أغرب طقوس الكتابة عند أشهر الأدباء: عن كواليس النصوص والوجه الآخر لها
15 د
يُسلّط المقال الضوء هذه المرة على أغرب طقوس الكتابة عند أشهر الأدباء والكُتاب والتي رافقتهم في رحلتهم الأبدية نحو صناعة الكلمات، ويعرج على صورة هذا الفعل القدسيّ الذي لطالما عرى عن الجراح فأحسن وصفها، وسخّر لذلك مدادًا من حبرٍ ومدادًا من ألم.
البدايةُ إذًا من محرابِ صوفيٍّ عاشق، أما المنتهى فعند الكتابة. طريقٌ طويلٌ فاصل، يتجلّى الثاني منه في نفحات الأول: يعيش صاحبنا المبتهلُ طلقًا بين مسارات الحب ومحطات الوصول، وتأتي الثانية بقدسية الحرف الذي يتلو صلاة الكلمات في حضرة الكلمات.
ولأنّ الكتابة كما الصوفية -تكاد تكون- ضربًا من الجنون، ولأن بينها وبين العبقرية خيط أرفع من خيوط العنكبوت على ملة جبران خليل جبران، فقد تصاحبها مجموعة من الطقوس التي يألفها أهلها وتبدو عاديةً بالنسبة لهم، ويستنكرها غيرهم ويرونها غريبة. في الكتابة سرّ، لا يفقهه الغافلونَ، “نُونْ، والقلمِ وَمَا يَسْطُرُونَ”.
في البدء كانت الكلمة
تختلف مدارج الكتابة وتجلياتها عمومًا من كاتب إلى آخر، كما تختلف الغاية منها. هي في الكثير من الأحيان رسالةٌ، وفي أحيان أخرى نزيف لا يتوقف. لكنها في الأحوال كلها خيط مرتبط بمعاني الجنون والغرابة وشيء من العبثِ وكثير من العبقرية في التجسيد.
الكتابةُ طقسٌ استثنائيٌّ لا يمكن لصاحبه أن يكون شخصًا عاديًّا، بل كيف يمكن لمن أنطقَ الكلمات بتفاصيل القلوب أن يكون شخصًا عاديًّا؟ بل لعلَّ هذه الطقوس الغريبة هي التي أكسبت الكاتب لفظ الكاتب، بل لعلّ الكتابة كلّها ضربٌ من الغرابة. وهي فوق كلّ هذا:
- المنفى الأول والأخير: ماذا فعل محمود درويش عندما نُفي من وطنه؟ لقد اتّخذ من الكلمات منفاه الأول والأخير، فكانت الكتابةُ وطنه الحُرّ الذي يصدح فيه بكلّ صوتٍ عالٍ، ليخبرنا بأنه لا يزال:
“مُهاجرًا أتى هُنا ولم يعد إلى الوطن
بلا وطن
بلا علم
إذ أنّه وعلى غرار الكثيرين مثله، وبطريقة أو بأخرى، قد جعل من الكتابة وطنه الذي يرثي عبره فقد الوطن. لقد صارت بالنسبة له الغطاء والسّماء. يُقال شاعرٌ، كما يقالُ فلسطينيّ: لقد صارت الكتابة هويّته.
