بين أمينة وسارة بطلات إحسان عبد القدوس: هل على المرأة أن تكون في انتظار الفارس المخلص؟
صورة المرأة في روايات إحسان عبد القدوس
لكن على كل حال صورة المرأة في روايات إحسان عبد القدوس شغلت الكثير من الباحثين ويشغلنا في هذا المقال شخصيتان من روايتين له بينهما ثيمة مشتركة سنحاول عرضها..
عقدة “المتخلص” عند إحسان عبد القدوس
“انا دوري إني أطمنك أما انتي دورك ماتغبيـش
مسؤولة مني في كل شيء إلا الغيـاب
ومهمتك لو في زعل حلو العتـاب
مش عايز المح غير دموع فرح في عينيـكِ
اديني اي جرح وخلي الفرح ليـكِ”
على أي وضع– على الهلباوي. أغنية يظهر بكلماتها عقدة المسيح\المخلص
بالرغم من أن (عقدة المسيح/المخلص – savior complex) لم ترد ضمن التصنيف العالمي للأمراض والعقد النفسية؛ الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس الصادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، إلا أنها تعد من أشهر العقد النفسية التي تتواجد بين الأشخاص، ليس فقط المرضى ولكن حتى الأسوياء.
ويمكن تعريفها على أنها: “بنية نفسية تجعل الشخص يشعر بالحاجة إلى إنقاذ الآخرين، وهذا الشخص لديه ميل قوي للبحث عن الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة”، وما ينتج عن تلك العقدة هو الشعور الدائم والملح عند الشخص لإنقاذ الآخرين وفناء نفسه في مقابل سعادتهم وراحتهم.
ويمكن مجازًا إطلاق لفظ “عقدة المتخلص” على الطرف الثاني، أو بمعنى أصح الشخص المنتظر دومًا لمسيح مخلص ينقذه من الضياع ويعمل على تحقيق سعادته وإخراجه من الظلام للنور. وما أكثر الأفكار النمطية المنتشرة عن الإناث في المجتمعات العربية أنها ضعيفة مكسورة الجناح تحتاج الرعاية دومًا.. وهنا ماذا حدث عندما حاول عبد القدوس كسر تلك الصورة النمطية؟!
أنا حرة: السم في العسل
أنا حرة هي رواية للكاتب إحسان عبد القدوس صدرت عام 1945 وتم تحويلها لفيلم عام 1995 من إخراج صلاح أبو سيف، لا يمكن فصل الحقبة الزمنية التابع لها الرواية والفيلم كذلك، بالإضافة إلى الطبقة الاجتماعية التي تنتمي لها البطلة عن فهم وتحليل تصرفات أمينة فكلها عوامل مهمة أدت لتكوينها.
وأمينة هي البطلة، يمكن تصنيفها على أنها فتاة خرجت عن المألوف، فهي تنتمي لطبقة اجتماعية متوسطة في وقت كانت أقصى تعليم تحصل عليه الفتاة في تلك الطبقة -إن كانت محظوظة- هو البكالوريا، ما بالك أن تصل للدراسة في الجامعة الأمريكية!
أما عن الخلفية التربوية لأمينة، فقد تمت تربيتها على أيادي عمتها بعد موت والدتها وعدم قدرة والدها على الاعتناء بها بمفرده فاكتفى أن تكون مشاركته مادية فقط -وهو ما سيتغير لاحقًا- ليوفر لها كل ما تطلبه. ومن هنا يظهر غياب النموذج الذكوري الأول في حياتها والذي بالتأكيد أثر في نظرتها للرجال بشكل عام والتحكم الأبوي بكافة أشكاله بشكل خاص.
يستبدل نموذج أبيها الأول نموذجًا آخر ممسوخًا، وهو زوج عمتها الذي كانت تكرهه وتكره سلطته غير المستحقة -من وجهة نظرها- عليها. وبسبب كثرة المشاكل بينهم تطلب أمينة من والدها الانتقال للعيش معه وفي النهاية تنجح في ذلك.
حاولت أمينة في كل فرصة أن تثبت أن لا سلطة عليها سوى نفسها، فهي ذات إرادة حرة ويمكنها أن تفعل ما تشاء سواء في الدراسة أو العلاقات العاطفية. ففي الدراسة أصرت على أن تكمل تعليمها العالي ودخول الجامعة الأمريكية لتدرس التجارة ومن ثم عينت في وظيفة قبضت منها مرتبًا خياليًا لا يحلم بربعه أي رجل ممن كانت تتم مقارنتها بهم طوال عمرها. أما عن العلاقات العاطفية فيعيد من أكثر الحوارات شهرة من الرواية أو حتى الفيلم هو حوار أمينة مع خطيبها أحمد.
“أنا ميهمنيش إنك توافق، كفايا أنا أوافق وعمتي توافق.. علشان توافق لازم يكون من حقك إنك متوافقش، وانت ملكش الحق دا”.
تلك الجمل التي كانت ردًا على تعليقه على وضعها لمساحيق التجميل لأول مرة يمكن من خلالها فهم جزء كبير من شخصية أمينة، فهي صريحة، ثائرة، متمردة، عنيدة وقوية لا يمكن كسرها. كلها صفات عظيمة فهل استمر الوضع كذلك؟
أمينة نجحت نجاحًا ناقصًا أكمله عباس
في الثلث الأخير من الرواية تكون أمينة نجحت نجاحًا كبيرًا لا مثيل له تقريبًا من أي ذكر أو أنثى في محيطها، ولكنها مع ذلك تجد نفسها في فهوة كبيرة من الفراغ سببها سعيها وراء التحرر وكسر كل قواعد البيت والمجتمع وفي تلك الأثناء تنسى المعنى الحقيقي للسعادة. وفي الوقت التي تتذكر به الذكور الذين مروا في حياتها بالصدفة ترى مقالًا لعباس في الجريدة وتقرر التواصل معه.
عباس هو شاب من مراهقة امينة أخو صديقتها وكانت قد دخلت معاه في نقاش سابق عن الحقوق والحريات وأهميتها كفرد مستقل بذاته غير تابع لآخر. وبعد صراع طويل مع نفسها ورغباتها ومشاعرها تدخل أمينة في علاقة معه فقط دون الزواج لتنتهي الرواية برد أمينة على سؤال متى تتزوجون بـ “أنا حرة”.
اللافت للنظر هو تغيير أمينة الجذري منذ بدء علاقتها بعباس، أصبحت لا تناقش في حقوق المرأة ولا تعاند. بل و يصفها الكاتب بأنها ذات روح سعيدة منطلقة تشبه الفتيات في السابعة عشر من عمرهن، وأنها أصبحت سعيدة بحق. وكأن كل ما وصلت إليه من إنجازات وتحقيق لذاتها واستقلالية أمور لا تدعو للسعادة ووجود ذكر في حياتها وحده هو ما حقق سعادتها الكاملة!
جيـت وسيبت الدنيـا دى بحالها علشانـك
تمحي كل عذابي بلمسه من حنانـك
وبعينك أشوف حقيقـي أد ايه حلوه الحيـاة
وبأيدك تفتح طريقـي لما يبقى لحظة تـاه
محتجالك فوق ما يتصور خيالك، محتجالـك
عمري من الاشواق ندالـك”
جزء من أغنية محتاجلك– وردة، يظهر به عقدة “المتخلص”.
قلبي ليس في جيبي: سارة بين صراع المال والمشاعر
قلبي ليس في جيبي رواية أخرى من قبل عبد القدوس تم تحويلها هي الأخرى لعمل درامي (مسلسل) يحمل نفس الاسم عام 1994، وصدرت الرواية نفسها عام 1990 في آثار فترة الانفتاح التي عاشتها مصر في الثمانينات. نجد سارة وهي فتاة مختلفة كلية عن المحيط بها، سواء في بشرتها وملامحها السمراء أو حتى ذكائها الاجتماعي الذي مكنها من تحقيق نجاحات كثيرة ولا سيما على المستوى المادي.
فنجد سارة على مدار الرواية تستغل كل من تقابله لتحقيق غايتها، سواء هدى هانم أو مايكل أو عبد النور فكلهم كانوا أدوات في يديها. هدى هانم أعطتها عملًا لا تحلم بربع مرتبه وساعدتها على فهم أصول وقوانين التجارة بالإضافة إلى الطرق المتعددة لتهريب البضائع، وأما مايكل فكان أداتها للوصول إلى السوق البريطانية كمواطن بريطاني (عن طريق زواجهم) مما ساعدها في تحقيق ثروة هائلة. أما عن عبد النور كان فاكهة الاستغلال، فـ بالإضافة إلى النفع المادي الكبير الذي حققه لها كان يشبع رغباتها الجنسية والعاطفية غير المشبعة من زوجها مايكل ذي الميول الجنسية الغريبة.
قلب سارة بالفعل “ليس في جيبها”
تعود البطلة بعد نقطة الصفر، فبعد النجاح والمال والسفر والاستقلالية والمكانة الاجتماعية تجد سارة نفسها أمام حقيقة أنها وحيدة وتحتاج لذكر يملأ حياتها بحب وعطف واهتمام بشكل سوي. وبعد كل هذا الجبروت والاستغلال والأنانية التي عاملت بها سارة الجميع تقع في حب السائق الخاص بها أسمر البشرة -كـبشرتها تمامًا- ولكنها تظل في حيرة بين الاستسلام لتلك المشاعر والانجراف معاها وبين الحفاظ على ثروتها ونفسها من استغلال رجل لها تحت مسمى الحب.
لتنتهي الرواية مرة أخرى بوضع المرأة في إطار الشخص الناقص -بالرغم من نجاحاتها المتعددة- فهي لا تشعر بالسعادة ولا تتهنى بهذه النجاحات بسبب عدم وجود رجل/شريك حياة في حياتها.
اقرأ أيضًا:
الإسكندرية مدينة الرب في روايات تحكي ما فعله الزمن بها!
في روايات إحسان عبد القدوس ماذا نريد أن نقول عن صورة المرأة؟
مرة أخرى، الحب والمشاعر والارتباط سنة الله في الأرض منذ خلقها وحاجة أساسية للإنسان في قاعدة هرم ماسلو. فنحن لا ندعي إطلاقًا للعزوف عن العلاقات العاطفية، من يقدر على ذلك في الأساس!
ولكن ما نحاول قوله هو: هل على المرأة -والمرأة بالتحديد- أن تكون في انتظار فارس مخلص ينتشلها من الضياع والحزن والجفاء التي تعيش به؟ ناهيك عن أن علاقة المخلص-المتخلص بشكل عام أيًا كان نوع الطرفين وعلاقتهما هي علاقة سامة تستهلك الطرفين ولا يستفاد منها أي شخص.
إذا كان الكاتب إحسان عبد القدوس أفضل من تكلم بلسان المرأة، فلماذا أصر في روايتين في حقبتين زمنيتين متخالفتين على إظهار الأنثى بهذا الشكل الضعيف المنتظر دائمًا لمن يخلصه؟
لك أيضًا:
هل كان سي السيد عدوًّا للمرأة؟ حديث عن شخصية نجيب محفوظ الأبرز
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.