النساء! لغز الحياة الأكبر.. تلك القصة التي لا تنتهي! من يفهم المرأة يمكنه أن يحكم العالم بسهولة. هكذا أعتقد أنا على الأقل. من يمكنه أن يفهم هذا الخليط المدهش من المتناقضات. المرأة فقط يمكنها أن تتألم وهي سعيدة، وأن تبكي وهي تضحك!
في طفولتي شاهدت فيلم أمريكي اسمه (The Fifth Element – العنصر الخامس)، بدون أن أخوض في حكاية الفيلم الغريبة نوعًا، والمبنية على الخيال العلمي، ولكن فكرة الفيلم كانت تعتمد في الأساس عن وجود عنصر خامس، يمكنه أن يوحد قوى الطبيعة الأربعة (الماء- الهواء-النار-التراب)، ويعادل قواهم من أجل إنقاذ العالم. والمرأة كانت هذا العنصر في الفيلم!
نساء صغيرات مدهشات
بالتأكيد لن أتحدث اليوم عن هذا الفيلم. ولن أتحدث عن عن أمور متعلقة بالخيال العلمي والخوارق. بل سأتحدث عنا نحن النساء العاديات، ولكن من وجهة نظر (Louisa May Alcott – لويزا ماي الكوت) كاتبة الرواية الشهيرة (Little Women – نساء صغيرات)، والصادرة عام 2019 في نسختها العربية الحديثة عن دار التنوير بترجمة (مها محمود صالح).
تعد رواية (نساء صغيرات) أحد أشهر الأعمال الكلاسيكية في العالم، وقد تحولت إلى العديد من ألاعمال الفنية والقصص المصورة، كما تم تشخيصها على المسارح، وتحولت إلى أكثر من عمل للأطفال، فهي رواية رائعة لم تترك فنًا إلا وساهمت فيه، سواء سينما أو تليفزيون أو رسوم متحركة، أو حتى أوبرا.
وتم اختيارها ضمن قائمة The Big Read، وهو استفتاء نظمته ال BBC لاختيار أكثر الروايات التي أحبها القراء في التاريخ، لتحتل الرواية المركز الثامن عشر في قلوب القراء، على الرغم من مرور أكثر من 150 عام صدورها الأول.
نشرت الرواية لأول مرة عام 1868، ومازالت شابة لا تشيخ لها مكانة كبيرة في قلوب القراء، وهي في الأصل مقتبسة من تجارب طفولة الكاتبة مع شقيقاتها الثلاثة (إليزابيث، آنا، أباجيل)، وكان عنوان الرواية الأصلي مكتوب على غلافها كالتالي: (Little Women, Meg, Jo, Beth, and Amy – نساء صغيرات، ميج، جو، بيث و اَيمى)، أسماء الشقيقات الأربعة بطلات العمل، الصغيرات في السن القادرات على العمل من أجل مساعدة عائلتهن.
من هي لويزا ماي الكوت؟
في الأساس، تعد (لويزا ماي الكوت) كاتبة وروائية أمريكية ولدت في نوفمبر عام 1832، كتبت العديد من القصص القصيرة وقصائد الشعر. نالت شهرتها بفضل روايتها (نساء صغيرات)، التي نٌشرت في سنة 1868 وأجزائها (Little Men – رجال صغار) و(jo’s boys – أبناء جو).
أشتهرت كثيرًا في عالمنا العربي بأنها كانت تكتب للأطفال وأن أعمالها كانت موجهه اليهم. ولكنها عندما كتبت روايتها الأشهر (نساء صغيرات) كانت تكتب عن نفسها وأخوتها، وحتى أنها أستوحت أغلب أحداثها من أحداث حياتهم اليومية.
نشأت (لويزا) بين العديد من مشاهير ومثقفي زمانها، مثل: (رالف والدو إمريسون) و(ناثانيل هاوثورن) حيث كان والدها يعمل في مجال الكتابة.
عانت الأسرة من صعوبات مالية، مما أضطر (لويزا) للعمل في سن مبكرة لأعانة أسرتها، فبدأت بأعمال الحياكة والتمريض، ولكنها سعت أيضًا للعمل في مجال الكتابة، فنشرت في بداية حياتها مجموعة أعمال أدبية للبالغين تحت أسم (أ. م برنارد)، وكانت أغلب هذة الأعمال تدور حول فكرة الجاسوسية والأنتقام.
رواية نساء صغيرات وسر تعلق القراء
أستغرقت كتابة الرواية من (لويزا) حوالي الشهرين والنصف، كتبت فيهم بلا أنقطاع واصفة الكثير من الأحداث التى مرت وأثرت بها بالفعل. كتبت بشفافية شديدة حتى أن بعض النقاد وصف الرواية بأن القارىء يشعر أنه يتطلع من نافذة إلى روح الكاتبة؛ حتى تحولت الرواية لأيقونة من أيقونات الأدب العالمي.
تدور أحداث الرواية في مرحلة حرجة من تاريخ الولايات المتحدة، فترة الحرب الأهلية التي نشأت بين ولايات الشمال والجنوب، فيترك السيد (مارش) أسرته في حالة مادية صعبة، ويذهب ليشترك في الحرب. وهنا أحد أهم الأختلافات بين الرواية وحياة الكاتبة الأصلية حيث كان والد الكاتبة السيد (الكوت) مهتمًا بالسلام، وداعيًا له ولم يشترك في أي حرب طوال حياته.
وإستجابة لنجاح الرواية الساحق في وقتها، كتبت (لويزا) الجزء الثاني من الرواية عام 1896 بعنوان (Good wives – زوجات جيدات) تستكمل فيها مراحل حياة شقيقاتها. وتدور أحداثه بعد ثلاث سنوات من نهاية الفصل الأخير في الجزء الأول. وقاومت فيه بشدة أن تنفذ رغبة القراء في رؤية زواج البطلة وقاصة الرواية (جو) من (لوري) صديق طفولتها.
الحقيقة أن هذا النوع من الروايات الكلاسيكية مثله كمثل روايات (جين أوستن)، من الصعب جدًا تلخيصه في عدة سطور دون الأخلال بالنص الأصلي. وهذا يعدّ أحد أكبر عيوب أغلب ترجمات هذه الأعمال! حيث أن أكثر النسخ المترجمة من هذا العمل تجدها ملخصة بشكل مزري فتجعل القارىء يتسائل في كثير من الأحيان، عن أين تكمن الروعة في هذا العمل؟
السر يكمن في أبطال الرواية
روعة هذا النوع من الكتابة تكمن في الوصف الدقيق والتفاصيل التي كانت في الحقيقة مهمة للكاتب نفسه أكثر من أهميتها للقارىء؛ لذلك وجدت أنه من المناسب أن أتحدث عن بعض شخصيات العمل بدلاً من محاولة إعطاء نبذة عنه.
جوزفين – جو: ابدأ بها لأنها بطلة العمل وكاتبة القصة وهي المعادل الموضوعي لشخصيىة (لويزا الكوت) في الحقيقة. لها شخصية مشاكسة جرئية تتسبب لها بالمتاعب، تصف نفسها في أحد فصول العمل بأنها أشبه بالصبية منها للفتيات. شغوفة بالكتابة وقريبة جداً من شقيقتها الأصغر (بيث) التي تحاول مساعدتها طوال الوقت لتصبح فتاة مثل فتيات هذه الحقبة الزمنية. (جو) في الخامسة عشر من عمرها وهي الثانية في الترتيب بين شقيقاتها تسبقها (مارجريت- ميج) وتليها (إليزابيث- بيث). في الرواية ترفض (جو) على الدوام فكرة الزواج من (لوري) صديق طفولتها وتسافر فيما بعد إلى نيويورك حيث تتزوج من البروفسور الألماني (فريدريك بيير).
مارجريت – ميج: الأخت الكبرى وهي النموذج المثالي للفتاة الكلاسيكية في زمنها، جميلة ومهذبة تقوم بحل الخلافات بين شقيقاتها وتلعب دور الأم أثناء غياب السيدة(مارش) والدة الفتيات. بسبب ظروف الأسرة المادية التي تسببت فيها الحرب وغياب الأب، أضطرت (ميج) إلى العمل كمربية لأسرة ثرية في المدينة تقع في حب السيد (جون بروك) معلم (لوري) ويتزوجان لتنجب التوأم (مارجريت)و(جون لورانس) تنجب في الجزء الثاني من الرواية الطفلة (جوزفين- جويس) ليصبح هؤلاء الأطفال فيما بعد هم أبطال رواية (أبناء جو).
إليزابيث – بيث: الأخت الثالثة والأكثر خجلاً، لا تهوى الخروج من البيت، وتحب العزف على البيانو و تربية القطط، قريبة من (جو) رغم الأختلاف بين شخصيتهما، تذهب لزيارة والدهم المريض، فتلتقط عدوى الحمى القرمزية من أحد أطفال العائلة، تمرض بشدة وتتفانى كلًا من (ميج) و (جو) في تمريضها بلا جدوى، يتركها المرض ضعيفة جدًا، ومع أحداث الرواية تصاب بمرض السل وتموت، ليترك موتها بالغ الأثر في نفوس الجميع وخاصة (جو). بعض النقاد أعتقدوا أن أختيار (لويزا) لموت شخصية (بيث) بالتحديد، جاء من قناعتها الشخصية بصعوبة بقاء الشخصيات التقليدية واستمرارها في الحياة.
إيمي كورتيس: الأخت الصغرى، تصفها الكاتبة بأنها فتاة جميلة ذات شعر أحمر وعينين زرقاوين وأنف مسطح بسبب حادثة في طفولتها عندما أوقعتها (جو) على الأرض. علاقتها بـ (جو) متوترة جدًا طوال الرواية حتى أنها في نهاية الرواية تقرر الزواج من (لوري) الذي رفضت (جو) الزواج منه. فنانة موهوبة شغوفة بالأبداع، ولكنها تتخلى عن الفن بعد اسفارها الكثيرة مع العمة (مارش) ورؤيتها لأعمال فنانين مثل (مايكل أنجلو) و(رافييل) فتعرف أنها لا تملك ما يمكن تقديمه في هذا المجال.
نساء صغيرات في عيون السينما
تعدّ رواية (نساء صغيرات) من أكثر الأعمال الأدبية التي تمّ تناولها سينمائيًا. وما لا يعرفة البعض أن هناك تسع نسخ سينمائية معدلة عن الرواية. أولها كان عام 1918 من بطولة (دوروثي برنارد) و(كيت ليستر). وهناك أيضًا نسخة عام 1933 من بطولة (كاثرين هيبورن) في دور (جو) الذي ترشح لجائزة الأوسكار.
أما النسخة الأكثر شهرة، فهو الفيلم الذي أنتج عام 1994، ولعبت بطولته (سوزان سارندون) مع و(وينونا رايدر). وهي أكثر النسخ شهرة في العالم العربي، حتى أن ممثلين تلك النسخة أنطبعت صورهم في وجدان البعض على أنها شخصيات الرواية الحقيقية.
وفي العام الماضي 2019، تم أنتاج فيلم أخر مقتبس من نفس الرواية، لعب بطولته كلاً من (ميريل ستريب)، (سيرشا رونان)، (إيما واتسون)، (فلورنسا بف)، (إيليزا سكانلن)، (تيموثي شالاميه).
من الجدير بالذكر عندما نتحدث عن رواية بحجم (نساء صغيرات) أو غيرها من روايات عصرها أن نذكر أن قراءة الرواية بلغتها الأصلية ستظل تحمل المتعة الأكبر، وهي أكثر ما سيجعل القارىء يشعر بمدى جودة العمل، لأن أغلب الترجمات أو الأعمال السينمائية والمسرحية تم تنقيحها بشده؛ لتتناسب مع الحيز الزمني في كل فترة من الفترات. فنجد مثلًا أن أقدم نسخة موجودة عن الرواية يتجاوز عدد صفاحتها الـ 700 صفحة، في حين لا تتعدى أغلب الطبعات الحديثة الـ 400 صفحة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.