الرومانسية في روايات أحلام مستغانمي 💖 هل عاطفة حقيقة أم أفورة مفتعلة؟
8 د
روايات أحلام مستغانمي تقف في المنتصف
أحلام مُستغانمي في الأساس هي شاعرة، درست اللغة العربية عن حب، وأتقنت مداخلها ومخارجها فصارت طيّعة بين يديها، وأول ما كتبت كان ديوانًا شعريًا اسمه “على مرفأ الأيام“، كما أنّها تنتمي إلى أسرة مُناضلة، فأبوها محمد الشريف أحد قادات الثورة الجزائرية في الأربعينيات، والذي تمت ملاحقته واعتقاله من قبل قوات الأمن. هاتان المعلومتان الهامّتان سيُفسران لكل قارئ لأعمال أحلام ما سرّ علاقتها القوية باللغة، وما سر حديثها المتواصل عن الوطن، الجزائر.
فمن المعروف أنّ كتابات أحلام مستغانمي، تطغى فيها الشاعرة على الأديبة الروائية، في أحيانٍ كثيرة، فنتج عن ذلك في النهاية لغة شعرية جميلة، لا بد وأن يقرأها القارئ على مهل لأنها لُغويًا ليست بعبارت عادية وبسيطة، وإنّما هي عبارات مُلتفة على المعنى، وممزوجة بمعانٍ أخرى أكسبتها تفردًا، قد يراها البعض مُبالغًا فيها، بينما رآها الكثيرون كبصمةً خاصة لكتابات أحلام، ميّزتها عن الآخرين من الكُتّاب.
اقرأ أيضًا:
- الشهرة الكاذبة والتواضع الأدبي وغياب المخيلة
أحلام مستغانمي لا تُناسب جميع القرّاء
في رأيي أنّ أحلام مستغانمي ظُلمت مرتين، الأولى ظَلمها أولئك الذين اقتبسوا من رواياتها –خاصة في الثلاثية- مقتطفات وأقوال تحمل رومانسية جياشة -وهو الشيء الذي يُميز أسلوب أحلام- والتي حينما تم اقتطاعها من سياقها الأصلي، بدت مُبتذلة وفيها شبهة ادّعاء واضحة. ظلمها أولئك الذين يرون أنّ الرومانسية مادة ممتازة للضحك، وطريقة مُجرّبة لصنع “إفّيه” مثير للسخرية.
وظلمها أيضًا من قرأ رواياتها منتظرًا لأحداثٍ مثيرة تتسارع في الوقوع، أو ظنًا منه أنّ هذه الروايات تحمل قدرًا كبيرًا من التشويق، فأغلبها كما سنرى لاحقًا تحمل سيلًا جارفًا من تداعي الأفكار والذي يطغى على الأحداث المُفترض وقوعها في الرواية، وهي أفكار غارقة في بحر من العاطفة، لذا وباختصار، فإنّ روايات أحلام لا تصلح لسريعي الملل، والذين لا يهتمون بجمال الصورة البلاغية، ومرواغة الكلمات والإسهاب في الوصف والتدقيق، فهذا كله هو ما يُميز أسلوب أحلام مُستغانمي، والذي لن يروق لكل القرّاء بالطبع.
السؤال هنا: هل عاطفة أحلام مستغانمي صادقة بالفعل؟ أم أنّها مفتعلة لدرجة الابتذال؟ في رأيي أنّها صادقة تمامًا، وأنّها تحمل كل هذه المشاعر بداخلها كامرأة في الأساس، وما نقلته لنا على هيئة كتابات وأشعار، ما هو إلا بعضًا من روحها التي تُشبه كتابتها.
أفضل روايات أحلام مستغانمي
ربما لن تروق روايات أحلام مستغانمي وكتاباتها إلا لمن يُشبهها، فها هو الشاعر الكبير نزار قبّاني يمتدح في رواية ذاكرة الجسد ويقول باللفظ أنّها دوختّه، وأنّ ما كتبته يُشبهه هو نفسه بدرجة كبيرة. بالطبع لا يحتاج الأمر منك أن تكون شاعرًا كي تتذوق ما تكتبه أحلام، ولكن على الأقل يجب أن تكون ممن يتذوقون الشعر، فهذا هو الوصف الأقرب لكل كتابتها بما فيها الروايات ذاتها.
الثُلاثية
ضُمت هذه الروايات الثلاث معًا لأنهم في الحقيقة رواية واحدة طويلة مُقسّمة إلى ثلاثة أجزاء، يُمكننا القول إنّها أجزاء مُتصلة مُنفصلة، فهي مُتصلة في بعض الشخصيات والأحداث والأجواء، ولكنّ تُعدّ كل واحدة منهم رواية قائمة بذاتها، ويُمكنك أن تقرأ أيًا منها وتكتفي بها بدون أن تقرأ بقية الأجزاء، ولكن عليك أن تُراعي ترتيب صدور الروايات، فلا تقرأ فوضى الحواس قبل ذاكرة الجسد مثلًا، من أجل أن تتضح الصورة وتصير الأحداث في سياق زمنها الطبيعي.
بالنسبة لأحلام مستغانمي الأديبة التي أحدثت ثورة في الوطن العربي بأكمله من هنا بدأ كل شيء، من رواية ذاكرة الجسد تحديدًا، التي أحبها البعض بشدة، وكرهها البعض بشدة أيضًا. صدرت ذاكرة الجسد عام 1993، تلتها فوضى الحواس بأربعة سنوات عام 1997، وأخيرًا عابر سرير التي استغرقت وقتًا أطول حتى صدورها في عام 2003.
في ذاكرة الجسد، لا يُمكننا اختزال الرواية في قصة الحب المُستحيلة بين خالد بن طوبال الرسّام، وبطل الحرب الذي فقد ذراعه دفاعًا عن الجزائر، وحياة الفتاة الثائرة التي رأى فيها الوطن، وحلاوة الماضي بتفاصيله، وهي ابنة صديقه وقائده في الحرب، والذي يفصل بينهما 25 عامًا من الزمن، وهي المدة الكفيلة بأن تُميت أي مشاعر قد تنمو في قلب أحدهما.
“نحن لا نشفى من ذاكرتنا، ولهذا نحن نرسم، ولهذا نحن نكتب، ولهذا يموت بعضنا أيضًا”.
فالكتاب الذي يبلغ عدد صفحاته 404 صفحة، يُصوّر أكثر من قصة الحب هذه بالتأكيد، فالرواية تتحدث عن الجزائر كوطن، وعن فلسطين الثورية والتي يحمل همّها كل عربي أصيل، والرواية صالحة أيضًا لأن تكون وطن كل قارئ عربي مرّت بلاده بحروب وثورات وأوجاع. تتحدث فيها أحلام عن عن السياسة والسُلطة التي تفرض على المواطن أن يُحب ما يكرهه، وأن يُرغم على فعل ما لا يُريده، وبالطبع تتحدث عن الحب، الحب المُوجع الذي لا فرار منه، وعن الحيرة بين حبيب يحمل عُمر الوطن وتاريخه، وحبيب آخر فيه عنفوان الشباب الواعد بمفاجآت غير متوقعة.
تم تحويل الرواية إلى مسلسل عام 2010 وقام ببطولته كل من جمال سليمان وأمل بوشوشة، وتُرجمت الرواية نفسها إلى عدة لغات، وحصلت على جوائز عديدة أهمها جائزة نجيب محفوظ عام 1998 من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، واعتبرها العديد من النقاد من أهم روايات القرن.
أمّا في فوضى الحواس تنقلب الصورة ونجد أنّ المُتحدث هذه المرة هي امرأة، نظنها حياة، تتحدث عن “الرجل صاحب المعطف” الذي نظنه خالد، في تداخل بين ما حدث بينهما وما لم يحدث، وبين الحقيقة والخيال أيضًا. وكما برعت أحلام مستغانمي في تصوير ما يدور بعقل الرجل الشرقي وكيف يصيغ كلماته في ذاكرة الجسد، برعت أيضًا في تصوير مشاعر الأنثى العربية عندما تتحدث عن نفسها في فوضى الحواس.
وأخيرًا في عابر سرير تستخدم أحلام مستغانمي أبطالها السابقين جميعهم بذكاء، فنجد خالد وحياة وزياد، وزيان، وكاترين، ونجمة.. تتداخل الأحداث ونكتشف أنّ هناك أكثر من خالد بن طوبال، وأكثر من حياة، تُمسك أحلام بكل خيوط الروايات الثلاثة وتضمها معًا لتصنع تتمة فريدة للروايات الثلاثة.
نسيان.كوم
“يحظر بيعه للرجال”.. هذه كانت العبارة المكتوبة على الغلاف الخارجي لكتاب نسيان.كوم، وهي النصيحة الغالية، والساخرة بالطبع، التي تنصح بها أحلام قارئاتها من النساء بألا يُطلعن الرجال على الأسرار التي وُردت بهذا الكتاب، والذي يُعدّ مرجعًا هامًا لكل فتاة أو امرأة تُريد أن تنسى رجلًا، وهو -كما ترى أحلام- الأمر الذي يبدو سهلًا على أي رجل، وصعبًا على أي أُنثى، وذلك لأن المرأة بطبيعتها لا تنسى بسهولة.
“أحبّيه كما لم تحبّ امرأة، وانسيه كما ينسى الرجال”.
هذه هي الجملة المحورية التي يقوم عليها الكتاب، فالكتاب بمثابة دليل لكل امرأة عاشقة كي تتخطى تجربة أليمة مرّت بها. تقول أحلام عن دورها الذي تقوم به من خلال كتابة هذا الكتاب:
وتقول عن النسيان:
“أن تنسى شخصًا أحببته لسنواتٍ لا يعني أنّك محوته من ذاكرتك، أنت فقط غيّرت مكانه في الذاكرة”.
اللطيف في الأمر أنّ هناك الكثير ممن لم ترق لهم الثُلاثية، أو غلبه الملل فلم يستطع أن يُكمل قراءة الروايات الثلاث، ولكن نسيان .كوم راقت لهم بشدة، والأصح أن أقول لهنّ بشدة لأن أغلبهم من النساء.
الأسود يليق بكِ
عودة مجددًا لأدب الرواية، تعود أحلام مستغانمي برواية الأسود يليق بك التي اشتهر اسمها للغاية وصار دارجًا بين الناس كمجاملة لوصف أناقة من يرتدي اللون الأسود. هذه المرة بطلة الرواية مُطربة جزائرية أمها سورية، قُتل أبوها وأخوها على يد الإرهابيين، فلم تُغيّر الأسود من بعدهم، لفتت نظر رجل أعمال لبناني فاحش الثراء، أراد إبهارها، وفعل، أحبها وأحبته، ولكن مشكلته ككل رجل شرقي، أنّه أراد أن يمتلكها، وهو الشيء الذي أدرك فيما بعد أنّه لم يكن في صالحه.
الرواية أقصر بعض الشيء من الثلاثية أو حجم روايات أحلام مستغانمي المعتادة، وتم إصدارها عام 2012، وتميزت باللغة الراقية وبالاستعارات الجمالية التي تمتاز بها لغة أحلام، ومن جديد مزجت أحلام فيها السياسة بالعاطفة، وحملت فيها همّ الجزائر كوطن، ومعاناة المرأة الجزائرية.
شهيًا كفراق
مثلما كتبت أحلام مستغانمي عن النسيان في كتابها السابق نسيان.كوم، كتبت في شهيًّا كفراق عن الفراق، وذلك على شكل رسائل بينها وبين صديقتها كاميليا والتي قام على أساس قصتها كتاب نسيان.كوم. هذه الرسائل تحمل ذكريات خاصة بأحلام نفسها، وبشخصيات شهيرة جدًا عاصرتها مثل نزار قباني.
طال الكتاب بعض النقد حيث رأى البعض أنّ به الكثير من تفاصيل حياة أحلام الخاصة والتي طغت على فكرة الكتاب نفسه، كما أنّ به بعض الحشو غير المرغوب فيه، ولكن ربما كان هذا السبب تحديدًا هو مدعاة لمُحبي روايات أحلام مستغانمي لقراءة الكتاب، كي يتعرفوا على كل ما يخصّها كإنسانة وأديبة، من خلال هذه التفاصيل الشخصية الكثيرة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.