رواياتٌ سورية كتبت على صفيح ساخن: الياسمين أبيض مهما خانته الفصول!
12 د
من بلدٍ غير سورِيا ومن كلّ ياسمينة في بقاع الأرضِ: هُنا روايات سورية كتبت على صفيح ساخن، لتُهدى إلى كلّ السوريين. لقد قُدّر للأدب أن يكون سلاحًا في عزّ الحرب، وكُتِب له أن يقف جنبًا إلى جنبٍ مع إرادة الحياة، كما قدّر لكلّ سوريّ أن يكون لغير السّوري مدرسةً في الصبر والكفاح. أقول كما قال نزارٌ واصفًا الشام:
“ولا أستطيع أن أتذكرها، دون أن تحطّ على جدار ذاكرتي ألف حمامةٍ وتطير ألف حمامة”.
وأمضي.. نحو صياغة المقال.
اقرأ أيضًا:
ليست روايات سورية بل ذاكرة للوطن
في كلّ صفحة من صفحات الروايات السّورية القادمة ذاكرةُ وطنٍ، وهوية شعبٍ لطالما ألهم غيره من الشعوب. ليس الهدفُ أن يقف القارئ وقفة تضامن إنسانية، بقدر ما كانت الغاية أن يرسل أينما كان تحيّة إجلالٍ إلى هؤلاء المكافحين رغم ما في الكفاح من عناء. إليكم قائمةً ترشيحية لأبرز الروايات السّورية:
لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة
- اسم المؤلف: خالد خليفة
- تصنيف الكتاب: أدب روائي اجتماعيّ سياسيّ، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2013
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة العربية: دار العين للنشر
- عدد الصفحات: 269
- تقييم جودريدز: 2.94
- تقييم أمازون: 4
- الجوائز: جائزة نجيب محفوظ للأدب (2013)، القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية –البوكر– (2014)، الجائزة العالمية للرواية العربية (2014)
- ترجمات إلى لغات أخرى: اللغة الانجليزية، اللغة التركية، اللغة الإيطالية، اللغة الألمانية
- اقتباس مميز من الكتاب: “كم سيمضي وقتٌ طويل قبل أن تستعيد الحناجرُ الكسيرةُ قدرتها على الصّراخ”
نستهلّ قائمتنا الترشيحية لرواياتٍ سورية بهذه التي تنفي وجود السكاكين في المدينة، وأيّ مدينة؟ في حلب يكمن مسرح الأحداث، ويحكي قصّة استبداد سلطويّ شكّل ماضي هذه المدينة، ولم يظهر أثره إلّا في العقد الحاليّ من حاضرها. الحكاية عن الاستبداد والقهر وعن الثمن الغالي الذي يدفعه كلّ مجابه لمهووس بالحكم.
لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة تبدأ عام 1963 لحظة انقلاب حزب البعث وتوليه السلطة، وتتتّبع حياة عائلةٍ في كنف سنوات طويلة من الحرب الأهلية السورية، وانقسام أفراد الوطن تحت مسميات طائفية، وتشرح بوضوح كل التبعات التي يمكن أن تصيب أي رافضٍ للسلطة أو مشكوكٍ في أمره.
ينطلق خالد من سنة ميلاده، ومن مدينته، كأنما يقصّ سيرةً ذاتية خاصّة بالموازاة مع نكبة شعبٍ بأكمله، ويصور لنا مظاهر هذه النكبة في مواضع عدّة: سوسن جاسوسة الحزب التي تودي بالكثير من زميلاتها وعائلاتهم ثم تندم على ذلك، المعلمة هبة التي تم تجريدها من ثيابها أمام الملأ بسبب معارضتها للحزب الحاكم، الأم التي كانت يومًا مدرّسة مثقفة ثمّ انفصلت عن واقعها بعد صدمة عاطفية… وتتوالى الأمثلة التي تصف حجم الخراب الذي طال حلب وشوه معالمها وعاداتها بسبب فئة لا يهمها من الأمر شيئًا غير السلطة، ومع ذلك يستدرك فيقول بعظيم ثقة:
روح المدن العظيمة تُطارد مخربيها إلى قبورهم. – من رواية لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة
يخبرنا خالد بأنّ ما يحدث في هذا البلد المنكوب منذ أكثر من عشر سنواتٍ إنما هو امتداد لماضٍ مشابه: حلب اليوم نفسها حلب الأمس مع تغييرات طفيفة: بالأمس كانت الانتهاكات تقام سرًّا واليوم صار كلّ شيء مفضوحًا للعلن. الحلّ يكمن في عيش حياة موازية، هكذا يقول خالد. إذا كنت ذا عقل وتفكير، وكنت من الرافضين للوضع فما عليك سوى التجاهل، وإكمال حياتك بنمط منفصلٍ تمامًا عمّا يحدث في واقعك، حتى لا تفقد حياتك أو على الأقل حتى لا تفقد عقلك.
العائلة التي ابتلعت رجالها
- اسم المؤلفة: ديمة ونّوس
- تصنيف الكتاب: أدب روائي اجتماعي، سيرة ذاتية، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2020
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة العربية: دار الآداب
- عدد الصفحات: 182
- تقييم جودريدز: 3.65
- اقتباس مميز من الكتاب: ” لم تعد أمي تروي ذاكرتها البعبدة كما كانت تفعل، الذاكرة القريبة باتت هي حديثها اليوميّ”.
الغربة والانتظار الطويل هما الركيزة الأساسية لهذه الرواية، لكن ما الذي يجعل العائلة تبتلع رجالها؟ عنوان لافت يعطي للقارئ حكمًا مسبقًا بأنّ الكاتبة نسوية مثلًا. ديمة ونوس هنا في روايتها العائلة التي ابتلعت رجالها هي أبعد ما تكون عن النسوية؛ فالذاكرة والقضية كانا شغلها الشاغل، لكنّها تضمّن شيئًا من سيرتها الذاتية (أو ربما جلّها) عبر رواية ستّ نساء تفرقهن الأقدار عن وطنهنّ ورجالهنّ، ويذقن طعم الأسى والغربة ثمّ الموت في أقسى تجلياته.
تقصّ ديمة حكاية الانتقال الإجباريّ من دمشق إلى بيروت بعد اندلاع الثورة السورية، ثمّ لندن، أين تحاول الحفاظ على ذاكرة الوطن والعائلة من خلال حمل الكاميرا وتصوير أمها وهي تستذكر شيئًا من كلّ شيء. كما تركز على الأمراض والنكسات وجميع معاني الفقد التي رافقت النساء الأخريات: ماريان، شغف، هيلانا ونينار واللواتي كنّ بدورهنّ بطلاتٍ للرواية واللواتي اختزلن بما عانينه من غربة وظروف قاسية معاناة شعب بأكمله.
لا تتغاضى ديمة عن تضمين الرواية بتاريخ وطنها السياسيّ من خلال الإشارة بطريقة غير مباشرة إلى حياة أبيها المسرحيّ سعد الله ونوس ونضاله الطويل عبر المسرح، لتخرج بذلك من دائرتها الشخصية وسيرة عائلتها الذاتية إلى دائرةٍ أكثر اتّساعًا متسمة بالالتزام الأدبي نحو القضية.
لكن ما يعاب عمومًا في أسلوبها هو أنّ النسوة الستّ كنّ انعكاسًا لها، فكان هناك شبه كبير بينهنّ وتوسمن جميعًا بالشخصية ذاتها. على الكاتب في النهاية أن يحاول قدر المستطاع فصل ذاته عن شخصياته: للخيال دور مهمّ هنا.
القوقعة: يوميات متلصص
- اسم المؤلف: مصطفى خليفة
- تصنيف الكتاب: أدب السجون، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2007
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة العربية: دار الآداب
- عدد الصفحات: 165
- تقييم جودريدز: 4.32
- تقييم أمازون: 3.9
- ترجمات إلى لغات أخرى: اللغة الفرنسية، اللغة الانجليزية، اللغة الفرنسية، اللغة الألمانية، اللغة النرويجية، اللغة الإيطالية
- الجوائز: جائزة ابن رشد ببرلين (2015)
- اقتباس مميز من الكتاب: “دائمًا أشعر أنّ لهم عالمهم ولي عالمي، أو ليس لدي عالم أبدًا.. لكن قطعًا لا أنتمي لعالمهم”.
تعدّ هذه الرواية: القوقعة من بين أكثر الروايات السورية والعربية شهرةً في أدب السجون، وقد لاقت رواجًا واسعًا في جميع أنحاء العالم وتمّت ترجمتها إلى أكثر من عشر لغات.
القوقعة حيث يختلط الحابل بالنابل، وحيث يعاقب المرء على ذنب لم يقترفه. هي كذلك أشبه بسيرة ذاتية، يضمّن فيها مصطفى خليفة تجربته وتجربة صديقه ويصهرهما في شخص واحد يمثل بطل الرواية؛ فيحكي قصة الكاتب الذي عاد من فرنسا بعد تخرجه من تخصص الإخراج السينمائيّ بهدف خدمة وطنه في أوائل الثمانينات، لكن يلقى عليه القبض في المطار بتهمة الانتساب إلى جماعة إسلامية ويمضي 13 سنة في السّجن رغم أنّه مسيحيّ تارة وملحد تارةً أخرى كما جاء في الرواية، ولا علاقة له بهذه الجماعة لا من قريب ولا من بعيد.
هكذا بكلّ بساطة، تذهب سنوات البطل هباءً إثر تهمة لا تخصّه، ويتعرّض للاستجواب والتعذيب والتهميش. يتقوقع على ذاته بعد أن يجد صعوبة في الاندماج مع الآخرين ويكتفي بالملاحظة، ليصف لنا بدقة أجواء السجن وأوضاعه المزرية، مع كلّ ما يتعرض له هؤلاء المساجين السياسيين من تعذيب وتضييق. “أيّ عبقري هذا الذي أوجد فكرة السّجن؟” يتساءل. في السّجن ليس لديك خيارات كثيرة، فإمّا أن تموت من فرط التعذيب والأمراض المزمنة، أو أن تفقد عقلك. بل إنّ الموت في هذه الحالة كما يرى الكاتب أسهل الطرق نحو الخلاص والحرية.
ولعلّ “يوم الجريدة” هو أحد المقاطع المؤثرة جدًّا، التي تعكس حجم الحرمان الذي عانى منه هؤلاء، ومعالم تكون شخصيتهم الجديدة السقيمة في ربوع السجن. الحديث عن إحدى الجرائد التي قذفها الريح صدفة على قضبان السّجن:
أنظارُ جميع من في المهجع تعلّقت بهذه الجريدة… سمعت البعض يدعون ويبتهلون إلى الله أن يسقط الجريدة داخل المهجع، كما تمنى الجميعُ تمنيت أنا أيضا: منذ أن أصبحتُ في بلدي لم أر حرفًا واحدًا مطبوعًا.. الكثيرُ من الناس وقف منتصبًا، الكثيرُ أزاحوا من وجوههم القمشةَ التي التثموا بها، واحد من الواقفين تحت الشرفة نظر إلى النّاس وقال بصوتٍ مسموع: يا شباب، هرم؟… لم تستغرق عملية بناء الهرم البشريّ أكثر من عشر ثوانٍ تقريبًا، لكنها ثوان مرعبة، خانقةٌ للأنفاس من الممكن أن تكلّف العديد حياتهم، لكنّها مرت بسلامٍ وأصبح لدينا جريدة.
اقرأ أيضًا:
- أعمال أدبية دارت أحداثها في يوم واحد: منها مسرحية في انتظار جودو
بيت حُدد
- اسم المؤلف: فادي عزام
- تصنيف الكتاب: أدب روائي اجتماعي، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2017
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة الأصلية: دار الآداب
- عدد الصفحات: 463
- تقييم جودريدز: 4.10
- الجوائز: القائمة الطويلة لجائزة البوكر (2018)
- اقتباس مميز من الكتاب: “حياتِي محاولاتٌ لا تنتهي للشّفاء من القدر”.
“مزيجٌ هائل من الأحداث” هذا ما يصلح كوصف لرواية بيت حدد، مع كلّ ما تتضمنّه هذه الأحداث من تفاصيل شائقة، مرعبة، ومؤسفة في الآن ذاته. مسرحُ الرواية في دمشق، أمّا الإطار الزمنيّ فعند اندلاع الثورة السّورية في 2011.
يتقصّى الكاتب حياة شخصين: الأول هو الطبيب أنيس الذي يعود من لندن إلى وطنه ليبيع بيت حدد الدمشقيّ، فيربط من خلاله خيوط تاريخ سوري ضارب في القدم، ويجعل من صفقة البيع فرصةً للحديث عنه وعن عراقته، وفريسةً لكلّ من يحاول تشويه تاريخ البلاد ومعالمها، والسيطرة على ثوراتها.
أمّا الثاني فهو “فيديل/فُضيل” المخرج السينمائي القادم من الإمارات، الواقع في معضلةِ الهويّة والانتماء، والمتذبذب بين تنشئة والده الشيوعية المتأثرة بفيديل كاسترو، وتنشئة أخواله الملتزمين دينيًّا.
تجمع كليهما قصة حب مع ناشطة سياسية، وطبيبة، ويسترسل فادي في قصّ تقاطع طرق هؤلاء الأربعة مع أحداث الثورة السّورية، عبر الكثير من الاسهاب في نقل تفاصيل تنظيم الدولة الإسلامية، وتجاوزات النظام السّوري عبر المتاجرة بالأعضاء البشرية، وكلّ ما يرافق ذلك من شتاتٍ، ودماء لا يزال السوريون يتجرعون علقمها إلى يومنا هذا.
لقد جعل فادي من رواية بيت حدد وسيلة لبيان موقفه من النظام بطريقةٍ جدّ واضحة. قد لا يوافق الكثيرون على قضية اتخاذ الرواية كمنبر إعلاميّ، بقدر وجوب معالجتها بطريقة تشمل كلّ التصورات ووجهات النظر، لكنّها في النهاية تعبيرٌ صادق عن حقبة من الدّمار والخراب.
صيف مع العدو
- اسم المؤلف: شهلا العجيلي
- تصنيف الكتاب: أدب روائي تاريخي اجتماعي، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2018
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة الأصلية: منشورات ضفاف، منشورات مجاز، منشورات الاختلاف
- عدد الصفحات: 335
- تقييم جودريدز: 2.94
- الجوائز: القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (2019)
- اقتباس مميز من الكتاب: “لطالما أحببتُ الجسور؛ إنّها تجعل العودة خيارًا ممكنًَا مهما تأخر الوقت”.
“إلى الرقّة، كما ستبقى في ذاكرتي”: بهذا الإهداء تصدّر الكاتبة روايتها السّورية. هي إذًا محاولة لحفظ ذاكرة المدينة من الخراب وأكوام الرماد، بعد ما لحق بها من دمار إثر سيطرة القوات الإرهابية عليها وقصفها من قبل قوات التحالف. تقصّ لنا شهلا تاريخ المدينة عبر جيلين مختلفين، مع كلّ ما يرافق هذه السنوات الطويلة من تغيرات: المدينة التي كانت وجهةً لهارون الرشيد، وعاصمةً رديفةً لدولته، صارت وجهة للحرب والدماء.
تتوغل الكاتبة في الأحداث بصفة دائرية تبدأ فيها من النهاية لتنتقل بسلاسة نحو بداية الحديث، فتقصّ لنا مشاهد هروب السكان من المدينة بعد اشتداد القصف عليها، وتعالج موضوع اللجوء كما جاء على لسان البطلة لميس، واختلاف الثقافات بينها وبين صديقتها الألمانية مع كلّ التحديات التي تواجه لاجئًا ما في سبيل الاندماج في مجتمع غير مجتمعه والمضيّ في الحياة.
لا تخلو رواية صيف مع العدو من كثرة التفاصيل، والوصف النفسيّ لشخصياتٍ كثيرة مشتركة في المصير، كما لا تخلو من التشتت الذي يعالج قضايا كثيرة اجتماعية، وسياسية في آن واحد ممّا أفقد الرواية موضوعها الأساسيّ كما رأى معظم القراء. لكنّها في النهاية صوت حقيقة صادح باسم كلّ سكان المدينة وأهل البلد.
مشى الرتل برؤوس مطأطئة مثل قطيع خيولٍ باكية، لكن لا يسمع لها حمحمة ولا وقع حوافر. لا أحد يسأل أحدًا شيئًا ولم يودّع أحد المدينة، أو يلقي نظرةً أخيرةً على جثمانها المتهالك… نريدُ أن نصل إلى الجسر وبعد ذلك هناك وقتٌ طويلٌ لدموعنا وأحزاننا. – من رواية صيف مع العدو
اقرأ أيضًا:
نزوح مريم
- اسم المؤلف: محمود حسن الجاسم
- تصنيف الكتاب: أدب روائي اجتماعي، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2015
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة الأصلية: دار التنوير
- عدد الصفحات: 240
- تقييم جودريدز: 3.5
- الجوائز: القائمة الطويلة للرواية العربية (2016)
- اقتباس مميز من الكتاب: “ستعودين يا مريم بمفتاح البيت وتغتسلين بياسمين الوطن، لتدفني ذل النزوح والضياع”.
تأتي رواية نزوح مريم على شكل مذكرات أو يوميات تحكيها لها أمها سارة عن سوريا الحبّ والحرب. “الرقّة” من جديد مسرح أساسيّ للأحداث، والحديث عن مناكفات سياسية ولّدت جهات مسلحة كثيرة، وفتحت جبهات حرب كان الشعب هو الخاسر الوحيد فيها.
سارة فتاة مسيحية تزوجت بهاشم المسلم رغم رفض أهلها ثمّ انتقلا معًا إلى المدينة، لتنشب الحرب بعد ذلك. يسلط الكاتب الضوء على اختلاف الانتماءات الحزبية والدينية: هاشم كان مؤيّدًا للنظام، وأخوه بشير معارضًا له. هذا الاختلاف الذي يجسّد عقلية شعب كامل خاصةً مع بداية الأحداث. ماذا يحدث بعدها؟ يدفع كل منهما ثمن اختياره.
تتوالى المجريات بسرعة كبيرة، سارة لا تريد شيئًا سوى أن تحمي نفسها وابنتها من مآسي الحرب، وتبدأ رحلة النزوح في قوارب الموت، من سوريا إلى بيروت فتركيا ثمّ فرنسا. هل يختار الإنسان وطنه؟ لا، ولكنّه أيضًا لا يختار مغادرته إلا إذا كان مجبرًا. الرواية مثخنة بالبكاء والعويل، وهذا ما يحسب ضدّ كاتبها، لأنّ الأدب في النهاية تذكرة سفر مجانية للقارئ من غير البيئة التي كتب فيها. وصمةُ “عجز السّوري” لا يجب أن تتشكّل عند القرّاء غير السوريين، وهذا ما عززته الرواية بطريقة أو بأخرى. غير أنّ السوريّ كان ولا يزال المكافح رغم كلّ الظروف.
سماء قريبة من بيتنا
- اسم المؤلف: شهلا العجيلي
- تصنيف الكتاب: أدب روائي اجتماعي، روايات سورية
- تاريخ النشر الأصلي: 2015
- لغة النشر الأصلية: اللغة العربية
- دار نشر النسخة الأصلية: منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف، منشورات مجاز
- عدد الصفحات: 345
- تقييم جودريدز: 3.35
- الجوائز: القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية (2016)
- اقتباس مميز من الكتاب: “نسيتُ أنّني لاجئ! اللّاجئون لا يخضعون للتّقسيمات الطبقية التي تخصّ المجتمعات المستقرّة. هم بحدّ ذاتهم طبقة: اللّاجئ ثوريّ إلى أن يثبت العكس”.
كاتبة الرقة المميزة الدكتورة شهلا العجيلي تنتقل بنا في روايتها سماء قريبة من بيتنا هذه المرة إلى حلب، منتصف القرن العشرين لتروي لنا صورة هذه المدينة بمختلف مظاهرها الثقافية والسياسية قبل الحرب، بمقاهيها وجدرانها وصخبها الذي ينبض بالحياة. اللعنة على الحروب التي تفقد المدن جماليتها، هكذا ستقول وأنت تقرأ الرواية.
لكن المميز في الرواية، هو أنّ سوريا لم تكن المسرح الوحيد للأحداث: جمان بطلة الرواية، والدكتورة الجامعية تنتقل من حلب إلى الأردن حيث يوجد مخيم الزعتري للاجئين السوريين هناك، انتقال في جغرافية المكان، وفي الوضع كذلك من بؤرة للحرب إلى بؤرة للجوء.
تجيد شهلا اللعب على خرائط الأماكن والأزمنة، فتعود بنا سنوات إلى الوراء، إلى الحرب الأمريكية الفيتنامية، والعراق، وفلسطين لنتوهم للحظة بأنّ الرواية عالمية أكثر من أن تكون سورية. ثمّ تجمع بين ألمين غائرين، من خلال قصة الحب بين جمان السورية وناصر الفلسطينيّ وكلّ ما يرافق ذلك من مأساة.
في الفصل الثاني من روايتها، تقربنا شهلا أكثر إلى مرض السرطان الذي أصاب البطلة جمان، وما يمكن أن يعانيه صاحبه من ألم. الحقيقة أنّ سرطان جمان كان سرطان بلدٍ بأكمله، لكلٍّ أسبابه، ولكلٍّ نتائجه المودية إلى الخسران.
ختامًا..
إنّ القصص الإنسانية هي تمامًا كقطع فسيفساء ترسم الوعي، وتحفظ الذاكرة. ولعلّ هذا المقال عن رواياتٍ سورية كتبت على صفيح ساخن هو إحدى المحاولات المتواضعة للمساهمة في ذلك.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.