الروايات المترجمة … طازجة كما قدّمها الكاتب الأصلي أم محترقة؟
هذا الأمر يتّضح بأوفى صوره في الرواية، فتجد لكل كاتبٍ أو قاصٍّ أسلوبه الذي يتميز به، مهاراته اللغوية التي ينسج بها وتتميز بها أعماله، فنيّاته الخاصة التي تعطي للعمل شكله النهائي.
أيضاً من الأكيد أن للغة والثقافة المكانيّة بصمات في الرواية، وأن الأعمال المقروءة بلغاتها الأصليّة تطغى على نسخها المترجمة إلى لغاتٍ أخرى، ومع الانفتاح الأدبي وترجمة الروايات من اللغات المختلفة إلى اللغة العربيّة, يتبادر السؤال..
هل يبقى العمل المترجم بذات قوّة العمل الأصلي أم أنه يفقد مذاقه المتميّز؟
هل يصلنا طازجاً شهيّاً كما قدّمه الكاتب.. أم أن الترجمة تتسبب باحتراقه؟
المعلوم أنه منذ بزوغ فجر الرواية بأول عملٍ روائيٍ كاملٍ عرفه البشريّة، وهي روايةً “الحمار الذهبي” لكاتبها “لوكيوس أبوليوس”، لم تتوقف الأقلام عن الكتابة في هذا المجال.. ولم يخل هذا العالم في أي فترة زمنيّة من وجود رواةٍ كبار تخطّت أعمالهم حدود اللغة لتتمّ ترجمتها للغاتٍ أخرى، وقد غزت العالم العربي سيولٌ من الروايات المترجمة لكتّابٍ من شتّى أنحاء المعمورة، تركوا بصمتهم لدى القارئ العربي.
لن أناقش في هذا المقال الترجمة الأدبيّة من نواحيها العلميّة، بل سأضرب المثل ببعض الأعمال المترجمة، والتي وصلتنا طازجةً شهيّة, ويقدّم كلٌ منها حالةً خاصّة.
رواية عالم صوفي
هي رواية للكاتب النرويجي جوستاين غاردر المولود في عام 1952، والذي يعد من أبرز ما قدّم الأدب الإسكندنافي على مرّ الزمان، هذه الرواية قدّمت كاتبها للعالم، فترجمت لأكثر من خمسين لغة، وذاع صيتها عالمياً.
تحكي الرواية قصّة صوفي.. الفتاة التي تعيش حياةً عادية كسائر أقرانها، قبل أن تبدأ بالغوص في أسئلة فلسفية تحيل حياتها الهادئة إلى بحرٍ مضطربٍ، وتقدّم لها عالماً جديداً غير الذي اعتادته.
يقدم هذا العمل سرداً لتاريخ الفلسفة بتفاصيلٍ كثيرة، تشعر القارئ له في بعض الأحيان بصعوبة هضم كمّ المعلومات الهائل في ما يفترض أنّه رواية، فتتحول الرواية في بعضها صفحاتها إلى سردٍ مطولٍ عن شخوص فلسفيّة متعددة قد تقود القارئ لمرحلةٍ من الارتباك.
رغم ذلك تبرز “عالم صوفي” كنوع متميّز من الأعمال التي اعطت ترجمتها فرصةً للقارئ العربي كي يطّلع عليها، وهي الأعمال الروائيّة التي تبنى على أساسٍ علميٍّ متين وتستخدم المعرفة لبناء القصّة، وهو أسلوب كتابةٍ معاصر يتبنّاه الكثير من الكتّاب الغربيين واليابانيين.
وحديثاً.. صار للرواية العربية فيه حظٌ وافر، مع كتّابٍ متقنين من أبرزهم الكاتب المصري د.يوسف زيدان.
رواية مزرعة الحيوان
لكاتبها جورج أوريل، هي أحدى روائع الأدب العالمي، بما تحمله من معانٍ عميقة استطاع الكاتب أن يوصلها للقراء، فبعد اصدارها في عام 1945 بيع من هذه الرواية ما يزيد عن مليوني نسخة، لتكتسب شهرةً واسعة, ممّا استدعى ترجمتها بلغاتٍ عديدة.. وحتى بعد ترجمتها، لم تفقد مضمونها ومعانيها القويّة باختلاف الإسقاطات التي اسقطت عليها الرواية.
يحكي أوريل عن مزرعة مانور التي تعيش فيها الحيوانات المختلفة تحت وصايةٍ بشريّة من مستر جونز صاحب المزرعة، تعمل لديه وتنال نصيبها المحدود من الطّعام، لكن الحيوانات أرادت حقوقها التي رأت بأنها مسلوبة، فاجتمعت يوماً وقررت أن تثور على الظلم البشري لها هاتفةً بأعلى صوت: ” ذوات الأربع اخيار، وذوات الاثنان أشرار”.
لكن مع مرور الوقت تكتشف الحيوانات أن الثورة لم تكن كما أرادت لها وأنها تساق إلى غير الدرب الذي خططت له.
تنعكس شخصيّة أوريل جليّاً في هذا العمل، فهو الإشتراكي محب الديموقراطية الذي تنقّل بين بلدان كثيرة، وخاض حروباً عدّة منها مشاركته في الحرب العالميّة الثانية.
وجهٌ آخر جديد قدّمته هذه الرواية للقارئ العربي.. فشخوص “مزرعة الحيوانات” ليست إلّا خنازير وأحصنة وكلاب وطيور وخراف وغيرها من الحيوانات، ممّا يوحي بأنها قصّة أطفال، لكن عند قراءة هذه الرواية ستتبدل هذه الفكرة، لأن الكاتب نجح في إشعال نار رواية رائعة من مستصغر الشرر!
رواية الخيميائي
رائعة باولو كويلو الأميز، والتي لقيت النجاح الأكبر بين كلّ مؤلفاته، واستحقت كل الإشادة من قارئيها بالعربيّة.
روايات باولو كويلو جميعها وخاصةً “الخيميائي” تبدو أقرب لأن تكون كتب تنمية بشرية، فهي تعطي دفعة معنوية وروحية, إضافةً إلى أنها تغوص في أعماق النفس البشرية محاولةً إخراج الطاقات الكامنة في الإنسان.
تتحدّث القصة عن الراعي العجوز الذي رأى في منامه أن هناك كنزاً ينتظره في مصر، وأن عليه أن يصل إليه ويحقق أسطورته الشخصيّة، وفي سبيل ذلك يمرّ بالكثير من الأحداث والمواقف التي تحمل الكثير من الدروس.
تقدّم هذه الرواية وجهاً جديداً للقرّاء العرب، فهي كما ذكرت تجمع بين كونها رواية وقصّة روحية، وحتّى كتاب تنمية بشريّة.
رواية مئة عام من العزلة
قصّة خياليّة أخرى من أدب أمريكة اللاتينيّة، هي رواية للكاتب الكولومبّي جابريال جارسيا ماركيز، كتبها في عام 1965 وطبع منها عشرات الملايين من النسخ وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة.
يحكي الكاتب عن القرية الخياليّة ماكوندو، من خلال سيرة عائلة بوينديا التي يسردها لنا في ستّة أجيال. حازت مئة عام من العزلة الكثير من التقدير في كل أنحاء العالم، حتّى أن جريدة نيويورك تايمز الأمريكيّة قالت أنها أحد كتابين يجب على كل البشريّة أن تقرأها!
رغم ذلك لم تنج الرواية من الانتقادات، حيث قال عنها الروائي البريطاني أنطوني بوويل “أنها من أسوأ الأعمال المتوسطة المبالغ في تقدير شخصيّتها”.
كتب جابيتو روايته بلغةٍ ساحرة أضافت الكثير لها، ممّا دفع بعض النّقاد بالقول بأن النسخ المترجمة إلى اللغات المختلفة لم تقدّم نفس الإبداع اللغوي الذي كتب به ماركيز. مع ذلك لاقت نجاحاً هائلاً، وكان لها تأثير كبير حتّى على القارئ العربي.
رواية قواعد العشق الأربعون
تقول إلياف شفق الروائيّة التركية وصاحبة رواية قواعد العشق الأربعون “إنّ النساء هن أعظم من يروي القصص، لم انشأ في أسرة تقليدية ذات نظام أبوي ، وذلك جعلني أكثر استقلالية وأتاح لي فرصة القيام بأشياء كثيرة ربما منعت منها مثيلاتي ممن عاشوا تحت سلطة الاب”.
تكتب إلياف باللغتين التركيّة والإنجليزيّة وهذا أعطى لها ولأعمالها عمقاً أكبر، واستطاعت أن تقدّم أعمالها ببصمةٍ خاصة لا تقارن بأحد.
تعود الروائية التركية إلى مناخات التصوّف، وتحديداً إلى القرن الثالث عشر حيث تقتفي أثر شمس الدين التبريزي والعلاقة التي ربطته بجلال الدين الرومي.
قواعد العشق الأربعون هي محاولة لترميم عطب عالمنا المعاصر عبر الدراويش. يمكن استخراج الكثير من الاقتباسات من هذه الرواية، فهي ملئى بالحكم, من ابرزها عبارة انتهت بها الرواية على لسان شمس الدين التبريزي حين يقول ” يصبح الكون مختلفاً، حينما تعشق النّار الماء”.
تنوّعت الأراء حول هذه الرواية المثيرة للجد بين الانتقاد والإشادة لكنّها في النهاية تبقى أحدى جواهر الأدب العالمي الذي قدّمته الترجمة إلينا.
رواية تلك العتمة الباهرة
رواية فرنسيّة لكاتب من أصول مغربيّة هو الطّاهر بن جلّون, المولود بفاس المغربيّة – 1944، تعتبر هذه الرواية من أبرز ما كُتب في أدب السجون، لأنها تتناول الحياة داخل السجن من جانب نفسي, وتشرح العلاقات المختلفة بين السّجناء. الرواية التي كتبت بلغةٍ قويّة، مستلهمة من شهادة عزيز بنبين أحد المعتلقين السّابقين في معتقل تزمامارت, والذي قضى 20 تقريباً في المحبس، منها 18 عاماً في تزمامارت.
رغم نيلها جائزة إمباك العالمية للأدب.. لم تنج هذه الرواية من سياط الانتقادات لكاتبها الذي يعتبره البعض منسلخاً من عبائته العربية, حيث انتقدته جهات عديدة لسكوته إبّان مدة التعذيب التي تعرّض لها المعتقلون في تزمامارت.
هذا العمل هو بوابة تدخلك لأعمال جيل من الكتّاب العرب الذين يكتبون بلغات أخرى، وينبغى هنا الإشادة بترجمة النّسخة العربيّة من هذه الرواية التي ترجمت بشكلٍ يمكن معه تخيّل أن النسخة المترجمة العربية هي الأصل, حيث نجح بسّام حجّار -مترجم الرّواية- في أن يحتوي الابداع اللغوي للطّاهر بن جلّون.
في النهاية.. الأكيد أن هناك أعمال أخرى في تاريخ الأدب المترجم إلى اللغة العربيّة تستحق الذكر، لكنّي اخترت مجموعة اعمال متنوعّة قدّمتها لنا الترجمة وهي ناضجة بدون أن تحترق, وكأننا نستقبلها من فرن الكاتب مباشرةً.
وأنتم.. ما هي أبرز الروايات المترجمة للعربية التي قرأتموها؟
اقرأ ايضــاً لمدونين ضيوف : إبدأ مشروعك على الإنترنت دون مبرمج! – الجزء الأول
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
أتفق معك .. صدمتني الرواية من أول فصل قررت أن لا أكملها ولكن بسبب ما سمعته عنها كنت أتابع على أمل أن أجد نهاية مختلفة ولكن !!!!!
أتفق معك .. صدمتني الرواية من أول فصل قررت أن لا أكملها ولكن بسبب ما سمعته عنها كنت أتابع على أمل أن أجد نهاية مختلفة ولكن !!!!!
أعجبتني “مزرعة الحيوان ” جدااااا ،، أكثر من رائعه *_*
و”عالم صوفي ” خرافيه وبتوصل المعلومه بطريقه حلوه جدا بعيدا عن بعض معتقدات الكاتب
الخيميائي تحكي عن قصة راعي شاب وليس عجوز
في الحقيقه لم تعجبني رواية الخيميائي ممله .. كأنها قصة رسوم أطفال :/
عند ترجمة اى رواية يقع المترجم بين اختيارين اما ان ينقل اللغة حرفيا وفى هذة الحالة يصبح الاسلوب ركيكا او يفهم الرواية ويضعها فى قالب عربى جيد وفى هذة الحاله يحرم القارئ من معرفة expressionsجديدة خاصة باللغة
مجدولين تحت ظلال الزيزفون للمنفلوطي من أجمل ما قرأت
حد معاه رواية كفارة رجاء الرد سريع
مما صادفني أعتبر ان هذا من أكثر المقالات التي تعني بعرض الأدب تشويقا .. قرأت المجموعة كاملة عدا رواية الطاهر بن جلون لم يعجبني أبدا في روايته ان ترحل و لا اظن لدي شجاعة مطالعته مجددا .. بخصوص مئة عام من العزلة اعتبرها مرهقة إلي حد ما و قد تفقد حلقات من التواصل بين أجيالها أن تركت الرواية لعدة ايام .. لتداخل و صعوبة أسماء شخوص الرواية ..
علي العكس تماما .. قد تكون الرواية متعبة من ناحية التجربة لكنها لا تخلو مطلقا من الدلالات التحفيزية المباشرة و التي يمكن ان يستفاد منها واقعا إنها بالفعل تمنح المرء دفعة من الأمل و رغبة في العمل عشت علي وقعا أيام عديدة !!
علي العكس تماما .. قد تكون الرواية متعبة من ناحية التجربة لكنها لا تخلو مطلقا من الدلالات التحفيزية المباشرة و التي يمكن ان يستفاد منها واقعا إنها بالفعل تمنح المرء دفعة من الأمل و رغبة في العمل عشت علي وقعا أيام عديدة !!
هناك رواية جين ايير للكاتبة شارلوت برونتي من الروايات الرائعة المليئة بالعبر والتي لم يصل الينا منها سوى جزء صغير للاسف …
قرأت ترجمة لرواية هاينلان المشهورة stranger in a strange land و كانت الترجمة و الاختصار و الحذف الفظيع
تحولت من قصة رائعة الى قمامة مثل انك حصلت على لوحة الموناليزا و لكنك قمت بحذف الأبتسامة
http://www.booksstream.net/download.html?did=42
http://www.booksstream.net/download.html?did=42
ممكن اعرف القي رواية.. مزرعة الحيوان عجبتني كثير لفتات الانتبه ديالي ربما الى انها تحاكي الواقع العربي الان هل هي مجودة فالاسواق العربية او على الانترنيت بليز ساعدوني
نسيت يا صديقي أعمال الروائي الروسي ( دوستويفسكي ) التي ترجم معظمها الدكتور سامي الدروبي وبالاخص رواية (( الجريمة والعقاب )) و (( الأخوة كارامازوف )) وغيرها التي تعتبر من أجمل ما كُتب في الأدب العالمي .
لا شك أن الترجمة تفقد الرواية الأصلية جزء منها. لكن لا خيار أمام معظم القراء العرب غير الترجمات. فلا يمكن الإلمام باللغات مثل الاسبانية و الروسية و الفرنسية و والانجليزية جميعها باحترافية تجعلنا نستمتع بالرواية بلغتها الأصلية. و لكن من حسن حظنا كعرب أن لغتنا مرنة و ثريّة بالألفاظ و المصطلحات الأدبية التي “قد” تضيف الى بعض الأعمال الأدبية المترجمة. خصوصا اذا كانت على أيدي عظماء أمثال الراحل جبران خليل جبران و الأستاذ يوسف زيدان.
أخيرا أستغرب جدا ممن يقرأ مثلا رواية مائة عام من العزلة بالترجمة الانجليزية و يترك الترجمة العربية ليس لشيء إلا لتقليله من شأن لغتنا العربية.
أتفق معك بالنسبة للخيميائي
أتفق معك بالنسبة للخيميائي
لا أتفق معك على الخيميائي ابدا كانت من اسوء ما قرأت عالميا وعربيا بل لا تستحق حتى الوقت الذي اعطيتها إياه
غير ذلك جميل
وهي بالفعل كنز 🙂
وهي بالفعل كنز 🙂
بعد قراءة المقال كسبت عدوا جديدا هو الروائي البريطاني أنطوني بوويل…
بدأت فى عالم صوفى
كان سيفوتنى الكثير لو كنت عشت بدون قراءتها
احس كأنى عثرت على كنز
لايوجد رواية على الكرة الارضية بروعة مائة عام من العزلة أسلوب ماركيز الساخر في الكتابة لايستطيع أحد ان يضاهيه حتى عندما يترجم تبقى البلاغة موجودة بقوة مهما كان المترجم سيئا
روايات رائعة الوحيدة التي لم أقرأها هي قواعد العشق الأربعون
ولكن الروايات القديمة يكون لها أكثر من نسخة مترجمة البعض منها رائع و الآخر مقرف بكل ما للكلمة من معنى حدث ذلك معي برواية الجريمة و العقاب
و للأسف النسخة القديمة من الترجمة دائماً ماتكون أفضل