- الصّناعة المستمرة للجرح: لطالما كانت تلك الصورة النمطية التي ينظر إليها الكثيرون إلى الكتابة على أنها وسيلة من وسائل التفريغ والراحة النفسية، محلّ اعتراض من طرف الأدباء والكتاب. الحاذقةُ بثينة العيسى على سبيل المثال ترى بأنّ الكتابة لا تُشير إلى الجُرح، بل تصنعه. يوافقها الروائي الجزائريّ واسيني الأعرج في ذلك، ويجعل منها جحيمًا للصرخات في كلماتٍ مذبوحة: أيّ ألمٍ أكبر من هذا، وأيّ جرح؟
ليستِ الكتابة بالأمرِ الصّعبِ، ما عليكَ سِوَى أن تجلِسَ أمام الآلةِ الكاتبةِ وتبدأ بالنّزيف. – أرنست هيمنغواي
- الصلاة: تمامًا مثل الخشوع التامّ الذي يبديه المُصلّون، تتجلّى الكتابة. للأمر علاقةٌ بالإيمان أيضًا، الإيمان العميق المرتبط بأنّ الكتابة تنصتُ للمقبلين عليها، كما ينصتُ المَعبودُ للصّلوات. فرانز كافكا ذلك البديع السّوداوي الذي كان يتنفّس الكتابة بعد أن احتضنته وأقسى لحظاته، كان يقول عنها كذلك بأنّها نوع من الصلاة، تطبطب عليه وتعزّيه في مُصابه تمامًا كما تفعل الصلوات. أليس في الأمر شيءٌ من الغرابة؟ أن ترتقي مكانة الكتابة إلى هذا الحدّ الوثيق جدًّا من الروحانية؟
- إضفاء لقيمة معرفية: في بيت شعريّ نسب للإمام عليّ رضي الله عنه، جاء فيه بأنّ قيمة المرء ما يُحسنه، وعلى المنوال ذاته بإمكاننا أن نقول بأنّ قيمة الكتابة ما قد تضيفه من فائدة عملية. هذه النقطة في أهمية الكتابة بعيدة كل البعد عن سابقاتها؛ إذ تتجاوز حيّز الفردية واحتياجات الكاتب النفسية إلى حيّز أوسع وأكثر شمولية وتفكيرًا في القارئ. الكاتب السوريّ عبد اللطيف الفرحان يرى بأنّه لا فائدة من الكتابة في مواضيع كتب فيها غيره باسترسال وتفصيل، وبأنّ ذلك لا يعدو عن كونه مجرد تكرار يُفضل أن يستغل الجهد فيه في جانب آخر، وهو القائل:
فعُزوفي عن الكتابةِ عَنْها ليس موقفًا، بل إيمانًا بأنّه ليس لديّ ما أُضيفُه لِقضيّةٍ واضحةٍ وَمحسومةٍ وصريحة. الكِتابة ليست إثبات موقف، بل إضفاء قيمةٍ معرفيّة.
أسباب الكتابة هنا متعدّدةٌ إذًا، ولكن النتيجة واحدة: نصٌّ متكامل يعالج موضوعًا ما، غير أنّه كُتب وفق طقوس غريبة تعكس جنون صاحبه. الآن وبعد كلّ هذه المقدمات الطللية التي كان لا بدّ لنا منها حتّى نفهم فعل الكتابة بشكلٍ جوهريّ، سنتطرّق إلى أغرب عادات الأدباء والروائيين أثناء كتابتهم لتحفهم الأدبية.
اقرأ أيضًا:
- تودّ لو كنت تقرأ أكثر؟ تعرّف على 20 نصيحة بسيطة لتحويل القراءة لعادة يومية
أغرب طقوس الكتابة عند الأدباء: الكاتبُ إنسانٌ من طينةٍ مختلفة
إنّ كلّ نصّ بديع تقرؤه أنت، ثمّ تُزين عبر اقتباسات منه صفحتك على الفيس بوك أو دفتر يومياتك، وكل أحداث رواية تفرغ من قراءتها، ولا تنتهي من عيش تفاصيلها هي نتيجة لعمل إبداعيّ تطلّب جهدًا عظيمًا، ونزيفًا مؤلمًا، وصراخ كلماتٍ لا يمكن لغير الكُتّاب تصوره. وهذا بالضبط ما يجعل من الكاتب إنسانًا من طينةٍ مختلفة.
نجيب محفوظ: المقهى سيّدُ الإلهام
- اسم الكاتب: نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم الباشا
- تاريخ الميلاد: 11 ديسمبر 1911
- تاريخ الوفاة: 30 أغسطس 2006
- الجنسيّة: مصرية
- لغة الكتابة: اللغة العربية
- أشهر وظائفه: سكرتير برلمانيّ في وزارة الأوقاف المصريّة، مدير الرقابة في وزارة الثقافة، رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، كاتب في مؤسسة الأهرام.
- أبرز رواياته: ثلاثية القاهرة، أولاد حارتنا، خان الخليلي، ملحمة الحرافيش، رحلة ابن فطومة، القاهرة الجديدة…
- أبرز مجموعاته القصصية: همس الجنون، تحت المظلّة، أحلام فترة النقاهة، رأيت فيما يرى النّائم…
- أبرز سيناريهات الأفلام: ريا وسكينة (إخراج صلاح أبو سيف)، جميلة (إخراج يوسف شاهين)، جعلوني مجرمًا (إخراج عاطف سالم)…
- أعمالٌ سينمائية مقتبسة من كتاباته: بين القصرين، خان الخليلي، بداية ونهاية، السّراب، ثرثرة فوق النيل.
- أبرز جوائزه: قلادة النّيل العظمى 1988، جائزة نوبل للآداب سنة 1988، الوسام الرئاسي سنة 1989، جائزة كفافيس للمبدعين المصريين واليونانيين سنة 2004.
لا زلتُ أذكر تلك الليلة الباردة الديسمبرية من سنوات خلت، حينما وقعت بين يديّ رائعة نجيب محفوظ “خان الخليلي” لأول مرة، وكيف انتقلت بي كلماته إلى أجواء هذا الخان السّاحر العتيق، إلى القاهرة المخنوقة آنذاك، إلى مصر الثلاثينيات، وحيّ السكاكين، ونوال العاشقة قليلة الحيلة، وأحمد أفندي عاكف السّاعي في سبيل الرزق.. وكيف علقت في ذهني أجواء بلادٍ لم أرها يومًا.
ربما نتساءل جميعنا عمّا يميّز عميد الرواية العربية نجيب محفوظ عن غيره؟ كيف يكتب هذا الرّجل الفذّ؟ وما هي طقوسه الغريبة التي ساعدته في أن ينقل لنا، نحن غير المصريين الصّورة الواضحة والدقيقة لأزقّة بلد صرنا نتمنّى زيارته من فرط ما أجاد وصفه.
المعروف عن أديبنا أنّه هادئ جدًّا، قليل السّفر، يتعامل مع الأمور برويّة تامة، ولا يكثر من الحديث. لكنّ المفارقة العجيبة، هو أنّ هذا الرجل المتّسم بالهدوء يجعل من المقهى مكان إلهامه، فيجلس فيه باستمرارٍ عند الكتابة، ويستلهم من العابرين، والمرتادين، خيوط قصصه.
نجيب محفوظ كان يستعدّ للكتابة قبل أن يشرع فيها، هو يعلم بأنّ تشكيل الرؤية العامة لرواية ما لا بدّ له من عاداتٍ خاصّة: صحيحٌ أنّ المقهى بالنسبة له كان سيّد الإلهام، لكنّ أغاني المذياع التي يستمع لها قبل بدئه، ثمّ مشيه الخفيف، وتفضيله لفصل الشتاء على غيره هو جزء من هذا الإلهام أيضًا.
المقهى يلعبُ دورًا كبيرًا في رواياتي، فقد عرفته في سنٍّ مُبكّرة، والشخوص التي ترتادُه تتشكّل منها شخوص رواياتي. وقد كتبتُ الكثيرَ من أعمالي تحت تأثيرِ حالة حُبّ. – من كتاب: المجالس المحفوظية، جمال الغيطاني.
أغاثا كريستي: حوض الاستحمام يقود إلى القتل
- اسم الكاتبة: أجاثا ميري كلاريسا – Agatha Mary Clarissa أو أجاثا كريستي – Agatha Christie
- لقبها: ملكة الجريمة
- تاريخ الميلاد: 15 سبتمبر 1890
- تاريخ الوفاة: 12 يناير 1976
- الجنسية: انجليزية
- لغة الكتابة: اللغة الانجليزية
- أبرز أعمالها: ثمّ لم يبق أحد، جريمة في القرية، جريمة في ملعب الغولف، جثة في المكتبة، موت فوق النيل، خطر في البيت الأخير، جريمة في بغداد، ليل لا ينتهي…
- إنجازاتها: 66 روايةً بوليسيّة، 14 مجموعة قصصيّة قصيرة، موسوعة غينيس للأرقام القياسية في الرواياتِ الأكثر مبيعًا
- جوائزها: لقب سيدة قائد، جائزة جراند ماستر – Grand Master Award لكتّاب الغموض في أمريكا، جائزة إدجار – Edgar Award عن مسرحية مقاضاة الشاهد.
لا شكّ بأنّ كاتبةً بارعةً مثل أجاثا كريستي، مع كلّ الخيال الخصب الذي تتمتع به، ومع كلّ الأحداث والشخصيات الخالدة وجرائم القتل التي استطاعت خلقها، ومع سخائها الفكريّ في ابتكار القصص وصناعة الحبكات تُثير الفضول حتمًا حول طقوس كتابتها. أقصد.. من أين استلهمت هذه النبيلة الانجليزية شخصيتها الخالدة المتمثلة في المحقّق هيركيول بوارو – Hercule Poirot على سبيل المثال والذي ظهر في الكثير من رواياتها حتى صار أيقونةً للأدب البوليسيّ تمامًا مثل شارلوك هولمز – Scherlock Holmes؟ ومن أين استمدّت كلّ تفاصيل الجرائم التي ملأت رواياتها؟
في مذكراته، يحدثنا عالم الآثار ماكس مالوان – Max Malwan زوج الرّوائية أجاثا فيقول:
شيّدنَا لأجاثا حجرةً صغيرةً في نهاية البيت كانت تجلسُ فيها من الصّباح، وتكتب رواياتِها بسرعة، وتطبعها بالآلة الطابعةِ مباشرةً.
غير أنّ أجاثا وفضلًا عن أسفارها الكثيرة مع زوجها خلال البعثات التنقيبية، إلى العراق وسوريا ولبنان وإيران، ورغم أثر هذا الشّرق الفاتن عليها وعلى أحداث بعض رواياتها، إلّا أن أغرب طقس من طقوس الكتابة كانت تعتمده هو اتّخاذها لحوض الاستحمام كمصدرٍ للإلهام. فقد كانت هي نفسها تقول بأنّ أفضل الأفكار راودتها في الحمام، أي كانت تجلس لمدّةٍ طويلة حتى تجد الفكرة الملائمة. من كان يصدق بأنّ حوض الاستحمام يؤدي فعلًا إلى قتل تجسده شخوص رواية ورقية؟
اقرأ أيضًا:
فيكتور هوغو: أن تكتب عاريًا
- اسم الكاتب: فيكتور ماري هوغو – Victor Hugo
- تاريخ الميلاد: 26 فبراير 1802
- تاريخ الوفاة: 22 مايو 1885
- الجنسية: فرنسية
- لغة الكتابة: اللغة الفرنسية
- أبرز أعماله: ديوان تأملات – Les contemplations، البؤساء – Les mésirables، أحدب نوتردام – Le Bossu de Notre-Dame، اليومُ الأخير لمحكومٍ عليه بالإعدام Le dernier jour d’un condamné
- أعمال سينمائية مقتبسة من كتاباته: فيلم أحدب نوتردام – The Hunchback of Notre Dame (إنتاج شركة ديزني 1996)، الفيلم الموسيقي البؤساء – Les Mésirables (إنتاج سنة 2012)، أوبرا إيرناني – Ernani المقتبسة من مسرحية هيرناني – Hernani (عرضت سنة 1844 في إيطاليا)
- إنجازاته: تأسيس جريدة المحافظون الأدبيّة – Conservateur Littéraire، عضو الأكاديميّة الفرنسية الأدبية، مرشح مجلس النبلاء (سنة 1845).
يعدّ فيكتور هوغو أحد أبرز أدباء القرن التاسع عشر، الذين خلد ذكرهم بفضل أعمال بارزة ترجمت إلى مختلف لغات العالم. ولعلّ رواية “البؤساء” الملحمية التي تحكي قصّة ظلم مجتمعيّ، ومعالم بلاد ممزقة بين مطرقة الحكم الملكيّ وسندان بوادر الثورة الفرنسية، والتي ترجمت إلى مختلف لغات العالم لهي خير دليل على ذلك.
المتتبع لحياة فيكتور هيغو بمختلف تطوراتها، وانعكاس كلّ ذلك على كتاباته، يجزم بأنّ هذا الرجل لم يكن عاديًّا في النهاية شأنه بذلك شأن معظم العظماء. لقد كان رجلًا مناهضًا للحكم الملكيّ، ثائرًا على عادات مجتمعه، يعكس كلّ مآسيه وخيبات الأمل التي تعرض لها، بعد وفاة ابنته الكبرى ليوبولدين، وفقد زوجته وبقية أبنائه بعد عودته إلى فرنسا سنة 1870.
إن أغرب طقوس الكتابة عند هيغو هي تجرّده من كافة الثياب تفاديًا لتشتيت ذهنه، لقد كان الرجل يكتب عاريًا، في غرفة خاصّة به واعتمد على هذه العادة طوال فترة كتابته لرواية البؤساء. لقد عانى معظم الكتاب والأدباء من مشكلة “قفلة الكتابة”، وكل واحد كان يتخلص منها بطريقته وطقسه الخاصّ به. وقد كانت هذه طريقة فيكتور هيغو في مداراته. وكان يقول:
هناك لحظاتٌ تكون فيها النّفسُ جاثيةً على ركبتيها مهما كان وضعُ الجسد.
غابريال غارسيا ماركيز: عندما تقتل بطلًا وتبكيه
- اسم الكاتب: غابريال غارسيا ماركيز – Gabriel Garcia Marquez
- تاريخ الميلاد: 6 مارس 1927
- تاريخ الوفاة: 17يناير 2014
- الجنسية: كولومبية
- لغة الكتابة: اللغة الإسبانية
- أبرز أعماله: الحب في زمن الكوليرا، مئة عام من العزلة، الجنرال في متاهته، خريف البطريك، وقائع موت معلن.
- جوائزه: الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة كولومبيا (1971)، وسام جوقة الشرف الفرنسية (1981)، جائزة نوبل للآداب (1982)، وسام النسر الأزتيك المكسيكي (1982)
- أعمال سينمائية مقتبسة من كتاباته: فيلم الحب في زمن الكوليرا (إنتاج سنة 2007) – Love in the time of Cholera، أغنية Hay Amores للمغنية شاكيرا – Shakira
من أغرب طقوس الكتابة التي أثرت عن الكاتب الكولومبيّ الشهير غابريال غارسيا ماركيز، والذي تعدّ أعماله من أكثر أعمال الأدب اللاتينيّ رواجًا، أنّه قتل بطله ثمّ رثاه.. نعم بهذه البساطة، وبهذا العمق في العيش مع أبطال الرواية.
حدث ذلك عندما كان في صدد كتابة روايته “ليس للكولونيل من يكاتبه“، إذ انهمر فجأةً في البكاء عندما تقرّر قتل البطل في الرواية، وهرع مسرعًا إلى زوجته مرسيدس بحالته الكئيبة تلك قائلًا لها: “لقد قتلته”، مثلما ورد في سيرته الذاتية “عشتُ لأروي”.
وفي حوار له مع عصام محفوظ صاحب كتاب “عشرون روائيًا عالميًّا يتحدثون عن تجاربهم”، يقول:
إنّني وحتّى اليوم، أشقى في كتابة الفصل الأوّل من الرواية وقد يستغرقُ ذلك سنة. لكن ما إن يتمّ الفصل الأول حتّى أنجز الفصول بسرعة كبيرة.
الطاهر وطار: المقطورة بيتُ القصيد
للكاتب الجزائريّ الشهير “الطاهر وطّار” طريقة غريبة في الكتابة؛ فهو قبل كلّ شيء يتجنب بيته العائليّ ويكتب في مقطورة قطار، تنتقل به من مكانٍ إلى آخر حتى يفرغ من روايته. كأنّما يريد بذلك أن يتخطّى حدود الأمكنة كلّها تمامًا كما يفعل في رواياته. ثمّ اشترى محلًا على شاطئ البحر وصار يلجأ إليه عند الكتابة.
ومن العجيب كذلك أنّ مدّة الكتابة التي كان يستغرقها هذا الكاتب في رواياته لم تتعدّ الخمسة عشر يومًا، كما جاء في حوار له مع عبد الله ناصر داوود في كتابه طقوس الروائيين: أن ينجح شخصٌ ما في توضيح معالم رواية بأكملها، بمختلف أحداثها المتشابكة وشخوصها في هذا الزمن القياسيّ هو بحدّ ذاته طقسٌ غريب، في الوقت الذي تكلف فيه صياغة الرواية عند كُتّابٍ آخرين أعوامًا طويلة.
