عام للراحة والاسترخاء للكاتبة أوتيسا مشفيغ: رواية عن مفهوم الألم والوحدة والهوية
9 د
صدرت رواية بعنوان “عام للراحة والاسترخاء – My Year of Rest and Relaxation” للكاتبة أوتسا مشفيغ Ottessa Moshfegh عن دار Vintageلتناقش مفهوم الألم والوحدة والهوية.
نمر جميعًا بفترات صعبة في حياتنا بالطبع، أحيانًا تطول وأحيان أخرى تقصر، وبغض النظر عن اختلاف الظروف، الألم شعور عالمي، أغلبنا مر به وتعايش معه ولكن، بلا شك، كُلٌ بطريقته الخاصة.
فنجد البعض يلجأ للعزلة والبعض الآخر، على العكس، يلجأ إلى الانغماس في العمل أو رؤية الأصدقاء والعائلة، وآخرون يفضلون ممارسة أنشطتهم وهواياتهم المفضلة، وأيضًا نجد من يمررون الأيام من خلال النوم حتى لا يشعروا بها بتاتًا، وكلها طرق مجربة وتُحقق نسب نجاح بالطبع بناءً على طبيعة الشخص.
ولكن وجدنا أن بعضًا منها غير مجرب ولربما لم نسمع عنه من قبل، وهذا ما حاولت الكاتبة “أوتيسا مشفيغ”مناقشته في روايتها “عام للراحة والاسترخاء”.
اقرأ أيضًا:
- تودّ لو كنت تقرأ أكثر؟ تعرّف على 20 نصيحة بسيطة لتحويل القراءة لعادة يومية
عن الكاتبة أوتيسا مشفيغ
عرف الجميع الكاتبة “أوتيسا مشفيغ” من خلال روايتها “Eileen” وهي ثاني أعمالها وأول رواية طويلة لها. حيث حصدت مكانًا في القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر لعام ٢٠١٦ وحصلت أيضًا بشكل عام على آراء جيدة جدًا أعطت للكاتبة مكانة كبيرة بين معاصريها.
بعد ذلك أصدرت الكاتبة مجموعة قصصية، في عام ٢٠١٧، وبعد هذا التاريخ بعام ونصف أصدرت مشفيغ روايتها الثانية في يوليو ٢٠١٨ وهي “My Year of Rest and Relaxation”، ولكن النجاح هذه المرة كان على نطاق أوسع بكثير على عكس أعمالها السابقة.
فهذه الرواية بسبب حبكتها الغريبة والمختلفة -والتي أظهرت إبداع الكاتبة- جعلتها تحصد جمهورًا أكبر، وربما ذلك أيضًا بسبب نجاح أعمال الكاتبة السابقة مما جعل جمهورها يتهافت على ثاني رواياتها.
اقرأ أيضًا:
حبكة رواية عام للراحة والاسترخاء
تدور أحداث رواية عام للراحة والاسترخاء للكاتبة “أوتيسا مشفيغ” ما بين عاميّ 2000 و 2001 في مدينة نيويورك حول فتاة لم تسميها الكاتبة، ولربما يوجد هدف وراء ذلك، غالبًا لأن الأسماء تُعطي للإنسان هوية وهذا ما كانت تفتقر إليه بطلة الرواية.
فهي في مُفترق طرق في حياتها. وعلى الرغم من صِغر سنها، تواجه معضلة كبيرة حول قيمتها في الحياة وهدفها من الوجود، وبالطبع كل ذلك جزء من الاكتئاب الذي تعاني منه، والذي تُقرر التعامل معه بشكلٍ غير مألوف.
تُحاول البطلة التحايل على الألم والوقت، وهما أمران مترابطان بشكل وثيق، من خلال النوم لمدة سنة كاملة عن طريق أخذ بعض الأدوية والمهدئات التي تساعدها على ذلك. وتُسمي ذلك “عامها للنوم والاسترخاء”، فنُتابع كيف ستتمكن من تنفيذ هذا القرار وهل ستُفلح أساليبها في تنفيذ هذه الخطة أم لا.
