تريند 🔥

📱هواتف

غزو الفضاء الخارجي .. إهدار لمليارات الدولارات أم نظرة للمستقبل؟

غادة الجوهري
غادة الجوهري

8 د

أول بعثة فضائية -بعثة أبولو- كانت الخطوة الأولى للوصول إلى سطح القمر، ولطالما كان الفضاء ومحاولة فهم ما يحدث خارج غلافنا الجوي أمرًا يشغل عقول الكثير من العلماء في محاولة الكشف عن أسراره، تمامًا كما شغل العديد من الأدباء والنقاد، وأثار الرأي العام في إذا ما كان من من الضروري حقًا السعي لاستكشاف الفضاء، أم أن هناك قضايا وأمور هنا على سطح الأرض قد تستحق ذلك الاهتمام والقدر الكبير من المال الُمكرس للكشف عن المجهول؟



استكشاف الفضاء سباق قائم بين الدول والحضارات

استكشاف الفضاء بتعريف بسيط هو تسخير التكنولوجيا والموارد المختلفة لمساعدة الطاقات البشرية في الحصول على معلومات حول ما يدور خارج الغلاف الجوي على سطح الكواكب والنجوم وداخل المجرات الأخرى حولنا، واستكشاف الفضاء لم يكن أبدًا غاية أو رغبة حديثة في نفوس الغرب كما قد يتخيل البعض، بل إن محاولات معرفة الغموض القائم في السماء كانت رغبة قديمة ومترسخة في نفوس البشر منذ قديم الأزل، فالبعض قد يرجعها إلى العصر الروماني، ويدعى البعض الآخر وجود رسومات تدل على محاولات الفراعنة استقصاء السماء والكتابة عن أمور الفلك والفضاء.


لطالما كان استكشاف الفضاء مثيرًا للجدل

في عام 1898 ميلاديًا كتب المؤلف والروائي الإنجليزي اتش. جيه. ويلز -المعروف بحبه للخيال العلمي- رواياته الأولى عن الفضاء (حرب العوالم)، ثم رواية (أول رجل على الفضاء) سائرًا على خطى الكُتّاب من قبله في محاولة وصف الفضاء كما تخيله العلماء من خلال التلسكوب آنذاك، وألهم الكاتب الكثير من علماء الفيزياء والفلك في السعي إلى استكشاف ذلك العالم أكثر، متحدين بذلك تعاليم الكنائس والسلطات بترك الحديث عن الفضاء، والبحث في الأمور التي تدعو الشباب إلى الإلحاد والبعد عن الرب، ولكن بالطبع لم يوقف ذلك العلماء عن السعي في الكشف عن المجهول، فكتب العالم الروسي "قنسطانتين تسيولكفوسكي" مقالة بعنوان (استكشاف الفضاء الكوني باستخدام أجهزة التفاعل)، الذي وضع أساسيات السفر إلى الفضاء، وصناعة الصواريخ لعلماء الاتحاد السوفيتي وأمريكا، ليصبح حلم السفر إلى الفضاء حقيقة. 

ولم يتوقف استكشاف الفضاء عن إثارة الجدل بعد التخلص من المعتقدات القديمة كونه أمرًا مخالفًا للأديان وتعاليم الكنيسة، بل انتقل الخلاف بعد ذلك من الناحية الدينية والسلطوية إلى الناحية الأخلاقية والاقتصادية، مما جعل الكثير من الناس يشكك في مدى أهمية سيرنا فوق القمر على أية حال.



هل غزو الفضاء إهدار لمليارات الدولارات؟

دائمًا ما تكون ميزانيات استكشاف الفضاء ضخمة مقارنة بزمنها الاقتصادي، ففي عام 1957 ميلاديًا، عام خروج بعثة أبولو11 الأشهر على الإطلاق في تاريخ اكتشاف الفضاء، كانت الميزانية التي وضعت لتغطية تكاليف مشاريع الفضاء 44 مليون دولارًا، خُصص منها 24 مليون دولارًا فقط للبعثة، وذلك كي يتمكن نيل أرمسترونج من وضع علم أمريكا على سطح القمر!

وفي عام 2021 ميلاديًا، بلغت تكلفة ميزانية استكشاف الفضاء وأبحاث ناسا، حوالي 23.3 مليار دولار، وأثار ذلك غضب الكثير من الناس، لأن كل تلك الأموال التي أُنفقت في الفضاء، كان يمكن إنفاقها على مشاكل أكثر أهمية وضرورة كمشاكل المناخ، والمجاعات، والبطالة وغيرها الكثير من مشاكل جلية تواجهها الحكومات والشعوب.

وتوجد مشكلة الاحتباس الحراري ثاني أكثر ظاهرة وكارثة طبيعية يعاني منها البشر على كوكب الأرض حاليًا، ومشكلات انهيار الاقتصاد العالمي، التي تهدد بحروب عالمية ثالثة ورابعة أو أبشع من ذلك إذا لم تُحتوى في أقرب وقت ممكن. 

