قوانين الجمركة: حماية للاقتصاد أم عبء على التجار والشعب؟
5 د
لا تزال الكثير من الحكومات تفرض قوانين الجمركة الباهظة رغم ما يؤكده فريق قوي من الاقتصاديين عن الأضرار المتنوعة لهذه القوانين والرسوم على المستهلك والتجار أيضاً، بل والصناعة المحلية نفسها والتي تعتبر الحُجة الرئيسية لفرض مثل هذه الرسوم، والتي في بعض الأحيان تكون باهظة للغاية وتضرّ حتى بقدرة الدولة نفسها على التصدير إذا ما اتبعت الدول الأخرى سياستها نفسها في فرض رسوم جمركية باهظة.
فما الفوائد التي تجنيها الحكومات فعلياً من هذه القوانين؟ ولماذا تستمر في تطبيقها؟ وهل هناك حلول متوازنة يمكن تطبيقها للتقليل من الأضرار؟
ما الفوائد التي ترجوها الحكومات من قوانين الجمركة؟
التعريفة الجمركية هي نوع من الضرائب التي تفرضها الدولة على سلعة مستوردة عند الحدود، وهي تاريخياً من الأدوات الحكومية الأكثر قوّة لجمع الإيرادات وخصوصاً في اقتصادات الدول النامية والتي ليس لها موارد دخل قويّة أخرى، وعادة ما تؤكد الحكومات وجود عدة فوائد لفرض التعريفة الجمركية مثل:
حماية المنتجين المحليين
فكلما ارتفعت الضرائب على السلع المستوردة، فإن المواطنين يتجهون تلقائياً إلى السلع المحلية الأقل في التكلفة نسبياً مما يُشجِّع وفقا لوجهة نظر البعض من الصناعة المحليّة، ولكن ما يحدث في الكثير من الأحيان هو العكس تماماً، إذ تنخفض جودة الصناعة المحلية على اعتبار أن المواطن سيُقبل عليها في كل الأحوال دون اعتبار للجودة.
الحفاظ على توازن الميزان التجاري
وهي والحق يُقال من الميزات الأساسية لفرض التعريفة الجمركية، فتساعد تلك الضرائب في الحدّ من استيراد السلع غير الضرورية مما يُحافظ على ميزان تجاري إيجابي من خلال التحكم في تدفق السلع المستوردة وزيادة الاعتماد على البديل المحليّ والنهوض بالصناعة.
توفير فرص عمل
من خلال فرض رسوم جمركية فإن الطلب يتزايد على السلع المحليّة وبالتالي ارتفاع مستوى الإنتاج الذي يؤدي إلى خلق فرص عمل للقوى العاملة وهو الأمر الذي يؤدي إلى النمو الاقتصادي ويقلل من معدلات البطالة.
مساوئ فرض القوانين الجمركية
يؤكد الكثير من خبراء الاقتصاد أن التعريفات الجمركية تخلق تشوُّهات في السوق وهو الأمر الذي يضر بالمستهلكين المحليين بمرور الوقت، ومن أكثر العيوب الواقعية لتطبيق التعريفة الجمركية:
الحروب التجارية المدمرة
إن أي صناعة محليّة لا تعتمد فقط على الموارد الداخلية، بل تتطلب أيضا استيراد آلات ومواد خام وغيرها، ويؤدي فرض رسوم جمركية مرتفعة إلى الإضرار بالصناعة المحلية وليس زيادتها على الإطلاق.
انخفاض القدرة الشرائية
يؤدي فرض تعريفة جمركية إلى انخفاض الاستهلاك الإجمالي، وعلى الرغم من أن هذا قد يكون أحد الأسباب الرئيسية التي تفرض الحكومات من أجلها التعريفة الجمركية لوضع الاستهلاك في إطار مقبول، إلا أن زيادة الأمر يؤدي للتذمر واتخاذ تدابير غير قانونية لتوفير السلع خصوصاً في عصر العولمة والعالم المفتوح.
التهريب والسوق السوداء
أثبتت التجارب الواقعية أنه كلما زادت الحكومات من قيودها الرسمية فإنها تفتح الباب على مصراعيه للسوق السوداء والتهريب، والذي لا تحصل منه الدولة فعلياً على أدنى فائدة ويزيد من معدلات التضخم وعدم العدالة في التوزيع.
عدم الكفاءة والفساد
في الكثير من الأحيان يفتقر فرض التعريفة الجمركية إلى الشفافية، مما يؤدي إلى الرشودة والتهرب واختلاس الأموال، وبالتالي تتراجع إيرادات الدولة فعلياً من تلك الضريبة مع زيادة التكلفة على المستهلك في الوقت ذاته مما يُضاعف من الأزمات الاجتماعية والسياسية.
