التي ستضطر لدراسة كل خطوة جديدة تقوم بها، حتى في رحلة البحث عن عمل يجنبها التحرش أو نظرة الاستغلال لها انطلاقًا من كونها أمًا عازبة مضطرة للعثور على عمل بأي راتب كان.
بينما تبحث النساء في العديد من الأماكن الجغرافية، عن فرص لتطوير الذات واتباع الدورات والحصول على الخبرات الأكاديمية، لا تجد المرأة السورية، خصوصًا الأم العازبة، متسعًا من الوقت أو فائضًا من المال لتطوير ذاتها، ومهنتها، وتحصر نفسها فقط في البحث عن أي مصدر دخل جديد يكفي احتياجات الأسرة، خصوصًا أن الأجور في سوريا عمومًا قليلة لا تكاد تكفي عدة أيام في الشهر.
الأم العازبة في سوريا غريندايزر بفستان، هو المصطلح الذي يجسد حياة المرأة السورية المعيلة لأطفالها اليوم، ومع استمرار تبعات الحرب المستمرة في البلاد، من المرجح أن تزداد الضغوط على المرأة التي ينبغي عليها تقديم الدعم النفسي لذاتها فالجميع من حولها، سواء أقارب أم أصدقاء، منشغلون بحياتهم القاسية أيضًا.
الموازنة بين الاحتياجات الشخصية والاحتياجات العائلية، ليس أقسى ما تعيشه المرأة في مثل هذه الظروف، وهي التي غالبًا ما تلقت تربية علمتها بأن تنتظر الدعم النفسي والمادي من الرجل في حياتها، سواء كان زوجًا أو شقيقًا أو والدًا، وحتى حبيبًا وصديقًا.
كل النساء معرضات لمثل هذه الظروف
الحديث عن معاناة الأم العازبة في سوريا، ليس لمجرد عرض تجربة بعض الأمهات السوريات، فكل الأمهات في هذا الشرق معرضات لظروف مشابهة وسط استمرار التوترات العالمية الحالية، وإن كانت الأسر العربية لا تستطيع التأثير في مجريات الحروب وتطوراتها، فإنها قادرة أن تؤثر في مجريات الحياة والتربية لتنشئ جيلًا من النساء القادرات على تجاوز كل المحن دون الاستسلام انطلاقًا من فكرة التربية السائدة بأن المرأة كائن ضعيف يحتاج إلى "ظل رجل"!.
السر في التربية
يؤكد خبراء علم النفس أن التربية هي المحرك الرئيسي للبشر، خصوصًا التربية التي تلقاها الطفل في مراحله العمرية الأولى.
الوصول إلى جيل من النساء القويات القادرات، يتطلب تربية صحيحة لا تفرق بين الطفل الذكر والطفلة الأنثى، إخبار الأخيرة بأنها قوية مثل شقيقها، تحميلها مسؤولية أبعد من ترتيب غرفتها أو غسل الأواني المنزلية.
علينا إخبار النساء منذ نعومة أظفارهنّ أنهنّ خلقن لينتجن وليواجهن الحياة، عليهنّ البحث عن عمل قبل البحث عن "عريس" قد يفقدنه بأي لحظة لأي سبب، بعد أن يترك لهنّ حملًا مضاعفًا وأعباء كبيرة هي "عائلة".
بالمقابل، منح النساء القدرة على الحرية والعمل والاستقلالية من خلال التربية الصحيحة، أمر يخفف عن الرجال أعباء هائلة، فلا يعود الرجل المسؤول المادي الأول في الأسرة، ولن يكون خائفًا على عائلته في حال تركها لأي سبب كان، ولنفترض جدلًا أنه سافر، أو ذهب لميادين الحرب والمعارك، سيدرك أنه ترك خلفه امرأة قوية عاملة تعيل الأسرة، وامرأة مثقفة تمنح أطفالهما تربية صحيحة.
فلنراجع ذاتنا قليلًا، ولنتخلَّ عن كل ما ورثناه من الزمن الغابر الذي تحرك من تحتنا، بينما يعيش غالبيتنا في حالة ركود مصرين على البقاء في الزمن الماضي، لم تعد النساء للمطبخ والرجال للعمل، بات الجميع مسؤولًا اليوم أمام مجتمعه ووطنه وعائلته.
ركزوا على النساء، لا تظلموهنّ بوضعهنّ في قوقعة العادات والتقاليد، أو تحصرونهنّ بمهمات الطبخ والتنظيف، تمردوا قليلًا على الواقع، امنحوا الأطفال الإناث تربية صحيحة تجعل منهنّ نساء قادرات مستقلات لا يخشين ظروفًا ولا ينتظرن يدًا تمتد لتقدم المساعدة، ساعدوهنّ ليكنّ اليد التي تمتد لا اليد التي تمد نفسها بحثًا عن مساعدة ما.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.