ميلاد رواية هو أشبهُ بميلادِ كائنٍ حيّ… كثيرًا ما أشعر وأنا أكتب أنّني في حالةِ تأله عميقة. – الطاهر وطار
اقرأ أيضًا:
جين أوستن: لم تنته الحكاية!
- اسم الكاتبة: جين أوستن – Jane Austin
- تاريخ الميلاد: 16 ديسمبر 1775
- تاريخ الوفاة: 18 يوليو 1817
- الجنسية: انجليزية
- لغة الكتابة: اللغة الانجليزية
- أبرز أعمالها: العقل والعاطفة – Sense and Sensibility، كبرياء وهوى – Pride and Prejudice، إيما – Emma، إقناع – Persuasion، دير نورثانجر – Northanger Abbey
- أعمال سينمائية مقتبسة من رواياتها: فيلم Pride and Prejudice (إنتاج سنة 2005)، فيلم Emma (إنتاج سنة 2020)
إذا كنت تضع روايات من رواية جين أوستن على الرفّ بعد فروغك من قراءتها، ثمّ تمضي دون رجوع إليها أو عظيم تفكير اللهم إلّا بعض النقاط المهمة التي تسجلها فيما يخصّ الأمور السياسية والاجتماعية التي عالجتها أوستن في كتاباتها، زمن العصر الفكتوريّ والإدوارديّ، فهي ليست الحال مطلقًا بالنسبة لأوستن.
يخبرنا ابن أخيها إدوارد أوستن في كتابه: ذكرى جاين أوستن – A memoir of Jane Austin بأنّها كانت متعلقة بأبطال روايتها وبأدق تفاصيل حياتهم كما لو أنهم كانوا حقيقيين. حتى إنّك لو سألتها عن أحداث بعد نهاية الرواية، أو عما وقع للأبطال خارج سطر النهاية، لأجابتك بإسهاب وبكلّ دقة. تعلق أوستن الشديد بشخصياتها يعكس بالمقابل تعلقًا بالكتابة بشكل أعمّ. وهذا ما يؤكد وجهة نظر من يرى بأنّ الكتابة ضرب من الصلاة.
بالنسبة لك، لقد كانت صفحة النهاية، لكن بالنسبة لجين الحكايةُ مستمرّة.
دان براون: رؤيةٌ بالمقلوب
- اسم الكاتب: دان براون – Dan Brown
- تاريخ الميلاد: 22 يونيو 1964
- الجنسية: أمريكية
- لغة الكتابة: اللغة الانجليزية
- أبرز أعماله: شيفرة دافينشي The Da Vinci Code، ملائكة وشياطين – Angels and Demons، الجحيم – Inferno، الأصل – Origin
- إنجازاته: وضع في قائمة مجلة التايم لمائة شخصٍ الأكثر تأثيرًا في العالم، تصنيف رواية شيفرة دافينشي ضمن قائمة مجلة النيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا.
- أعمال سينيمائية مقتبسة من كتاباته: فيلم The Da Vinci Code (إنتاج سنة 2006 وبطولة توم هانكس- Tom Hanks)، فيلم Angels and Demons (إنتاج سنة 2009 وبطولة توم هانكس).
حققت روايات كاتب الخيال العلميّ والإثارة الممزوجة بالتاريخ والفلسفة دان براون نجاحًا هائلًا جعلها تترجم إلى أكثر من 40 لغة حول العالم، نظرًا للحبكة الذكية التي يستند إليها في مختلف حكاياته، وغرابة الأحداث وتسلسلها بطريقة عجيبة في أماكن كثيرة، ذات أسرار وغموض؛ فكاتبٌ كهذا، بقلمٍ محكم مماثل لا بدّ وأن يكون غريب الطقوس كذلك.