نماذج واقعية لفشل التعريفة الجمركية في النهوض بالاقتصاد
إن الهدف الأساسي من فرض القوانين الجمركية في النهاية هو النهوض بالاقتصاد وحمايته من البضائع غير المرغوب بها، ولكن في الكثير من الأحيان تُستخدم هذه التعريفة كأداة سياسية لإدارة العلاقات مع الدول الأخرى أو الحفاظ على مصالح أقليّة في الدولة نفسها ومنع التنافس الحُرّ، ومن أكثر الأمثلة وضوحاً على فشل تطبيق هذه السياسة:
الكساد العالمي في ثلاثينات القرن العشرين
بالتأكيد سمعت عن الكساد العالمي في ثلاثينات القرن العشرين، ويؤكد الخبراء أن القوانين الجمركية الأمريكية التعسفية كانت من الأسباب الرئيسية لهذا الكساد.
فلقد أقرّ الكونجرس تعريفة سموت هاولي في محاولة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي في فترة الكساد، ولكن رداً على ذلك رفعت الدول الأخرى تعريفتها الجمركية أيضاً مما خفّض التجارة العالمية بنسبة 66% بين عامي 1929 و1934 وفاقم من خسائر الجميع.
سياسة ترامب ضد المنتجات الصينية
بعد فترة الكساد الكبير تراجعت أمريكا تماما عن فرض تعريفات باهظة واتجهت إلى سياسة السوق الحرة وحاولت فرضها على جميع الدول حتى النامية منها، إلا أن تهديدات البضائع الصينية ومنافستها القويّة جعلت الرئيس ترامب يفرض سياسات تعسفية تجاه البضائع المستوردة منها وصلت إلى 100% على السيارات، ولكن هذا لم يمرّ بأمان، إذ أدى هذا للإضرار بالصادرات الأمريكية إلى الصين بالتبعية وتدهور أحوال المزارعين الأمريكيين وبالتالي الاضطرار لإنشاء برنامج دعم للمزارعين لمنع إفلاسهم، وقد تراجعت إدارة بايدن عن تلك السياسة إلا أن عودة ترامب من جديد ينبئ بفرض قيود متنوعة.
كيف يمكن تحقيق فوائد التعريفة الجمركية دون مخاطرها
إن التعريفة الجمركية من أكثر القوانين الاقتصادية المثيرة للجدل، والتي تعتبر سلاحاً ذو حديّن، فقد تكون لها فوائد مؤقتة أو على فئة محددة، ولكن أضرارها بالطبع أكثر على شرائح متنوعة، وقد وضع الاقتصاديون بعض الاقتراحات التي قد تتيح تحقيق فوائد هذه القوانين وتجنب مخاطرها:
- فرض رسوم جمركية معقولة: بحيث لا تكون شديدة الارتفاع لتثقل كاهل التجار والمستهلكين، وفي الوقت ذاته تسمح للسلع المحلية بالتنافس ورفع الجودة فعلياً وزيادة الإنتاج ليُقبل عليها المستهلك وهو مقتنع بجودتها وليس فقط لفارق السعر الكبير بينها وبين السلع المستوردة.
- التشجيع الحقيقي للصناعة المحلية: من خلال تسهيل إجراءات بناء المصانع وتوفير المواد الخام بأسعار جيدة ومراقبة الجودة باستمرار مما يؤدي للنهوض الاقتصادي دون الاعتماد فقط على التعريفة الجمركية.
- اتباع الشفافية: وهو الأمر الأساسي في تقبُّل المواطنين لأهمية التعريفة الجمركية، فلا يجب أن تهدف لحماية مصلحة أقليّة في الوطن والإضرار بالأغلبية، بل يجب أن تكون أهدافها واضحة تماماً سواء لحماية صناعة محددة أو منع الاستهلاك الزائد عن الحدّ لبعض البضائع أو غيرها من أسباب مشروعة وواضحة لمنع التهرب ومكافحة السوق السوداء.
وفي الختام فإن القوانين الجمركية سلاح ذو حديّن وتعتبر مساوئه -وفقا للتجارب العملية على مدار عقود طويلة ولما يؤكده خبراء الاقتصاد- أكبر بكثير من محاسنه، لذا يحتاج التطبيق إلى توازن شديد الدقة لمنع الرشوة والفساد والتأكد من حصول الدولة والاقتصاد على أي فائدة منها، حتى لا يتحول الأمر إلى عبء فقط على المواطنين والتجار مما يزيد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وأيضاً هروب رؤوس الأموال الساخنة وغيرها، ويقلل من فرص النمو الاقتصادي الحقيقي والذي يجب أن يكون الهدف طويل الأمد لأي إجراءات أو قوانين اقتصادية مهما كانت قاسية في بدايتها.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.