كاتبات عربيات كسرن قيود الهيمنة الذكورية والتقاليد البالية للمجتمع الشرقي
وحتى بعد أن أعطت الدول العربية المرأة إصلاحات اجتماعية -عقب الحرب العالمية الثانية– تُمكّنها من الانخراط في العديد من المجالات المختلفة، بيد أن القلم النسائي لا يزال يُعامل معاملة خاصة. وستظل قضية “هو وهي” من أهم القضايا الأزلية المثيرة للجدل على مستوى الشرق الأوسط، كنظيرتها قضية “نحن وهم” على المستوى العالمي. ولكن هل حقًا ميدان الأدب مقتصر على الجنس الذكوري فقط؟
اقرأ أيضًا:
نحن نساء لا أشياء: عن الصور المبتذلة للنساء ضمن الإعلانات التجارية
كاتبات عربيات كسرن قيود المجتمع
هذا ما ستجيب عنه الكاتبات العربيات اللاتي كسرن القيود التي وضعها المجتمع الشرقي باسم الهوية الدينية وأثبتن أن الإبداع في عالم الأدب لا يتقيد بجنس ولا يمكن فرض الحواجز والقيود عليه بأي شكل من الأشكال.
نوال السعداوي – مشروع التمرد النسائي
نوال السعداوي هي كاتبة وناشطة نسوية مصرية وهي أشهر من دعا لقضية تحرير المرأة وأعلن العصيان والتمرد ضد ما وصفته بـ “المجتمع الذكوري”. بدأت مسيرتها في التمرد على قيود المجتمع منذ طفولتها والذي ورثته عن أبيها؛ حيث حاولوا تزويجها في سن العاشرة من عمرها ولكنها رفضت.
ورغم كرهها للأطباء، إلا أن نوال السعداوي اختارت الالتحاق بكلية الطب بإرادتها حيث رأت أنها إذا أصبحت طبيبة فستنال قدرًا من الاحترام والتقديس الذي كانت تشعر به في عيون والديها وأهل قريتها كلما رأوا طبيبًا. عملت في وزارة الصحة وأصدرت مجلة الصحة التي كانت تنشر فيها آراءها وأفكارها بلا قيود، ولكن سرعان ما أغلقت المجلة وأقيلت من منصبها في وزارة الصحة وطاردتها الحكومة المصرية.
كان ذلك في صيف عام 1968 عقب إصدارها كتاب “المرأة والجنس” الذي كان صاعقًا للمجتمع العربي المحافظ بأكمله. صادرته الحكومة المصرية هو وبعضًا من كتبها ومنعت تداولها في المكتبات لعدة أعوام.
ورغم ذلك لم يمنعها أي شيء من مواصلة ثورتها، ففي عام 1981 انتقدت حكم الرئيس الراحل أنور السادات، وأعلنت رفضها لاتفاقية “كامب ديفيد” علنًا، مما أدى إلى اعتقالها وسجنها بعد خطاب الرئيس، وأُطلق سراحها بعد شهر من اغتياله عام 1982.
وبقلم الكحل وورق التواليت، كتبت “مذكراتي في سجن النساء”. حذَّرها مأمور السجن من خطورة الورقة والقلم في السجن حيث يُعد القلم في العنبر أخطر من الطبنجة، وهنا لمعت عيناها وأخبرت المومس التي كانت معها في السجن عن حاجتها إلى قلم وورقة، فأحضرت لها قلم كحل ولفة ورق تواليت. وهكذا خرجت بـ “مذكراتي في سجن النساء“، شاكرة السادات للتجربة التي وضعها فيها التي تحولت من تجربة شقاء ومعاناة إلى تجربة إبداع.
وعام 1987 نشرت رواية “سقوط الإمام” التي استلهمت بطلها من شخصية الرئيس أنور السادات. ورغم حظرها في العالم العربي، إلا أنها ترجمت إلى 14 لغة مختلفة، ولاقت نجاحًا كبيرًا في العالم الغربي.