إنّ أغرب طقس يعتمده براون للتخلّص من ضغط الكتابة، ومشكلة هروب الأفكار هو أنّه يعلّق رجليه في سارية ما بوضعية الرأس على العقب. هذه الوضعية التي يسميها بالعلاج المقلوب تساعده حسب رأيه على قلب وجهة نظره، ورؤية الأشياء بشكلٍ مختلف، أكثر تميّزًا، وأكثر اتّساعًا. بالإضافة إلى مساعدته في تحديّات الحبك التي يتعرّض لها.
اقرأ أيضًا:
- ثانوس VS دان براون: حينما يدور البشر في حلقات جحيم دانتي أليغييري
إيزابيل اللندي: الثامن من شهر جانفي
- اسم الكاتبة: إيزابيل الليندي يونا – Isabelle Allende LIona
- تاريخ الميلاد: 2 أغسطس 1942
- الجنسية: تشيلية
- لغة الكتابة: اللغة الإسبانية
- أبرز أعمالها: بيت الأرواح، عن الحب والظلال، ما وراء الشتاء، بلدي المخترع، إيفا لونا.
- جوائزها: الدكتوراه الفخرية في الآداب من 12 جامعة تشيلية وأمريكية، جائزة مؤلف العام وكتاب السنة الألمانية (سنة 1984)، وسام الحرية من طرف الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما (سنة 2014)، جائزة مؤسسة غابريال ميسترال الإنسانية (سنة 2014)، ترشح اسمها عدة مرات لجائزة نوبل للآداب.
في الثامن من شهر يناير سنة 1981، بدأت الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي في كتابة رائعتها “بيت الأرواح”، ولم تكن تعلم حينها بأنّ هذا التاريخ سيكون مفصليًّا في حياتها. إذ حقّقت رائعتها هذه نجاحًا باهرًا جعل من صدى الكاتبة ينتقل إلى مختلف بلدان العالم، لتترجم فيما بعد رواياتها إلى أكثر من 40 لغة.
جعلت إيزابيل من هذا التاريخ طقسًا غريبًا، تبدأ فيه كلّ كتاباتها اللاحقة، لأنّه بالنسبة لها نقطة التحول نحو حياة جديدة أكثر صخبًا، وأكثر عطاءً.
فيرجينيا وولف: أن تكتب واقفًا!
- اسم الكاتبة: فيرجينيا وولف – Virginia Woolf
- تاريخ الميلاد: 25 يناير 1882
- تاريخ الوفاة: 28 مارس 1941
- الجنسية: انجليزية
- لغة الكتابة: اللغة الانجليزية
- أبرز أعمالها: السيدة دالاوي، الليل والنهار، إلى المنارة، بيت تسكنه الأشباح
- تكريمها: وضع صورتها على طابع بريديّ في رومانيا، افتتاح مبنى باسمها من طرف كلية كنزنغتون – Kensington في لندن (2013)، تمثال نصفي في مدينة لندن.
كانت طقوس فيرجينيا وولف غريبةً جدًّا ومتقلبة مثلما كانت حياتها. إذ عانت هذه الكاتبة من الاكتئاب لأكثر من مرة، وانتهى بها المطاف إلى الانتحار وترك رسالة مؤثرة لزوجها تعبر فيها عن حبها لها، وتشكره على كل التضحيات التي قام بها من أجلها.
من بين أغرب طقوس الكتابة ما كانت تقوم به عند كتابتها هو الكتابة واقفة في سبورة مرتفعة نسبيًا، وذلك حتى تبقى دائمة التأهب صوب الأفكار التي تراودها. كما قيل بأنّها كانت تفعل ذلك كنوع من التنافس مع شقيقتها فانيسا وولف – Vanessa Woolf الرسامة الشهيرة، وخاصةً في العشرينيات من عمرها.
إنّ كل ما سبق من أغرب طقوس الكتابة والعادات الغريبة للكُتّاب يؤكد حقيقة واضحة: الأدباء لا يشبهوننا. إنّهم بعاداتهم، وطقوسهم، ونظرتهم متّسعة الأفق إلى الحياة، ومغامراتهم الأدبية، وجنونهم، لا يمكن أن يكونوا مثلنا. لكنّهم الأشخاص الذين نتمنى جميعنا أن نكون مثلهم.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.