الزلزال رواية خيالية للكاتب الجزائري الطاهر وطار عن خيبة أمل كل الأقوام!
لأنها رواية من خيال فلا بد أن يكون الزلزال خيالياً أيضاً، لذا سنتَعرف معاً في هذا المقال على الشّيخ بو الأرواح عبد المجيد وهو يَروي لنا مُخلّفات زلزال خافضٍ رافعٍ يهزّ الأرض بلا اهتزاز، وقع في أرض قَسنطينة بالجزائر، فما الذي أحدثه ذلك الزلزال الذي لم يقع؟ سنعرف الإجابة داخِل رواية “الزلزال” للكاتب “الطاهر وطار”.
الطاهر وطار كَعمود للثقافة الجزائرية
وُلد الطاهر وطار المُلقّب بِرائد الرواية الجزائرية (المكتوبة باللغة العربيّة) والمشهور محلياً وعالمياً بكِتاباتِه المُترجمة لعدّة لُغات أبرزُها الإنجليزية والفرنسية، في يوم 15 أغسطس عام 1936 للميلاد بقرية عَيْن الصّنبْ بِمدينة سوق أهراس، تلقّى في صِغره تعليماً دينياً فقط نظراً للحِصار الذي كان يفرِضه الاستعمار الفرنسيّ آنذاك، فالتحقَ بمدرسة جمعيّة العلماء المسلمين سنة 1950م، وفي سنة 1952م أرسله والدُه إلى معهد ابن باديس بمدينة قسنطينة ليُكمل تلقّي تعليمِه، إلى أن التحقَ بصُفوف جبهة التّحرير الوطنيّ سنة 1956م ليُناضل ضدّ المستدمر الفرنسي.
الطاهر وطار كَعمود للثقافة الجزائرية يتميّز مِشواره بِعمَلين: ثقافي وسياسي، فمن جهة كان مؤسِّساً لعدّة صحف على رأسِها صحيفة النّداء وصحيفة لِواء البرلمان التونِسيّتين، ففي سنة 1962م أسّس لصحيفة أسبوعية مستقلِّة اسمُها الأحرار، وقد تم تجميدها بعد عام فقط بقرار رسميّ من السّلطة، وفي نفس سنة التّوقيف أي 1963م أسّس لصحيفة أسبوعية أخرى اسمها الجماهير وصحيفة الشعب الثقافي سنة 1974م، إلا أن السُّلطات الجزائرية جمّدت كِلا الصحيفتين.
ومن جهة ثانية كان عضواً في اللجنة الوطنيّة للإعلام بحزب جبهة التحرير الوطني بين سنتَي 1963م و1984م، شغَل كذلك منصب مدير عام للإذاعة الوطنية الجزائرية عامَي 1991م و1992م، مكرِّساً حياته بعد ذلك رئيساً للجمعية الثقافية الجَاحظيّة، تطوعاً منذ 1989م.
حازتْ مؤلفات الطاهر وطار الأدبية من روايات وقصص ومسرحيات وتراجم، عدّة جوائز ثقافيّة أبرزها:
- جائزة الجاحظيّة الثقافيّة مع الشّاعر الجزائريّ المغتال يوسف سبْتي، سنة 1989م.
- جائزة الشّارقة لِخدمة الثّقافة العربية وجائزة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) للثقافة العربية، سنة 2005م.
توفيّ رحمه الله عن عمر يناهز الـ 74 سنة وذلك يوم 12 أغسطس سنة 2010م، تاركاً وراءه منزلاً مُوصداً كان فيما مضى ملتقى شهرياً للأدباء والمثقفين الجزائريين والكُتّاب الصّاعدين، وإرثاً أدبياً يشهد على حِقبة ما بعد الاستقلال الجزائري.
الزلزال الذي لم يقع
في رواية الزلزال للكاتب الطاهر وطار يتوجّه عبد المجيد بو الأرواح من العاصمة نحو قسنطينة من أجل أمر طارئ يخصّ الميراث مع ابن أخيه، تفادياً وتداركاً لقرار الحكومة بتأميم الممتلكات؛ قسنطينة التي تميّزت في الماضي برُقيّ قاطِنيها على اختلافهم الجذريّ، ونظافة شوارعها وجُسورها السّبع العتيقة وبعضٌ من رموز الثّورة الشعبية الموزعة على أرضها وكذا طعم الهواء الخاص، وكل ما عَهِده بو الأرواح في الماضي، إذا به اليوم يتفاجأ بقوم آخرين أفرغوا قسنطينة من روحها السّابقة، روح الأماكن والشّوارع، روح رموز الثّورة والمجاهدين، روح الأولياء الصالحين… لتبدأ رحلة استكشاف قسنطينة الجديدة.. وابن أخيه طبعاً.
لماذا رواية الزلزال؟
منذ أن ظهر الأدب، اعتُبر الوسيلة الأنجع “حسب رأيي” من أجل إيصال صوت البشرية والرسالة الإنسانية بما تحمله من أفكار وشُجون وآلام وأحلام، وإنجازات، أفضَل من كتب التاريخ الباعثة على الملل أحياناً وكتب الإحصائيّات المليئة بالأرقام المُبهمة، لذا كان الأدب في كل عصر ونقصد بالضبط الأدباء والكُتّاب عموماً، هم صوت الإنسانية الخالد الذي يسمعه كل ذي قلب.
حتى نفهم جيداً التحوّلات التاريخية العميقة التي تطرأُ على الشّعوب بعد أحداث مِحورية كالثّورات الشعبية والانقلابات العسكرية، لا بد من شُهود عيان، ورواية الزلزال هي شاهد من الشواهد على أثر الاستعمار الفرنسي الذي بدّل العقول وكاد أن يطمس الهوية الجزائرية ويُفرِغها من محتواها.
نتج عن ذلك عدّة مظاهر قبيحة تناولت رواية الزلزال للكاتب الطاهر وطار أبرزها للعَيان، هي ظاهرة النّزوح الريفيّ والنمو الديموغرافي ذي التّباين الشديد بين حِقبة الاستعمار والاستقلال، وما صَحبه من مظاهر كالبطالة وثقافة الشّراء والتّكديس بغير حاجة والتّجارة العشوائية والسّعي المحموم خلف الماديّات، ونشأ ما يُعرف على حد وصف الطّاهر وطّار بمجتمع العُراة ورُوّاد المزابل أو، في أدنى وصف، مجتمع يأجوج ومأجوج.
رمزية عنوان الزلزال
لكي نفهم سبب اختيار الطاهر وطار لذلك العنوان، علينا أن ندرك الفرق بين الزلزال والهزة الأرضية. باختصار، الفرق بينهما أن الزلزال يكون مصحوباً بسلسلة من الهزّات والارتدادات، تختلف في الشدة وفي المدة الزمنية، عكس الهزّة الأرضية التي هي نِتاج خروج مفاجئ لطاقة كامنة نتيجة الحركات التّكتونيّة.
نعود إلى رواية الزلزال للكاتب الطاهر وطار، وفيها يرمز الزلزال إلى حدثٍ عظيم أصاب الجزائر لا ندري بالضبط متى ولا ندري إلى أي مدى ستستمرّ ارتداداته، لكن في العشريّة الأولى بعد الاستقلال أخذ الزلزال تلك المظاهر المذكورة أعلاه، ذلك الواقع الذي يعبّر عن خيبة أمل الشعب الجزائري بحكومتِه في توفير حياة كريمة بعد حِرمان دام لأكثر من قرن من جهة، ووقوف الدولة الجزائرية عاجزة لعدة أسباب أمام ذلك العلوّ الشّاهق لتصوّرات الشعب وسوء التصرّف من جهة أخرى.
نرشح لك قراءة: حقائق مُدهشة لا يعرفها الكثيرون عن الجزائر!
أحسنْ ما لفتَ انتباهي في الرواية ليس الحِبكة، نظراً لأنّها رواية خياليّة، بل ما شدّ تركيزي هو تلك الأفكار والتأمّلات المبعثرة عبر الصّفحات والمحادثات المُقتضَبة والخواطر الخاطفة، جمعتُها لكم بإسهاب:
“إنّهم كُسالى لم يعودوا يرضَون بالعمل في الأرض، جاؤوا المدينة، لتُعطيهم الحكومة العمل”.
ذلك كان أول مظهر من مظاهر البطالة في الجزائر، أنْ كفّ الناس عن خِدمة الأرض “الفلاحة” وتدافعوا نحو المدينة معتقدين بأن حياة الرفاهية تنتظرهم هناك، لكن غياب التوازن بين سكان المدن والأرياف وتزايُد أعدادهم ووقوف الدولة عاجزة أمام اختيار الشعب، خلق تلك الفجوة الهائلة بين ما كان يصبوا إليه الناس وبين واقعِهم، فأصابهم الزلزال وسوّد معِيشتهم.
“ما بالك لا تذكر إلا الباشَوات والآغاوات وعُملاء فرنسا.. أنسِيت رجال العلم والصّالحين وباقي الأعيان؟”
في نظري، فإن هذا الاقتباس يصف حرفياً واقع المدارس اليوم، في تدريسها لمادّة التّاريخ، فتُهمل العلماء ودورهم في إصلاح الأمم، تهمل الأدباء ودورهم في صناعة الإنسان السويّ، ولا تحشوا رؤوس أولادها إلا بالدكتاتوريين وسفّاكي الدماء والسفّاحين، والحروب وما إلى ذلك وتهمل الجانب المقابل أو المُكافئ بنسبة ينْدى لها الجبين، فتضِيع بذلك القدوة والأسوة الحسنة لجيل حاضر وأجيال قادمة.
“إن ما ينقُص حياة القرن العشرين، هو الزّهد”
وأنا أقول بأن الزهد يسبِقه العلم حتى لا يقع الزّاهد في الإفراط أو التفريط، والعِلم حسب بو الأرواح ليس ذلك التأمّل الأبله والوقار السّاذج، بل الحركة والحيوية والتّطلع الذكيّ، والسبيل إلى العلم هو القراءة، فلا عجب أن تكون أول كلمة تنزل من السّماء على نبيّ أمّيّ هي “إقرأ”.
“إعادة النّظر في العادات والتقاليد وحتى الخُرافات، يسوق إلى إعادة النّظر في كل أساس الحياة. المارِقُون يستغلّون صيحات المُخلِصين من رجال العلم والدين، فيذهبوا بعيداً”.
لا جَرَم أنْ يعيبَ الله على كل الأقوام المُكذّبة لرُسُلها تَمسُّكهم بما وُرِّثُوه عن أجدادهم من غير تدقيق ولا تمحيص، فمِن طَبْع الإنسان أن يتغيّر باستمرار وكان حقّاً عليه أن يضع كل ما يلِجُ إلى ذهنه عن طريق الحواسّ والإدراك، موضِع التّحليل والتدقيق الدائِمَين، لكن أزمة المُجدّدين في زمننا هذا هو تورُّطهم في القضايا السياسية سواءً عن قصد أو غير قصد، فيضيع الحقّ بين سمعة سيئة وهوىً مُتّبَعْ.
“لقد بارك الرسول التجارة.. ولكن ليس بهذا الشكل المتردّي”.
من بين المُكمّلات الأساسيّة لكل فعل يقوم به الإنسان، هي الاهتمام بالجانب الفنّي أو الجماليّ فيما يقوم به، فالجمال شيءٌ أساسيّ في الوجود وفي حياة الإنسان، ومن دونه ستصطبغ الحياة بغِشاء من الفوضى تجعل الإنسان يتقزّز من فكرة العيش أصلاً.
“إسرائيل ليست كلّ مشاكل العرب، فلسطين ليست القضيّة الأولى إطلاقاً”.
عندما نقول إن فلسطين ليست القضية الأولى فهذا ليس انتقاصاً من القضية الفلسطينيّة، ذلك المصطلح الذي عمّر أكثر من قرن! بل إنّ العقلية بدءاً من عليّة القوم إلى أدناهم مرتبة، التي يُنظر بها إلى هاته القضية هي التي أطالت الوضع وأطالت الخِلاف، فلا يُمكن أن تلتفّ الدّول حول فلسطين وأنظمتها مستوردة، حكّامها عُملاء، شُعوبها في شِقاق، إلخ.
وكرِسالة أخيرة لكل مقهور مُولَع بقاهِره، أو جاهِل بهويّته إذا هو عدوّ لها، أو أيّ شخص عجز عن التّماهي مع قومٍ آخرين لا مرحباً به بينهم، أهديهم هذا الاقتباس لأنّ “الكلام المُرصّع فقد المذاق، والحرف البرّاق ضيّع الحِدّة” ونحن نُنشد النّاس أن يلتفّوا حول ثقافتهم ويعتزّوا بها:
“أرى أن الذين تعمّقوا في العلوم الفرنسية، لم يتميّزوا بشيء، فمهما كان أمرُهم فإنّهم لن يكونوا خيراً من الفرنسيين”.
في الأخير، حتى بو الأرواح نفسه لم يسْلم من الزلزال، لأن الزلزال الحقيقي إحساس، قد يشعر به الناس قبل وقوعه فيهرعون إلى برّ الأمان، أو أثناء حدوثه فلا ينجو منهم أحد، وبعض الناس يشعر به بعد حدوثه ليُدرك أن الزلزال لم يكن إلا سواداً ملأ عليه حياته بأفعاله وتصرّفاته، انفجر على حين غفلة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.