🎞️ Netflix

حسن الجندي: كاتب روايات رعب عفاريتي متلحفة بالخرافة ومنظومة الدجل

حسن الجندي: كتب رعب
أحمد سامي
أحمد سامي

7 د

كل يوم تصدر على الساحة الأدبية عشرات العشرات من روايات الرعب بمختلف صنوفها وأشكالها، وبالطبع لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، هذه قاعدة معروفة. لكن هل يمكن أن نطبقها بالحذافير على صناعة الأدب؟ إذا طبقناها بالحذافير، فسنحصل في النهاية على شخصين: الحِرفي، والأديب. الأول له جمهور، والثاني له جمهور، لكن ما معيار الحكم؟ نموذج اليوم هو روايات الكاتب المصري حسن الجندي يا رفاق.

أصدر الكاتب مجموعة روايات وأعمال قصصية على الساحة العربية في الأعوام الأخيرة، ولاقت نجاحًا كبيرًا وجذبت الشباب أيّما جذب، وأنا شخصيًّا كنت من المنجذبين له ولأعماله.

اقرأ أيضًا:

الكتب الرديئة في مدينة القرّاء: من هيبتا إلى أرض السافلين جرائم ورقيَّة لا تُغتَفَر


تنامي ذائقة القارئ الأدبية

روايات حسن الجندي

غلاف رواية أيام مع الباشا لحسن الجندي.

لكن بما أن الإنسان يتطور وتتنامى ذائقته الفنية مع الزمن، أعتقد أنه حان الوقت لطرح وجهة نظر طائر محلِّق خارج السرب بعض الشيء. نحن اليوم لا نطعن، لا نشوه، ولا نقلل من مجهود أحد على الإطلاق، بل نحن اليوم نسلط الضوء على أسباب نجاح بعض الكتّاب مع الشباب في شريحة الرعب، بالرغم من كَون المقدم في الأساس ليس أدبًا، بل أقرب إلى الحكايات الشعبية التي تسردها الجدّات للأطفال المشاغبين، إلا أن الحكايات موجهة هذه المرة للشباب المؤمن بالخرافة، أو معدوم الأرضية المنطقية الصلبة مما يُسمح له بالإيمان بالخرافة.


توليفة روايات حسن الجندي في الرعب

مجموعة من روايات الكاتب حسن الجندي

مجموعة من روايات حسن الجندي توليفة خاصة من الرعب المتلحف بالخرافة والدجل.

بدأ حسن الجندي عمله في المجال الحِرفي مع روايتيّ الجزار ومخطوطة ابن إسحاق الجزء الأول، ومن بعدها اشتهر بين الشباب، ليقدم في النهاية مجموعة أعمال مختلفة كلها تنتمي إلى الرعب بشكلٍ عام، سواء كان الدموي، الفانتازي، أو حتى الساخر. شهرته أوصلته للتغطيات الخاصة من مكتبة ألف، وأنا شخصيًّا حضرت له واحدة من حفلات التوقيع في مكتبة ألف فرع كفر عبده، لكن وقتها كنت في الإعدادية أو الثانوية، السن التقليدي لهذا النوع من الروايات فعلًا.

انبهرت جدًا بمجموعة روايات حسن الجندي وقتها، قرأت كل أعماله تقريبًا حتى رواية ابتسم فأنت ميت في 2016، ومن بعدها زهدت هذا النوع من الرعب، أو بمعنى أصح زهدت هذا النوع من الأدب المزيف. يقولون إن الأدب ما هو إلا شعر ونثر، أي ببساطة كل ما يُسرد على الورق وتقرأه العين أو تسمعه الأذن أو ينطقه اللسان، لكن هذا في الواقع تعريف مبتسر جدًا للأدب. أرى (أنا، الشخص السارد لهذا المقال صاحب وجهة النظر الشخصية للغاية) أن للأدب قواعد أولها اللغة الفصحى الخالية من المصطلحات المرتبطة بالزمن، وآخرها احترام عقلية القارئ بداخل العمل وخارجه.

رواية العائد مخطوطة ابن إسحاق

توقيع حسن الجندي لي على رواية العائد.

العنصر الأول في روايات حسن الجندي التي سردها أثناء دخوله المجال لأول مرة كان مدمرًا تمامًا، الأسلوب السردي كان بدائيًّا إلى أقصى حد، أجل تحسن مع الوقت، لكن هنا وقع في الفخّ الثاني: استخدام المصطلحات المرتبطة بالزمن. الأدب الحق يُقاس باستمراريته، واستمرار العمل يكون بمناسبته لكل زمان يُقرأ فيه، فلا يجب أن أقول مصطلحات مثل (فشخ) في رواية قد يقرأها شخص معجمه اللغوي وقتها يستخدم كلمة (قشطة). الاثنان بمعنى (جدًا)، لكن كل واحدة منهما غير مناسبة للاستخدام في الأدب، ليس لأنهما غير مطابقتين لمعايير أخلاق المجتمع الشرقي -التي أرفضها بالمناسبة- بل لأنهما غير مطابقتين لمعايير الاستمرارية الأدبية.

وهذا ليس حكرًا على حسن، الأمر متكرر مع الكتّاب المستمرين في الظهور على الساحة الآن مثل أحمد مراد ورفاقه، وهذا تأكيد مني على أن ما يُسرد هنا ليس شخصيًّا بالمرة.


نقطة في بحر الأدب

لكن هذه نقطة بسيطة جدًا في بحر من الأسباب، لنقفز مباشرة إلى منطقة البرزخ، المنطقة الفاصلة بين الأدب الحقيقي والأدب المزيف، المنطقة التي يتدارك فيها الإنسان أن ما فات شيء وما هو قادم شيء آخر تمامًا. تتمثل الحالة الشعورية هنا في تدارك أن الكاتب يقدم روايات الرعب بمنظور الاقتناع التام، وليس على أنه فانتازيا بحتة لا تنتمي لأرض الواقع. بعيدًا عن المعيار اللاهوتي في الحكم على الجان والعفاريت والقاطنين بين طيّات الصخور والمحلقين في سماء الصحاري، دعونا نتحدث بمعيارية المنطق خارج نطاق الأدب نفسه.

حسب ما أتذكر جيدًا، اعتمد حسن الجندي على الترويج لأعماله من روايات الرعب عن طريق دمج حياته الشخصية مع العمل. فمثلًا في وقت اقتراب صدور رواية العائد (الجزء الثالث من ثلاثية مخطوطة ابن إسحاق)، قام الكاتب بنشر صور كثيرة على حسابه الشخصي بفيسبوك يظهر فيها واقفًا أمام حائط منقوشة عليه طلاسم استدعاء جان، بينما صورته الشخصية نفسها تظهر عليه يد مرسوم عليها طلسم. بعيدًا عن عدم إيماني بتلك الخرافات وتحيزي الواضح للإيمان بالعلم على حساب الخرافة، ما فعله الكاتب هنا غير منطقي.

حسن الجندي أبرز كتّاب الروايات المصريين

حسن الجندي في شقة قال إنه استخدمها للكتابة من وقتٍ لآخر.

من الطبيعي أنه عندما يتم تقديم عمل فانتازي، أن يُقِر الكاتب أن عمله فانتازي ولا ينتمي لأرض الواقع بأي حال من الأحوال، مهما كذب الدجّال وصاح المشعوذ، الجهل جهل، واعتناق الملايين للجهل لن يحيله علمًا فجأة. وإذا لم يرد الكاتب الإقرار بذلك كتابيًّا، على أقل تقدير لا يجب إظهار أن تلك الأشياء فعليًّا تتملك من حياته بشكلٍ هدفه الأول والأخير هو إقناع الناس أن ثلاثيته الروائية عن الجان والعفاريت حقيقية ومأخوذة عن تجارب فعلية له على أرض الواقع مثلًا، بدافع رفع المبيعات (وبالفعل صدرت الرواية بطبعة ضخمة عن دار نون في معرض الكتاب لنفس العام).

هنا يحضرني أن الميلياردير الراحل نهاية عام 2020 المنقضي James Randi – جايمس راندي قام بطرح مسابقة جائزتها هي مليون دولار أمريكي، فقط ليظهر أحدهم له بشيء يُثبت أن هناك قوى ما ورائية تتحكم في الحياة من حولنا، ولسنين وسنين لم يفز أحد، ولن يفوز أحد. فالذي قام به حسن الجندي لم يتحدَ فقط المنطق الإنساني البحت، بل أيضًا كان وسيلة رخيصة للتسويق لمنتج للأسف بات الشباب مقتنعًا بما هو مسطور بداخله مع الوقت.

اقرأ أيضًا:


ثأثير ثلاثية حسن الجندي على حياة القرّاء الشباب

حسن الجندي من أبرز كتاب الروايات المصريين

روايات حسن الجندي الرعب المتلحف بالخرافة.

تلك الثلاثية تحديدًا أثارت الكثير من الشكوك عند المصريين بخصوص عمارة (رشدي) الموجودة بالإسكندرية، والتي نُسجت حولها قصص خيالية كتلك لسنين طويلة، ولسنين ستأتي، لأن العرب يعشقون الخرافة. كما دفعت بعض الشباب الآخرين (وهؤلاء كانوا من أصدقائي المقربين بالمناسبة) لشراء كتب من سوق النبي دانيال وسور الأزبكية بأسعار فلكية للغاية مكتوبة عليها عبارات مثل: السحر الأسود – التعاقد مع الجان – تسخير الجان – طلاسم الشموس… إلخ. كلها كتب هراء في هراء، ولاقت رواجًا مهولًا بعد تلك الثلاثية، وتسارع أصدقائي لتجربة الطلاسم الكوميدية المرسومة فيها.

مخطوطة ابن إسحاق - روايات الرعب

من روايات حسن الجندي – الغلاف الأمامي لرواية مخطوطة ابن إسحاق الجزء الأول.
من روايات حسن الجندي – الغلاف الأمامي لرواية مخطوطة ابن إسحاق الجزء الأول.

ولن أخفيكم سرًا..

تلك الطلاسم…..
…………………………

……………………………….

…………………………………..

أتعتقدون أنها نجحت فعلًا؟ أنتم كوميديون جدًا، هل أنا ساذج مثلًا لأخدع بتمثيل أحدهم عليّ؟ أو غير واعٍ لدرجة تُعميني عن رؤية الأسى الواضح في عيون من جربوا تلك الطلاسم الهزلية وفشلوا فشلًا ذريعًا؟ كوميديا فعلًا.

لكن عند ترك حسن الجندي جانبًا، والنظر إلى أعمال ستيفن كينج مثلًا، والتي تنتمي حقًا إلى أدب الرعب، سنرى أن الكاتب لم يظهر في أي منصة أو لقاء تلفزيوني وقال إن الكائنات خاصته تلك حقيقية أو أنه عاصر كائنًا ما ورائيًّا مثلًا.

أما من الناحية الأخرى، فهناك كتّاب ظهروا بجانب حسن الجندي فعلًا، وقدموا أعمالًا مشابهة لأعماله جدًا، لكن في النهاية حادوا عن مسلك الخرافة. لا أعلم إذا كانوا حادوا لعدم إيمانهم بالخرافة، أم لأن السوق كان محتكرًا بالفعل من قِبل حسن وقتها، لكن النتيجة مبشرة على كل حال. وهؤلاء الكتّاب على رأسهم محمد عصمت، والذي نسج لاحقًا روايات جيدة أدبيًّا وفنيًّا مثل (ذاتويّ).

ما الهدف من مقالي؟ مجرد دردشة.

هل طعنت في أحدهم؟ بالعكس، قلت مجرد رأي شخصي (أعلم أن رسائل التهديد من دراويش حسن الجندي المتعصبين في الإنبوكس آتية لا محالة).

هل أحب أن أرى لحسن الجندي أعمالًا في المستقبل؟ حسنًا، هذا يعود إليه، لكنني فقدت الشغف في أعماله منذ أمد، ولن أسترده بسهولة.

ذو صلة

لك أيضًا:

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة