“الشبح الاجتماعي”.. لماذا يتركك الناس فجأة ويختفون دون أي تبرير؟

دعاء رمزي
دعاء رمزي

7 د

أن يتركك شخص فجأة ليصبح مجرّد شبح لا يرد على اتصالاتك، ولا يترك لك أي رسائل بعد أن اعتدت عليه، هو من أصعب المواقف التي تمر على الجميع. إذ يمكن أن تتعرض لهذا الموقف في بداية العلاقة أو في منتصفها، ويمكن أن يتم ذلك مع العلاقات الواقعية أو عبر الإنترنت. لكن تكمن صعوبتها في عدم معرفة السبب أو الخطأ الذي وقعت فيه. مما قد يؤدي بالبعض إلى انهيار نفسي حقيقي، أو على الأقل صعوبة كبيرة في التواجد مع شخص آخر أو الثقة في العلاقات والناس.

لذا إذا تعرضت للهجر فجأة دون مبررات سواء من شخص دخلت معه في علاقة عاطفية أو علاقة اجتماعية عادية كأصدقاء أو زملاء أو جيران أو غيرها، فبالتأكيد أنت لست بمفردك. ولكن لماذا يقوم البعض بهذا الأمر؟ وهل يمكن أن تساعد نفسك في عدم التعرض للشبح الاجتماعي أو على الأقل الاستشفاء السريع منه؟ هذا ما سنتعرف عليه في الأسطر المقبلة.


لماذا يتحول الأشخاص إلى أشباح ويختفون من حياتك فجأة؟

تتنوع الأسباب التي تجعل الأشخاص يختفون تمامًا من حياتك رافضين الرد على رسائلك أو إعادة التواصل معك، ليتفق خبراء العلاقات وعلم النفس أن هذه الطريقة عبارة عن وسيلة للهروب من المواقف غير المريحة، وتسمى هذه الشخصية بـ "الشبح الاجتماعي"

فبينما يُشار إلى الأمر بأنه جمود وقسوة أو على الأقل عدم تقدير واحترام للطرف الآخر، إلا أن هذا الشخص نفسه الذي يتحوّل إلى شبح كان يشعر في الغالب بالخوف الشديد والإحراج ووجد أن الاختفاء هو أفضل طريقة للتعامل مع محنته أو مشاعره، حيث أن التواصل بوضوح كان صعبًا للغاية.

وفي استطلاع حديث في الولايات المتحدة الأمريكية تبيّن أن من 13-23% من الأشخاص يتعرضون إلى هذه التجربة، ويؤكد الخبراء أن من يلجأ لهذه الحيلة هو شخص يفتقر دائمًا إلى المهارات اللازمة للتواصل ولا يتمكّن من أن يكون صريحًا، لذا هو ليس خطأك في الأساس، وكل ما عليك هو البحث عن طرق التأقلم مع الوضع.


الأمر تفاقم وازداد انتشارًا.. فما الأسباب؟

هناك أسباب عديدة تجعل الناس يتحوّلون إلى أشباح اجتماعية باستمرار ويقطعون أي تواصل، أهمها:


الراحة التي تجلبها التكنولوجيا والتقنيات الحديثة

بسبب كثرة التعامل مع الشاشات، لم يعد الالتزام والواجب والمشاعر معترفًا بها بقوة مثل قبل، فالشخص يشعر أنه يتعامل مع جماد ليس له أي حقوق عليه، لذا يتصرف بلا مبالاة أكبر. ويُعد انتشار التنمر على الإنترنت من أهم نتائج هذه الحالة، فمئات الملايين يقولون في التعليقات ما لا يمكنهم التفكير في قوله وجهًا لوجه وقد انعكس هذا بشدة على مراعاة المشاعر.

فالتواصل الرقمي طوال الوقت يجعلنا ننسى أن هناك أشخاص حقيقيين على الطرف الآخر، وباستخدام الأجهزة كدرع فإننا نتخلص من الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية ونجد لدينا الشجاعة للقيام بأشياء لا يمكن على نقوم بها على أرض الواقع.

فأصبحت العلاقات الإنسانية والمشاعر مثل التسوق الإلكتروني بضغطة زر. ومثلما تطلب التغيير والتبديل في البضائع، أصبح لدى البعض شعور أنهم يمكنهم التغيير والتبديل في الأشخاص أيضًا، في سلوك أطلق عليه المختصين اسم "تلعيب العلاقات" أي النظر لها كواجهة لعبة تتحكم فيها وتدخل وتخرج منها وقتما تشاء.


الخوف من إيلامك وجرحك

هناك سبب آخر أكثر قوة للجوء للاختفاء وهو الخوف من إيلام الطرف الآخر أو إيذاء مشاعره!! وعلى قدر ما يبدو السبب متناقضًا مع مفهوم الشبح الاجتماعي المتمثل في الاختفاء المفاجئ إلا أنها حقيقة بالفعل، فنسبة لا يُستهان بها ممن قرروا الاختفاء فجأة من العلاقات الإنسانية كان دافعهم الأكبر هو عدم القدرة على رؤيتك تتأذى وهم يقطعون علاقتهم بك، ففضلوا أن تتألم بمفردك للأسف.

قد يبدو هذا صعب التصديق ولكنها العلاقات الإنسانية شديدة التعقيد والتناقض في الوقت ذاته، وإن كان الأمر يدل في جانب مهم منه على انعدام أو انخفاض حاد للذكاء العاطفي والاجتماعي، فحتى إذا لم تشعر بالكيمياء المتبادلة مع شخص ما وترغب في تحديد علاقتك معه، يجب أن تختار الكلمات المناسبة للتعبير عن الأمر وليس قطعها دون مبررات!!


الاكتئاب ومشكلات الصحة العقلية

قد يبدو الأشخاص الذين نتعامل معهم في خير حال، لكن قد يعانون من غليان داخلي يثور فجأة لمجرد التعرض إلى حدث صغير يدخلهم في حالة اكتئاب وعزلة ورفض أي تواصل مع الآخرين، خصوصًا من يضغطون عليهم أو يُذكرونهم بمواقف معينة. وهذا بالتأكيد ليس ذنبك ولا خطؤك ولكنها تجارب الحياة المؤلمة.

يقول أطباء النفس وخبراء العلاقات الإنسانية أن الأشخاص المصابون بالاكتئاب أو بالاضطراب ثنائي القطبين قد يغمرونك باتصالات وتقارب كبير في وقت، ثم يقطعون أي تواصل ويرغبون في العزلة التامة في وقت آخر.

كما يكون لديهم خوف شديد من الرفض أو أن يبتعد الناس عنهم لأنهم ليسوا واثقين من استحقاقهم لتلك المشاعر الجيدة، ويخشون من الاندماج فيها فلا يتمكنون من الإفلات منها. كما أن الشخص الذي تعرض لصدمة عاطفية من قبل سيكون في خوف شديد من الدخول في علاقات أخرى من النوع نفسه ويكون لديه قلق شديد أكثر من غيره.


ضغوط العلاقة الشديدة

إذا كانت معظم أسباب تعرضك للهجر من شبح اجتماعي تعود له فعليًا، فلا يعني هذا أنك بريء تمامًا للأسف!! فيمكن لبعض الأشخاص أن يضعوا من أمامهم في ضغوط مستمرة خلال العلاقة، فيطلبون اهتمام ومشاعر وتقارب بقدر أكبر من طاقة الشريك أو الصديق، فيهرب فورًا خوفًا من الانغماس الزائد وعدم الشعور بالخصوصية أو المساحة الشخصية.

لذا مهما كانت درجة التقارب بينك وبين شخص آخر، سواء في علاقة عاطفية أو صداقة أو غيرها، فلا بد من ترك مساحة شخصية والسماح له بالاختفاء والاستراحة من الملاحقة الدائمة، مع فرصة له لكي يسأل عنك عندما يرغب دون أن تُشعره بالذنب الشديد أو بأنه شديد التقصير في حقك.

كما يوجد بعض الأشخاص الذين يخافون عموما من التقارب الزائد مع أي شخص، فيلجأون إلى "وضع السلحفاة" والدخول إلى القوقعة. وهذا في الأغلب لحماية قلوبهم ومشاعرهم من خيبات أمل جديدة.