مفهوم الهوية في رواية عام للراحة والاسترخاء
بطلة مشفيغ هي فتاة في العشرينات تعيش على ثروة ضخمة تركها لها والديها بعد وفاتهما، ولكن ليس هذا فقط ما يُعرف شخصيتها، هي أيضًا فتاة جميلة تشبه عارضات الأزياء في جمالها. وتُكرر ذكر هذا مرات ليست بقليلة.
خاصةً عندما تجتمع هي وصديقتها “ريفا” التي التقت بها أيام الجامعة، ولكن لا تذكر البطلة ذلك بصوت مسموع لريفا ولكن تذكره أثناء حديثها مع القارئ. فريفا لا تحتاج لأن يتم تذكيرها بهذه الحقيقة. وهي: أن صديقتها أجمل وأغنى وأكثر ثقافة -كما تدعي البطلة- ولباقة منها.
ولكن كل ذلك يلفت نظرنا لشيء ربما لم تنتبه إليه ريفا بالقدر الكافي. أن البطلة دائمًا ما تُقدر قيمتها بُناءً على أشياء لم تتعب كثيرًا في الحصول عليها، وفي الحقيقة هي أشياء ليس لها علاقة بالهوية الحقيقية للإنسان.
وهذا يدعم الفكرة الأساسية في رواية عام للراحة والاسترخاء وهي أن البطلة في مرحلة في حياتها فقدت فيها كل معنى للهوية وكل شيء يمكن لها أن تنتمي إليه أو أن يُعبر عنها خارج فقاعة “المال والجمال والحسب” التي تعيش داخلها.
وإذا كانت هذه الأشياء مهمة فهي لا تُنقذ البطلة من ظُلمة الاكتئاب ولا تستطيع فك عقدة الدائرة التي دخلتها ولم تستطع الخروج منها أو تجاهل وجودها بداخلها إلا من خلال لجوئها للنوم.
وربما عدم تسمية الكاتبة لبطلتها يدعم تلك النظرية وهي أنها في هذه المرحلة لا يمكن لنا -ولها هي أيضًا- تعريف ذاتها خارج هذه الأشياء التي ذكرناها.
ولكن مُعضلة الهوية متشعبة في هذه الرواية لتطول شخصيات أخرى أيضًا. فيمكننا بسهولة اكتشاف أن ريفا هي الـ “Alter ego” أو النسخة المغايرة لصديقتها.
مما يعني ببساطة أن هذه البطلة هي حلم بالنسبة للكثير من الرجال. فهي تحمل كل الصفات الكلاسيكية للـ “American Dream”.
بينما على الجانب الآخر نجد أنه إذا كانت ريفا جميلة، فبالطبع صديقتها أجمل منها. وإذا كانت أنيقة، بالتأكيد صديقتها أكثر أناقة منها. وإذا كانت ذكية أو تعمل وتكسب المال، بلا شك صديقتها أذكى وليست مضطرة حتى إلى العمل لكسب المال. وإذا كانت ريفا تحاول باستماتة الحفاظ على وزنها، ترى أن صديقتها لا تضطر حتى لذلك أيضًا.
ولا يوجد شيء يُثبت لنا صحة أي من هذه الأشياء سوى نظرة كل واحدة منهن لنفسها. وتصرفاتها التي تعطينا فكرة عامة عن كيف تُعِرف كل منهما نفسها.
مما يعطينا فكرة عامة عن أزمة ريفا مع هويتها هي الأخرى. ولكن على الرغم من ذلك نرى أن معرفة ريفا بهويتها ليست ضبابية كبطلتنا وأنها -على الرغم من النظرة الدونية التى تنظر بها أحيانًا لنفسها أثناء مقارنتها لنفسها بصديقتها- لديها إحساس بالذات يتفوق على إحساس صديقتها.
ولا نعلم بالضبط إذا كان ذلك يرجع إلى قضاء الاكتئاب على إحساس البطلة بذاتها أم أن تعاليها والفقاعة التي عاشت فيها طيلة حياتها قد قضوا على ذلك الجانب منها. ولكن المقارنة الخفية التي صنعتها الكاتبة تنم عن ذكاء وبراعة في الحكي وتوظيف الأفكار.
اقرأ ايضًا:
الألم والبلوتوقراطية
البلوتوقراطي هو الشخص الذي تنبع قوته من ثروته. وهذا التعريف مهم بالنسبة لجانب معين في الرواية. أن يُقرر المرء منا أن ينام لمدة عام كامل، هذا يعني تخليه بشكل كامل عن أي مهام أو مسؤوليات تتطلب كونه مُستيقظًا، أو بمعنى أدق، كونه في حالة من اليقظة.
وذلك لأن النوم الكثير من المُمكن أن يُفقد الشخص شعوره بالوقت وبكل شيء حوله بشكل عام. ويجعل الأمور تختلط عليه والتواريخ تتداخل فلا يهم كثيرًا ما هو اليوم أو ما هي الساعة. فكل ذلك لن يعني له شيء. (وهذا يتماشى مع فكرة اضطراب الهوية المُسيطرة على الرواية).
ونستنتج من ذلك التحليل أن مُتخذ هذا القرار شخص ليس لديه الكثير من المسؤوليات أو يستطيع التخلي عنها لفترة معينة من الزمن. وإذا كان هذا هو الحال، فبالطبع ذات الشخص ينتمي إلى طبقة اجتماعية تُوفر له حرية وميزة الاختيار. ومن هُنا تأتي قوة بطلتنا.
فكما قُلنا البطلة من عائلة ميسورة الحال مما مكنها من التفكير في ذلك القرار. ونقول هنا التفكير لأنه أن يفكر المرء في فكرة كهذه يعني إمكانية تحقيقها (ولكن ليس بشكل أكيد).
وبعد تفكيرها فيه تسعى بجدية لتحقيقه. وكما ينبع القرار من الاكتئاب الذي تمر به البطلة وفقدان الشعور بقيمتها الذاتية، تنبع القوة التي تتخذ بها هذا القرار من الثروة التي ورثتها عن والديها.
ونجد أن هذه الفكرة تتكرر كثيرًا علي مدار الرواية، وهي اعتماد البطلة بشكل كلي تقريبًا على تلك الثروة التي تدفعها للتمادي في تنفيذ خطتها وبحرية أكبر.
فتلك الثروة سوف تُمكنها من الامتناع عن العمل لمدة سنة كاملة مع القدرة على تسديد نفقات كل احتياجاتها الأساسية بدون أي متاعب، وهو امتياز يتوقف وجوده على عوامل كثيرة وعلى طبيعة حياة الفرد وتجتمع كل تلك العوامل في بطلة أوتيسا مشفيغ.
وفي الحقيقة لم تكن الكاتبة لتتمكن من تنفيذ حبكة روايتها إن لم تكن بطلتها تنتمي للطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها في الرواية، ثم نكتشف في الأحداث أن تلك الحقيقة لا تُشير إليها الكاتبة بشكل صريح في كل الأوقات، ولكن أحيانًا تبدو واضحة بشكل لا يمكن إنكاره من خلال علاقة شخصيات أخرى في الرواية بالبطلة مثل صديقتها “ريفا”، كما وضحنا في العنوان السابق.
فأثناء اضطرار ريفا -للعمل لشراء الملابس والزينة التي تحتاجها لملء الفراغ الداخلي الدائم داخلها ولتدعم موقفها في المقارنة المستمرة والقائمة بداخلها بينها وبين بطلة الرواية- تنام صديقتها معظم الوقت.
ولكن ربما الأمر لا ينبع من انتقاد لذلك المفهوم ولا يُعتبر كذلك تحيز له. ربما هو مجرد نظرة داخل حياة شخص تمكنه ظروفه وامتيازاته من التعامل مع ألمه بشكل غير مألوف -سواء كان صحيحًا أم خاطئًا أو واقعيًا أم خياليًا- لنرى من خلاله كيف يمكن أن يتحقق ذلك أو يُقابل بالفشل.
فالألم كما قُلنا شعور عالمي لا يُفرق بين من يقع في شباكه، ولكن ما يُفرقنا هو طريقتنا للتعامل مع هذا الألم. وهذا الاختلاف يأتي من تنوع العناصر البيئية والثقافية والاجتماعية والنفسية التي تتدخل وتُساهم في استراتيجية كل منا للتعامل مع مشاكله.
الوحدة وعلاقتها بإيذاء الذات
ترتبط الوحدة الناجمة عن الاكتئاب أو أي مشكلة نفسية أخرى -أحيانًا- بتصرفات وعادات سامة وربما أيضًا تصدر بدون وعي من قبل صاحبها، والبطلة بلا شك تمر بظروف ينطبق عليها هذا الوصف.
من الشخصيات التي تعرفنا عليها سابقًا هي شخصية “ريفا”. وأثناء القراءة سنلاحظ تأفف البطلة من تطفل ريفا المستمر، وسنلاحظ أيضًا اختلاف شخصياتهم بغض النظر عما تحملاه من عيوب أو مميزات.
ولكن على الرغم من ذلك نجدها أحيانًا تلوذ بذلك التطفل من وحدتها حتى إذا كان سلوك ريفا يؤذي البطلة بشكلٍ أو بآخر.
إن اختيار البطلة للوحدة المطلقة واكتفائها ببعض الزيارات للبقالة المجاورة لمنزلها كوسيلة وحيدة للتواصل الإنساني، لم يُفلح تمامًا في بعض الأحيان (وإن نجح في معظمها)، ولكنها لم تسعَ كذلك بقوة لتوسيع دائرة التواصل تلك.
ولكنها، كأي إنسان لديه غريزة للتواصل اللفظي والروحي مع من حوله من بشر، كانت تسعى لذلك التواصل بوعي منها وأحيانًا دون وعي.
من الشخصيات التي لم نتعرف عليها من قبل هي شخصية “تريفور”.. تريفور هو صديق البطلة السابق. وتخبرنا بعض التفاصيل عنه ولكن بطريقة ذكر الحقائق المتعلقة بتلك العلاقة. ونجد أنها تسرد تلك الحقائق بشكل يفترق إلى المشاعر، فهي فقط تذكر بعض المواقف التي تعطينا فكرة عامة عن شخصية تريفور وعن شخصيتها وهي برفقته. ويمكن للقارئ ربط ظروف تلك العلاقة بما وصلت إليه البطلة من حالة البلادة التي تسيطر عليها.
وعلى الرغم من كل تلك الحقائق والظروف، نجد البطلة تلوذ بتريفور من وحدتها وتحاول التواصل معه، كما يفعل أي شخص بدأ تدريجيًا بفقدان قدرته على التعرف على ذاته فيعود بذاكرته لكل ما هو مألوف بالنسبة له، ليحقن ذاته بجرعة مؤقتة من ذلك الشعور الذي سرعان ما يفقد قوته وتأثيره عندما يفيق صاحبه على الواقع.
وهذا الشيء المألوف ليس بالضرورة جيدًا أو سيئًا.ولكن في حالة البطلة، تخبطها المستمر خلال هذه الرحلة يجعلها تنطلق بلا هوادة في طريق تدمير الذات بالتعلق من الحين إلى الآخر بالألفة المميزة التي تجدها في حضن ريفا وتريفور.
تبدو رواية عام للراحة والاسترخاء في بداية قراءتك لها بسيطة في مضمونها وإن كان غريبًا، ولكن يتخفى بين سطورها الكثير والكثير من الموضوعات المختلفة التي تحتاج إلى فك شفرتها. حتى إن لم تنوِ الكاتبة إخفاء تلك الموضوعات، فإن هذا يدل على براعتها في عرض تلك المناقشات أمام القارئ وتوصيل الفكرة دون الاستفاضة والتطويل غير الضروري، ودون أن تحيد عن موضوع الرواية الأساسي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.