ولا يكمن الجدل حول إمكانية إنفاق مثل هذه الأموال على شؤون دولية أهم فقط، بل يقيم الكثير من الناس حجتهم بما تقوم به وكالة ناسا من هدر للأموال والأرواح في مشاريع ضخمة، وذلك بعد ما نشرت نيويورك تايمز تقريرًا صحفيًا كشفت فيه عن خسارة أمريكا 3.5 مليار دولار في مشروع (تشالنجرchallenger) عام 1986 ميلاديًا، فضلًا عن الغضب الشعبي إثر موت رواد الفضاء السبع الذين كانوا بداخل المكوك الفضائي بعد 73 ثانية فقط من إقلاع المكوك فوق المحيط الأطلنطي، كما أن نجاح بعثات الفضاء نسبي، فمشروع أبوللو 12 لم يكن ناجحًا كما كان سابقه، وفشل في إكمال ما بدأه أبوللو 11.  



هل غزو الفضاء نظرة للمستقبل حقًا؟

في كتيب ناسا تستعرض وكالة الفضاء العالمية فوائد السفر واستكشاف الفضاء من جميع النواحي، فمن خلاله توضح وكالة ناسا كافة النواحي الإيجابية من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أحدثه اكتشافنا للعالم الخارجي، إلى الأثر الاقتصادي والاجتماعي الجيد الذي أحدثه مجال الفضاء المُستحدث مؤخرًا ضمن مجالات الصناعة المختلفة، سوف نحاول معًا تلخيص أهم النقاط التي جاءت في الكتيب، حتى نستطيع تحديد ما إذا كان اكتشاف الفضاء ضروري حقًا أم لا.

قسم الكتيب المكاسب التي حققها اكتشاف الفضاء إلى قسمين: مكاسب مباشرة ومكاسب أخرى غير مباشرة

تشتمل المكاسب المباشرة من عمليات استكشاف الفضاء على عدة أمور مثل: المعلومات التي اكتشفناها عن الكواكب والمجموعات الشمسية من حولنا، والقدرة على تطويعها في دراسة المناخ والطقس على الأرض، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية والظواهر الغريبة التي يمكن رؤية أثرها داخل الغلاف الجوي، كارتطام النيازك والشهب وغيرها، بالإضافة إلى: 

  • إلهام البشر والقدرة على خلق آفاق جديدة للإبداع والتميز.
  • تحسين الكفاءة والدقة داخل محيط العمل.
  • فتح سوق اقتصادي جديد فيما يخص شؤون الفضاء وآلاته ومعداته.

أما المكاسب الغير مباشرة فتشمل:


التقدم التقني والتكنولوجي

في الطريق لاكتشاف الفضاء، أتى العلماء بالكثير من النظريات العلمية والاختراعات لجعل النجاة خارج الأرض أمرًا ممكنًا، وفيما بعد تحولت أعمال الفضاء تلك إلى أجهزة واختراعات يستخدمها الإنسان يوميًا في منزله، ومن الاختراعات التي ساهم اكتشاف الفضاء في خروجها إلى النور:

  • وصول ألواح الطاقة الشمسية إلى شكلها وكفاءتها الحالية.
  • أجهزة مراقبة نبضات القلب القابلة للزراعة.
  • علاج السرطان بالإشعاع.
  • كاميرات الهواتف الذكية.
  • برامج النظام العالمي للبحث والإنقاذ.

وغير ذلك الكثير من الاختراعات الطبية والتقنيات الحديثة.


التطور الفكري والثقافي

أثرت كل تلك الاكتشافات والأخبار المذهلة التي تأتي كل يوم عن روائع الفضاء، إلى الحد الذي جعل الكثير من الأشخاص يبدعون في أعمالهم الفنية والثقافية، فازدهرت من خلاله صناعة السينما والتلفزيون في صورة أعمال فنية خالدة كسلسلتي (ستار تريك Star Trek) و (ستار وورز Star Wars)، بالإضافة إلى ألعاب الفيديو، واللوحات الفنية، والروايات والقصص المصورة، لأن الفضاء خلق عوالم جديدة تمكن من خلالها خيال الكتاب والفنانين من إبداع مشاريع فنية لا تُنسى.


التعاون العالمي لحل مشاكل المناخ والكوارث الطبيعية

إن مخاطر الفضاء قادرة على إفناء المخلوقات وإعادة تشكيل العالم، مثلما حدث من مليارات السنين عندما أدى اصطدام  نيزك واحد بالأرض إلى فناء الديناصورات وأنواع مختلفة من الطيور والبرمائيات، وهو الأمر الذي أُعيد الانتباه إليه عندما سبب انفجار أحد النيازك فوق سماء روسيا عام 2013 ميلاديًا ضررًا هائلًا أدى إلى انهيار 4000 مبنى، وإصابة أكثر من ألف شخص، وذلك فقط من خلال غبار انفجار النيزك الذي لحسن الحظ لم يتمكن من دخول غلافنا الجوي، وأدت تلك الحادثة إلى إحداث تعاون عالمي بين الدول في سبيل تكوين تحالف رسمي لحل مشاكل المناخ والكوارث الناتجة عن الفضاء، وذلك استكمالًا لأهداف اتفاقية محطة الفضاء الدولية International Space Station في التعاون بين الدول لاستكمال أبحاث الفضاء، وهي اتفاقية أقيمت منذ ثلاثين عامًا بين 68 دولة مختلفة.



أموال استكشاف الفضاء تؤخد من جيوب الناس

كم سبق الذكر، في عام 2021 كانت ميزانية استكشاف الفضاء وتمويل وكالة ناسا 23.3 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل %0.5 من مصروفات الدولة، أي ما يعادل 71 دولار يدفعها كل مواطن أمريكي من قيمة ضرائبه، وفي عامنا الحالي تطمح حكومة بايدن -التي تولي أبحاث الفضاء اهتمامًا شديدًا- إلى زيادة هذا الرقم بنسبة %8، ليصل إلى 27.2 مليار دولار بحلول عام 2024. 

في استطلاع رأي أقيم مؤخرًا في كافة أنحاء أمريكا، وجد أن %30 من الشعب الأمريكي لا يهتم مطلقًا بأبحاث الفضاء، وفي استطلاع آخر أُقيم على إحدى مواقع استطلاع الرأي YouGov في أمريكا،  سُئل فيه الأشخاص إذا كانوا يدعمون فكرة دفع %1 زيادة للضرائب حتى يتمكن رواد الفضاء في ناسا من العمل دون تمويل روسي، وافق %39 فقط بينما تراوحت النسبة الباقية بين معارض وغير متأكد من صحة القرار. 


المغزى الأعمق لاستكشاف الفضاء: البحث عن الحقائق الكونية والإنسانية

استكشاف المجهول كان رغبة كامنة في نفوس البشر دائمًا، فكلما فهم الإنسان العالم من حوله أكثر، استطاع فهم دوره في الكون، وأهميته بين سائر المخلوقات، وتلك الرغبة هي ما تدفعنا بقوة نحو مغامرات في البر أو البحر نحو المجهول، وهي ذاتها التي تدفعنا لاستكشاف السماء وكل ما هو غامض بالنسبة إلينا.

ذلك ما جعل العلماء يتحدون أوامر الكنائس في قمع غرائزهم البشرية الطامحة إلى المعرفة والاستقصاء، وكلما تطور فهمنا للطبيعة والكون من حولنا، تطورت معه حضارتنا وأدبنا الذي يعكس التقدم والتطور الذي وصلنا إليه. 

فالإنسان -منذ قديم الأزل- كالولد الذي يبحث عن أصوله وجذوره في الطبيعة الأم، وكلما تعمق أكثر في بحثه، ميز دوره وطبيعته المميزة عن باقي المخلوقات الأخرى.

ومن خلال الفضاء استطاع الإنسان إدراك مدى عظمة هذا الكون، وصغره هو في المقابل، وكيف أبدع الخالق صنعه إلى الحد الذي يحتاج مئات السنين لاكتشاف جزء بسيط فقط من عظيم خلقه في السماء.

في النهاية، يرى الكثير من العلماء ضرورة السفر إلى الفضاء كونه قد يكون الأمل في نجاة البشرية في أوقات مظلمة تؤدي فيها الزيادة السكانية إلى انتهاء الحياة على الأرض، إذ صرح إيلون ماسك -مالك شركة SpaceX لصناعة صواريخ الفضاء- في إحدى المقابلات عن وجود مؤشرات جيدة لإمكانية نجاة البشر فوق المريخ، كما تتبنى ناسا صناعة مكوكات فضائية قابلة للحياة خارج الغلاف الجوي.

 أما الرأي المعارض فقد يتضح في وصف المؤرخ البريطاني ارنولد جاى بعثات الفضاء المستمرة بينما يموت الآلاف على كوكب الأرض "الوصول إلى القمر ما هو إلا فجوة كبيرة بين التقنية والأخلاق". 

ذو صلة

من ناحية أخرى يجادل الكثير من الناس حول وجود ما يكفي من المال للاثنين، وأن محاولات إحباط التقدم الحضاري والتكنولوجي الناتج عن السفر إلى الفضاء، ما هو إلا أمر مشابه لما حدث مع إيزابيلا ملكة إسبانيا عند تمويلها حملة كريستوفر كولومبس التي أدت إلى اكتشاف الأمريكيتين منذ خمسة قرون. 

ويظل استكشاف الفضاء ملفًا شائكًا ينبغي الرجوع إليه باستمرار لنرى ما آلت إليه الأمور، وهل خرجت مشاريع الفضاء عن السيطرة أم مازالت الأموال والجهود توضع في نصابها الصحيح؟ برأيك عزيزي القارئ هل يستحق استكشاف الفضاء حقًا كل ذلك الجهد والمال؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة