بعيدًا عن الروايات: أبرز المجموعات القصصية للكاتب نجيب محفوظ
5 د
القصص القصيرة في تاريخ نجيب محفوظ الأدبي
عندما يذكر اسم محفوظ يأتي معه دائمًا ذكر ثلاثية القاهرة: (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) كأشهر مشروع روائي عربي، أو تذكر الأحداث التي لاحقت روايته الأشهر أولاد حارتنا بسبب حساسية موضوعها؛ ولكن ما يغفل عنه الكثيرين هو أن محفوظ له جانب أدبي آخر تصل روعته إلى روعة جانبه الروائي؛ الجانب القصصي.
همس الجنون (1938)
تعتبر المجموعة القصصية همس الجنون أول الأعمال الأدبية على الإطلاق التي صدرت لمحفوظ، مجموعة قصصية طويلة فيها أول الأفكار التي أحب محفوظ أن يُخرجها إلى النور.
تحتوي المجموعة على 28 قصة متنوعة؛ تغلب على موضوعاتها -كعادة محفوظ- الكلام عن الأحياء الشعبية ومجتمع الطبقة المتوسطة.
بشكل شخصي أظن أن عدم شهرة المجموعة بشكل واسع بسبب أن بعض الناس يعتقد أن محفوظ لم يكن قد نضج بعد؛ ولكن بعد قراءتي للمجموعة كأول عمل قرأته لمحفوظ لم ألحظ أي علامات على عدم النضج الأدبي والفني، فبناء القصص كان متكاملًا والحكايات كانت جميلة واللغة كانت رشيقة، حتى الحوارات التي بين الشخصيات كانت من أجمل وأكمل ما كتب.
دنيا الله (1962)
تعتبر المجموعة القصصية دنيا الله درَّة أعمال محفوظ القصصية بالنسبة لي، فليست فقط جميلة من ناحية اللغة والحوارات وإنما من ناحية الأفكار والتفاصيل.
قد لا نختلف أنها من أكثر أعمال محفوظ رمزيةً ولكن بعد فك شفرة تلك الرمزية ستغوص في أعماق جمالها. وأظن أن لجنة نوبل عام 1988 تتفق معي في ذلك؛ فقد قالت اللجنة عن المجموعة أنّها: عمل فني يعالج الأسئلة الوجودية بشكل فني.
وهذا هو أفضل وصف مختصر للمجموعة؛ ففي 14 قصة حاول محفوظ عرض أهم الأسئلة الوجودية التي تشغل البال؛ فالأسئلة الوجودية هنا ليست من عينة التريند مثل “كيف بدأ الخلق” وهكذا؛ وإنما أسئلة ذاتية عن الوجود، ومعنى حياتنا. أسئلة عن الإله والشر والخير والمصائر المختلفة لأشخاص منبعهم الذي خرجوا منه للحياة واحد، عن السعادة والحزن والمبادلة بينهم في الحياة وتقلبات الدهر.
عندما أغلقت آخر قصة قمة بمراجعة الأفكار التي تعرّضت لها في المجموعة؛ اكتشفت أن أغلب الأسئلة التي تدور في بالي عن الدنيا لها حكايات موجودة في المجموعة؛ قصص كثيرة منها توصّف عبثية واعتباطية الحياة وشكل سيرها.
خمَّارة القط الأسود (1969)
خمَّارة القط الأسود مجموعة قصصية لطيفة؛ متنوعة في جودتها، ليست جميع قصصها ممتازة ولكن على الأقل في كل قصة ستجد لمسة محفوظية تجعلك قادر على أن تكمل القصة ولا تشعر بملل ورفض أن تكمِّل المجموعة.
القصص في المجموعة تأتي من قلب مجالات تميُّز محفوظ؛ الحارة، المقاهي والخمَّارات. فهو قادر دائمًا على اختلاق واختراق التعقيدات والتنويعات بين كل بيئة وطبيعتها وتكوينها المختلف.
أظن أنني لن أبالغ لو قلت أن نجيب محفوظ هو الذي خلق الصورة النمطية المعروفة عن الحارات والفتوات والموظفين في الخمَّارات؛ والتي تحولت لأفلام وحكايات ما زالت حاضرة في تاريخ الفن المصري حتى الآن.
ويعتبر أبرز ما يمكن الحديث عنه هو قدرة محفوظ على الحكي المكثَّف والحكايات المتفرقة المختلفة المليئة بالتفاصيل، منتج قصصي جميل وغزير.
تحت المظلة (1969)
تعتبر المجموعة القصصية تحت المظلة أكثر أعمال نجيب محفوظ التي صدرت وتغلب عليها الرمزية السياسية؛ فكما علّق عليها القراء أنها مجموعة بطعم نكسة عام 1967.
فمن البداية يمكنك أن تفهم أنها تلقي باللوم مباشرة على القيادة السياسية إبان حرب يونيو 1967، والهزيمة التي تعرضت لها مصر؛ ولكن بشكل رمزي حذر. كيف أن الخلافات السياسية وعدم الجاهزية والغرور هو الذي أدى بنا إلى تلك الحالة.
هي مجموعة قصصية ليست كبيرة وعدد قصصها ليس كبيرًا ولكنها مهمة، وترد بشكل واضح على الذين يتهمون محفوظ بعدم المعارضة أو أنه كان كاتبًا في صف الدولة دائمًا.
صدى النسيان (1999)
مجموعة قصصية صغيرة للغاية؛ تأتي في حوالي 112 صفحة، تأتي كواحدة من أعمال محفوظ والتي يكمل بها أفكار وحكايات وقصص يدعونا فيها للتذكر وعدم النسيان؛ الكتابة حتى لا ننسى.
يمكن اعتبار المجموعة القصصية صدى النسيان للكاتب نجيب منحفوظ كمتوالية قصصية؛ فهي كلها تقريبًا تدور في الحارة؛ ملعب محفوظ المفضَّل. أهم القصص فيها ستجد محفوظ يحاول أن يذكّرك ويذكّر الناس بأشياء يأكلها النسيان وتذهب مع الزمن، وتتحول المعاني لعكسها بفعل النسيان.
أعجبتني القصص لقصرها، فموضوعاتها لا تتحمل الإطالة؛ رغم أني اعتقد أن هناك مجموعات لمحفوظ أجمل منها ومساحاتها تعطي لمحفوظ قدرة أكبر على الحكي والإبداع. أما القصص القصيرة جدًا فهي عادة ما تكون رمزية ومكثّفة جدًا وليس من السهل فك شفرتها في المرة الأولى.
همس النجوم (2018)
تعتبر المجموعة القصصية همس النجوم آخر ما تم نشره للكاتب نجيب محفوظ؛ حيث حصل على قصصها الكاتب والصحفي (محمد شعير) في صندوق حصل عليه من السيدة (أم كلثوم) ابنة الأديب الراحل نجيب محفوظ.
كعادة محفوظ تدور القصص القصيرة وأحداثها في الحارة؛ أبطالها كالعادة: فتوات، ومنجمون، وأولياء، وشيوخ يراقبون الناس ويتدخلون في شئون أهل الحارة وحياتهم. تأتي أهمية هذه المجموعة أنها بمثابة إرث مختفي ظهر إلى النور أخيرًا، إرث من الكاتب الأهم والأجمل: نجيب محفوظ.
لك أيضًا:
الحشيش في الرواية العربية: إذا حضر اجتمع حوله الجميع
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.