اشتهرت نوال السعداوي بكتاباتها عن حقوق الإنسان بشكل عام وعن المرأة بشكل خاص. واختارتها مجلة “Time” الأمريكية ضمن أكثر 100 امرأة تأثيرًا في العالم لعام 2020م، وصنفتها جريدة “The Guardian” البريطانية بأنها من أفضل 5 روائيات وكاتبات في قارة أفريقيا عام 2018.
ستظل نوال السعداوي من أكثر النساء إثارة للجدل ولا يمكن لأحد أن يتخد منها موقفًا وسطًا، فإما أن تتفق معها كليًا أو تختلف معها كليًا.
غادة السمان – الباحثة عن الحرية
غادة السمان هي أديبة وشاعرة وصحفية سورية ذات توجهات يسارية وليبرالية غربية في نفس الوقت. كان انتماؤها الوحيد هو الحرية وكانت تملك من الجرأة قدرًا لا تملكه المرأة العربية آنذاك، فثارت على العادات والتقاليد وتحدّت الظروف وقيود المجتمع، وكتبت عن معاناة المرأة العربية وعن الصراع العربي الفلسطيني والحروب الأهلية في بلادها.
لم تقتصر كتاباتها على قضايا المرأة وحسب، بل كتبت بقلم راقٍ في مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية. وخرجت بـأدب متفرد ومختلف عن مشاكل المرأة المعتادة والمتكررة.
غادة السمان
طاردتها المخابرات السورية وسُجنت عام 1966 لمدة ثلاثة شهور لآرائها السياسية، ثم غادرت سوريا بدون تصريح واستقرت في بيروت. وكانت لهزيمة 1967 أثرًا قويًا في نفس غادة السمان والعالم العربي بأسره، مما دفعها لكتابة مقالها الشهير “أحمد عاري إلى لندن” وتم تحذيرها من استخدام مصطلح “النكسة”.
لم تجر غادة السمان مقابلة تلفيزيونية بعد المقابلة التي أجرتها في القاهرة بعد أن عرفت أن المحاور لم يقرأ أيًا من أعمالها.
اقرأ أيضًا:
حسن العواقب والكتابة النِسوية: حكاية أول رواية عربية في تاريخ السرد العربي!
كوليت خوري – الفارسة الشجاعة كما وصفتها غادة السمان
تأرجح قلم الكاتبة والشاعرة السورية كوليت خوري بين العربية والفرنسية، فكان أول عمل لها “عشرون عامًا” كتبته حين أتمت عامها العشرين وهو عبارة عن عشرين قصيدة باللغة الفرنسية. وعندما عرضته على والدها أخبرها بأنه كان سيكون ذا أهمية أكبر إن كان باللغة العربية. فصممت أن يكون عملها الثاني باللغة العربية.
وكان في كتابها الثاني “أيام معه” كتبت بجرأة عن تجربة حبها مع الشاعر نزار قباني، وهو الأمر الذي كان محرمًا في المجتمع السوري المحافظ وقتذاك. وكانت بطلة الرواية امرأة جريئة وقوية لم يهزمها الحب أو يضعفها، وعبرت عن آرائها ومعتقداتها إزاء المرأة والزواج من خلال هذه الشخصية.
كوليت خوري
ولها أعمال وطنية وسياسية مثل “دمشق بيتي الكبير” والذي أثر في نفوس الكثير من السوريين، ونشرت مذكرات جدها المفكر السياسي ورئيس الوزراء السوري الأسبق فارس خوري عام 1987 بعنوان “أوراق فارس خوري”.
كانت كوليت خوري اسمًا كبيرًا في عالم الأدب النسائي ونافست غادة السمان في الأدب والحركة النسوية السورية في ستينيات القرن الماضي. أما عن حياتها السياسية، فقد انتخبت لمجلس الشعب لدورتين على التوالي وعينها الرئيس السوري بشار الأسد مستشارة أدبية له، كما أنها أول سفيرة لسوريا في لبنان.
آسيا جبار – الكاتبة المقاومة
آسيا جبار هي كاتبة ومخرجة جزائرية عرفت بنضالها المستمر في الحركة النسوية في الأدب، وهي أول عربية تفوز بجائزة السلام الألمانية، وأول عضو عربي في أكاديمية اللغة الفرنسية – وهي أكبر مؤسسة تهتم بتراث اللغة الفرنسية. ورشحت للفوز بجائزة نوبل في الأدب عام 2009.
استعارت اسم آسيا جبار لتنشر روايتها الأولى “العطش” عام 1957 خوفًا من غضب أبيها من محتواها، وهي رواية تناقش الخيانة والإغواء داخل الطبقة الجزائرية العليا. أما اسمها الحقيقي فهو فاطمة الزهراء. رغم ذلك يعتبر نشرها لهذه الرواية هو في حد ذاته شجاعة.
آسيا جبار
كتبت عن الموت والحرب والمرأة، ففي رواية “أطفال العالم الجديد” تحدثت عن دور المرأة في استقلال الجزائر وتحريرها من الاحتلال الفرنسي، ونشرت بعدها “القبرات الساذجة” وهي رواية عن كفاح الحركة النسوية في الجزائر. وفي عام 1980 كتبت “نساء الجزائر في مخدعهن” ناقشت فيه حال الجزائر بعد الاستعمار وانعدام المساواة بين الرجل والمرأة.
أما عن دورها في السنيما، ففي عام 1978 أخرجت أول تجربة سينمائية لها وهو فيلم “نوبة نساء جبل شنوة” الحائز على جائزة النقد العالمي من مهرجان البندقية الدولي، وعام 1982 أخرجت فيلمها الشهير “زردة أو أغاني النسيان” الحائز على جائزة أفضل فيلم وثائقي ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي.
سلوى بكر – مناصرة المهمشات
ربما تجدها غريبة بعض الشيء، فالناقدة المصرية سلوى بكر قدمت لنا أدبًا مختلفًا وهيمنت على كتاباتها النساء المهمشات في المجتمع العربي مثل الأرامل والمنبوذات من المجتمع والوحيدات، واتخذت من النساء اللواتي أصبح لهن سوابق إجرامية بطلات لرواياتها، فهي ترى أن نساء خارج دائرة الضوء مثل هؤلاء النساء ما زال لديهن أمنيات. فكانت بمثابة صوت لكل من ليس لها صوت.
وسبب ابتعاد سلوى بكر عن الناشطات النسويات هو أنها ترى أنهن مختلفات عنها وعن النساء المصريات في أسلوب حياتهن وطريقة تفكيرهن، فهؤلاء الناشطات بالنسبة لـسلوى بكر سيدات من الطبقة العليا الغنية التي تمثل 1% من المجتمع قبل كل شيء. حصدت أعمالها العديد من الجوائز الدولية منهم جائزة دويتشه فيله الألمانية ولكنها لم تحصد أي جائزة أو تقدير من بلدها.
قضت سلوى بكر فترة قصيرة بالسجن لمشاركتها في إضراب عمال الحديد والصلب عام 1989، وكانت السجينة السياسية الوحيدة بين سجينات جنائيات، وكان لاختلاطها بهن عامل كبير في كتابة رواية “العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء” التي تتناول عالم السجن النسائي، وارتباطه بوضع المرأة في المجمتع.
وأخيرًا.. ستطول بنا القائمة كثيرًا إن ذكرنا جميع الكاتبات العربيات اللاتي كافحن في رحلتهن الأدبية بأقلامهن النسوية الجريئة رغم الصعوبات وتحديات المجتمع، حيث عبرت كل منهن عن قضيتها بطريقتها الخاصة وأجوائها الأدبية المميزة.
لك أيضًا:
الكتب الـ100 الأكثر مبيعًا في الوطن العربي: كتب جديرة بالقراءة في 2021
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.