أليس الطعام متعة؟ لماذا إذن نأكل بسرعة ونرغب بالتسلية خلال وجباتنا؟
6 د
لا أحد على الإطلاق يكره الطعام، قد تعاف نفسك بعض المأكولات أو المشروبات أو تتعرض لمشكلات صحيّة من بعضها، لكن الطعام من وسائل المتعة الأساسية في حياة الكائنات الحيّة عموماً والإنسان خصوصاً ومن أنواع الشهوة المعروفة، ولكن رغم أن الجميع يحب تناول الطعام إلا أننا نجد صعوبة شديدة في تناوله ببطء، رغم أن المنطق يقول طالما أنك تستمتع بشيء سوف تحب أن تمارسه لفترة أطول.
ولكن الأغرب أن البعض منا لا يحلو له تناول الطعام إلا أمام شاشة التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية، وقد يترك طعامه يبرد فعلياً إذا لم يجد ما يتناسب مع ذوقه خلال تناول الطعام، ونحن هنا لن نتحدث عن الطعام الصحي من خضراوات وفواكه وحبوب كاملة، ولكن نتحدث عن الطعام الذي تعشقه بالفعل وتطيب نفسك معه.
لماذا نرغب في تناول الطعام بسرعة شديدة ونحب التسلية وتشتيت الانتباه خلال وجباتنا؟
نحن لا نأكل فقط لإشباع حاجة جسدية أو فيزيائية، بل يلجأ الكثيرون منا إلى الطعام لتحقيق الراحة أو تخفيف التوتر أو مكافأة أنفسنا، ومن أهم الأسباب النفسية لتناول الطعام بسرعة والحرص على التسلية خلاله وفقاً لعلماء النفس:
زيادة المتعة
نعم، فالطعام ممتع كما ذكرنا ولكن طمع الإنسان يجعله دائماً في رغبة لزيادة هذه المتعة، لذا يأكل سريعاً جدا للحصول على أكبر قدر من الدوبامين في وقت قليل، وتُضيف مشاهدة التلفاز متعة إضافية من خلال خلق تجربة متعددة الحواس تشمل السمع والبصر ورائحة الطعام مع التذوق، وإذا أضيف لها شريك مثالي تتحدث معه أو تتبادلان الملامسات فإنك تحصل على تجربة حسيّة كاملة، ومن المعروف أنه كلما كانت التجربة متعددة الحواس كان تأثيرها أكبر سواء بالسلب أو بالإيجاب.
الأكل العاطفي
وهو استخدام الطعام لتلبية حاجة عاطفية وليس فيزيائية على الإطلاق، فمعدتك هنا ليس لها أي علاقة بشعورك بالجوع، ويتسم الأكل العاطفي بتناول الطعام سريعاً للغاية قبل أن تشعر بالذنب، وتتنوع أسباب الأكل العاطفي من الشعور بالتوتر إلى الغضب وأيضا الملل أو القلق، وهي أمور كلها نعاني منها جميعا، ولكن ليس الحل المناسب لها على الإطلاق هو تناول الأكل بسرعة لعلاج المشاعر، فالأمر يزداد سوءا ويرتفع إحساسك بالذنب، وبالتالي الغضب والتوتر وغيرها وتظلّ في هذه الدائرة المفرغة.
إن التوتر والقلق والملل يُحفِّز الكورتيزول الذي يرفع الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة المالحة والحلوى والمقليّات، فهي الأطعمة التي تزيد من الطاقة والمتعة، وكلما ارتفع التوتر زاد إقبالك على تناول الطعام سريعا في محاولة للحصول على المزيد من المتعة ولكن هذا لا يحدث.
تجنب الشعور بالمتعة المذنبة
نمط حياتنا أصبح سريعاً للغاية، ونرغب في ممارسة أكثر من نشاط في الوقت ذاته لزيادة شعورنا بالإنجاز، لذا قد تأكل سريعاً للغاية حتى لا تُضيع أي وقت، كما أن الكثيرين يشعرون بالذنب من "المتعة" لذا تعتبر مشاهدة التلفاز أو الأكل السريع وسيلة لديهم لتقليل هذا الشعور بالذنب.
الاجهاد وضيق الوقت
نتيجة هذا النمط المتسارع من الحياة فإن الكثيرين لا يكون لديهم وقت بالفعل لممارسة أنشطة مريحة للنفس، لذا يرغبون في جمع كل الأنشطة المريحة والتي تسعدهم في وقت واحد، فيتحدثون مع أحبائهم، ويأكلون ويشاهدون برامجهم المفضلة، في محاولة للحصول على قدر أكبر من السعادة، ولكن هذا للأسف لا يحدث، بل فقط الانتفاخ والشراهة الشديدة ومتاعب المعدة.
هل عليك التوقف عن تشتيت الانتباه خلال الطعام والتركيز على تناوله ببطء؟
نعم، والآن ودون انتظار أي لحظة واحدة، فإذا لم تبدأ الآن في تناول الطعام بطريقة شديدة الوعي وبأكبر قدر من البطء، فأنت تعرض نفسك لمجموعة متنوعة من المخاطر الصحية، والتي تبدأ بزيادة الوزن وأمراض القلب والسكري فضلاً عن ضعف المناعة مما يجعلك تستجيب أسرع للفيروسات المتنوعة مع صعوبة شديدة في التخلص منها.
وللأمانة فإن تغيير عاداتنا والبدء في تناول الطعام ببطء والابتعاد عن الشاشات خلاله ليس بالأمر السهل على الإطلاق، بل حتى أشد المقتنعين به يجدون صعوبة قويّة في تنفيذه، لذا عليك تدريب نفسك وعدم اليأس، ومن أهم ما يساعدك على تناول الطعام بوعي أكثر:
التفرقة بين الجوع العاطفي والجوع الحقيقي
الجوع العاطفي يأتي لك فجأة ويجعلك ترغب في تناول مأكولات محددة وليس أي شيء، وغالبا ما تشتهي وقتها الحلوى والسكريات أو النشويات، كما يجعلك تأكل سريعاً للغاية قبل أن تُدرك أنك لست في حاجة فعلية إلى الطعام ولكن تحتاج إلى تفريغ مشاعرك.
ولكن الجوع الحقيقي يأتي بالتدريج وسوف يكون أي طعام كافياً لتحقيق الرضاء قبل الامتلاء الكامل، عكس الجوع العاطفي والذي لن تتوقف عنه قبل أن تشعر بألم في أمعائك بالفعل!!
خذ 5 دقائق في التفكير قبل تناول الطعام
بدلاً من أن تشتت انتباهك خلال تناول الطعام، حاول أن تشتت انتباهك قبل الطعام نفسه لمدة 5 دقائق فقط أو حتى دقيقة، فأنت هنا لا تقول لعقلك أنك ممنوع من الطعام، لأن كل ممنوع مرغوب بشدة، بل تؤكد له أن عليه فقط الانتظار لـ5 دقائق، فهذا يمنعك من التهام نصف علبة الآيس كريم دون وعي أو تناول بيتزا حجم كبير في ثوانٍ دون أن تشعر.
تعلم إدراك مشاعرك وقبولها مهما كانت سيئة
لا تكبح مشاعرك مطلقا، فهذا يجعلك تلجأ للطعام السريع في محاولة للشعور براحة مؤقتة، فإذا كنت مكتئباً أو حزينا احرص على وجود شخص تتحدث معه أو حيوان أليف، وإذا كنت متوترا فمارس أي نشاط بدني ولو كان الجري في المكان لمدة دقيقة أو 5 دقائق، وإذا كنت مرهقا فتناول مشروب ساخن، أما الملل فيمكنك التغلب عليه بلقطات كوميدية أو الوقوف في الشرفة ومراقبة الطريق أو التمشية الخفيفة.
وتأكد أن النشاط البدني مهم للغاية في التغلب على التناول السريع للطعام وإدارة مشاعرك، وهو هنا لا يتطلب التزاما يوميا صارما، بل أقل دقائق مع ممارسة التنفس العميق سوف يُشعرك بتحسن تدريجي تراه في نفسك وفي مدى إقبالك على الطعام.
احرص على الاسترخاء لمدة من 30-60 دقيقة يوميا
مجرّد الاستلقاء في الفراش دون أي نشاط، والحرص على النوم العميق يقلل من اشتهاء الجسم للسكريات، فهذه الشهوة تنتابك للحصول على الطاقة، ولكن يمكنك شحن بطاريتك بتحديد وقت صارم للاسترخاء دون أي مسؤوليات اجتماعية أو وظيفية على الإطلاق، مع الحصول على إجازتك الأسبوعية كاملة، فهذا يعزز من نشاطك عن تجربة حقيقية لبقية الأسبوع ويقلل من الاجهاد ويجعلك تتغلب أكثر على المشاعر السلبية.
تناول أي نوع من الخضراوات قبل أي نوع من الطعام
إذا وجدت في نفسك رغبة شديدة لتناول الطعام فحاول البدء بأي نوع من الخضراوات والأفضل أن تكون صلبة مثل الجزر والخيار والفلفل وغيرها، فهي تجبرك على تناول الطعام ببطء ومضغه جيداً، وتنبه عقلك لوجود طعام في الطريق، وهذا قبل تناول أي شيء حتى السكريات، وذلك حتى لا تُكثر منها فوق حاجتك الفعلية منها، بل تُرضيك بالفعل أقل قطعة منها.
إن التدرب على تناول الطعام ببطء لن يأتي فجأة، ويتطلب عدة تغييرات لتفريق التوتر وممارسة أنشطة أخرى تزيد المتعة بحيث لا يكون الطعام هو مصدر الاسترخاء الوحيد فتحتاج لتناوله بسرعة لزيادة الدوبامين، فابدأ بالتدريج وتأكد أن متعتك سوف تزيد مع أقل قدر من الطعام بعد فترة قليلة مع انعدام أي مشاعر بالذنب تنتابك بالفعل بعد الكثير من الوجبات.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.