كيف تتعامل مع الأمر إذا تعرضت لهجر أو اختفاء من شخص عزيز؟

الأمر ليس سهلًا على الإطلاق، ويجب أن تبدأ في التعامل معه بهدوء حتى تستعيد توازنك من جديد، فقد تعرف شخصًا لعدة أيام وتتعلق به بشدة وتبني الأحلام والأمنيات ثم يختفي. وقد يكون الأمر بعد صداقة طويلة الأمد أو علاقة عاطفية امتدت لسنوات. لذا لا تظن أن علاقة يومين قد لا تؤثر بك أو بمن تتركه إذا تحوّلت أنت إلى الشبح، كما أن العلاقة طويلة الأمد يكون تأثير قطعها مدمرًا أكثر بالطبع.

ومن الطرق التي ينصح بها الخبراء لتتعافى سريعًا من صدمتك في التعرض للهجر الاجتماعي:


الرعاية الذاتية

يجب أن تستثمر وقتًا أطول مع أصدقائك والعائلة والأشخاص المقربين، فالعزلة هي أمر خاطئ في هذه المرحلة. حاول القيام بأي نشاط يجعلك سعيدًا، ولو حتى قراءة الروايات التي اعتدت عليها في طفولتك أو مشاهدة أفلام الكرتون أو الغناء بصوت مرتفع، كما أن العلاج باليوجا يُحسِّن من المشاعر أيضًا.

ينصح المختصين بممارسة نهج شامل من تغذية صحية وتحديد أولويات النوم وممارسة رياضة خفيفة وغيرها لتقليل التوتر والاكتئاب ولا مانع من الحصول على بعض المهدئات الطبيعية من الأعشاب والحرص على زيادة هرمون الأوكسيتوسين بشدة.


مواجهة الحقيقة والحرص على التعبير عن مشاعرك بصدق

إذا واجهت نفسك بحقيقة الموقف، وأيقنت أن هذا الشخص الشبح لن يمنحك ما ترغب فيه بالفعل، سيقلّ حزنك الشديد وتنخفض صدمتك. عبّر عن مشاعرك ولا تتجاهلها، فلا تقول لنفسك أنك غير حزين على فراقه أو انقطاع الصلة به، بل يمكنك التحدث عن الأمر مع شخص موثوق أو كتابته أو تسجيل صوتك وأنت تلومه بشدة.

ولكن لا ترسل لهذا الشخص أي رسائل عتاب أو لوم لن تزيد الأمر إلا سوءًا، فيمكنك تفريغ مشاعرك في خطاب طويل ثم حرقه أو تقطيعه وإلقاؤه في سلة المهملات، فلا داعي للمزيد من استنزاف مشاعرك.


التخلص فورًا من اللوم

ليس ذنبك ولا نتيجة خطأ ارتكبته. هذا ما يجب أن تقوله لنفسك باقتناع تام، فبعد أن يختفي شخص فجأة ستشعر بالندم والإحراج والعار أيضًا، ولكن من منا لا يُخطئ؟ فلا يوجد شخص كامل ومثالي، لذا يجب أن تؤكد لنفسك أن الأمر ذنب الشخص الآخر وليس نتيجة لخطأك. وعليك أنت من ناحية أخرى الانتباه إلى الإشارات الخفية، وعادة الرغبة الشديدة في التقارب في البداية أو التجاهل الشديد قد تكون مؤشرات عليك الحذر منها، فالقلوب تتغير بين ليلة وضحاها ودون أي تفسير أيضًا.

لكن الآن حان وقت تجميع شتات نفسك وتدليلها وعدم معاملتها بقسوة، فأنت غير ملام إطلاقًا على تصرف شخص قرر الابتعاد فجأة دون أسباب، إنه دليل على عدم نضجه واضمحلال ثقته في نفسه.

ذو صلة

في النهاية، تعرضك لتجربة سيئة على يد شبح اجتماعي يعني أنه أنقذك من استكمال علاقة مع شخص قد يعاني من اضطرابات نفسية متفاوتة الشدة. ومهما كان الشخص يشعر بالرغبة في إنهاء علاقة ما سواء عاطفية أو علاقة عمل أو صداقة أو أي علاقة اجتماعية أخرى، فإن من أبجديات النضج النفسي أن يذكر لك الأسباب حتى لو لم تكن منطقية من وجهة نظرك.

وأنت.. هل تعرضت لتجربة على يد شبح؟ أو كنت نفسك الشبح الذي هجر دون أسباب؟؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة