ترشيحات أراجيك للقراءة في شهر المرأة: 5 روايات عربية بطلاتِها رموزٌ نسائية مؤثرة
10 د
في بداية كل شهر، وكمّا عودتكم مجلة أراجيك العربية، نقدّم لكم مجموعة من أفضل الكتب الأدبية، والتي نُرشحّها لقرّائنا الأعزاء بقوة، ولكن بما أنّ هذا الشهر مميزًا جدًا، لكونه شهر مارس المعروف بشهر المرأة، فقررنا في هذا المقال أن نُقدم لكم خمس روايات عربية نسائية، كان للمرأة فيها دورًا بارزًا، وقيمة ثمينة كأنثى، بل وكانت فيها أيضًا رمزًا لقيم عليا، بعيدًا حتى عن كونها امرأة. سنتعرف في هذا المقال على خمس سيدات، (ليلى، عزيزة، دارية، فؤادة، وأيّوبة)، وسنعرف كيف تركت كل منهنّ، عظيم الأثر في نفوس القُرّاء والقارئات على الأخص.
نرشح لك قراءة: أفضل 10 روايات عربية على الإطلاق
5 روايات عربية بطلاتِها رموزٌ نسائية مؤثرة
الباب المفتوح
كان لابدّ وأن تكون كاتبة رواية الباب المفتوح امرأة، كان لابدّ لتلك الكلمات التي تفيض قوةً وحريّةً وحبًّا محمودًا للنفس، أن تنبعث من عقل امرأة، وهي لطيفة الزيّات، واحدة من أهم الكاتبات المصريات اللاتي عاشوا في القرن الماضي، والتي تأثّرت بشكل واضح بالأحداث السياسية التي مرّت على مصر في عهدها، وهو الشيء الذي ظهر بقوة في روايتها الباب المفتوح.
نرشح لك قراءة: من هي لطيفة الزيات؟
تدور الرواية عن ليلى وأسرتها في الفترة ما بين الأربعينات، وحتى العدوان الثلاثي، وفيها نرى التحوّل الذي حدث لهذه الأسرة، والتي تمثل الكثير من الأسر المصرية في ذلك الوقت. ليلى نموذج للفتاة التي يعمل عقلها بطريقة تختلف عن المعظم من بنات جيلها، فهي لم ترضخ مثلًا للفكر التقليدي السائد وقتها، والذي يُفضّل الذكر على الأنثى، ويحث الرجل على الحب، بينما يُحرّمه في نفس الوقت عن المرأة.
نرشح لك قراءة: نون النسوة في الأدب العربي: هل أثرت عليها الصوابية السياسية دائمة التغيُّر؟
في النصف الأول من الرواية نرى ليلى وهي تسأل الكثير جدًا من الأسئلة التي لم تجد لها إجابة شافية. وتزيد الأمور سوءًا، بمجيء أول صدمة حقيقية في حياة ليلى، والتي طعنتها في القلب مباشرة، لتُشعرها بمزيدٍ من القهر، والخذلان، وعندها تُظْلِم ليلى التي كانت مُحبةً للحياة، وتتخبط في صراعاتها مع نفسها، فاقدةً للثقة في كل شيء.
«ثم إنّ الحب لا يُستجدى، هو إمّا موجود أو غير موجود».
وتأبى لطيفة الزيات أن تترك ليلى، أقوى الرموز النسائية في تاريخها الأدبي، وواحدة من أقوى الشخصيات النسائية في الأدب العربي المعاصر، تُعاني بدون أن تمدّ لها يد المساعدة، والتي جائت على شكل رجل، اسمه حسين، مؤمن بالمرأة أكثر من إيمان المرأة نفسها بذاتها. حسين الذي اختار أن يُنير لليلى الطريق نحو الحرية، نحو حبها لنفسها وإيمانها بها، بدلًا من أن يقودها هو بنفسه لتمشي ورائه بلا وعي، شاعرة بأنّه المنقذ التي لولاه ستموت. أراد حسين من ليلى أن تكون هي مُنقذة نفسها، وهو أعظم شيء قد يفعله رجل لامرأةٍ يحبها.
«السكّة اللى ضرورى تمشيها لوحدك».
لن تجد للرواية التي صدرت منذ ستين عامًا بالتمام والكمال، شعبية كبيرة بين قارئيها القلائل من الذكور، كما هو الحال مع قارئاتها من الإناث، لأنّ الرجال في مجتمعنا لا يتبنون هذه النظرية، أن تكون المرأة منقذة نفسها، أو أن تكون لها الحرية الكاملة في الاختيار، أو ألا تذوب وتختفي في ظل رجلها. اقرأ معي جملة لطيفة الزيات البديعة التي وجهها حسين في خطابه لليلى، والذي يراه البعض مُبالغًا فيه بالمناسبة.
«لا أُريد منك أن تُفني كيانك في كياني»
ما زاد من روعة رواية لطيفة الزيات، الكاتبة ذات الحساسية الفائقة، هي الرسائل التي مرّرتها لكل أنثى عبر سطورها، والمتمثلة في حوار ليلى الداخلي، حيرتها وانكسارها وهزائمها المتكررة، كل هذه الأشياء التي تُطمئن بها لطيفة الزيات كل امرأة، بأنّه من الطبيعي مرورها على كل فتاة يومًا ما، كما أنّ خطاب حسين لليلى، هو في الحقيقة رسالة واضحة جدًا لكل امرأة، رسالة يجب عليها أن تعيها هي وحدها، حتى وإن لم يخبرها بها رجل، فالمرأة لا تحتاج لمباركة الرجل حينما تقرر أن تعيش حرة، مثله تمامًا، لم ينتقص الله منها شيء، قدر ما انتقص المجتمع، وأفكاره البالية.
دارية
عندما نسمع اسم سحر الموجي، تطل على الأذهان كلمة (نون) بعدها فورًا، وهي روايتها الأنجح والأشهر، بالإضافة لرواية سيدة المنام، ولكنّنا هنا اليوم لنتحدث عن دارية، وهي رواية سحر الموجي الأولى، والتي صدرت في عام 2008، وصحيح أنّ نون تفوقت عليها أدبيًا وجماهيريًا، إلا أنّ بدارية نموذجًا نسائيًا جديرًا بالاهتمام، خاصة أنّ شخصية دارية، أقرب أكثر إلى الواقع.
دارية.. ذات الاسم المُلفت للنظر والذي له مدلول هام جدًا في الرواية، فدارية هي التي دَرَتْ، متأخرًا نعم، ولكن كما يقولون، أن تأتي مُتأخرًا، أفضل من ألّا تجيء أبدًا.
نرشح لك قراءة: الـ Feminism: من المطالبة بالحقوق السياسية إلى الثورة الجنسية ! – تقرير
في بداية الرواية نتعرف على دارية، وهي المرأة التي تُشبه كثيرًا من النساء المتزوجات واللاتي ينتمين للطبقة المتوسطة، أو ربما الأعلى بقليل، هي زوجة وأم ممتازة، وامرأة عاملة تحب وظيفتها، ولكن ما عاب دارية في نظر سيف زوجها، لم يكن تقصيرها كزوجة وأم، بل مجرد في أن يكون لها اهتمامات أخرى، كحب دارية للقراءة وكتابة الشعر مثلًا. استنكر سيف هذه الفكرة، وكأنّ دارية خُلقت فقط من أجل أن تؤدي واجباتها تجاه أسرتها، وكأنّها انتهت كانسانة يوم تزوجت.
«ما أقدرش أدّي اﻵخرين وأنا تعيسة. لما أقرأ كتاب يغذيني، لما باكتب شعر، بأكون في أحسن حالاتي وأدّي، ليه بتسميها أنانية؟».
رفضت دارية أن تمشي على الطريق المرسوم لها، والذي لا يخرج عن إطار الأم والزوجة فقط، ولكن سيف، والذي يرمز اسمه في الرواية إلى القطع والحدة، هو رمز للرجل الشرقي التقليدي في نظر سحر الموجي، الذي ربما تبدو عليه من الخارج أمارات الثقافة والوعي، إلّا أنّ تفكيره كان مشوّها بخصوص طبيعة المرأة، واحتياجاتها النفسية ككائن مثله تمامًا.
«لو كل الناس شافت جناحاتهم ، كان العالم بقى أجمل من كده بكتير».
دخلت دارية دائرة الوعي، بكثيرٍ من التخبّط والألم، وحينما قرّرت ألا تعيش تعيسة، وقعت في فخ سوء الاختيار مُجدّدًا، ولكنّنا نعلم أنّ امرأة مثل دارية وإن سقطت، لابد وحتمًا أن تقف على قدميها مُجدّدًا.
الحرام
لم يأتي لقب يوسف إدريس “أديب الواقعية المصرية” من فراغ، فيوسف إدريس استطاع أن ينقل بصدقٍ شديد في رواياته وقصصه القصيرة، مشاهد حقيقية من حياة النّاس في مصر، خاصة في القرى والنجوع، والحقيقة أنّه تعامل بعين الحق أيضًا، في نظرته للمرأة في المجتمع المصري خلال القرن الماضي، باختلاف طبقاته، ولهذا ظهرت المرأة في كتاباته بشكل واقعي، فهو لم يُجحف حقّها، ولم يُبالغ في تملّقها أيضًا.
نرشح لك قراءة: روايات رائدة فتحت الباب للأدب النسوي
في رواية الحرام، جسّد لنا يوسف إدريس رمز الأنثى المغلوبة على أمرها في مجتمع فقير، ويغلب عليه الجهل للأسف، وذلك من خلال شخصية عزيزة، وهي المرأة فقيرة الحال التي تعمل مع عُمّال التراحيل، الذين يذهبون للعمل منذ شروق الشمس لغروبها في أراضي التفتيش، وهي الأراضي التي يمتلكها أعيان البلد، وفي مقابل ذلك يحصل عمال التراحيل على نقودٍ قليلة لا تُكفي لسد حاجتهم.
وجدت عزيزة نفسها مضطرة لهذا العمل القاسي ذو الأجر الزهيد، كي تُعيل زوجها المريض والعاجز عن العمل، بالإضافة لأبنائها الصغار، وبرغم كون هذا العمل صعب وقاسي بالنسبة لامرأة هزيلة مثل عزيزة، إلّا أنّها كانت سعيدة وراضية، حتى أتى ذلك اليوم الكئيب، الذي حدث به ما حدث، وانقلب كل شيءٍ، جاعلًا من عزيزة مُجرمة في نظر أهل البلد، والأقسى من ذلك، في نظر نفسها.
من هنا تبدأ روعة القصة، ويُمكننا أن نرى بوضوح النظرة العميقة للكاتب المتمّرس في قلب مجتمع القرية المصري، الذي يعرف تمامًا أثر ذلك الحادث على كل فردٍ من أفراد القرية. ففي واقع الحال، لم تكن عزيزة مُجرمة، ولكنّها مارست تلك العادة المتوارثة القبيحة، التي توارثتها الإناث للأسف على مدى سنواتٍ طويلة، وهي حمل ذنوب المخطئين على ظهورهنّ، وإنّ كنّ لم يذنبنّ هنّ.
«كنتِ عارفة أنّه حرام وعيب، لم تقاوميه كما يجب. لم تصرخي وقلتِ الفضيحة. وها قد أتتك الفضيحة الكبرى. انفضحي- إذن- يا عزيزة واشبعي فضيحة».
كان من الطبيعي أن ترى عزيزة نفسها آثمة، مُكلّلة بعار الخزي والحسرة، ففي الحقيقة، عزيزة هي رمز الأنثى المُلامة دائمًا، عزيزة هي الخطيئة التي على وشك الحدوث، عزيزة هي الحرام ذاته في نظر الجميع.
تُجسّد رواية الحرام الواقع البائس لتعريف كلمة الحرام، هذه الكلمة التي لها وقع مُقبض وخطير على النفوس، والتي سوف تدعوك للتساؤل بلا شك عن ماهية الحرام في نظر أهل البلد في نهاية الرواية، هل الحرام هو الذي “قامت به” عزيزة؟ أم الحرام هو ما “قام عليها”؟ هل عزيزة جانية؟ أم مجني عليها؟ ومتى سيُعدّ الفقر واستغلال حاجة النّاس حرامًا؟
شيء من الخوف
لو كنت مصريًا أصيلًا، فسيتبادر إلى ذهنك فور قراءة اسم هذه الرواية، الجملة الشهيرة التي سمعناها بصوت أهل الدهاشنة، في الفيلم المأخوذ عن أشهر روايات الكاتب الكبير ثروت أباظة، وهي عبارة «جواز عتريس من فؤادة باطل». وأعتقد أنّ من لم يقرأ الرواية التي صدرت في عام 1960، أو حتى شاهد الفيلم، فهو على الأغلب يعرف بالقصة الشهيرة التي تم التلميح فيها بأن قصة عتريس الظالم وفؤادة الوديعة، ماهي إلا رمز لفترة حكم عبد الناصر لمصر، والتي اتسمت بالقوة والاستبداد.
يروي حافظ أبو فؤادة حكاية عتريس ريّس الدهاشنة، الذي ورث الإجرام عن جده، والذي اعتاد أن يُُثير الرعب في قلوب أهل القرية، ولكنّ الشيء الذي لم يعلمه حافظ، أنّ عتريس لم يتمنّ قلبه من النساء سوى فؤادة، التي رأى فيها عكس كل ما كان يراه في نفسه، وإن كان يجمعهما شيء واحد فقط، وهو صلابة الرأي.
ظهرت هذه القوة حينما كانت فؤادة مجرد طفلة صغيرة، قررت أن تُضرب عن الطعام، احتجاجًا على قرار والدها، الذي أصرّ على عدم التحاقها بالمدرسة، حينها أخبرته فؤادة بأنّه حر في اتخاذ ذلك القرار، ولكنّها حرة أيضًا في أن تأكل، أو ألّا تأكل، فهذا أمر يخصها وحدها، ولم يملك حافظ حينئذٍ إلا أن يُذعن لما تُريده فؤادة حتى لا تموت من الجوع.
«كان ينظر إليها عتريس فيجن جنونًا، جميلة هي الابتسامة حتى لتجعله أكثر رغبة في فؤادة، فكأنها ابتسامة فيها من الاستدعاء معنى، ولكنها مع ذلك واضحة السخرية، وهي أيضًا ابتسامة يشيع فيها اطمئنانها الهاديء الواثق، ولكن فيها تحديًا واضحًا، ويعجب كيف يُمكن لفتاة أن تجعل التحدي واضحًا في ابتسامتها، دون أن يكون في ذلك التحدي افتعال، إنّما هو تحدي طبيعي، وصامت وصادق وواثق».
فؤادة التي حينما كبرت عُرفت بوجهها البشوش، الذي يُغري بالحديث، طلبًا لنظرات الحنان البادية في عينيها، والتي تُربت على كلٍ من له شكوى. فؤادة التي تحمل قلبًا طيّبًا نقيًّا لم يتلوث بعد، رغم كونها عنيدة الرأي، شديدة الإصرار في إيمانها بقيمة العدل والحريّة. فؤادة التي في روحها قوّة عاتية، وشجاعة، لم يتحلّ بها الكثير من الرجال في بلدتها. كانت هذه هي فؤادة، الأنثى التي رسمها قلم ثروت أباظة كنور ساطع، في لوحة شديدة الظلمة.
إنّ لشخصية فؤادة قيمة عظيمة في رواية شيء من الخوف، قيمة لكونها امرأة ترفض أن تُجبر على شيءٍ لا تريده من قبل رجل، وقيمة أهم وأشمل، وهي كونها رمزًا قويًا لكلمة “لا”، خُطّت بحروفٍ كبيرة، لا للظلم، لا للقهر، لا لسلب الحريّة، وكانت أعظم “لا” قالتها فؤادة، هي لا للخوف.
عين الهرّ
تسرد لنا الكاتبة السورية شهلا العجيلي في روايتها عين الهرّ حكاية تهم كل النّساء، فكثيرًا منهنّ سيروا أنفسهنّ في (أيوبة)، على الأقل في لمحة واحدة من لمحات حياتها المختلفة، سواء كطفلة، أو شابة، أو زوجة، أو امرأة وحيدة. أيّوبة هي المرأة التي جمعت بين سوء الحظ، وسوء الاختيار في علاقاتها، فهي لم تختر أبوها القاسي، ولا زوجها الفظّ، وحينما أُتيحت لها أخيرًا الفرصة للاختيار، ضلّلها الهوى، مرة بعد مرة.
«بيت المرأة قبرها».
بدت أيّوبة منذ بداية الرواية كالكرة المطّاطية، يتقاذفها الكل بلا حولٍ منها ولا قوة، لا يبدو على وجهها شيء من الفوران الذي يعتمل برأسها، أو من المشاعر المتقدّة بداخلها.
«كم أكره حالي عندما أبكى. لماذا كلما حاولت الدفاع عن نفسي غلبني البكاء؟».
صوّرت لنا شهلا العجيلي في الرواية، مالذي يحدث للمرأة عندما تُكسر وهي صغيرة، على يد الرجل الأول في حياتها، أبوها، وما الذي قد يتسبب فيه فقدان شعورها بالأمان، من ضياع ووحدة وأفكار بائسة، ولكن في نفس الوقت، ألقت شهلا بطوق النجاة لأيّوبة، الذي ظهر في حلقات الذكر الصوفية التي كانت تُراقبها أيّوبة سرًا، والتي ملأتها بشعور لا يُمكن وصفه، والذي أعطاها قدرة إضافية على تحمل الحياة، ومنحها أملًا في حياة أفضل.
«واليومَ، بتُّ أعرف أنّني كلّما أغرقتُ نفسي في البحث، قصدتُ الهرب ممّن يبحث عنّي، ولكن هذه المرّة، كنتُ موقنةً بأنّكَ كاللّيل الذي هو مُدرِكي».
مازال بإمكان أيّوبة أن تحلم، رغم الخيبات المتكررة، فهل كانت يا ترى هذه هي رسالة شهلا لكل النساء؟ نتمنى ذلك.
وفي النهاية: كانت هذه مجموعة روايات عربية تناولت وضع النساء وقيمتها الكبيرة في المجتمع.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.